الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيد جابر سمبه

نسيب عادل حطاب

2020 / 12 / 1
الادب والفن


كل شيء كان يدعوني ان اسقط الر جل من دائرة اهتمامي فلم يكن هناك ماكان يغريني كبائع بالتعامل معه ... الكردانة الذهبية اليتيمه المطروحة بعدم اكتراث داخل العارضه أو الجامخانه تشير الى ان الرجل خارج حركة السوق او على كد الحال ولذا فان اللقمة الدسمة التي ابحث عنها سوف لن أجدها عنده بالتأكيد هكذا قرأت الامر على الاقل وفيما عدا مصابيح العارضه الصفراء المتوهجة التي توزع شعاعها الى الخارج والى الداخل القريب حيث يجلس الرجل فان الانارة واثاث المحل وديكوره من الداخل توحي للناظر وكأن المكان لايزيد عن ان يكون قبو مهجور.......
⦁ كان هذا في منتصف الثمانينات كنت واحدا من وسطاء كثيرين يعج بهم سوق النجف على مدار الاسبوع يحملون ماينتجه صاغة الجمله والورش في بغداد ليوردوها لصاغة المفرد فيوفرون على هؤلاء مشقة السفر والبحث في اسواق شارع النهر وخان الشاهبندر عن السلع المطلوبة والمتقنه الصنعة والاسعار المناسبة في نفس الوقت الذي يسعى فيه تجار الجملة والمنتجون وامام حدة المنافسة للتسابق في تصريف بضاعتهم باسرع مايكون وايصالها الى هؤلاء عبر استقطاب أنشط هؤلاء الوسطاء واكثرهم امانة وذمة فهؤلاء التجار يعطون بضاعتهم للوسطاءدون غطاء سوى امانة الوسيط واخلاصه فضلا عن ان صائغ المفرد يبحث عن الشراء بالأجل والوسيط هو من يمكن ان يوفر له هذه الخدمه ...كنت انذاك موظفا لدى الدولة وحين انهي دوامي اعود مباشرة الى شارع النهر لاساعد والدي فانا ذراعه اليمني بل ذراعيه الاثنين لهذا السبب كنت اختار الجمعةلانه عطله ليكون اليوم الذي احمل فيه بضاعةمحلنا وما يمكن ان احصل عليه من بضاعة اخرى من التجار الاخرين يوصيني بها زبائني صاغة النجف.. أجمع البضاعة من المصوغات الذهبية في جلة او علاكة جلدية وغالبا ما تكون أثنتين وأغطيها بأسمال وجرائد للتمويه واترافق مع وسيط اخر واحيانا كثيرة اكون وحدي ثم الى كراج الكرخ ومن هناك الى النجف بواسطة باصات الكوستر المزدحمة بزوار الجمعة. دون الوسطاء الاخرين اختارني الرجل فأومأ لي بالدخول كنت قد انهيت جولتي توا على زبائني وكان هناك مايكفي من الوقت لأجمع ماتوفر لي من الديون قبل أن أقفل راجعا الى بغداد قلت في نفسي سوف لن أخسر شيئا لآ رى ماذا يريد هذا العجوز الحافي . رجل أخمن انه تجاوز الستين أو نحو ذلك بوجه أسمر حنطي ممتليء وذقن حليق وعقال بغتره سومرية وسيكارة بين أصابعه في حين وقف أمام الدكان مستندا على زاوية الباب المفتوحه فتي جميل .لايزيد عن العاشره هاديء هدوء غريب على من في مثل سنه حتى خلت انه أخرس او ذوو عاهه .حسن المنظر وبملابس وهندام نظيفيين زاهيين يوحيان بما لايقبل الشك بان وراءه أما متفانية ومخلصه وعلى منضدة البيع والشراء ميزان كلاسيكي للذهب بكفتين تناثرت بجانبه بشكل فوضوي عياراته وبعض من عدد الصنعة ..الا ان اهم مالفت نظري نفاضتا السكائر المملوئتان الى الاخر بحيث يكاد الرماد يفيض منهما فيتناثر على السطح ان لم يكن قد تناثر فعلا مما اوحى لي ان الرجل مدخن شره وهو ما تاكد لي فعلا بعد ذلك حين رأيته يولع السيكارة من سيكارته السابقة التي اوشك تبغها على النفاذ....
⦁ _ عمي انت شسمك
عندك جنس . أتبع الرجل سؤاله الاول ....والجنس هنا يعني بضاعة او موديلات فالنجفيون من الصاغة يسمون المصوغات جنس
كل هذه الاسئلة المقتضبة والجافة وغيرها تجاوبت معها بطولة بال واحترام الا ان سؤاله الاخير بدا غريبا ومستفزا
_ وهل تحب الامام علي
كتمت غضبي... ما هذا السؤال وماعلاقة الامام علي بعملي هل يمتحني هذا الرجل وبهذا الشكل الفج اتراه يقصد استفزازي ومناكدتي لانه يعرف او يفترض مسبقا اني غير مسلم على اية حال تحاملت وأجبت الرجل بابتسامه عريضه اقرب منها الى السخرية ويبدو ان الرجل ادرك ان سؤاله كان استفزازيا وغريبا فتدخل ليساعدني في الوصول الى الجواب الذي ينشده وينتظره ...اعرف انك تحبه
_أذن مقدما عليك الامام علي لاتبيعني بضاعة اغلى مما تبيع للاخرين ما أطلبه منك ان تحاسبني مثلما تحاسب الاخرين في السوق واذا بعت باسعار مختلفه فحاسبني على أقل سعر بعت فيه ... اني محسوبك سيد جابر ثم اضاف عمي اني روحي جزعانه مالي قرصاغ ولا حيل ولا مهجة اتعامل وأٍساوم
ضحكت في داخلي فرحا و متعاطفا في أن معا اخيرا وجدت واحدا من الذين لن يناكدوني فالصاغة هنا في النجف مع كرمهم وترحيبهم ودماثتهم وعزوبيتهم فان أغلبهم يحبون المساومه ويغرقون فيها الى درجة منفرة وكم حاولت ان اكون صادقا واكشف ثمن التكلفه ومقدار الربح الذي اضيفه فاكتشفت ان بعضهم لا يقتنع وانه يطالب بطرح هامش الربح التافه والمضاف ...لذا فقد خلصت ان الكذب هي الوسيلة المريحة والاكيدة للربح وتذكرت وذكرت نفسي معزيا ان اليونانين القدماء جعلوا للكذب والخداع والتجاره الها واحدا وحسدت الصحابة الكرام كيف تسنى لهم ان يجمعوا النقيضين التجاره والصدق ..!على اية حال فقد كان الامر لايخلو من استثناء أذ كان لي زبائن من الاصدقاء يعرفون اني اصدقهم القول دائما الا ان هؤلاء كان اغلبهم من شرابي ومحبي العرق وعاشقيه .. كنت احيانا اصطنع معاكستهم وتوبيخهم فكان جواب الواحد منهم لكن العرق يقربنا الى الله الم تجدنا امناء صادقين .فذلك بسبب العرق ويستطرد معقبا ...عركات ونشربها بالبوكه بين القبور مثل الحرامية وحاسدنه... ثم يعمد الى جلة البضاعة والفلوس فينتزعها من يدي انتزاعا ويرميها اخر الدكان بجانب الخزنه ويرغمني على اصطحابه لتناول الكباب في احد الدرابين المتفرعة من سوق النجف الكبير وحين اعترض مطالبا بحفظ علاليكي ومافيها من ذهب ودنانير في خزنته الحديدية اثناء غيابنا سيما وانه يترك ادارة المحل لصانعه صغير السن يجيبني بثقة مصحوبه بتهكم... لاتكترث لن يضيع لك حتى ولا غرام واحد انا المسؤول وستكتشف بنفسك من هم شرابي العرك هؤلاء ....اعود الى سيد جابر وحكايتي معه ... بعد حواره ذاك معي سألني ان أريه ماأحمل من مصوغات.. أخرجت نماذج البضاعه وطرحتها على المنضده امامه .. اختار منها مايريد وحدد اعدادها ....خمس سلاسل قاردون حلبي ... محابس شذر سينائي سبعة ..كرادين ثلاث وهلمجرا جمعها في كفة الميزان ووزنها فيما رحت اعد وصل البيع ...اعطاني وزن البضاعة الكلي كانت كلها من عيار 21 حبه حسبت مايقابلها من الذهب الخام أدرجت تفاصيل البضاعة وأوصافها وتفاصيل الاجور وما ان قطعت نسخة الوصل الاولى نسخة المشتري من دفتر الوصولات ودون ان يستلم الوصل او يدققه كما هي العادة في كل معاملات الصاغة فاذا بالسيد يزحزح كرسيه ذي العجلات قليلا قدر مايسمح به المكان ويفتح درج المنضدة الخشبي ليخرج منه صرة من الكواغد بها كيلوغرام أو أزيد من الذهب الخام المصفى محليا و لفة نقود
_تفضل عمي نسيب أقطع من الذهب وأوزن حقك ثم خذ من هذه النقود مبلغ الاجور وتوكل.....
ماهذا....لهنا وبس في كل عمليات البيع والشراء هناك طرفان البائع والمشتري أما ان اكون انا البائع والمشتري في أن معا فهذا مالم يمر علي أو اسمع عنه من قبل ومرة اخرى وقفت مشدوها حائرا مترددا لياتيني صوت السيد معاتبا وحاضا ....عمي لاتخاف بس موكتلك اني جزعان من الدنيا وكاعد هنا الله وكيلك غصبا عني
بيني وبين نفسي ماهذا ياسيد جابر انت تحملني اكثر من اللازم سافترض حقا انك تستأمني شكرا لك.. لكن لم هذه الثقة التي لم اطالب بها.ثم ان اقوم انا باستعمال الميزان وانا واقف وأقطع فصوص الذهب الخام وافتته امر يشق علي حقا ولكي اقوم بهذا الامر على احسن صوره كان الامر يقتضي ان اجلس بدلك سيدنا امام الميزان وان أضع وعاء الذهب في الدرج المبطن وأغطي الذهب جيدا عند القص تلافيا لتبعثره فكيف وانت بكرسيك تزاحمني على الحيز الضيق امام الميزان ...على اية حال تدبرت امري بعد ان تقصدت وجعلت كفة الميزان تميل لصالحه قليلا ... كان امتحانا ليس له مايبرره سحبت نفسا عميقا لملمت حاجاتي بعد ان دحست حاجاتي جيدا في قعر حقيبتي الجلدية وانصرفت
غريب حقا أمر سيد جابر هذا فلولا كلمة السيد الملحقة في بداية أسمه والذي تعود العراقيون على استهلال الاسماء بها لما عرفت انه من نسل فاطمة الزهراء لم يكن هناك مايشير أو يوحي الى هذا الامر لا في لباسه ولا في هيئته ولا حتى في طريقة كلامه .. كان كل شيء فيه يشير الى زهد مصحوب بملل وعدم اكتراث بكل شيء كأنه كان يعمل بالسخرة .. لم يستغل هذه الصفة لاصطناع ورع او تقوى زائفه بل انه لم يعترض على طريقة بيع البضاعة فقد كان صاغة الجملة وتلافيا لتقلبات سعر الذهب يفرضون البيع بالمقايضه ...الذهب مقابل الذهب اما اجور التصنيع فتحسب نقدا وهو ما كان البعض القليل من الصاغة المتدينين يعترضون عليه باعتبار ان المقايضه حرام شرعا لكنهم وامام أصرارنا ومشاركتنا الخوف من تقلبات سعر الذهب يلجأون الى تخريجات شرعية فيشهدوننا على ترديد مايودون ان نقوله في حين ان الامر على الواقع يجري وفق ما نريد وهو البيع بالمقايضة .. قبل ان اترك السوق الى كراج بغداد للعودة مررت بصاحبي الذي كنت استودعه حرصا وخفة مايتجمع لدي من الذهب الخام والبضاعة التي لست بحاجة اليها ...سألني وكان في زحمة العمل والانشغال مع زبوناته عن سبب تأخري سيما وان المساء قد حل و أوشك الظلام ان يلف كل شيء قلت له انه سيد جابر الله يحفظه صرفت وقتا لأرضيه
من..اي سيد جابر منهم ..لأول مرة اعرف ان هناك اثنين من الصاغه يحمل كلاهما اسم سيد جابر قلت له انه السيد الاسمر صاحب العقال ...اها تقصد سيد جابر سمبه اذن هذا اسمه وكنيته....لكن كنيته تدل على ارتباطه وباعه في الصنعه وانا الذي تصورت انه دخيلا على المهنه حين تحجج بالجزع وأوكل لي ان احاسب نفسي بدلا عنه ... فالسمبه عند الصاغة هو قلم من الحديد او الفولاذ المسقي يستخدم لقطع بطانة الذهب باشكال وصور مختلفه حسب شكل القلم من خلال الضرب عليه من الاعلى بالجاكوج . ما يعني ان الرجل كان يوما ما يمتهن الصياغة ويحترفها
عند هذا الحد بقت معرفتي بالسيد .في كل مره ابيعه كان علي ان اقوم بنفس الدور يحدد لي البضاعة المطلوبه ثم يوكل لي تكملة الباقي على اني اكتشفت ان السيد كان لايبتاع الا مني وانا بدوري التزمت بما طلبه مني فكنت احيانا ارجع له بعض من اجور البضاعة التي بعتها له حينما اقوم لاحقا وقبيل الرجوع بترخيص اجور بيع المتبقي من جنسها... استمر الحال على هذا المنوال فترة ليست قصيرة ... لكن و في يوم في جلسة دردشه خاصه مع احد اصدقائي من الزبائن ذكرت له معاناتي مع السيد وتساءلت امامه بجهـــــــل لماذا لايترك السيد المهنة ويجلس في البيت اذا لم يكن يجيدها اولم يعد قادرا عليها .... رأيت صاحبي وقد امتقع وجهه وتغير لونه ليجيبني لماذا تنظر للامر هكذا لماذا لاتقول ان السيد يستأمنك فعلا هل رأيته يفعلها مع أحد أخر من جماعتك أو يتعامل معه ثم أضاف بصوت ناصي ونبره حزينه فيها كثير من الاسى ..احقا لاتعرف سالفة الســـــــــــــــيد ..............
_ لاوالله
السيد عنده خمسه ...تساءلت خمسة ماذا..؟ أها خمسة اولاد وماذا في ذلك.. فأكمل مؤشرا على رقبته .. تقصد عنده خمسة اولاد معدومين فهز لي رأسه .... نعم خمسة عدمهم صدام ... يا الهي خمسة مرة واحده... ..الله يساعد كلبك سيدنا
تركت صاحبي وهرعت الى سيد جابر معاتبا....سيدنا ليش ما خبرتني واني أخذت غيبتك
شكلك بويه نسيب ...أجابني السيد بصوت متهدج حزين وقد فهم قصدي
وددت لو احضنه وأقبله.. اقبل يديه ...رأسه . أواسيه... أشجعه.. كنت بحاجة الى البكاء لآغسل هذا الحزن الذي أجتاحني . عمي المتقاعد الذي كان يصطحبني ذلك اليوم على غير العادة فاضت دموعه بعد ان ارتمى على المقعد المقابل ..كنت احملق في وجه السيد وفي داخلي اتسائل وانت بعدك فارد طولك سيدنه... ومقاوم.... الله يساعدك .مصيبتك طركاعة تشبه مصيبة ابن خالتي سعدي باخوانه أولئك كانوا ستة لم يأذوا بشرا ولا أظن ان اولادك كذلك فصاحبي قال انهم كانوا من حملة الشهادات وربما ان لم تخني الذاكرة فان كبيرهم كان طبيبا او مهندسا ...فززني صوت السيد وهو يقول
__اني اللي كسرني اكثر موتة العلوية... كانت تصر على ان تصلي وتدعي ربها على سطح الدار حتى في عز الشتاء لم تحتمل البرد ولا المصيبه فتركتني لهمي ورحلت ...ثم اكمل... ما اريد شي بعد من هاي الدنيا بس اريد هذا وأشار على ابن ابنه الواقف في زاوية الباب شوية يكبر حتى يكعد هنا ويعيش اخوته عندها اكدر احط راسي واموت
سيد جابر ... لترقد بسلام روحك وأرواح أولادك وارواح كل المظلومين والشهداء العراقيين ايا كان دينهم وجنسهم وقوميتهم وفكرهم السياسي اولئك الذين قضوا تحت حكم الطاغية وورثته من تجار الدين واللصوص والعملاء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد