الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتماء الفطري والانتماء الحداثوي

محمد طه حسين
أكاديمي وكاتب

(Mohammad Taha Hussein)

2020 / 11 / 28
المجتمع المدني


الإنتماء الفطري والإنتماء الحداثوي
ينتمي السنونو الى عشه إنتماءً جينياً، وكذلك العصفور يبني عشه بالدافع ذاته، يشاركهم في هذه الصفة باقي الحيوانات الأخرى والطيور وكل الكائنات الحية. ولكن إنتماء البشر الى مكانه الذي قُذِفَ اليه وجودياً مثلما يقول مارتن هايدجر يخرج عن الإرادة والتخطيط الجينيين، حيث الفطرة هي التي ترسم له مدارات الجاذبية حول ونحو المكان أو الأرض التي بنى عليها البيت الأول له. المكان يَفرِضُ قوانينه على من يَخرُجَ الى الحياة فوقَهُ ويختار له آليات المواجهة للبقاء والحفاظ على نفسه، إرادة المكان تواجه فيما بعد إرادة الكائن البشري. في المواجهة هذه يظهر العقل والذكاء الإنسانيين، هذا عندما طبق ما كتب له في تفعيل ذهنه ومعرفته لإدارة هذا الصراع والخروج منه موزوناً وسليماً دون التسليم المطلق لإرادة الطبيعة المكانية.
إنتماء البشر الى مكانٍ محدد ليس مطلقاً كون الإنسان مزود بإستعداد وراثي لتحويل الحالة الفطرية للإنتماء الى الحالة العقلانية وتحويل الجاذبية الى المكان الى المراكز المؤسّسة عليه من خلال إنتصارات العقل في صراعاته مع الطبيعة ووضع آثاره عليها.
نحن هنا نعيش الى الآن في مراحل ما قبل المدنية بالمعنى الحداثوي والعقلاني للمفهوم، فالإنجرار وراء الآلة وإستخداماتها الميكانيكية لا ينعكس الوجود الفاعل المؤثر بقدر ما يبين الوقوع في الشيء والإبتلاء به، بدل الوقوع الجدلي الواعي في العلاقة بالشيء التي تستهدف إيجاد معادلة الذات الفاعلة والموضوع المدرك.
المدنية لا تعني غير ما تعني تحويل النزعات الفطرية وانجذاباتها من حالاتها البدائية الى تَشَكُّلاتها العقلانية، فالإنتماءات هنا بيننا هي ما تزال فطرية، لم تزل تقاس بالإنجذاب الطبيعي الى الأرض حيث لم ترتق من خلال البنية المعرفية التأسيسية التنظيمية الى طورها الحداثوي المتمثل بصناعة الحياة من نوعٍ آخر ألا وهو مَكنَنَةِ الزمن وتَذويته وإستغراق وجود الفرد الفاعل في الأنشطة الإعمارية المستخرجة في النهاية لأيقونات النظام والحياة المؤسسية .
بمعنى آخر وأسهل تحويل دلالات الإنتماء وترسيم خطوطه من الفرد الى العائلة والأرض الى المؤسسات المعبرة عن الوطنية والمدنية والحياة التشاركية ذات الجمالية العقلانية التي تتجلى في التمثيل السياسي والمدني والديمقراطي وكذلك التمثيل الثقافي والحضاري العقلانيين المتمظهران من الآثار والمنتجات الخارجة من أثر إنضاج التفكير والقدرات الإبداعية للأفراد داخل المجتمع.
كائنات الفطرة نحن ونجاهد بكل الاسف شعورياً أو لاشعورياً لحد الآن لأجل الحفاظ على هذا الطور البدائي، ولم نزل نتجاهل هذه الحقيقة ونتظاهر كأننا في زمن آخر غير زمن الأجداد، حيث نحاكي الآخرين في العوالم المتقدمة في سلوكياتهم الظاهرة دون الخروج من الأنماط التقليدية لتفكيرنا وإبداع لحظات حياتنا، ودون العمل بهدف التحرر من القيود الفطرية ذات الجذور الأسطورية الراسخة في أعماق الماضي السحيق.
الإنتماء الفطري لا تتأسس عليه الحياة المدنية ولا يطلق سراحنا من أسر العش القبلي والعشيري، تغيرت صور ومغزى الإنتماء في زمننا، فالرابط بيننا وبين المكان يتمدد من الذات الواعية الى ما أسسناها على هذا المكان والعكس غير صحيح بالمعنى الحداثوي للمعادلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا


.. مخاوف إسرائيلية من مغبة صدور أوامر اعتقال من محكمة العدل الد




.. أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى -حماس- يغلقون طريقاً سريعاً في