الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معاناة الرب في مفاوضاته مع بني اسرائيل ..نكتة يهودية!

محمد القصبي

2020 / 12 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


لدى اليهود نكتة يسخرون بها من أنفسهم ..من برودهم الكارثي إن أجْبِروا على الجلوس على مائدة المفاوضات حول نزاع ما !الأمر الذي يدفع الآخر إما إلى رفع الراية البيضاء والاستسلام لمطالبهم أو القفز من نافذة القاعة إن كانت في الطابق العشرين !
تقول النكتة أن اليهود دخلوا في مفاوضات مع الرب حول أمر ما ..المفاوضات استمرت عشرات السنين ، دون أن تصل لشيء ،حيث لايكفون عن طرح الأسئلة وتكرارها ، ثم يدخلون في مئات التفاصيل ، وكل تفصيلة يستمر التفاوض حولها سنينا ،ليتم تجزأتها إلى جزيئات لاترى بالعين المجردة ، غضب الرب ، فأنهى المفاوضات صائحاً في يأس :لا جدوى من الحديث معكم..أعيدوا إلي الكتاب الذي أنزلته عليكم!
فقالوا في برد : لك ماتريد ..كتابك هناك.. فوق جبل زينون بأورشليم.
ذهب الرب إلى جبل زينون ليستعيد كتابه فإذا به أمام مشهد أذهله .. فصرخ فيهم : أنزلت عليكم كتاباً واحدا فإذا بكم تحولونه إلى جبل من الكتب !
النكتة سعيت إلى أن أصل إلى تفاصيلها نصا كما هي متداولة بين اليهود لم أتمكن ..إلا أن هذا جوهرها كما حكاها مرة الكاتب الراحل أنيس منصور في أحد مقالاته..أوكتبه- لاأتذكر-
على أية حال تلك النكتة المتداولة بين اليهود
ليست معدومة الصلة بماضيهم وحاضرهم ..أما عن الماضي فثمة تصوير رائع في قصة البقرة لمفاوضاتهم مع الرب حول البقرة ،والتي استمرت أربعين عاما ، يجادلون ويسألون عن هويتها ولونها، ومايسألون عنه في البدء يعيدون طرحه مجددا ."الآيات من 67 ـ 71 " .
أمر بسيط كما نرى يتعلق بالتضحية ببقرة، أمضوا يفاوضون الرب بشأنه عبر النبي موسى أربعين عاما !!
ويقينا..هذا حالهم الآن؟
خلال زياراته لدمشق في أكتوبر عام 1991
فوجيء جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي بأن جلسة مباحثاته مع الرئيس السوري حافظ الأسد "صعب المراس" تنتهي بموافقته على كل ما طرح من موضوعات شائكة تتعلق بالقواعد الذي سيتكيء عليها تنظيم مؤتمر مدريد وبجدول أعمال المؤتمر وكيفية مشاركة الفلسطينيين "وفد مشترك مع الأردنيين" ..وفي ختام جلسة المباحثات حيث بدا بيكر مبتهجاً لتلك النهاية..فإذا بالرئيس السوري يسأله :
- لكنك لم تسألني إن كانت سوريا ستحضر أم لا!!!!
بدت العبارة كقنبلة فاجأ بها الأسد ضيفه ..وتساءل في ذهول : ماذا يعني هذا ..ألن تشاركوا في المؤتمر؟
فقال الأسد بهدوء :
-المصريون أمضوا 7 سنوات يتفاوضون مع اسرائيل كي تنسحب من كيلومتر "كان يعني طابا"..فكم نحتاج من الوقت لكي نتفاوض حتى ينسحبوا من الجولان والضفة وقطاع غزة!!!!!!
والمعروف أن نزاع طابا افتعلته اسرائيل في ابريل عام 1982
قبل شهر واحد من انسحابها من سيناء..حين اتفق الجانبان المصري والإسرائيلي على إتمام الانسحاب من سيناء على أن تنظم مفاوضات لاحقة بين الجانبين بشأن طابا..أو ماعُرِف بالنقطة 91
الحدودية.. ونص الاتفاق المؤقت حينها على امتناع إسرائيل عن بناء أية منشأت فى طابا إلى أن يتم حسم مصيرها عبر المفاوضات أو التحكيم الدولي.. ولكن إسرائيل بدأت تتلاعب حيث أعلنت فى 15 نوفمبر 1982 عن افتتاح فندق سونستا طابا، وإنشاء قرية سياحية كمحاولة لفرض الأمر الواقع ..تماما كما تفعل في الضفة الغربية والقدس ببناء المستوطنات..وبالطبع كل مسمار تدقه ..في حاجة إلى قرن من المفاوضات لنزعه!!
وأتذكر خلال متابعتي لرحلات جيمس بيكر المكوكية في عواصم المنطقة أواخر عام 1991 تمهيدا لمؤتمر مدريد أن غمرتني مشاعر التفاؤل ..فكل القواعد التي أعلن عنها كأسس للمؤتمر تؤكد أن الصراع على وشك الانتهاء ..ومن هذه الأسس:
- تأمين الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية الأخرى المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشريف، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم (242)
- ضمان عروبة القدس الشريف، وتأكيد اعتبارها جزءاً لا يتجزأ عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ينطبق عليها ما ينطبق على سائر الأراضي المحتلة.

- ممارسة الشعب الفلسطيني لحق تقرير المصير على ترابه الوطني.

- حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الأمم المتحدة.

- الإيقاف الفوري للاستيطان تطبيقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام

- تطبيق قرار (242) على كافة مراحل الحل بما يضمن ترابطها وتحقيق الحل الشامل والسيادة الفلسطينية على الأرض والمصادر الطبيعية، والشؤون السياسية والاقتصادية.
وضاعف من تفاؤلي كمواطن مصري عربي ..أن تلك الأسس وغيرها أعلنها بوش بنفسه في مارس 1991..وكنت أراه رئيسا أمريكيا يتمتع بمصداقية عالية وقوي بمايكفي لفرض السلام العادل في المنطقة .. ..
لكن انتهى مؤتمر مدريد وبعده أوسلو ..وكامب ديفيد الثانية "كلينتون – عرفات – باراك" ..30 عاما بعد مدريد والمفاوض الإسرائيلي" يعيد ويزيد"عن هوية البقرة ولونها !!!
كم كنت ساذجا حين ظننت في خريف 1991 أن السلام العادل أصبح تماما في متناول اليد.
أهذا حال قادتنا الآن الذين يوقعون على اتفاقيات " سلام" مع نيتنياهو ..اتفاقية وراء اتفاقية .. أهم أيضا سذج ؟أم أنها ضغوط ترامب ووعيده ..مع "طمأنة " المواطن العربي الساذج بتصريحات من هنا وهناك بأن السلام آت لاريب على أساس حل الدولتين!!
لكن المواطن العربي ليس ساذجا..ولاعلاقة له بتطبيل الميديا ..مرة اكتشف سائق تاكسي بسيط أن الراكب الذي يهجع في الكرسي الخلفي من خلال الحديث معه اسرائيلي فأوقف سيارته وطلب منه النزول.
وكما رأينا إعصار الغضب الشعبي الذي
لاحق محمد رمضان بعد فعلته الشنيعة في الإمارات ..
لكن علينا أن نعي جيدا أن رفض رجل الشارع العربي التطبيع مع إسرائيل لا يعني أنه يربض في خندق مغاير لخندق الأنظمة العربية التي "طبعت".
بل في الحقيقة يعضد موقف هذه الأنظمة في أي مفاوضات مع إسرائيل!وليت الحكام العرب " المطبعين" يدركون ذلك!
هي لعبة أجادها ساسة إسرائيل في كامب ديفيد وأوسلو ..إن طالب المفاوض العربي بحق من حقوقه يرد المفاوض الإسرائيلي بأن الموافقة ستشعل غضب اليهود المتطرفين داخل إسرائيل وفي الكنيست..مما يهددالوصول إلى اتفاق!!
أي أن ساسة إسرائيل سعداء بمواقف التلموديين المتطرفة ..هم يوظفونها جيدا على مائدة المفاوضات ..بما يقلص من طموحات المفاوض العربي !
هي تقسيمة الحمائم والصقورفي الأوركسترا الإسرائيلية..كل يعزف على وتر مناقض لأوتار الآخرين ..لكن كل النغمات تنتهي بسيمفونية مصلحة اسرائيل الاستراتيجية!
وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الساسة العرب ...من الغباء أن يلاحقوا معارضي التطبيع في الشارع العربي ويزجون بهم في السجون ..بل الحكمة تقتضي توظيف الرفض الشعبي للتطبيع جيدا لتقوية موقف المفاوض العربي حتى يتمكن من اقتناص حقوقنا من قبضة المفاوض الإسرائيلي.
وما أخشاه كمواطن عربي أن تكون اتفاقيات التطبيع بين بعض العواصم العربية وإسرائيل تتكيء في جوهرها على الشعار الإسرائيلي" السلام في مقابل السلام"..
وليس "السلام في مقابل الأرض" ..البلطجي ترامب لوح بورقة الغول الإيراني ليجبر عواصم خليجية على التطبيع الشامل مع إسرائيل أو ورقة إسقاط السودان من قائمة الإرهاب ليدفع الخرطوم في نفس الاتجاه ..مع خلو قائمة النوايا من أي توجه جاد ينتهي بالتأسيس لدولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على تراب ماقبل 5يونيو..عاصمتها القدس الشرقية.. وما التصريحات التي تصدر من هذا الطرف أو ذاك التي تحاول تسويق اتفاقيات التطبيع الثنائية تلك على أنها خطوات على طريق الحل الشامل ليست في الحقيقة سوى مسكنات لرجل الشارع ..
وحتى لو دفعت واشنطن بالإسرائيليين إلى مائدة المفاوضات ..فالأمر قد لايتجاوز كونه مجرد لمسة ديكورية على هوجة التطبيع التي تنبأ ترامب بأن 10 عواصم عربية ستشارك فيها!!
فإن أتى بايدن بسياسة مغايرة ..و" أجبر" ساسة إسرائيل على المشاركة في مفاوضات جادة ..فسوف يغرق الجانب الإسرائيلي قاعة المفاوضات بتريليون جزئية حول لون البقرة وعينيها وأنفها وذيلها ..و..كل جزئية في حاجة إلى قرن من المفاوضات !!
لكن هذا لايعني أن إسرائيل غير مؤرقة ..نعم ..ثمة عواصم عربية رضخت تحت وطأة ضغوط إقليمية وأمريكية ..وهذا بالطبع يسعد الساسة الإسرائيليين ..لكن لن يسعدهم أبدا نبذ رجل الشارع لمحمد رمضان ولا رفض سائق التاكسي لوجود راكب إسرائيلي في سيارته..
وكنت أتمنى خروج مظاهرات في أبو ظبي والخرطوم والمنامة ترفض التطبيع وتتعامل معها حكومات تلك الدول باعتبارها دعماً لها في مواجهة التحالف الإسراأمريكي!
هذا يضاعف من أرق الإسرائليين كثيرا ..فمهما تضخمت الدولة اليهودية عسكريا واقتصاديا وسياسيا فسوف تظل منقوصة طالما أنها منبوذة في محيطها الجغرافي ..فإن تحملت هذا أعواما ..فلن تطيقه عقودا..خاصة وأن ثمة عوامل تحلل داخل الجينوم الإسرائيلي المصطنع تناولها الباحث الإسرائيلي
أورولي وزولي في كتابه (هل ستبقى اسرائيل حتى عام 2048 ؟) ..!!
وأيضا مواطنه البروفيسور ألان دوتي في كتابه " الدولة اليهودية..قرن لاحق"..
فليت الساسة العرب يدركون هذا ..ويرون في رفض الشارع لمحمد رمضان سلاحاً موجهاً نحو الآخر وليس نحو قصورهم !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، أي تداعيات لها؟| المسائية


.. الاتحاد الأوروبي يقرر فرض عقوبات جديدة على إيران




.. لماذا أجلت إسرائيل ردها على الهجوم الإيراني؟ • فرانس 24


.. مواطن يهاجم رئيسة المفوضية الأوروبية: دماء أطفال غزة على يدك




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا الحربية أغارت على بنى تحتية ومبان