الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظة في مفهوم المثقف ..!

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2020 / 11 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


وفقا لما يعيشه العرب من اوضاع استثنائية - مزرية- خاصة بلدان الخريف السياسي يعاد مجددا النقاش حول دور المثقف ..لان الواقع المتشظى اظهر ادوار عجائبية ومتناقضة لهذا الكائن المدعو بالمثقف ..وهنا يمكن القول ان المثقفين عموما لا يمكن ان يشكلوا موقفا واحدا لانهم ليسوا طبقة اجتماعية واحدة بل ينقسم هؤلاء وتتوزع ادوارهم يمينا ويسارا ووسطا ودون موقف معلن موحد ومنهم من يقف في اقصى اليسار كما بعضهم في اقصى اليمين ..ومن ثم ففكرة الحصول على موقف ايجابي داعم للتحديث والدولة المدنية رافضا للحروب والطائفية لن يكون الا موقفا للقليل الذين تجاوزوا بمواقفهم وافكارهم ووعيهم خطوط الانقسام العصبوي والحزبي نحو موقف وطني عام يعزز من حرية الانسان وحقه في الحياة المدنية داخل وطنه .. وهؤلاء نسبتهم قليلة مقارنة بالأخرين الذين يتوزعون على احزاب ومراكز القوى وشيوخ القبيلة والاجهزة المعنية بل وحتى خدمة الخارج ..
فالمثقف لا يولد كذلك ولا يرث مواقفه ووعيه بل هو عملية تعلم ذاتي واكتساب معرفة علمية ومجالدة للنفس تتبلور نحو مواقف اجرائية في مسار حياته ..في مقال سابق كتبت ان المثقف تتحدد ماهيته لا بنوع علاقته بالفكر والثقافة فحسب بل تتجسد بالدور الذي يقوم به في المجتمع على الأقل كصاحب رأي وقضية، معنى ذلك أن اشتراك المثقف في إنتاج المشروع المجتمعي والعمل على تحققه تعتبر أهم العلامات المائزة لكينونته. واذا نظرنا الى الثقافة باعتبارها مجمل المعارف والقيم والافكار والتصورات والرموز والنماذج التي يكتسبها الانسان ويعيد انتاجها بصورة متجددة هنا تكون مهمة المثقف في ابتكار رموز وتصورات وقيم جديدة وفلسفة جديدة وفقا لتحولات الزمان والمكان محليا وعالميا وعلى هذا الأساس نفهم طبيعة المثقف ودوره ومسلكه ( دراسة حول المثقف والسلطة – تم نشرها ). ووفقا لذلك نشاهد ونقرأ مواقف عجائبية للجناح التقليدي من النخبة المثقفة تبريرا لموقف زعيم حزبي او حتى شيخ قبيلة او للنظام الذي يعيش في كنفه وينعم عليه ، واخرون الوطن عندهم مجرد فكرة وليس جغرافيا وشعب ..
وهذا الامر له حضور في كل دول العالم الثالث التي لا يتشكل مواقف الناس فيها وفقا للحرية وفرص الاختيار وغياب ممكنات الحياة الطبيعية ..ولهذا نرى المثقف الاوربي والامريكي ينتقد حكومته وراسها دون خوف من معاشه ولا حياته ، والعدالة تحاكم عدد من رؤساء حكومات ودول اوربية بمخالفات صغيرة وكبيرة في حين لا تجرؤ العدالة محاكمة موظف صغير في بلاد تعصف بها حروب اهلية ويمسك زمام الامور بها جماعات مسلحة تعمم الفوضى في الشوارع والمدن ..
والأعجب هنا دخول بعض نشطاء الفيس بوك وتويتر في معارك دينكوشوتية حول قضايا دينية احيانا وقضايا اختبار معرفة احيانا اخرى ..والهدف اظهار العضلات .. فمن قرأ كتاب او اكثر وبعضهم لم يكن معروفا قبل اربع سنوات اذا به ينتقد رموز الفكر العربي والغربي احيانا ويقدم نصائح للشباب والعامة كيف يسيرون حياتهم ..مع ان هذا الامر جائز لكن وفق ممكنات موضوعية وذاتية اظهرت مثقفا ، او جمع من المثقفين وفق غزارة الانتاج والنشر وفق اسلوب علمي ..
لكن الشعبوية كنزعة انتقلت باستخدامها من رؤساء حكومات الى هؤلاء نزلاء الفيس وتويتر (مثلهم نزلاء موتيل على قارعة الطريق ) ليناقشوا قضايا هلامية بغرض حصد الاعجاب والمفاخرة بها ، ولهذا تجد مثقفا حقيقيا يكتب في اهم الموضوعات ولا يلقى من الاعجاب حتى من زملائه لهروبهم من تسجيل اعجاب يعتبر موقف لدى الذباب الالكتروني ... ولا يشاركون في قضايا يكتبها شباب جاد عن أوضاع المجتمع عامة او أوضاع جزئية ذات مغزى انساني ... في سنوات سابقة قيل لاحد المثقفين -بل من كبارهم- ان فلان من الفنانين له معجبين كثر مقارنة بك -فسمع الفنان رد المثقف بالتقليل منه ومن فنه - فقال له نقف انا وانت في الشارع ونرى مين يحتشد الناس معه وحوله فقال له بل قف انت وراقصة في ذات المكان لترى كم من الناس سينظرون لك ولها ..
ازمتنا العربية كبيرة جدا ..فلا دولة ترسخت بنيانها في الواقع المجتمعي ولا ثقافة سياسية في وعي النخبة -اقصد ثقافة ترتبط وتحتكم بالدستور والقانون - ولا وعي سياسي عام في المجتمع .. بل ذهبت اطراف الصراع لتشظية المجتمع وفق هويات فرعية لجأ اليها الكثيرون للحماية ، ومن هنا فالبحث عن مثقف له موقف وطني وانساني امرا في غاية الصعوبة ، ولن نجد الا القليل من هؤلاء ..والاخرين منقسمين حول مراكز القوى ، اصواتهم عالية بادعاء مواقف لا حقيقة لها ولا أصل ..بل نجد مثقفين ينظٌرون للطائفية والمذهبية ويمجدون رموز العسكرتاريا مع فشلهم اللامحدود وبعضهم يجعل من رئيس حزبه مفكرا وقائدا عظيما لأنه كتب سطر في الفيس او تويتر ووضع علامات استفهام كثيرة ...
اذا ..نحن امام تعدد وتنوع مواقف المثقفين وتشرذمها .. فالغالبية حول السلطة والقليلون حول الوطن ..من هنا .. فالمثقف الملتزم بتعبير غرامشي ووفق ظروف اليمن والمنطقة كلها اصبح عملة نادرة والاخرين بكثرتهم كانوا ولايزالون يكرروا مواقفهم مع الحاكم والقائد ، ومع السيد والزعيم ، ولهذا عندما تفتش هزائم وانتكاسات سابقة كان المثقف احد معاوني ومروجي تلك الحالات وتلك الظواهر التي صنعها الاعلام بقيادات ملهمة .. وهنا يستوى المثقف اليساري او الإسلامي او القومي ..واليوم تعيش المنطقة مأساة وفق بؤس ذلك المثقف وقائده السياسي والحزبي ..مع العلم ان واقعنا الراهن في مسيس الحاجة للمثقف الملتزم كما السياسي والحزبي الملتزم وفق مشروع وطني لامجال معه للأوهام والعنتريات الكاذبة ..
لقد توزع المثقفون وفقا لتعدد الانتماءات الحزبية والايدولوجية في خمسينات وستينات القرن الماضي وكانوا مصدقين لمسارات السياسة ونظريات التنمية التي حققت بعض الإنجازات والكثير من الفشل ،،، و اليوم يشابه الامس في انقسام النخبة المثقفة ، مع الفارق ان خياراتهم ليست مع برامج تنموية وسياسية بل مع مليشيات ومراكز قوى ومحاولات علنية في التنطط نحو مناصب وظيفية وحزبية ونحو كسب المال بطرق غير قانونية ..حتى منظمات المجتمع المدني غالبيتها لا تعمل وفق اجندة وطنية او تلبية لحاجات ومصالح محلية بل وفقا لأجندة المانحين فظهر نفر من قيادات هذه المؤسسات ممن اصبحوا ذو دخل عال مع امتلاك عقارات وسيارات فارهة .
المثقف العربي لن يكون الا نسخة من واقعه السياسي والحزبي والمجتمعي والقلة من هؤلاء ممن فهموا الواقع دراسة وبحث وتحليل ومواقف وطنية ولايزالون متمسكين بهذه الروح الوطنية رغم تقلب المشهد السياسي وتقلب مواقع الكثير من القيادات ومراكز القوى ومعها مثقفيها .. وهنا تجدر الإشارة الى المثقفين الذين ارتبطوا بالأحزاب والحكومات خدمة للسياسي القائد والوزير .. اهملوا معارفهم وثقافتهم واصبحوا يقدمون جهلا في مقابلاتهم وكتاباتهم ،، فاصبح القائد الحزبي والوزير يعكس جهلا بالسياسة والمثقف جهلا بدوره الذي تنازل عنه خدمة للمكاسب المالية ...
في العراق مثقف يساري يشرعن حضور المعممين وفي سوريا يشرعن للمليشيات وللطائفية وهو ذاته في لبنان حيث المثقف يبرر ويشرعن للقائد الحزبي اللي هو أيضا القائد طائفيا ومذهبيا .. والا مر ذاته في اليمن والسودان ودول المغرب العربي التي يزيد فيها المثقف الفرانكفوني المفاخر بلغته الفرنسية باستعلاء نحو مجتمعه الموصوف بالغوغاء والدهماء ..
ومع سيل الإصدارات من الروايات العربية وفق توجهات دور النشر او رغبة وتطلعا لترجمتها تأتي مضامينها توصيفيه لسرد علاقات جنسية كإشارة للخارج الذي سيلتقطها للترجمة مع ان واقع العرب المعاصر يعكس مئات المظاهر والحالات والمشاهد التي يمكن ان تتحول الى نصوص أدبية بكل تعدد وتنوع مجالات الادب ..
المثقف العربي واليمني في ازمة كبيرة في سياق أزمات مجتمعه ودولته واقليمه فهو جزء من هذا الكل واحيانا مشارك في صناعة هذه الازمات عندما يعمل بوقا للأنظمة والأحزاب والجماعات التي لا تؤمن بالديمقراطية . وهو جزء من صناعة المشهد المأزوم عندما لا ينحاز الى صف الشعب والوطن متنططا تجاه مراكز القوى المتعددة بغية فتات المال والمجد الإعلامي المؤقت (نجوم تريند في الميديا ).. وهو جزء من هذا المشهد عندما يسوق ايدولوجية ماضوية او تصورات لأوهام بغية خداع العامة قبل الخاصة وقد قال صاحب راس المال سابقا ان الايدولوجيا غالبا ما تكون هي الوعي الزائف .. ومع ذلك لابد من الإشارة للبعض الاخر من المثقفين وهم القلة الذين يقفون في صف الشعب والوطن يأملون بإصرار ان الغد القادم سيكون نصرا للدولة المدنية والمواطنة والديمقراطية ايمانا منهم بحتمية التغير السياسي والاجتماعي وان مسار المستقبل آت دونما تأبيد للنزعة الماضوية وإعادة انتاجها ..والمستقبل مرتكزه الأساسي العلم والمعرفة والتكنولوجيا ومعها جميعا يكون للثقافة وللمثقف أدوار هامة مجددا ومبتكرا وصاحب رسالة وليس بوقا لأنظمة او أحزاب مدجنة ومليشيات طائفية . ..
بشكل عام ازمة المثقف انعكاس لازمة المسار الحداثي في الدولة والمجتمع لكن الغالبية منهم لعبوا أدوار متعددة في مناهضة هذا المسار واليوم الجميع يدفع الثمن جراء بؤس السياسة وبؤس الثقافة ،بؤس النخبة الحزبية والسياسية ومعها مثقفيها الأكثر بؤسا ..ومع ذلك فلا مناص من بديل سياسي بمشروع وطني ومعه مثقف يدافع عن هذا البديل ويدعوا له دعما لمسار وطني متجدد في الخطاب والرموز والايدولوجيا ...!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السعودية.. شخص يطعم ناقته المال! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الادعاء الأمريكي يتهم ترامب بالانخراط في -مؤامرة إجرامية-




.. هذا ما قاله سكان مقابر رفح عن مقبرة خان يونس الجماعية وعن اس


.. ترامب يخالف تعليمات المحكمة وينتقد القضاء| #مراسلو_سكاي




.. آخر ابتكارات أوكرانيا ضد الجيش الروسي: شوكولا مفخخة