الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوحدة العربية في زمن العولمة

محمد علي سليمان
قاص وباحث من سوريا

2020 / 11 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


في جريدة السفير العدد 11440 / 2009 قال سمير كرم " حتى وإن بدا إننا نحلم الآن فإننا لن نستطيع أن نحقق شيئاً ونحتفظ به ونحافظ عليه، بما في ذلك الحرية والاستقلال والديمقراطية والتقدم ودورنا في الحضارة الإنسانية، إلا في وجود الوحدة العربية ". وهو بذلك يتفق مع مفكرين كثيرين، مثل المفكر الياس مرقص الذي يقول عن نفسه في محاضرة نشرت في مجلة الواقع 1981" شخصياً، أنا أعتبر نفسي ماركسياً ناصرياً ". يعتبر هو أيضاً في كتاب " حوارات غير منشورة ": " أن الوحدة العربية ضرورية في عصر الإمبريالية "، ويتابع في كتاب " موضوعات إلى مؤتمر اشتراكي عربي ": وهي " ليست من متطلبات سير تطور الرأسمالية العربية، بل هي من متطلبات الوجود القومي والمستقبل القومي للشعب العربي "، وإنها " من متطلبات الاشتراكية ". و" إن المنطق الثوري يعتبر أن الوحدة هي البداية الضرورية لحل المشاكل الداخلية أيضاً، فضلاً عن أنها الضمانة لاستمرار المد العربي الثوري ". ويوافقه ياسين الحافظ على أن الاشتراكية هي طريق الوحدة في مقاله " الطريق الاشتراكي إلى الوحدة ". ويؤكد ياسين الحافظ في كتابه " في المسألة القومية الديمقراطية ": " إن طريق الوحدة العربية هو عينه طريق المستقبل العربي. وبعبارة أخرى، إن تقدم العرب على صعيد الوعي، وبالتالي تقدمهم على صعيد تغيير بنى المجتمع العربي، لابد من أن يترجم على الصعيد الوحدوي.. وبالتالي فإن طريق الوحدة مرتبط أوثق ارتباط بنمو الوعي العربي، لا الوعي بصورته الوحدوية، بل الوعي بمعناه الشمولي، أي كرؤية صاحية للواقع العربي الراهن مربوطاً بجذوره التاريخية ".
لقد كانت الوحدة العربية من شعارات التيارات القومية التي حاربت للتحرر من السلطنة العثمانية أو من الاستعمار الأوروبي، وحتى في العهود الوطنية لخلق الدولة القومية. ويمكن القول إن الوحدة العربية لم تكن غائبة عن فكر القوى الأخرى: قوى اليسار الإسلامي الذي يرى أن الوحدة الإسلامية يمكن أن تضم الوحدة العربية كمرحلة أولى، والقوى الماركسية التي رفضت الوحدة من أجل الأممية ثم عادت بعد صراع مرير مع التيارات القومية إلى تبني الوحدة العربية أيضاً كمقدمة للوحدة الأممية. وأصبحت المطالبة بالوحدة العربية ضرورة في عصر العولمة التي حولت العالم إلى " قرية كونية "، وهمشت التجمعات الصغيرة حتى أن أوروبا أخذت تبحث عن الوحدة الأوروبية في مواجهة قوة العولمة. وهذه العولمة تقف في وجه كل محاولة قومية_ وحدة، يمكن أن تشكل قوة معتبرة، كالوحدة العربية، في وجه تلك العولمة. بل إن إدوار سعيد لاحظ في كتابه " الثقافة والإمبريالية ": " الآن يدخل الإرهاب والبربرية، كما يدخل خبراء الاستعمار السابقون من الذين كانت رسالتهم التي روج لها إعلامياً ترويجاً جيداً: هي أن هذه الشعوب المستعمرة لا تستحق سوى الاستعمار، أو أننا، ما دمنا كنا حمقى إذ انسحبنا من عدن والجزائر والهند والهند الصينية وكل مكان آخر، فقد تكون فكرة حسنة أن نغزو هذه البقاع ثانية ". ويمكن القول إن علاقة الإمبريالية مع القوميات غير المنجزة بسبب تلك الإمبريالية من جهة، وبسبب بورجوازية تلك القوميات من جهة أخرى، ذلك أنه كما يقول لوكاتش في كتاب " الرواية التاريخية ": " إنه لفي طبيعة أية ثورة بورجوازية، إذا ما سارت سيراً جاداً حتى نهايتها، أن تصبح الفكرة القومية ملك أوسع الجماهير ". لكن الفكرة القومية في البلاد المتخلفة، لأن الثورة البورجوازية لم تصل إلى نهايتها، بقيت أسيرة النخب الحاكمة، واستخدمت، بشكل أو بآخر، للاستهلاك الشعبي.
والمفكرون العرب، بعد الاتحاد الأوروبي، أصبحوا يطالبون بالاتحاد العربي، وأمامهم مثال تحقق على أرض الواقع في أوروبا، دون أن يلغي وجود الدول الأوروبية ككيانات إقليمية. لكن، وفي ظل سيطرة الدولة القطرية التي تحاول قومنة نفسها، لا يطرحون طرق تحقيق هذه الوحدة العربية بل يطالبون بها على طريقة استحضار الأرواح، وهذا ما فعله سمير كرم في مقاله في جريدة السفير، هذا ما يفعله كل المفكرين العرب عند المطالبة بتحقيق قضايا النهضة العربية، ذلك إنهم يسعون خلف تلك القضايا على طريقة استحضار الأرواح، وليس عبر قوى اجتماعية تملك، ولو الحد الأدنى، من الإيمان الفعلي بقضية الوحدة. أن الوحدة العربية هي من أهم قضايا النهضة العربية، ليس فقط، من خلال علاقتها بالسوق العربية المشتركة، بل ومن خلال القدرة على مواجهة القوى الإمبريالية التي سعت، وتسعى إلى تفكيك القومية العربية لتبقى تحت السيطرة من أجل استغلال ثرواتها الطبيعية، ولم يكن زرع إسرائيل ككيان مصطنع في قلب الأمة العربية سوى للقيام بهذا الدور: دور مركز متقدم لإبقاء العالم العربي متخلفاً يدور في الفلك الإمبريالي. معروف أن القوى الاجتماعية العربية، ولو عبر مثقفيها العضويين، لم تساهم، ولو من الناحية الفكرية، في تحقق وعي أهمية الوحدة العربية لتقدم العالم العربي على طريق التحديث، رغم التاريخ المشترك والثقافة المشتركة واللغة المشتركة. كما أن القوى السياسية العربية لم تستطع أن تحافظ على تلك الفرصة التاريخية التي تحققت عبر الوحدة مصر وسوريا، وكان أن فشلت محاولة عبد الناصر لقيام الوحدة مع سوريا، كما فشلت كل الاتفاقات القطرية للوحدة بين قطرين أو أكثر أو حتى للتعاون الاقتصادي بين الأقطار العربية. ورغم ذلك ما زال المفكرون العرب التقدميون يراهنون على الوحدة السياسية ويعتبر أحمد عبد الحميد شرف (شيوعي مصري) في مجلة عشتروت العدد 47، 48 / 2009 أن " الحملة الحقيقيين للواء الوحدة العربية هم من الاشتراكيين والشيوعيين واليساريين العرب ابتداء من موقف يسار الوسط حتى الموقف الشيوعي ". ولقد كان الياس مرقص يعتبر أن الوحدة فعل تقدمي، وكل وحدة برأيه هي فعل تقدمي. وكان يرى أنه " من العبث أن نتصور أنه سيكون بإمكاننا أن نهزم أيديولوجيا المجتمع التقليدي، شعبياً وتاريخياً، بدون الوحدة العربية ". لكن من المعروف تاريخياً أن موقف الأحزاب العربية الشيوعية من القومية العربية، ومن الوحدة العربية كان موقفاً متأرجحاً بين السلب والايجاب، وقد تأخروا حتى وعوا أهمية الوحدة العربية، ويمكن أن نأخذ موقف الحزب الشيوعي اللبناني، كمثال على موقف تلك الأحزاب، فالحزب الشيوعي من الأحزاب الشيوعية القلقلة، وربما الوحيد الذي قام بمراجعة جذرية، ونقد ذاتي جذري في مؤتمره الثاني 1968، ومما جاء في تقرير المؤتمر " أنه تم استصغار وإهمال القضايا القومية، وعدم فهمها بشكل موضوعي، لمرحلة طويلة، وعدم رؤية طبيعتها الثورية. وكان ذلك ناتجاً في النظرة الخاطئة، النظرة من الخارج، إلى القضايا القومية، واعتبارها قضية البورجوازية وحدها، كأنما العمال والفلاحون والجماهير الشعبية لا تتحسس بالمشاعر القومية، ولا تحركها القضية القومية.. والانتقاد الذاتي الذي نقوم به تجاه موقفنا من هذه القضية يتركز لا على عدم موقفنا مع مواقف الأحزاب البورجوازية، بقدر ما يتركز على عدم صياغتنا لموقف خاص للحزب الشيوعي ". ويعترف التقرير بالموقف الصحيح المبدئي للحزب الشيوعي اللبناني من الوحدة العربية في 1956، ولكن تغير موقفه من جديد نحو اليسارية الانعزالية مع قيام الوحدة بين سوريا ومصر، وقد كان هناك اتجاهان من الوحدة: الأول اتجاه رجعي كان يعطي للوحدة طابع السيطرة والالحاق، والثاني هو الاتجاه الوطني الوحدوي " وكان خطأنا إننا مزجنا بين هذين الاتجاهين لنستخلص اتجاهاً سلبياً عن الوحدة.. وانسجاماً مع هذا الخط الفظيع أيدنا الانفصال المجرم الذي وقع في 28 أيلول 1962، والذي قامت به القوى اليمينية في سوريا مدعومة من الرجعية الأردنية والدوائر الاستعمارية ".
كثير من المفكرين كتبوا عن أهمية الوحدة، وكانوا على توافق مع رأي المفكر الياس مرقص بأنه " ليس هناك أمل في تحقيق الاشتراكية في الأقطار العربية بدون الوحدة العربية "، لكن من أهم الأطروحات العربية لتحقيق الوحدة العربية أطروحة الدكتور نديم البيطار حول الإقليم _ القاعدة الذي تنطلق الوحدة العربية منه، ويعتبر إن الإقليم _ القاعدة هو القطر المصري. ودور مصر كإقليم _ قاعدة يكاد يجمع عليه المفكرون العرب: ساطع الحصري كتب " لقد زودت الطبيعة مصر بكل الصفات والمزايا التي تحتم عليها أن تقوم بواجب الزعامة والقيادة في إنهاض القومية العربية ". وكتب ياسين الحافظ " إن مصر بالأساس، وهي وحدها، قاعدة العمل الوحدوي ". ويرى الدكتور نديم أن كل وحدة قومية عبر التاريخ كانت تنطلق من ذلك الإقليم _ القاعدة الذي يخضع الأقاليم الأخرى ويصهرها في دولة قومية، دولة أمة. لكن هناك مفكرين عرب آخرين، مثل الدكتور محمد عابد الجابري يرى " أن مقولة الإقليم _ القاعدة غير علمية، وغير إجرائية، وأن الحلم بالوحدة التي تتمحور حول الإقليم _ القاعدة ويقودها الزعيم حلم ميثولوجي، طوباوي ". لأن الدولة الإقليمية ترسخت في المجتمع العربي وأصبحت تسعى إلى " قومنة " دولتها القطرية. لكن الإقليم _ القاعدة لن يأتي بالتوصيات على الطريق العربية، إنما يقوم عبر تطور في كافة محالات البنية الاجتماعية الاقتصادية والسياسية والفكرية بحث يصبح " قوة " قادرة على جمع الدول الإقليمية الغارقة في مأزقها الاجتماعي، بحيث يشكل مخرجاً لتلك الدول الإقليمية للخروج من تخلفها. ويقول الدكتور نديم البيطار " جميع تجارب الوحدوية الناجحة كانت تقريباً من النوع الذي تتحقق فيه العملية الوحدوية التاريخية بقيادة إقليم _ قاعدة. المفكرون والمؤرخون الذين اهتموا بهذه الظاهرة توصلوا إلى نتائج مماثلة، " في الاتحادات الكبيرة توجد غالباً وحدة تلعب دور الضابط، إنها ليست قوة من الدرجة الأولى، ولكنها تكون أقوى من الوحدات الصغرى ". ويمكن القول إن دور الإقليم _ القاعدة يشبه دور العصبية الأقوى عند ابن خلدون " ذلك أن الملك إنما هو بالعصبية، والعصبية متألفة من عصبات كثيرة تكون واحدة منها أقوى من الأخرى كلها فتغلبها وتستولي عليها حتى تصيرها جميعاً في ضمنها، وبذلك يكون الاجتماع والغلب على الناس والدول.. إن العناصر إذا اجتمعت متكافئة فلا يقع منها مزاج أصلاً بل لا بد أن تكون واحدة منها هي الغالبة على الكل حتى تجمعها وتؤلفها وتصيرها عصبية واحدة شاملة ".
وهناك أيضاً نظرية الدكتور محمد جابر الأنصاري الذي يرى في كتابه " تكوين العرب السياسي ": " أن الدولة القطرية تمثل مرحلة إقطاعية مؤجلة_ بالمعنى الإنمائي التاريخي للإقطاع _ في عصر الرأسمالية العالمية والسيادات الدولية. وذلك ما أدى تاريخياً إلى التأجيل الموضوعي للوحدة القومية بانتظار إنجاز التنمية القطرية_ المقاطعية.. إن التاريخ العربي الإسلامي لم يعرف النظام الإقطاعي الحقيقي وإن ما شهده كان إقطاعاً معاكساً الوظيفة الإنمائية التاريخية للإقطاع، ولذلك تطلب منطق التطور التاريخي ظهور الدولة الإقليمية _ حسب مقتضيات العصر الحديث وظروفه وموازينه_ لتعوض بالتنمية القطرية، بالمعنى البنيوي الأساسي، عن التنمية الإقطاعية المفتقدة ". ويتابع " وإذا كان التوحد والتوحيد القومي، فلأنه لم ينضج موضوعياً هذه اللحظة التاريخية بانتظار نضج مكوناته القطرية ". كما لا يرى أن التجزئة حدثت نتيجة الاستعمار الأوروبي للبلاد العربية، ذلك أن نظريته تتجاوز " الفرضيات المكرورة المستهلة بشأن التجزئة العربية باعتبارها مجرد مؤامرة استعمارية أو خلافاً بين الحكام، أو عرضاً من أعراض الشقاق السرمدي في الطبيعة العربية ". ويتابع " إنه يمكن اعتبار ظاهرة التجزئة العربية _ متمثلة في الكيانات القطرية ظاهرة تاريخية طبيعية تتطلبها خصوصية التطور التاريخي المرحلي للمجتمعات العربية، باعتبارها مرحلة لا بد منها لتحقيق التنمية الداخلية في هذه المجتمعات، بما يملأ الفراغات البنيوية والفجوات العمرانية والحضرية في داخلها وفي ما بينها، وبما يؤدي في النهاية إلى تواصلها في شبكة حية من العلاقات المترابطة ضمن نسيج موحد يولد خميرة المجتمع القومي وقاعدته الموضوعية في نهاية المطاف ".
لكن المشكلة في نظرية الدكتور محمد تكمن في التوظيف السياسي لها، فهذه النظرية تكتب تاريخاً جديداً للعالم العربي في علاقته مع الاستعمار الأوروبي، تاريخ لا يقوم على الاحتلال ونهب الثروات العربية وتكريس التخلف والفقر والجهل، بل أنه يكاد يبارك ما فعله الاستعمار بتكريسه للدولة القطرية التي أنشأها وحدد حدودها، وزرع الكيان الإسرائيلي في قلب الوطن العربي لتأبيد الدولة القطرية، وكذلك متجاهلاً أيضاً دور هذه الدولة القطرية في " قومنة " نفسها ومحاربة الوحدة العربية _ الوحدة المصرية_ السورية، وقد فضحت أحداث " الربيع العربي " تلك الدولة القطرية التي ابتعدت عن محيطها العربي عبر التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وأنتجت أيضاً الحروب العربية_ العربية، التي كرست الدويلات الطائفية والإثنية مستخدمة الجامعة العربية كغطاء لتمزيق تلك الوحدة العربية، وهي _ الجامعة العربية _ التي قامت على صون استقلال الدول العربية وصيانتها. والتاريخ يثبت أن كل المشاريع الوحدوية بين قطرين أو أكثر، وكل التحالفات القطرية التي تمت تحت رعاية الجامعة العربية انتهت إلى الفشل.
