الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلامة موسى علّمني

حسن مدن

2020 / 11 / 26
مقابلات و حوارات


قبل سنوات أجرى معي الأديب والإعلامي العماني المتميز سليمان المعمري حواراً بثّه برنامجه الأسبوعي "كتاب أعجبني"، في إذاعة مسقط ، وكان الكتاب الذي اخترته هو كتاب: "هؤلاء علموني" لسلامة موسى، وبعد سنوات نشر سليمان الحوار في مجلة "التكوين" العمانية، ليكون الأول بين مجموعة حوارات قدّمها في برنامجه، واختارها لنشرها في المجلة، ونظراً لما يتضمنه هذا الحوار من شرح لتأثري بكتب وأفكار سلامة موسى منذ بدايات تكويني الثقافي حتى اليوم، أحببت مشاركتكم إياه.


بدايةً ، أخبرتَني أن لك قصة مع هذا الكتاب أتمنى أن تكون هي مدخلنا للحوار

الحقيقة أنني قرأتُ هذا الكتاب في مطالع الشباب في المرحلة الأولى من عُمري. عندما ابتدأت العلاقة مع القراءة قرأتُ الكثير من مؤلفات سلامه موسى، وهو كما تعلم كاتب غزير الإنتاج، لديه عشرات الكتب في مختلف مجالات المعرفة، ويمتاز أسلوبه في الكتابة بالجمع بين البساطة والعمق، وكان رجلا مفكرا مطلعاً على الثقافة الغربية والثقافة الوطنية في بلده مصر، وكان لديه مشروع يندرج في إطار مشروع النهضة والتنوير في العالم العربي

وكان أستاذا لنجيب محفوظ

نعم. قرأت هذا الكتاب ضمن الكتب التي قرأتُها لسلامة موسى. وأستطيع أن أقول إنه يتحدث في هذا الكتاب عن الذين علموه، ويمكن أن نقول نحن بدورنا إن كتبه هي التي علمتنا. لو أردت أن أتحدث عن تجربتي الشخصية مثلاً سأقول إن سلامة موسى علمني، أو إن كتب سلامة موسى علمتني. طبعا قرأتُ "هؤلاء علموني" قبل أن أذهب للجامعة، وذهب في طي النسيان بطبيعة الحال مثل أشياء كثيرة نعتقد أننا نسيناها ولكنها تركت أثرها في وعينا ومعارفنا. منذ سنوات قليلة كنت في مصر، في زيارة الى مدينة الإسكندرية، وكنت أتجول في شارع صفية زغلول أحد أهم شوارع المدينة، ووقعت عيني على مكتبة على الشارع الرئيسي اسمها "مكتبة سلامه موسى", ومثل أي شخص مصاب بلوثة الكتب والمكتبات دخلت إلى هذه المكتبة. لا شك أن اسمها يبعث على الفضول أكثر. فسألت الموظف هناك فأخبرني أن اسم المكتبة ليس فقط تيمناً بسلامة موسى، وإنما هي بالفعل مكتبة أسسها سلامة موسى, وأن الذي يشرف عليها الآن ابنه، وهو دكتور أخبرني الموظف باسمه ولكني نسيته. على كل حال وجدتُ هناك مجموعة من الكتب لسلامة موسى وعنه في طبعات مختلفة . ولعلك تعرف أن كتبه لم تعد متوفرة في معارض الكتب كما كانت في السابق, ومن الصعوبة الحصول عليها .. وكان من ضمن كتبه التي وجدتُها في هذه المكتبة هذه النسخة بالذات التي بين يدي الآن من "هؤلاء علموني". اقتنيتها لأعيد قراءتها، أو لأعود إليها بالأحرى بين حين وآخر، لأن هذا الكتاب من الكتب التي لا يمكن أن نستغني عنه، ليس لأنه لا توجد كتب أفضل منه، وليس لأن ما كَتبه عن الأساتذة الذين يقول سلامة موسى إنهم علموه على درجة كبيرة من العمق. هو قدمهم بشكل بسيط، بنبذ عن حياتهم .

هل بَيّن لماذا اختار هذه الشخصيات؟

نعم .بيّن. لقد كتب هذا الكتاب بالمناسبة وعمره كما يشير 66 سنة

أي في نهايات عمره

نعم. كان في عمر متقدّم وأراد أن يقول: أنا سلامة موسى الذي تعرفونني ككاتب وأصدرت هذا العدد من المؤلفات وقدّمت هذا العدد من الأفكار والموضوعات والأطروحات نتاج هؤلاء الأساتذة الذين علموني. وستفاجأ أنت أن هؤلاء الأساتذة المعلمين الذين يتكلم عنهم هم على درجة من التنوع والتناقض، فلم يكونوا من مدرسة واحدة أو من هوى فكري واحد .. وأعتقد أن هذا درس مهم للمثقفين، الشباب منهم خاصة، وهو أن القولبة في إطار فكري أو أيديولوجي واحد لا تصنع مثقفاً حقيقياً. يجب أن تكون لدينا القدرة على الانفتاح على مختلف الآراء والأطروحات. وهذا ما فعله سلامة موسى، بل إن بعض هؤلاء الذين يقول إنهم علموه يتناولهم موسى من منظور نقدي.

مثل من ؟

نيتشه مثلا .. هو يشيد بنيتشه ليس كفيلسوف فقط وإنما ككاتب مبدع كبير، ويتحدث بإعجاب عن لغته. ولكنه أيضا يعتقد أن بعض أفكار نيتشه مخيفة.

نظرية السوبرمان مثلا؟

نعم، هو يشير إلى نظرية السوبرمان. ويشير تحديداً إلى أن هتلر كان معجبا بنيتشه، وأنه – أي هتلر – أهدى المجموعة الكاملة من كتب نيتشه لموسوليني، ونحن نعلم أن فكرة العرق الآري وفكرة الشعوب المتميزة أو المختارة هي الأرضية الأيديولوجية التي انطلقت منها النازية والفاشية ..وجورج لوكاتش في كتابه "تحطيم العقل" – وقد صدر مترجماً الى اللغة العربية في أجزاء - توقف تحديدا عند هذه النقطة، نقطة ولع النازية بأفكار نيتشه.

هذه نقطة مهمة دكتور حسن. وهي أن الكتاب يبين أن التغيير في العالم وإنْ كان ظاهرا أنه يقوده سياسيون أو قادة ولكن الذين يقودون التغيير في الحقيقة هم مفكرون وأدباء وفلاسفة .

نعم بالضبط

نجد سلامة موسى في حديثه عن شخصيات الكتاب يلخص كلاً منها في كلمة أو عبارة. مثلا يقول عن فولتير انه علّمه الحرية، وهنريك ابسن هو داعية بناء الشخصية، تولستوي فيلسوف الشعب ، جوركي الأديب المكافح، الخ .. ما رأيك أن تختار لنا بعضاً من شخصيات الكتاب التي استوقفتْك ؟
بالاضافة الى حديثه عن نيتشه كما ذكرتُ، استوقفني حديثه عن فرويد. وهذا ينبهنا إلى تنوع وتعدد سلامة موسى، وهو يشير أنه من وحي فرويد كتب عدة كتب تتناول الجانب السيكولوجي. عن شخصية الإنسان وعوالم الإنسان الداخلية . كما يشير إلى أهمية اكتشافات فرويد في مجال دراسة اللاوعي، وما قدمته للمعرفة الإنسانية. في السابق كان التركيز على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية وربما الدينية في دراسة التاريخ، ولكن لم يَجْرِ قبل فرويد التوقف بهذه العناية المنهجية أمام أثر العامل النفسي أو العوامل النفسية، ليس في تكوين الأفراد فقط وإنما أيضاً في تكوين الجماعات، فرويد إحدى الشخصيات التي استوقني حديثه عنها ., هناك أيضا حديثه عن برنارد شو .

الذي التقاه شخصيا

- نعم، التقاه شخصيا. ونحن نعلم أن سلامه موسى عندما عاش في المملكة المتحدة انتسب إلى الجمعية الاشتراكية الفابية، وكان لفترة طويلة متأثراً ومعجباً بأفكار شو. وهو يمر في الكتاب بشكل ذي مغزى على مسرحيات برنارد شو التي تناولت جوانب مختلفة. هذا مثال. وهناك مثال آخر . فقد استوقفني حديثه عن ديستويفسكي ، وكما نعلم هو أحد المبدعين الكبار، وطالما كنا نتحدث عن جانب التحليل النفسي فهناك من يرى أن دستويفسكي سبق فرويد في بعض جوانب علم النفس في أعماله الأدبية. صحيح أنه لم يكن عالم نفس بل روائي، ولكنه من خلال توغله في تحليل تناقضات الشخصية الإنسانية استطاع أن يمسك ببعض الأمور التي استفاد منها علم النفس. ونحن نعلم أن دستويفسكي كان مصابا بمرض الصرع، وكانت حالات الصرع التي تنتابه تضعه في حال أخرى، وكثير من أعماله الأدبية استوحاها من حالته المرضية التي لا تأتي لكل البشر، وبالتالي أن يتمكن مبدع من رصد تأثير هذه الحال على تفكيره ورؤيته للأمور ينبهنا مجدداً إلى ما لعلم النفس من أهمية. هذه بعض الأمثلة التي يمكن للقارئ أن يتوقف أمامها في هذا الكتاب. ولا نستطيع المرور عليها جميعها لأنه كتاب كبير ويتناول عشرين شخصية.

نعم .. يستوقف القارئ لهذا الكتاب أن هذه الشخصيات العشرين معظمها شخصيات غربية.. لم يتحدث سلامة موسى عن شرقيين سوى غاندي .. ونحن نعلم أن هناك مثقفين مصريين اتهموا سلامة موسى بالاستلاب للغرب. ما رأيك أنت؟

ليس مستلبا للغرب. ولكن مصادر تكوينه الفكري والثقافي استقاها من الفلاسفة والمفكرين والأدباء الغربيين, وأعتقد أن هذه ليست نقيصة، لأن عدد من اهتموا بدراسة تاريخنا الإسلامي والعربي ورموزه وثقافتنا العربية ليس قليلا. وأن يأتي مفكر في ذلك الزمن المبكر لينبهنا لمصادر إبداعية وفكرية وفلسفية مهمة في العالم هو أمر جيد، لأن الثقافة الإنسانية في نهاية المطاف ثقافة واحدة. وأنا أتذكر أن سلامة موسى في سيرته الذاتية كان يغمز من قناة عباس العقاد عندما أشار الى أنه "فيما كان الآخرون منهمكين في دراسة العبقريات مثلا كنت أنا أهتم بفتح أبواب جديدة على المعرفة. وأنا أميل إلى أن نرى أن كل مفكر يغطي مساحة من المساحات. أنت لا تستطيع أن تطلب من كل المفكرين أن يسيروا على نفس المنوال. ما قام به العقاد في مجال حفره في التاريخ العربي الإسلامي مفيد، وما قام به طه حسين مهم جدا، ولكن أيضاً ما قام به سلامة موسى في هذا الجانب مهم جدا ، فهو فتح لنا نوافذ جديدة كانت مغلقة بوجهنا. فأعتقد أننا في المحصلة نستقي المعرفة من مصادرها المتعددة المختلفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي للكاتب ولذكري الرائد الكبير سلامة موسي
صلاح الدين محسن ( 2020 / 11 / 27 - 01:05 )
ربما لولا كتاب سلامة موسي عن نظرية داروين , لما فهمت تلك النظرية من سواه
ابن سلامة موسي - مؤسس المكتبة التي تفضلت بذكرها - هو - دكتور رؤوف (1929 - 2006)- وهو ابنه الأول والأكبر . وكان أستاذاً جامعياً - دكتوراة في البكتريولوجي من جامعة ليدز إنجلترا . ثم عمل في التدريس بجامعة الإسكندرية . ثم خبيرا في السالمونيللا في شركة اليمنت العالمية في سويسرا.- وافتتح مطبعة ومكتبة لنشر مؤلفات والده , باسم - مطبعة ومكتبة المستقبل - مقرها الاسكندرية . ولها فرع بالقاهرة بشارع الفجالة - وهو شارع المكتبات الشهير
تحية وتقدير

اخر الافلام

.. غارة إسرائيلية تقتل 3 عناصر من -حزب الله- في جنوب لبنان


.. عملية -نور شمس-.. إسرائيل تعلن قتل 10 فلسطينيين




.. تباعد في المفاوضات.. مفاوضات «هدنة غزة» إلى «مصير مجهول»


.. رفح تترقب الاجتياح البري.. -أين المفر؟-




.. قصف الاحتلال منزلا في حي السلام شرق رفح