الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تجوز رحمة رب المسلمين على غيرهم؟

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2020 / 11 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد أن أوهم شيوخنا الأفاضل أخينا المسلم بأنّ الكون ومن فيه يجب أن يأتمروا بأمره لأنّه المخلوق الطاهر الوحيد في الوجود، انتقلوا به خطوة أبعد في سلّم الفوقيّة ليوهموه بأنّ خالق الكون بذاته ينتظر من المسلم الأمر والمشورة حتى يقرر أسلوب تعاملاته مع بقيّة الخلق في العالمين. هذه ليست مبالغة من عندي كما قد تظن بي أخي القارئ، بل هو واقع يعيشه المسلم مع رجالات دينه في كل يوم منذ ميلاده وحتى دخوله جنّة الإسلام التي يعمل الخالق فيها كعامل خدمة من أجل تلبية رغائب المسلم الشهوانيّة أبد الآبدين.
انتهت المجاعات والحروب في البلاد التي يعيش فيها المسلمون, انتهى عهد الأوبئة والأمراض الفتّاكة, انتهى عهد الظلم والجور والتفاوت الطبقي في هذا العالم, أصبحنا نعيش الجنان في الحياة قبل الممات, وعليه لم يبق لرجال الدين من شأن سوى الكلام في سفاسف الأمور مع المسلم من قبيل من تجوز عليه رحمة ربك ومن لا تجوز! أي والله لو كنا نعلم أنّ الله يأتمر بأمركم قبل أن يرحم عباده لعبدناكم من دونه!
سيفتينا الشيخ أنّ هذا كلام الله وشرعه وأنه لا يفتينا من عنده بل ينقل لنا بأمانة ما أتى به شرع الإسلام. هذه الحجة سالفة الذكر كنت قد عالجتها في مقال منفصل في موقع الحوار المتمدّن ولا أحبّ أن أكرر نفسي لذلك لكم أن تعودوا لمقالتي المعنونة بـ"هو الدّين بيقول ايه" تحت الرابط:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=696477
لكن قبل الخوض في تفاصيل المشكل وأبعاده دعونا نحدد بدقة عمّ سنتكلّم في هذا المقال كي لا نتشعّب بلا داع:
المسألة هي في فتوى الشيوخ لمستفتيهم من المسلمين حول جواز طلب الرّحمة من الله للأموات من غير المسلمين. فعلى الرّغم من وجود آية تقول : أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ "ص:9" إلّا أنّ القول في هذه المسألة عند الشيوخ الذين هم بالفعل يحملون مفاتح خزائن محبّة الخالق لخلقه في جيوب عباءاتهم واضح لا لبس فيه, فالترحم على أموات الكفار لا يجوز، سواء كانوا من اليهود والنصارى، أو كانوا من غيرهم، لقوله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {التوبة:113} راجع الفتوى رقم 240895 في موقع إسلام ويب تحت الرابط:
https://www.islamweb.net/ar/fatwa/240895
أمّا حجّة المفتي في تبرير عدم جواز سؤال الخالق أن يرحم خلقه من غير المعترفين بنبوّة محمّد فهي أنّ ذلك يمثل إحراجاً للخالق الذي كان قد أخذ على نفسه العهد بأن يشوي في ناره جميع الخلق عدا المعترفين بمحمّد نبي المسلمين. وكلمة إحراج لم آت بها من عندي بل يمكنك أخي القارئ أن تفهمها بوضوح في فتوى ابن تيمية حين قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: وقد قال تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ـ في الدعاء، ومن الاعتداء في الدعاء: أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله، مثل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم، أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك. انتهى.
كما نلاحظ أعلاه فالشيخ ابن تيمية صار يفتي للخالق بما يجوز له أن يفعل وما لا يجوز. وبالمناسبة فالآية تنتهي عند كلمة "المعتدين" أما كلمة -الدعاء- وما يتلوها من كلام فهي من تلفيق وتأليف ابن تيمية وموقع إسلام ويب. وخلاصة فتوى ابن تيمية هي في أن الله يغضب من المسلم الذي يحرجه ويطلب منه أن يرحم ويحبّ غير المسلمين من خلقه ( متكسفنيش يا عبدي والّا هزعل منك!)