وإذا كانت القومية الثقافية والقومية السياسية وحتى القومية العسكرية لم تقدر على تحقيق الوحدة العربية فلم يبق غير القومية الاقتصادية لتحقيق تلك الوحدة العربية عبر السوق القومية التي تقوم على التكامل الاقتصادي، عبر بورجوازية عربية مهيمنة تستطيع وحدها أن تحقق تلك السوق الاقتصادية كمقدمة للوحدة العربية، وكما يقول جون كاوتسكي في كتاب " التحولات السياسية في البلدان النامية": " إن الدافع الأساسي _ لنمو القومية _ يجب أن يأتي من عامل أو عوامل جديدة كالتي قد توجد في التاريخ الأوروبي، في نمو التجارة والمواصلات وبالنتيجة الصناعة، التي فككت مجموعات الناس، والتي خلقت مناطق اقتصادية مندمجة واسعة ". لقد قامت الوحدة الأوروبية على أكتاف القوى البورجوازية، وهناك مفكرون عرب يطالبون البورجوازية العربية بتحقيق تلك الوحدة الاقتصادية لكنهم يعترفون أن البورجوازية العربية الكولونيالية لن تقدر على تحقيق الوحدة اقتصادياً، خاصة في ظل سيطرة الدولة الإقليمية على السوق العربية وتبعية تلك البورجوازية الكولونيالية للإمبريالية العالمية، بحيث أنها لا تقدر إلا أن تعيد، مع النظام العالمي الإمبريالي، الإنتاج التابع، والتنمية التابعة. إن مجال الوحدة العربية هو المجتمع المدني اقتصادياً عبر قوى مهيمنة _ بورجوازية وطنية بحيث تسيطر على مؤسسات المجتمع المدني بقوتها الاقتصادية، ويمكن أن تنطلق، وتسيطر على إقليم _ قاعدة اقتصادياً ثم سياسياً وفكرياً بعد أن تفك ارتباطها مع النظام العالمي الإمبريالي، وتنطلق منه إلى ربط القوى الاقتصادية في الأقاليم العربية الأخرى بها بعد أن تساعدها على فك ارتباط تلك القوى الاقتصادية العربية مع قوى النظام العالمي الإمبريالي عبر التنمية الذاتية والمستدامة والفاعلة، بحيث تمد شبكتها الاقتصادية إلى تلك البلاد العربية لأن ذلك في مصلحتها الاقتصادية، وتصهرها في الوحدة العربية الاقتصادية ثم السياسية والفكرية.
وما يجب قوله إن حراك " الربيع العربي " أسقط الخطاب القومي، وظهرت شعاراته في الوحدة والحرية والاشتراكية وكأنها لم تكن شعارات حقيقية، بل شعارات للاستهلاك، استغلتها أنظمة قوى البورجوازية الصغيرة التي وصلت إلى الحكم عبر الانقلابات العسكرية، وأطلق عليها الأنظمة التقدمية. والحقيقة أن المتابع للحركات العربية القومية التقدمية يدرك أنها خانت أحلامها وأصبحت حركات محافظة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وفكرياً، فلقد بنت، حيث حكمت مجتمعاً مدنياً مغلقاً، وفرغته من كل إمكانية للتغير الاجتماعي عبر المجتمع السياسي، حتى أنها نزعت جلدها القومي بعد هزيمة حزيران 1967، وترسخت كقوى اجتماعية قطرية مع المال النفطي وزعامة السعودية الوهابية للعالم العربي بعد حرب تشرين 1973، لقد أصبحت تلك القوى القطرية تعمل كوكيل تابع يدور في فلك القوى الليبرالية العالمية المتوحشة.
والسؤال الذي يطرح نفسه أخيراً: هل انتهى حلم الوحدة العربية؟
لم ينته حلم الوحدة العربية، لكنه انتهى كشعار سياسي لقوى اجتماعية مسيطرة، ولكن الوحدة قدر أية قوى اجتماعية مهيمنة إن كانت البورجوازية الوطنية أو الطبقة العاملة، وهي اقتصادياً سوف تسعى خلف الوحدة لأنها تخلق مجالاً اجتماعياً سياسياً واقتصادياً حيوياً ينتج السوق العربية الواحدة التي يمكن أن تؤدي إلى هيمنة بورجوازية وطنية) لتنهض تلك القوى الاجتماعية البورجوازية الوطنية المهيمنة بنفسها وتعمل ل " ذاتها "، ومن خلال عملها ل " ذاتها " تعمل من أجل المجتمع العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة