الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكنيسة والترجمة

منسى موريس

2020 / 11 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن عمليات الإصلاح والتنوير تتطلب بالضرورة إلى تدخل المؤسسات التى لها دور رئيس في تشكيل الوعى الجمعى لما لها من إمكانيات مادية ومعنوية لأن الفرد الذى لايستقل بفكره ينقاد بصورة مباشرة من المؤسسات الروحية خاصةً في مجتمعاتنا الشرق أوسطية فالمؤسسة الروحية كالكنيسة تعد مصدراً ومرجعاً هاماً بالنسبة للسواد الأعظم من المسيحيين لذلك عمليات الإصلاح والتنوير لابد وأن تنبع من داخل الكنيسة لأنها هي القوة المحركة للوعى أما إذا كانت المؤسسة تقف ضد التنوير فهذا سوف يزيد الطين بلة وسيجعل الأزمة تتفاقم وتنمو لأن المؤسسة ستكون حمل وعبىء مما سيؤدى إلى تعطيل عمليات التنوير والإصلاح فالنهضة الفكرية لا بد وأن تكون إرداة مؤسساتية وشعبية أيضاً.
ولماذا الترجمة؟ لأن الترجمة هي العمود الأساسى للتفكير بطريقة عالمية فالإنسان عليه أن يعرف كيف يفكر العالم من حوله لأن هذه المعرفة ستدفعه للخروج من التفكير المحلى الضيق الدوجمائى إلى الإنفتاح والتطور ومواكبة العالم وكلما حبس الإنسان ذاته داخل قوقعة التفكير المحلى كلما إنعزل وإنفصل وقطع علاقته مع العالم الخارجي وبالإنسان أيضاً ، كيف يمكن أن نخاطب العالم وفى نفس ذات الوقت قطعنا علاقتنا الفكرية والثقافية معه بحصر ذواتنا داخل النطاق الضيق للفكر المحلى؟ كيف يتسنى لنا أن نرى واقعنا رؤية حقيقية رؤية نقدية ونحن لانملك أدوات المعرفة العالمية التي تؤهلنا أن نرى أنفسنا بشكل صحيح؟ كيف نرى أنفسنا ونحن لانمتلك مرآة؟ كيف يمكن لنا أن نرى العالم ونحن نفتقر إلى نافذة الترجمة ؟ إذا كانت رسالة " المسيح" عالمية من المفترض أن هذا يدفعنا إلى التعرف على العالم من حولنا أليس كذلك؟
لقد كان المسيحيون دائماً لهم إهتمام كبير بحقول المعرفة والترجمة وكانت الكنيسة تشجع على هذا الأمر لأنها كانت على يقين أن الإيمان الحقيقى يتطلب معرفة حقيقية والأمثلة كثيرة على ذلك فالمسيحيون في القديم كان لهم تأثيراتهم العلمية فمثلاً نجد الذين قاموا بترجمة التراث اليوناني الفلسفى والعلمى والطبى كانوا المسيحيون السريان أمثال " هوبروبوس وهو قسيس وطبيب في اناطاكية ، وسرجيس هو راهب وطبيب ، وحنين ابن إسحاق ، وقسطا بن لوقا ، وعيسى بن يحيى ، ويحيى بن عدي وغيرهم الكثير" ويقول " دى بور " عن السريان «ماقاموا به من الترجمة آلت فائدته إلى العلم عند العرب والفرس ، والذين إشتغلوا بنقل كتب اليونان إلى العربية فيما بين القرنين الثامن والعاشر الميلادى يكادون جميعاً يكونون من السريان»( 1)
فالترجمة لها دور أساسى في المعرفة والمعرفة لها دور أساسى في الإيمان وهذا الإرتباط بين المعرفة والإيمان كان لصيق في الماضى وأيضاً موجود حالياً لكن في الثقافة الغربية أما مجتمعنا اليوم في الشرق الأوسط فقد فصل بين المعرفة والإيمان وكأن الإيمان صار عدواً لكل معرفة وهذا نجده واضح في ثقافة أغلب المجتمع فنجدهم يربطون الإيمان بالبساطة والبساطة بالنسبة لهم عدم التبحر في العلوم والمعارف لكن الإيمان المسيحيى الحقيقى يتطلب معرفة حقيقية وقد ربط " الكتاب المقدس " الهلاك بعدم المعرفة " لكن في ثقافتنا اليوم فعلنا العكس تماماً وربطنا المعرفة بالهلاك.
وللأسف الشديد الكنيسة اليوم أصبحت لاتستثمر في الإنسان عن طريق نشر المعارف وترجمة الكتب سواء ترجمة التراث الآبائى وترجمة الدراسات الغربية الحديثة وتوفير الكتب بأسعار تتناسب مع الجميع وهذه أزمة كبرى ستؤثر على المؤمنين بالسلب لماذا؟ لأن هناك الكثير من الدراسات والأبحاث اللاهوتية الحديثة الغربية التي تنتقد الإنجيل والعقائد المسيحية مثل كتابات " بارت إيرمان" أو أبحاث تدافع عنها وتثبت صحتها والسواد الأعظم من المسيحيين لايعرف عنها شيء فلك أن تتخيل أن هذه الدراسات النقدية عندما يتصادم معها المسيحيى العادى أو حتى المسيحيى المثقف ماذا سيفعل ؟ كيف سيجيب عن هذه الإنتقادات الحديثة؟ أليس من المحتمل أن يفقد إيمانه؟ خاصةً أن هذه الدراسات من الممكن أن لا يعرف عنها حتى أغلب رجال الدين من كل الطوائف لعدم إهتمامهم بالبحث والإطلاع لأنهم حصروا معارفهم بحدود طوائفهم فقط؟ وعلى الجانب الآخر هناك الكثير أيضاً من الكتابات التي تدافع عن المسيحية كتبها علماء وفلاسفة أمثال" جون لينكس ، سى أس لويس، وليم لين كريج، الفن بلانتيجا ، وغيرهم الكثير" فهذا الكتابات لو تمت ترجمتها جميعاً لربما ساعدت الكثير من الباحثين وأعادت بعض الذين تركوا الإيمان إلى المسيحية مرة أخرى أو رسخت لمبادىءالتفكير العقلى في الوعى الجمعى المسيحي بدلاً من التفكير العاطفى والخرافى السائد ، ففى كل الحالات حالة الفقر الشديد في الترجمة هي ضارة ولاتنفع ولا يمكن أن تقودنا إلا خطوة أبعد في الجهل والعزلة والإنفصال عن العالم وهذه القيمة ليست قيمة مسيحية أصيلة لكن جوهر المسيحية يقوم على الإندماج في العالم لتغييره إلى الأفضل ولايمكن أن يحدث هذا الإندماج إلا بالمعرفة والإطلاع والتعقل ، علينا أن نبنى تصورات جديدة لكى نواجه هذا العالم ونعرف كيفية مخاطبته وكفانا إستثمار في المباني والأيقونات والزخارف وفى الطائفية والتعصب والجمود، علينا أن نستثمر في الإنسان ونقضى على فقره المعرفى بنشر المعارف وتوفير الكتب بأسعار رخيصة وعلينا أيضاً أن نقضى على فقره المادى ، علينا أن نعيد ترتيب أولوياتنا ونجعل الإنسان في المرتبة الأولى إذا كنا فعلاً نريد نهضة حقيقية ونشر الروح المسيحية الحقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - دى بور : تاريخ الفلسفة في الإسلام ص(41) مكتبة الأسرة 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذه شهادة حية على العلوم والكنيسة
مروان سعيد ( 2020 / 11 / 28 - 21:25 )
تحية للاستاذ منسى موريس وتحيتي للجميع
موضوع جميل وواقعي وكانوا الاباء الاوائل يعرفون عدة لغات ومتفرغين لذلك وكانت المطابع تسهل سرعة النشر والتوزيع
وقد شاهدت هذا الفيديو العلمي هو من نتاج التطور العلمي المسيحي
https://www.youtube.com/watch?v=6booqceqc3Q
لتمنى الاستمتاع به
ومودتي للجميع

اخر الافلام

.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س


.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: صيغة تريتب أركان الإسلام منتج بش


.. عشرات المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى




.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة