الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيمة التجديدية الابداعية المضافة في عملية نقد النقد استناداً لنظرية التحليل والارتقاء

سعد الساعدي

2020 / 11 / 30
الادب والفن


بحث منشور في المجلة المحكمة لأكاديمية العلوم التربوية الأمريكية/ واشنطن بالعدد الحادي عشر من المجلد الرابع لسنة 2020 باللغة الانكليزية بتقييم (بحث أصيل مبتكر).
المستخلص:
في هذا البحث الموجز نحاول تعريف ما يضيفه الناقد اللاحق من قيم ابداعية جديدة وهو ينتقد العمل الأول في محاولة منه للوقوف على أهم العناصر التي غفل عنها ذلك الناقد السابق، وأهم الاعتبارات التي وردت في النص لكنها اُهملت بسبب النسيان أو عدم القدرة على التحليل، أو بصورة مُتعمَّدة، بمعنى القصد أو دون ذلك، وتجْليتها من جديد مرة أخرى بأسلوبية نقدية يمكن تسميتها نقد النقد التجديدي كإضافة تتسق مع ما مطروح على طاولة النقد بشكله العام لا بما سعى اليه أول ناقد تناول الانتاج المُنبعِث من المُنتِج.
الاشتغال التكويني:
اذا تناولنا الشعر نرى أنَّ أغلب وأهم المحاور ترتكز على اللغة والمعنى والجمال في تشكيل البناء كأساس داخلي متين، أما النثر السردي كما هي القصص، فتغلب عليها اللغة الوصفية، وماهيّة الصراعات الحدثية المخطط لها، وقيم الانبعاث المتحرك بين الافعال زمانياً والدلالات الخاصة للمكان، حين يشتغل الروائي في بناء سرده وحبكة الرواية حتى وإنْ جاء التوقيت الزماني عائماً بوجود مكان غير محدد، هذه العوامل جميعها يجب تشخيصها بدقة من قبل ناقد ينضوي تحت لواء التجديدية (ليس بالضرورة من اتباع مدرسة التحليل والارتقاء) كي يوصل الرسالة بأمانة واضحة خالية من أية معوقات، وبذا يبتعد عن التقريرات السابقة على ما سار عليه السابقون المنضوون تحت مظلة المنهج الكلاسيكي عموماً، وهذا ما نسميه "الاشتغال التكويني". في الشعر أيضاً نجد نصوصاً كثيرة للشعراء تتعالق كل الصور الجمالية فيها لغةً ومعنى في وشائج مبهرة مع حزنها (كما هو الطابع العام للشعر العراقي الحزين مثلاً).
"من أهم ما يميز الأدب هو مرجعيته الواسعة التي تحمَّلت كل صدامات المناهج النقدية المعاصرة، فكل منهج كان يفتح نافذة ليعبر منها شعاع يستقطب المنهج الموالي له، لكن أن نجد فكرة أو مشروعاً لم يتبلور منهجاً ولم يصل مستوى المنهجية ودخل الى الساحة الأدبية معلنا تمرده على النقد الأدبي وسلطة النص فهذا أمر يستدعي التوقف عنده"1
بهذه العبارة بدأتا الباحثتان الجزائريتان اسمهان بوعلي وإيمان رميكي مقدمة بحثهما مسميتان النقد الجديد بالنقد الثقافي، لأنه جاء ما بعد الحداثة، أما ما جاء بعده المسمّى بنقد ما بعد حداثة الحداثة، أو بصورة أدق ما اطلقنا عليها المرحلة التجديدية كمفهوم جديد ومختصر تناولنا جوانب كثيرة منها في بحوث سابقة. بمعنى آخر، إنَّ الناقد اليوم بحاجة لشيء جديد، وطريقة اشتغالية جديدة، كمنهج يتماشى مع ما يجده أمامه، وما هو موجود فعلاً تجديدياً لما تنتجه الثقافة خاصة، وبقية الفعاليات الحياتية الأخرى، بعيداً عن مناهج النقد القديمة التي خنق بعض النقاد أنفسهم فيها كقوالب لا تقبل الجدل والنقاش أبداً، وطالما سمعنا الكثير من النقاد المعاصرين أنهم يبحثون عن طريقة جديدة غير مقولبة كي لا يظلوا متخندقين هناك، وينطلقوا نحو التجديد الذي حلَّ فعلاً وعملياً اليوم. كما أنَّ بعضهم لم يستطيعوا مغادرتها وأوجبوا لأي خالق تجديدي أن يسير معهم، وإلاّ فهو بعيد كل البعد عن الأدب والفن وجماليات الحياة، ونعتقد أنَّ ذلك الزمن بدأ يغادر بالتدريج وسيحل محله زمن التجديد لا محالة.
نحن لا ننفي الدور الكبير الذي لعبته الكثير من المدارس النقدية، وما أفرزته صراعاتها من مناهج فكرية، لكنها ليست جميعاً بالتي يجب الالتزام بها، ولا بأس من الاستفادة منها واخضاع النصوص الأدبية لها كشواهد مفيدة، وقد تكون تلك الضرورة مهمة في بعض الأحيان انسجاماً مع الثقافة الكونية، لا الخضوع التام لها؛ ما تستدعي الناقد الاعتماد عليها مضيفاً لها أبداعه الجديد كمبدع تجديدي.
وكدراسة تعد جديدة للباحثتين نحاول الاقتباس ما يهمنا منها لاستكمال البحث بشكل موضوعي فيما نراه تعضيداً لما يعزز قدرة الناقد التجديدي وهو يخوض غمار تجربة ستكون عاجلاً أم آجلاً ذات دلالات كبيرة ومفيدة للجيل المعاصر واللاحق. الباحثتان رأتا أن النقد الثقافي يعتمد على خصائص يمكن من خلالها معرفته استناداً لما يلي:
"إبعاد الانتقالية المتعالية التي تفصل بين النخبوي والنتاج الشعبي؛ فيقوم بدراسة ما هو جمالي وغير جمالي، (بينما تؤكد نظريتنا التحليل والارتقاء على الجمالي دون غيره). كشف جماليات أخرى بالنص لم يلتفت اليها من قبل. الدخول في عمق النص بدلاً من النظرة السطحية. كشف القيم الفضلى والحقيقية للنص. تذوق النص بوصفه قيمة ثقافية لا مجرد قيم جمالية، وذلك من خلال الكشف عن حقائق بالنص وقائله. ربط العلوم الانسانية بالأدب، علم الاجتماع، علم النفس، والتاريخ، مما ساهم في اثراء النص والساحة الثقافية اضافة لكشف حقائق بالنصوص المهمشة من خلال القاء الضوء عليها، حيث يهتم هذا النوع من النقد بالأدب السياسي والنسوي ونحو ذلك. تناول النقد الثقافي النسق المضمر في الثقافات المحلية للارتقاء بها وتسويقها للعالمية"2.
إنّ كل ما ورد قبل قليل هو من أهم المعايير التي يسير عليها الناقد التجديدي وغيره ممن يسعى لخلق نقد جديد آخر اعتماداً على طبيعته الإشتغالية بما يفيد من منهج تحليلي متطور الى أبعد ما وصلت اليه المناهج القديمة وما تعارف عليه النقاد من قبل، وبذا نكون أمام منتج جديد يؤسس لخطاب ظاهرة ثقافية تستفيد من التأويل والانفتاحات الجديدة اللاحقة، وتسجيل موقف نقدي واضح تفاعلياً بين العوامل الداخلية والخارجية ودراستها، وما هو تأثيرها، لذا وجب على الناقد أن يكون ملمَّاً بشكل واسع بجميع مكونات النظام الخطابي، والانتقال لعمل جديد هو نقد النقد لاسيما اذا كان العمل أو النص ناقداً بالأصل، أو كشف ما أراده النقد الذي ما زالت الساحة الثقافية والأدبية بحاجته، لأن النقد الأدبي والنقد الثقافي أصبحا اليوم بلا فاصل يفصل بينهما، وثمة ارتقاء متولد تنجزه الأسلوبية النقدية التجديدية.
الترابطية النقدية المقننة:
إنَّ ناقد النقد هو محرك مهم وفاعل في مجمل العملية الثقافية لا يمكنه أن يحيد عنها إلاّ إذا اهتزت ثقته بما لديه، واحساسه بوجود فجوة وهمية معيقة للأداء، وبالتالي تبعده عن الانصهار في مظاهر الاختلاف أنّى كان شكلها، كما في مظاهر الاختلاف الثقافية بين الحضارات الانسانية، كي يبتعد أيضاً عن ما يحسبه تصادم ثقافي هو في الواقع ليس إلاّ اندماج وتجديد.
فالنقد هنا يجب أن "لا يرفض الاشكال الاخرى من النقد، وإنما هو يرفض هيمنتها منفردة، أو هيمنة نوع منها منفرداً، اذ يعني ذلك قصوراً في الكشف عن الكثير من العلامات الدالة في سياق النصوص"3.
ويمكن القول عن النقد أنه: "قابل للتطور في كل الاتجاهات الممكنة التي تتيحها الحياة البشرية، ذلك لأننا نرى في بعض الاتجاهات الفلسفية أن الفعل الانساني ينتهك الضرورة ذهاباً الى الحرية عبر الوعي بالوجود وامتلاكه ثم تسخيره، وادراكا لتشجر الفعل الانساني ومحدودية الاختيار التي تفتح على احتمالية غير محدودة دوماً، وبين اللامحدود والمحدود يقوم جدل باستمرار لينتج حالة جديدة، ويكون النقد بذلك فعل انساني بامتياز، لكونه يكشف عن قوانين تكشف العمل الفني منفرداً والقيام بعملية تعميم تشمل النوع الأدبي والفني، وما نظريتا الادب والفن إلاّ صورة من صور ذلك الفعل النقدي" من هنا تظهر دلالة أخرى عن كيفية شغل المساحة المكانية النقدية باعتبار: " أنَّ فعل النقد هو الذي يسمح بالتمييز بين الوجود الخاص والماهية، بين الواقع المحدود والفكرة، وبالتالي فإن النقد لا يحلِّل الاجوبة وإنما يحلل الأسئلة"4.
إنَّ التأويل المعرفي لبواطن الانبعاث المُنتَج (النص وغيره) يساعد في تشكيل معرفة قصوى كناتج لاحق، سواء وسّع الناقد مجالات التأويل أو قلصها، بعملية نقدية ترابطية، تؤسس للقادم التطوري بصياغات مواكبة ما يحصل من تطورات فنية وأدبية مع ما تحمله من هموم واقعية لا تنفك عن مجمل العملية النقدية، وبمعنى أدق؛ تشكيل نظام خاص، له قوانين باقية الظهور دون ذوبان أو اضمحلال، مسايرة مع مجمل طبيعة النتاج العالمي العام، وبذا تسهل تسمية خصائص هذه العملية بأنها "العملية الترابطية النقدية المقننة" التي تعتمد على حضور الوعي النوعي للمفاهيم والتصورات المتزايدة، حسب ما تنتجه ظروف الاشتغال النقدي لأنَّ: "حيوية النص تستدعي حيوية في العمل النقدي، أي حيوية في المنهج ترفض جموده أو ثباته القالبي"5
الاشتغال التوظيفي والاشتغال المنضبط:
طالما تمكن الناقد من معرفة التوظيفات الشعرية والنثرية في العمل؛ فإن انطلاقه للواقع يكون محورياً ضمن التشخيص الواقعي الفعلي بما يحمل الواقع من انفعالات حقيقية هي النتيجة المطلوبة أخيراً وإن ساور كل ذلك الكثير من الخيال، لأنّ القصد الأساسي والدافع الأول هو انسان الواقع، وليس انسان الفضاء، هنا يمكن أن نطلق عليه "الاشتغال التوظيفي".
هذا ما يدعونا اليوم الى تحوُّل نقدي آخر جديد، يدرس جميع القوى الفاعلة في تكامل نصٍّ أو أي (انبعاث) جاء للحياة، يبتغي شيئاً ما، عبر الدراسة والتحليل والفهم العميق لمدلولات ذلك الانتاج، وصوره الخارجية والداخلية؛ الملونة ظاهراً، والمضمرة بين طيات الكلمات والسطور، أو تمازج الألوان فيما بينها، وطبيعة الأجواء التي تسببت بوجود الانتاج الابداعي والمعرفي، ومدى تأثير كل ذلك على المجتمع العام، والماهيّة التغييرية اللاحقة في تنوع طبيعة التلقي، ليصبح الشعر وغيره في خانة جديدة فارقت في الكثير من ديباجتها ما ظلّ عليه الكثير من الشعراء وهم يدورون في منتجعات نمطية شعرية واحدة فقط، كغرض واحد فقط لا بديل عنه، والذي لا يعني بالضرورة القصوى أنه بتفرعاته الوصفية الكثيرة هو التجديد اللغوي والفني والواقعي فحسب كالغزل، أو الوصف، أو رسم صور التاريخ مثلا بشخوصه المعنوية فقط، أو الاستدلالية كمرشد، رغم أن بعضهم كتبوا القليل في الغزل، لكن معه أيضاً توقفوا عند محطات مختلفة، كي لا تتغاير وتتباين مع ما لهم من أهداف تنويرية وفكرية بقصد انشاء رسالة منشودة، وهو الذي نسميه "الاشتغال المنضبط".
الخلاصة:
خلاصة القول، أن نقد النقد، أو ما وراء النقد، هو اضافة وتوسعة جديدة لمجمل النشاطات البشرية الثقافية، ومحاربة للجمود والركود الذي سيطر من سنين طويلة على المشهد الثقافي بصورة عامة لأنَّ "الثقافة دينامية (نشطة وحية) ومتعددة الأوجه، يدخل فيها الاقتصاد والتنظيم الاجتماعي، والقيم الاخلاقية والمعنوية والمعتقدات الدينية، والممارسات النقدية والاجتماعية والسياسية، وأنظمة التقييم، والاهتمامات الفكرية، والتقاليد الفنية"6.
من هنا أصبحت الضرورة ملِحَّة لوجود نقد جديد لاحق بعد اشتغال النقد التجديدي الأول، كي يكتسب النقد قيمة مضافة جديدة بكشف قوانين وأسس جديدة جمالية ثانية، وليست تابعة؛ تحلل النص أو أي نتاج انساني بصورة تكاملية بناءً ومعنى وجمالاً، وتعدد رؤى لم تكن موجودة من قبل بهذه السعة والشمولية التي تتعب الناقد التجديدي بكل تأكيد، لكنها مثمرة تبقى كشجرة وارفة الظلال.
............
المصادر:
1- اسمهان بو علي وايمان رميكي، مذكرة تخرج لنيل درجة الماجستير في الأدب العربي بعنوان: النقد الثقافي عند يوسف عليمات، من كلية الآداب واللغات جامعة العربي التبسي/الجزائر، 2017 – المقدمة
2- المصدر السابق، ص 12
3- مصطفى الضبع، اسئلة النقد الثقافي، مؤتمر أدباء مصر في الاقاليم، المنيا، ديسمبر 2003 ، ص10
4- جعفر حسن، ما النقد؟، طباعة ونشر البحرين، ط1، 2016، ص11
5- مجلة الآداب ، العدد 3، مارس، 1994، "حوار مع يمنى العيد"، ص52
6- فنشت ليتش، النقد الأدبي الأمريكي من الثلاثينات الى الثمانينات، ترجمة محمد نجي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2000، ص104








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير