الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غربتان في الزمان والمكان

حسن مدن

2020 / 11 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


من بين أهم وأعمق الكتب التي عالجت "هاجس الغرب في مجتمعاتنا"، كتاب "النفس المبتورة" لمؤلفه داريوش شايغان، والكاتب من أصول إيرانية ولكنه يعيش في فرنسا .
تنطلق المعاينات والظواهر التي يرصدها الكاتب ويعالجها ويحللها، وعلى أساسها يقدم استنتاجاته المهمة، تنطلق من الواقع الإيراني، بعد الثورة الإسلامية تحديداً، مع الاتكاء على التاريخ الإيراني وعلى الثقافة الفارسية . ولكن أحكام الكتاب وأفكار مؤلفه تنطبق، بمقادير مختلفة، على البلدان العربية والإسلامية عامة، حين تبدو مفاهيم مثل الحداثة والموقف المزدوج من الثقافة ومن العصر، متقاطعة كمياً مع العلاقة بهذا الغرب، الذي يبدو حيناً، مرغوباً وجذاباً وآسراً، ويبدو في حين آخر عدواً ومخيفاً ومتربصاً .
الترجمة العربية للكتاب صدرت عن دار الساقي منذ العام ،1991 ولكن الكتاب يزداد أهمية مع تقادمه، وتبدو الاستنتاجات الواردة فيه حيّة وطازجة رغم مضي سنوات، لا على ترجمته إلى العربية فحسب، وإنما صدوره باللغة الفرنسية أول مرة أيضاً .
ورغم أنه أثار قبولاً وحفاوة ملحوظين لحظة صدوره بالفرنسية، وهما أمران مبرران إذا ما انطلقنا من حساسية خاصة لدى الدوائر الإعلامية والثقافية الغربية تجعلها تستقبل بحماسة تلك الكتب التي تعود لمثقفين ومفكرين من أصول شرقية، وإسلامية خاصة، يعالجون بحاسة نقدية التحولات الدراماتيكية في بلدانهم، ويسلطون الضوء على ما دعته إحدى الصحف الأجنبية: "الفصام الثقافي"، إلا أن الكتاب بعيد عن هذا الاحتفاء الغربي به، جدير باحتفائنا نحن، حتى إن بدت لنا بعض آراء الكاتب، الصارم الدقيق، بحاجة لشيء من النقاش .
يذهب الكتاب بعيداً وعميقاً وبإقدام إلى جذور تمزقات شعوبنا بين تاريخها وبين التحديث الذي يطال البنى الاجتماعية والفكرية، فيحدث فيها شيئاً أشبه بالزلزال، من نتيجته أن القديم يتداعى، فيما الجديد لم يولد بعد، أو أنه في وضعٍ لا يسمح له بأن يشكل بديلاً، كما كان أنطونيو غرامشي قد كتب مرة، فتكون العاقبة أن ما انقضى زمنه وفقد مشروعيته التاريخية يعيد إنتاج نفسه بصورة مشوهة، ليصبح كابحاً وعائقاً أمام ضرورات التحديث .
إن عنوان الكتاب "النفس المبتورة"، هو الآخر محفز على التفكر في أحوالنا، فأنفسنا مبتورة لأننا إما نتظاهر برفض الغرب فنذعن لما نحن فيه، أو نسحر بهذا الغرب، فننقل ما عنده دون أن نملكه، وفي الحالين فإننا نهرب إلى واحدة من غربتين، أولى في الزمان وثانية في المكان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر