الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أميريكا والعالم: ماذا بعد ترامب؟

محمد السعدنى

2020 / 11 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


لاشك أميريكا بعد ترامب لن تكون أبداً كما فى عهده، والعالم أيضاً، فقد شكل بشخصه وسياساته استثناء بغيضاً فى تاريخ البيت الأبيض، قزم بلاده وشوه صورة النموذج البراق للدولة العظمى الذى اختبأت وراءه منذ الحرب العالمية الثانية. أساء للديمقراطية وفضح بلاده ومؤسساتها وأفقدها المصداقية لدى الحلفاء قبل الأعداء، وأعطى مدداً لتيار اليمين المتطرف فى أوروبا أنعش أحلامه العنصرية، ما هدد سلم واستقرار مجتمعات القارة العجوز – فرنسا ماكرون مثالاً – ووضع العالم كله على صفيح ساخن. ولعل السؤال المطروح الآن، هو ماذا بعد ترامب؟
فى الداخل الأمريكى، بدا إنتصار منظومة الديقراطية ودولة المؤسسات حاسماً فى مواجهة "الترامبية الصبيانية" غير المسئولة، ولعله بدا يدرك ذلك وهو يجبر على الانصياع لقوة المؤسسة الراسخة، والتى هزمت عنجهيته وأطماعه، وبدأت على عجل تشكيل إدارتها من المحترفين لترميم التصدعات التى أصابتها. هذا فى الداخل، فماذا عن حركة الشعبوية الأوروبية ويمينها المتطرف؟
هذا ما يجيب عنه مقال مهم لـ "إيشان ثارور، وروبى ميلين" فى الواشنطن بوست الأربعاء الماضى، بعنوان "بعد ترامب، ما هو مصير اليمين الغربى المتطرف"، حيث يرى الكاتبان "أن هزيمة ترامب يمكن أن تكون بداية نهاية الشعبوية اليمينية المتطرفة في أوروبا أيضًا"، على حد قول دونالد تاسك، الرئيس السابق للمجلس الأوروبي، وهو الذى سبق له انتقاد أجندة ترامب "أمريكا أولاً" ووصف سياساته بأنها تشكل تهديدًا "خارجيًا" محتملاً للاتحاد الأوروبي. وأضاف الكاتبان "أنه مع استعداد الرئيس المنتخب جو بايدن لدخول البيت الأبيض في يناير، يبدو اليمينيون والشعبويون في أوروبا أكثر عزلة". ذلك على النقيض مما كان مع الأشهر الأولى من رئاسة ترامب، عندما هتف حلفاؤه الأيديولوجيون في أوروبا لما زعموا أنه نقطة تحول في التاريخ، حيث قالت الزعيمة اليمينية المتطرفة الفرنسية مارين لوبان في يناير 2017: "إننا نشهد نهاية عالم وولادة آخر. إننا نشهد عودة الدول القومية."
فى ظل هذه النشوة، انطلق مستشار ترامب السابق ستيفن بانون في جولة عبر أوروبا، يحمل خططاً ضخمة لربط جناح يميني عابر للحدود في أوروبا وأمريكا الشمالية، وراح يشيد بالقومية اليمينية المتطرفة وحكوماتها فى المجر وبولندا ، وأشاد برئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوربان ووصفه بأنه "بطل" و "وطني" ومصدر إلهام للسياسة الغربية، على خلفية سياساته المناوءة لتوجهات الاتحاد الأوروبى، قائلاً: "ما تعلمته هو أنك جزء من حركة عالمية أكبر من فرنسا، وأكبر من إيطاليا، وأكبر من المجر - أكبر من كل ذلك". كان بانون قد بدأ خطة ترامب فى تصعيد اليمين المتطرف، وتفكيك الاتحاد الأوروبى والتى بدأت بتشجيع بريطانيا للخروج منه "البريكست". وفي مدينة ليل الفرنسية وأمام حشد من السياسيين والإعلاميين قال بانون "إن تيار التاريخ في صالحنا"، يقصد فى صالح اليمين العنصرى فى العالم كله.
لكن هذا المد القومي اليمينى آخذ في الانحسار الآن. تعثرت حركة بانون، بل طرد من الإدارة الأمريكية وسجن على خلفية اتهامات بالفساد والاحتيال. وتعثر اليمين المتطرف الأوروبي في الغالب خلال سلسلة من الانتخابات الوطنية، بالإضافة إلى انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2019. وخسر ترامب الانتخابات، بينما بقى قادة اليمين المتطرف الأوروبى معرضون لخطر التحول إلى منبوذين، بينما ينضمون إلى صفوف مناصري ترمب الذين رفضوا قبول فوز بايدن.
وعلى خلاف إدعاء بانون، فإن تيار التاريخ أبداً لن يكون فى صالح التطرف والعنصرية، وانظر إلى ما يحاوله ماكرون فى فرنسا وكيف يواجه فشلاً اقتصادياً وتعانى بلاده من عدم استقرار وقلاقل اجتماعية، جراء سياساته العنصرية ونهج التطرف والاستبداد الذى يحاكى به سياسات ترامب الفاشلة، ماقد يعرض بلاده للخطر ويعرضه هو نفسه لخسارة انتخابات الرئاسة القادمة.
ويتوقع المراقبون أن صعود بايدن إلى السلطة سيعزز القوى الليبرالية والدولية عبر المحيط الأطلسي، ما يساعد الاتحاد الأوروبي على التضييق والضغط على حكومتي المجر وبولندا لهجماتهما المثيرة للجدل على المؤسسات الديمقراطية داخل بلديهما، وقد يجعل البيت الأبيض برئاسة بايدن الأكثر دعمًا لبروكسل – الإتحاد الأوروبى - هذا الضغط أكثر فعالية، وكما يقول فيليب ليجرين، المستشار الاقتصادي السابق للمفوضية الأوروبية: "مع رحيل ترامب ، لن يتمتع السياسيون الشعبويون بشرعية محلية أقل فحسب ، بل ستدفع حكوماتهم ثمناً دولياً أعلى للمواقف القومية". وقال إيفو دالدر، سفير الولايات المتحدة السابق لدى الناتو، لصحيفة وول ستريت جورنال: "سيكون تغييرًا كبيرًا إلى حد ما، فالقيم الديمقراطية والالتزام بسيادة القانون سيكونان أساسيين للغاية لوجود علاقات جيدة مع واشنطن".
لكن الموجة اليمينية المتطرفة ليست على وشك الاختفاء في الولايات المتحدة، فلا يزال الحزب الجمهوري مدينًا إلى حد كبير للسياسة الترامبية فى الحصول على 74 مليون داعم لسياساته. وكما يقول موريسيو سانتورو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية ريو دي جانيرو: "كل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى صعود ترامب فى الولايات المتحدة الأمريكية، وبولسونارو فى البرازيل، لا تزال قائمة، فالنظام السياسي لم يصلح نفسه، نحن نتحدث عن معركة طويلة المدى حول إصلاح الأنظمة السياسية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية


.. أخبار الصباح | إسرائيل تتأهب لاجتياح رفح.. وإنذار أميركي لـ-




.. فيديو: في منتصف الربيع.. كرواتيا تلتحف بالثلوج بعد أيام فقط


.. تصعيد إسرائيل في شمال قطاع غزة هو الأعنف منذ إعلان خفض القوا




.. طفل فلسطيني برفح يعبر عن سعادته بعد تناوله -ساندويتش شاورما-