الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيروس كرونا والهروب من الحقيقة

الفرفار العياشي
كاتب و استاذ علم الاجتماع جامعة ابن زهر اكادير المغرب

(Elfarfar Elayachi)

2020 / 11 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


اختار العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي اللجوء الى سلاح السخرية في التعاطي مع انتشار فيروس كورونا، من خلال تعليقات ذات حمولة سياسية سلبية ، ينتقد من خلالها هؤلاء كيفية تعاطي الدولة مع الفيروس .

حجم التعليقات و حجم السخرية كان كثيفا و متضخما , تكشف حجم اللاثقة في مؤسسات الدولة لاسيما وزارة الصحة في التعامل مع الوضع و توفير الحماية للمواطنين بدءا من حماية الحدود , الى توفير العلاجات و الخطط الاستباقية و توفير البنيات التحتية للاستقبال , و جاهزية المؤسسات الصحية و العلاجية للتعمل مع الوضع , لاشئ استثني من السخرية السوداء .

مئات التدوينات تكشف حجم اللاثقة و السخرية من الدولة و مؤسساتها , وهي رسائل مهمة يجب الانتباه اليها , غير ان واقعة حضيت بالكثير من المتابعة يتعلق الامر بفيديو مسجل بايران يؤثق مشهد شاب في الشارع العام يصبح بأعلى صوته انه مصاب بالفيروس , و يطلب نجدة من رجل دين شيعي معمم قابله بالشارع العام , الاخير يغير الاتجاه و يسرع هاربا خوفا ان يلحقه الشاب أمام اندهاش المارة , و الذين بقوا يتابعون بسخرية الموقف , كيف يهرب رجل دين كان متخصصا في الدعوة الى الموت من اجل ملاقاة الحسين و علي في الجنة ؟

و اقعة هروب رجل الدين المعمم تكشف منطق تفكير رجال الدين اثناء الازمات , و في اوقات الشدة أي حين يقفون امام الموت وجها لوجه . و هم المتخصصون في الدعوة الى الله و الدعوة الى للموت و الترحيب به و مواجهته بشجاعة , اعتبارا ان تجربة الحياة الدنيوية مجرد قنطرة مرور نحو العالم الحقيقي و الخالد , و ان السعادة لا تقيم هنا , و لكن هناك قرب الحسين والحسن و اللقاء معهما .

الحكاية , بسيطة لكنها عميقة تكشف كيف يتعامل اصحاب النصائح في اوقات الشدة , أي حين يكون امامهم فرصة لاختباراقوالهم , من خلال القدرة على مواجهة الموت باعتباره الحقيقة الاخيرة في عالم الحياة , لان الهروب يعني انهيار منظومة القيم التي ينادون بها .

المشهد له دلالات كثيفة , كيف ان مواطنا عاديا استطاع الاستهزاء برجل دين يقدم نفسه انه المالك الوحيد للحقيقة, و انه الوحيد الذي يعرف طريق الجنة و كيفية الوصول اليها , مواطن عادي جعل رجل الدين مجرد نكثة و هو يتظاهر انه مصاب , و يطلب نجدة ممن يعتقدون انهم يملكون قوارب نجاة في اوقات الشدة .

بلا شك اصبح الدين وسيلة من اجل السلطة و المال و ليس طريقا الى الله , والى مملكة الرب كما كتب عنها القديس او غسطين .

نحن امام تابث سلوكي , يتقاسمه كل التجار انهم يخافون الموت , بما في ذلك تجار الدين , بقدر حبهم للحياة و المال يخشون الموت , بقدر اصرارهم على الحياة و الاستفادة من نعمها . هو تصرف مخالف و معاكس كلية للقيم الدينية المؤسسة على الفدائية و التضحية و مساعدة الاخرين

ما وقع يكشف أننا أمام فكر زائف و انتهازي يبحث عن الحياة و الجاه و السلطة و المال , فينتج الكثير من الاوهام الخطابات المخادعة و التي تنهار اما الحقيقة و الواقع.

الهروب هو عدم القدرة على مواجهة الحقيقة و الخوف منها , المعمم يفر هاربا , لدرجة انه رفع جلبابه الى الاعلى حتى تزداد سرعته , لانه يدرك ان شرط البقاء مرتبط بالقدرة على الابتعاد باكبر مسافة ممكنة مع شاب, وهي مفارقة تستعصي على الفهم كيف لعجوز ان يكون أكثر سرعة من شاب . ربما الجواب يكمن في الحافزية و الرغبة في الحياة.فالسرعة في الهروب تعني السرعة في التخلي عن الافكار و القيم المحمولة حول الدنيا و الاخرة و الجنة و الموت .

الترحيب بالموت يعني استقبال الحقيقة , و عدم الرهبة امامه و انما التعامل معه كمعطى طبيعي مثل كل الأفعال اليومية و الاعتيادية للإنسان , عدم الخوف من الموت معناه التحرر من سلطة الجسد و غواية الجسد , و هو امر موكول للعظماء فقط و ليس للتجار .

التاريخ الانساني يحتفظ بالكثير من الشواهد , أهمها حكاية سقراط حين حكم عليه بالإعدام بشرب السم , بعد الحكم يتدخل اصد قاء ه لإخراجه من السجن بعد تقديم رشوة لحارس السجن .

المفارقة ان السجان قبل الرشوة, و لكن السجين سقراط رفض الخروج , مؤكدا لتلاميذته انه يرفض ان يهرب كي يعيش الجسد ؟ فقرر البقاء حتى يموت الجسد ليبقى الفكر خالدا , وحتى لا يقال ان سقراط قد تخلى عن افكاره في اوقت الشدة ؟

الفضيلة تبنى في الداخل و عبر الانسجام مع الذات من خلال التحكم و الانتصار على الجسد , و ليس الفرار من اجل البقاء على قيد الحياة كما فعل المعمم امام شاب يتسلى به .
بناء الفضيلة لا يتحقق بالدروس و المواعيض و الفتاوي و الخطب الباردة لكن من خلال الانسجام بين القول والفعل عبر تحويل المعتقدات الى سلوك . و ليس التخلي عن كل القيم من اجل الحيياة و التشبث بها .

فيروس لاكرونا كشف و مازال يكشف الكثير من الحقائق الصادمة منها :

التوظيف السياسي للفيروس كما وقع بالجزائر من اجل ايقاف زخم الاحتجاج بدعوى منع انتشار الفيروس اثناء التظاهرات .

و كيف ان شركات حولت الفيروس الى وسيلة لجني الاموال .

و كيف ان الصين استطاعت شراء اسهم الشركات الكبيرة بعد انهيار اسهمها .

كما كشف ارتفاع منسوب اللاتقة المرتفع بين الدولة و المواطن المغربي .

كما كشف ان رجال الدين الذين كانوا يصرون ان مهمتهم هي اعداد الناس للموت و استقبال الموت كانوا اول من فر حفاظا على حياته تاركا وراءه كل الخطب و الوصايا حول الموت والاستعداد للموت من اجل الجنة واللقاء مع الحسين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في