وأنا من موقعي هنا سأقوم بالإضاءة على المنعكسات النفسيّة والاجتماعية عند جموع المسلمين جرّاء مثل فتاوى الكراهية تلك, وتسليط الضوء على غاية بعض الشيوخ من ترسيخ مثل تلك الكراهية بين المسلمين, وأتكلّم هنا عن المغرضين منهم لا الغافلين, الذين ضلّ سعيهم وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً.
- أوّلاً: النقطة الجوهريّة من مثل تلك الفتاوى هي تكريس حالة العداء للآخر عند المسلم كي يحافظ الدعاة على وحدة وتماسك العقل الجمعي عند المسلمين, وبالتالي يحافظ الشيوخ على مواقعهم القيادية والسيادية على عقول المسلمين وقلوبهم. ذلك أنّه وكي تبن كتلة آيديولوجية موحّدة فأنت بحاجة للآخر.. العدو .. الهم.. الهؤلاء .. الذين ليسوا منّا ولا نحن منهم .. الذين نكون نحن أنفسنا بقدر ما نتمايز عنهم بمجموعنا. ويعلم الدعاة علم اليقين أنّه ودون هذا التمايز ستنحلّ الهويّة الجمعيّة عند المسلم ويحلّ محلّها اعتداد بالفردانيّة, وبذلك يكون داعيتنا قد خسر جندي من جيش تلبية رغائبه وتطلّعاته الخاصّة باسم الله. وأيضاً فعدم جواز طلب الرّحمة لغير المسلم يورث قساوة في قلب المسلم تجعله مهيّأً لقبول فكرة اضطهاد الآخر واستساغة فكرة قتله واستعباده والسطو على ممتلكاته, على مبدأ "هل تريدني أن أكون أرحم به من خالقه؟" إن كان الله سيشويه في جهنم أبد الآبدين فهل تريدني أن أرأف به ولا أعجّل به لجهنّم أو بها لأسواق النخاسة؟. هذه الكراهية المبررة أخلاقيّاً باسم الله هي بالضبط ما ينشده الدعاة من وراء فتاوى الكراهية بين المسلمين, كي يبنوا جيشاً من المؤمنين بالله الكارهين لخلقه.
- ثانياً: تكريس فكرة التعالي والفوقيّة عند المسلم دون مطالبته بأي مبادرة من عنده تجاه الآخرين. هذا الإيحاء يريح الدماغ ويسعده أكثر من أي جرعة مخدرات يمكن أن يتعاطاها المرء. تخيّل معي لو أنني نجحت بإيهامك أنّك خير من عالم الفيزياء "أحمد زويل" أو "أينشتاين" وبأنك أنفع وأعلى مكانة من "ستيف جوبز أو توماس أديسون" وبأنك أمهر وأجمل أداءّ من "مارادونا وبروسلي" وبأنّك أعظم فائدة للعالم من مخترعي الطائرات والحواسيب. فقط وفقط لأنك تعتقد ذلك! فقط وفقط لأنني أخبرتك بذلك! ما شاء الله يا سادة, هل هذه غرزة تعاطي جماعية أم حفلة سكر على نبيذ مغشوش؟
لا يا سادة لا هذا ولا ذاك, بل هو تفريغ عقدة النقص عند الكاهن الذي وجد نفسه إزاء منجزات العلم صفراً على الشمال, فراح يوهم اتباعه بأنّهم خير من أتباع العلم والمنطق, وبالتالي فحين سيصدّقونه سيصبح هو بذاته وبأحاديثه الفارغة سيّد العلماء وفوقهم جميعهم. بالمناسبة: حتى كلمة "عالم وعلّامة" لم تطلق في تاريخ المسلمين على رجالات الدين سوى في العصر الحديث, وتحديداً بعد الثورة العلميّة, وهذا مما يشير بوضوح لعقدة النقص التي يعانيها هؤلاء أمام التقدّم العلمي بقيادة علماء الطبيعة والفلاسفة الوضعيين. وبصراحة فقد حقّ لهم ان يشعروا بمثل هذا النقص, لأنّه لا يمكنك أن تعلّمني أحكام الوضوء والتجويد ثم تقنعني بانّ ما علمتني إيّاه لهو أنفع مما علّمني إياه مدرّس الفيزياء, إلّا في حالة واحدة طبعاً, إذا أخبرتني بانّ خالق الكون سيدخلني الجنّة إن أنا قدّست أحكام الوضوء وسيدخل مدرّس الفيزياء النار أبد الآبدين, حينها فقط سأبجّل جنابك وجناب ابن تيمية أكثر من "ريتشارد فاينمان" و "د.مجدي يعقوب", وهذا بالضبط غاية الشيوخ ومبتغاهم, ألا وهو تكريس النخبويّة وفق عامل المعتقد وليس وفق عامل إغناء الحضارة الإنسانيّة.
ثالثاً: إذكاء نزعة الأنانيّة عند المسلم. فالمسلمون يركبون الطائرات ويستخدمون الحواسيب والهواتف الذكية, ويستضيئون بالكهرباء ويستطبّون بالطب ويتنعمون بكل منجزات علماء الطبيعة, ثم وفي اللحظة التي يتوجّهون فيها كأناس حضاريين من أجل شكر مخترعيها ومكتشفيها على جهودهم ومنجزاتهم, يخرج لهم بعض الشيوخ الذين لا نفع من ورائهم ولا حتى لأنفسهم فيخبرونهم بأنّ الله لا يرض من المسلم أن يشكر علماء الطبيعة بل وسيدخلهم جهنّم أبد الآبدين. كل ذلك كما قلنا من أجل الحفاظ على بساط التبجيل تحت أرجل الشيوخ. أي نعم كي تكون مسلماً بحق, فهم يخبروك بأنّ عليك التسليم بأنّ توماس أديسون الذي أنار حياتنا بمصباحه سيدخل النار, بينما ابن تيمية الذي أرهق العالم بفتاويه الإجراميّة سيدخل جنّة عرضها السموات والأرض! ولحلّ هذا التناقض يخبرك الشيوخ ببساطة أنّ هؤلاء العلماء والفنانون والفلاسفة ما هم سوى خدم أرسلهم الله إليك أخي المسلم كي يحسّنوا من حياتك ويجعلوك تتنعّم وتترفّه في الحياة الدنيا كمكافأة على إيمانك برسالة محمّد, وما عليك من فاتورة تجاه هؤلاء المبدعين من شروى نقير, لا ولا حتى ذكرهم بالخير, لا في حياتهم, ولا بعد مماتهم. فهم مجرّد آلات انتهى مفعولها بموتهم, أو قرود في السيرك انتهت أهميتهم بانتهاء العرض. بالله عليكم هل مرّ بكم من انانيّة تفوق ما يربّي الشيوخ أتباعهم عليه؟
رابعاً: معالي الأخلاق في الإسلام التي أصمّ أسماعنا بها شيوخ الدين, والتي بها يغلّفون سمومهم وينشرونها بين غير المؤمنين بهم, كالتسامح والإخاء والرحمة والعطف بل وحتّى برّ الوالدين هي أمور تخصّ المسلمين فيما بينهم, ولا تشمل أتباع بقيّة الأديان, فالمسلمون أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم, ولا تجدهم يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم, وهم في توادّهم وتراحمهم كالبنيان المرصوص, ولا يجوز لهم أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى لأنهم من أصحاب الجحيم. فالمسلم كما يريده شيوخ الكراهية, هو المسلم الذي ليس لغير المسلمين عنده سوى أن يعيشوا بعفوه ويعطوه أموالهم أو أن يعجّل بذهابهم لخالقهم كي يتسلّى بعذاباتهم الأبديّة. المسلم الذي يدعو ربّه ليل نهار بدعاء نوح على قومه, ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً.
خامساً: يعمل الشيوخ جاهدين على إرساء حالة "هوس الخطيئة" عند المسلم. فالمسلم يعتقد بأنّ الله لا يغفر لمن يشرك به أو يجحده بينما يغفر ما دون ذلك, وحين نقول "ما دون ذلك" فنحن نعني واحداً من اثنين, إمّا المجرمين من المسلمين المؤمنين بمحمّد, الذين سيغفر الله لهم إجرامهم بينما سيستنكف عن تجاوز مسألة أنّ أحداً من الملاحدة أو الكتابيين لم يؤمن بمحمّداً على الرّغم من انه لم يؤذ أحداً في حياته قط. أو أن نعن بأنّ رحمة الله مقتصرة على المسلم الذي نسي ذات مرّة نفسه ودخل المرحاض برجله اليمين بدلاً من الشمال أو مارس الجنس أو حتى شرب كأساً من الويسكي. في الحالة الأولى فنحن نتكلّم عن إله مغرور لدرجة أنّه يتجاوز عن القتل والسرقة وشهادة الزور والغدر والنصب والاحتيال بينما لا يتجاوز عن إنكار أحد لصدق محمّد نبي المسلمين. أمّا في الحالة الثانية فنحن سنتكلّم عن شخصيّة المسلم الذي عليه أن يطلب العفو ليل نهار من الله لا عن ذنب ولا عن جرم بل فقط لأنّه إنسان يؤثر بين الفينة والأخرى أن يستمتع بملذات الحياة وأطايبها. هذه الحالة الثانية هي تحديداً ما تجعل المسلم مطواعاً بيد الشيوخ, وتجعله يتضاءل لما دون ذاته, ويشعر بالذنب والإثم والخطيئة ليل نهار امام الله وممثّليه على الأرض من رجال الدين, ويطلب العفو والرضا منه ومنهم, وهذا بالضبط بيت القصيد ومبتغى الشيوخ.
خلاصة: اعلم أخي المسلم أنّ أفعال الخالق ليست رهناً لا برضائك ولا بطلبك, بل إنّ مناجاتك وآمالك منه ما هي سوى تعبير عن ذاتك ودواخلك تجاه الآخرين من الناس. فإن كنت في حقيقتك لا ترض لنفسك أن تكون كارهاً للناس فعليك بمراقبة أمنياتك لهم, فالله لا يكره أن تطلب منه أن يحبّ أحداً ولا أن يرحمه, بل يكره منك أن يراك كارهاً للآخرين مستنكفاً عن مشاركته محبّته لهم.
كفاك أخي المسلم تصديقاً للجاهلين مقدسي الجهل معليي شأن الجهّال, المصابين بعقدة التّاجر المفلس, الذي ليس عندهم من شيء يقدّمونه للناس فراحوا يبيعون الناس أوهاماً ووعوداً كاذبة. ذلك أن الكاهن كما يقول الأستاذ "أحمد سعد زايد" واثق من معرفته بما يدور في السماء أكثر من معرفته بما يدور في بيته.
هل استمتعت أخي المسلم بأداء "دييغو مارادونا الكروي" ؟ اذكره بالخير إذن. هل تصفّحت هاتفك؟ قل شكراً لستيف جوبز . هل انرت مصباح الغرفة؟ تذكّر أنه كان توماس أديسون. هل أعطيت اللقاح لابنك؟ قل كلمة محبّة بحق لويس باستور. هل طربت على أنغام أم كلثوم وعبد الحليم؟ أظهر تقديرك لهم للعلن ولا تخف. وإن أخبرك أحد بأنّ الله لا يقبل منك أن تذكر هؤلاء بالخير, فاعلم أنّ عليك إعادة النظر بماهيّة إلهك.. أو بماهيّة إله من أخبرك بذلك.
ألقاكم بخير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرحمة والرضوان لمن خدموا الانسانية.
سمير آل طوق البحراني ( 2020 / 11 / 29 - 13:46 )
الرحمة والرضوان لارواح من خدموا البشرية بدون استثاء اي مسلمهم ومسيحيهم ويهوديهم ومن اي ملة ودين . والخزي والعار لكل من ارهبوا البشرية وارتكبوا جرآئم في حقها من اي ملة ودين.


2 - حقيقه الامر
على سالم ( 2020 / 11 / 29 - 15:34 )
لاشك ان عقيده الاسلام عقيده دمويه وفاشيه ووحشيه ساديه , هذه حقيقه مسلم بها ولاجدال فيها , شيوخ الاسلام الكذبه المجرمين اللئام على مر التاريخ هم السبب فى تخلف وهمجيه ورده المسلمين وانعزالهم واوهامهم وانفصالهم عن الواقع وايهامهم انهم فقط هم المبشرين بالجنه والخمر والعسل والنسوان وباقى البشر الكفره الاشقياء نهايتهم جهنم وبئس العذاب خالدين فيها ابدا , لابد من تسليط الاضواء الساطعه على هذه العقيده البدويه البربريه الهمجيه وفضحها بين معتقديها السذج الجهله وايضا فى كل انحاء العالم والاقطار , يجب ان يتم تعريه الاسلام تماما وازاله القدسيه عنه


3 - و عندما
ماجدة منصور ( 2020 / 11 / 30 - 00:14 )
و عندما يذهب أحد المسلمين للحج في مكة و المدينة المنورة فيجب عليه أن يترحم على أديسون الذي أنار له مدينته المنورة....فلولا جهد و ذكاء و عبقرية هذا ( الكافر) و أعني به أديسون ..لما كانت المدينة منورة بأنوار أديسون الذي أضاء حياتنا بالنور!!0