الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأبعاد السياسية لأزمة التيجراي في إثيوبيا

هويدا احمد الملاخ

2020 / 12 / 3
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


قامت حكومة الجبهة الشعبية لتحرير إثيوبيا عام 1995 وفقاً لدستور البلاد؛ بتقسيم إثيوبيا إلى تسع ولايات إقليمية ذات حكم ذاتي مقسّمة حسب العِرق واللغة وهي: (تيجري- عفر- أمهرة- أوروميا- أوغادين - بني شنقول – قماز- غامبيلا، هراري، إضافة إلى ولايتَين هما : أديس أبابا و ديرة داوا) ، وبناءً على هذا التقسيم نجح الحزب الحاكم أيضاً في جعل أساس تشكيل حزبه السياسيّ عِرقيّاً.
ويوجد في أثيوبيا نحو مائة لغة يمكن تقسيمها إلى أربعة مجموعات لغوية رئيسية هي السامية والكوشية والأومية وجميعها من الأسرة الآفرو آسيوية، كما أن هناك مجموعة رابعة تنتمي إلى النيلية وهي جزء من أسرة النيل الصحراء اللغوية ، إن التمايز اللغوي يعد من أبرز أسباب الخلافات في البلاد ، ودائما تغرق إثيوبيا في دوامة الصراعات العرقية.
وتعتبر حقوق الأقليات جزء لا ينفصل من حقوق الإنسان، فقد أعلنت الأمم المتحدة إعلاناً يختص بالأقليات في عام 1992م ، وقد تضمن هذا الإعلان للأقليات حقوقَهم المتعددة، فيما يتعلق بالديانة واللغة، وأفرض على الدول ضرورةَ حمايتهم من جميع الجوانب وعدم تفريقهم عن باقي مواطني الدولة ، ولكن علماء السياسة مثل إيريك كاوفمان Erik Kaufman و أوديد هاكلاي Oded Haklai لهما رأى مختلف فى الوضع السياسي والاجتماعي لبعض الأقليات القوية داخل الدول ، حيث يعرفون الأقليات السياسية المهيمنة بأنها: «تلك المجموعات المتميزة، الحاكمة بشكلٍ جماعيٍّ، القادرة على الحكم على الأغلبيات برغم تفوّق الأغلبيات العددي ديموغرافيّاً» ، وفي معظم الحالات؛ كانت هذه الأقليات المهيمنة نتاج عملية الاستعمار وما بعده ، من أبرز القوميات في إثيوبيا ( الأورومو والأمهرة والتيغراي ) .

تعتبر أقلية التيجراى التى تمثل عشرة فى المائة من تعداد سكان أثيوبيا من المنظمات الإثنية القوية داخلها أ فقد أعلنت الكفاح المسلح للحصول على حق تقرير المصير لإثنياتها خلال الحرب الأهلية الإثيوپية التى اندلعت خلال الفترة من 1974 – 1991 م وتمكنت من تحرير مناطق عديدة من سيطرة النظام الامبراطوري من خلال حرب العصابات ، ونجحت فى تحريك الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالامبراطور هلا سيلاسي عام 1974.
ومن اجل تطوير استراتيجيها السياسية والعسكرية فى شكل منظم ومؤثر أسس عدد من النشطاء اليساريين الماركسيين في أوائل عام 1975 م جبهة تحرير شعب تيجراي ، وتمكنت تلك المنظمة من إنشاء جبهة موحدة تحت رايتها ولعبت دوراً أساسياً في الإطاحة بـ منغستو هيلا مريام عام 1991 م ، ثم ورثته كنظام سياسي جديد يعيد هيكلة المجتمع الإثيوبي ضمن منظومة تحافظ على هيمنة أقلية التيجراي داخل البلاد ، وفي مطلع عام 1989 م تحالفت جبهة التيجراي مع الحركة الديمقراطية لشعوب إثيوبيا لإنشاء الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية ، وقد أعلنت تلك الجبهة تخليها عن الأيديولوجية الماركسية وتبنّي التوجهات الغربية منذ عام 1990 ، لتحظى بالدعم والقبول الغربي بعد انهيار الاتحاد السوفيتى ، مكنها ذلك التوجه الجديد من الوصول إلى السلطة وتحقيق الكثير من الإنجازات السياسة على الصعيد الداخلي والخارجي ، فأكملت الجبهة مسيرة النضال حتى تمكنت مع حركات التمرد الأخرى من الإطاحة بنظام منجستو، ثم عملت كنظام سياسي لإثيوبيا بعد ان تولي زعيمها رئيس الوزراء الأسبق التيجرى ملس زيناوي السلطة في مايو عام 1991، بعد إطاحته نظام الرئيس الإثيوبي الأسبق منغستو هيلا مريام .
كما وسّعت إطار عضويتها بضم بعض المنظمات الإثنية الجديدة، لتتشكل الجبهة الثورية – في صورتها النهائية منذ عام 1994.
مما سبق حظيت جبهة تحرير شعب تيجراي بدور سياسى فعال داخل البلاد منذ الإطاحة بالزعيم الماركسي منغستو هيلا مريام، في عام 1991 وحتى عام 2018 ، كانت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي هي الشريك الرئيسي في الائتلاف الحاكم، فضلاً عن إدارة إقليم تيغراي نفسه ولعبت الجبهة بوصفها قوة عسكرية مدربة على حرب العصابات، دوراً محورياً في الإطاحة بمنغستو، وواصلت هيمنتها، ليس على سياسة البلاد فحسب، بل وعلى اقتصادها أيضاً ، ويمثل خلاف الجبهة مع آبي احمد تصدعا عميقاً في قلب السلطة في البلاد. وهو أول رئيس وزراء من عرقية أورومو .
إن اشتعال الأزمة الأخيرة بين الجانبين ليست وليدة الساعة، بل كان يتنامى منذ فترة طويلة إذ كانت جبهة تحرير شعب تيغراي، التي ظلت الحزب السياسي المهيمن في إثيوبيا لعقود، تتنازع مع حكومة آبي احمد منذ توليه السلطة في عام 2018 ، فبعد انتخاب آبي احمد بوصفه زعيما إصلاحيا ، نتيجة ثورة شعبية قادتها بعض القوميات في مقدمتها قومية أورومو، ما أدى إلى استقالة رئيس الوزراء السابق هيلي ماريام ديسالين وترشيح رئيس الوزراء الحالي المنتمي لهذه القومية، و بعد أن وصل لسدة الحكم آبي احمد شن عدة اتهامات بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان لعدد كبير من المسئولين في الحكومات السابقة ، على اثر ذلك قام بحملة إقالات جماعية واعتقالات واسعة لشخصيات بارزة في الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي من المناصب التي كانوا يشغلونها في الحكومة المركزية. وشمل ذلك رئيس المخابرات السابق والمسئول البارز في جبهة تحرير تيغراي، غيتاشيو آسفا، الذي أفلت من الاعتقال وفرّ إلى تيغراي، حيث لا يزال هارباً من العدالة حتى الآن ، إضافة إلى ذلك أدى تشكيله اللاحق لحزب الرخاء الجديد إلى إزالة أعضاء جبهة تحرير تيجراى الشعبية من المناصب السيادية، ولم يتوقف الامر عند ذلك الحد بل قامت حكومة اديس ابابا بتجميد عدد من الحسابات المصرفية لشركات النسيج والذهب والمنتجات الزراعية منذ منتصف نوفمبر، بعد أن اتهمها المدعي العام الإثيوبي بالارتباط بجبهة تحرير شعب تيجراي الذي يدير المنطقة ، فضلا عن ذلك قررت الحكومة تقليص الأموال الفدرالية المخصصة للمنطقة، وهو ما اعتربته جبهة تحرير شعب تيغراي بمثابة عمل حربي .

كما تعارض إدارة إقليم التيجراي الإصلاحات السياسية والاقتصادية التى قام بها آبي احمد حيث تراها محاولة لبناء نظام حكومي مركزى موحد يدمر النسق الفيدرالي الحالي الذى ينصه دستور البلاد ، كما أنها تختلف مع سياسية اديس ابابا الخارجية فيما يتعلق بالعلاقات مع إريتريا ونتيجة ذلك نال جائزة نوبل للسلام عام 2019 لجهوده في حل النزاع الحدودي مع إريتريا ، العدو القديم طويل الأمد لإثيوبيا. لكن جبهة تحرير شعب تيغراي تشعر بأن الحكومة الفيدرالية تتغاضى عن مصالح الإقليم، وتريد أن يكون لها رأي أكبر في العلاقات المستقبلية مع إريتريا، جارة إثيوبيا .

تعد انتخابات سبتمبر الماضي في تيجراي، التي أجلتها الحكومة الفيدرالية فى اديس ابابا ضمن تأجيل الانتخابات في عموم البلاد جراء تفشي فيروس كورونا على نطاق واسع في أغسطس 2020 م ، سببا للتدهور الأخير في إثيوبيا، وصلت التوترات إلى ذروتها عندما انتقدت جبهة تحرير شعب تيجراى قرار آبى أحمد تأجيل الانتخابات في عموم البلاد جراء تفشي فيروس كورونا واعتبرته قرار غير دستورى ويجب انعقاد الانتخابات فى وقتها واستدعى زعماء تيجراى ممثليهم الفيدراليين من أديس أبابا وأجروا انتخاباتهم الخاصة.
تصاعدت حدة الخطاب بين الطرفين حيث ندد آبى أحمد بالانتخابات ووصفها بأنها غير شرعية بينما وصفت وسائل إعلام تيجراى الحكومة بأنها ديكتاتورية شخصية ، على اثر ذلك شنت حكومة آبى أحمد هجوماً عسكرياً فى إقليم تيجراى، تم أعلنت حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر فى المنطقة، كما تم الإبلاغ عن عشرات الضحايا وسط مخاوف من أن تسعة ملايين شخص معرضون لخطر النزوح ، وجاء الهجوم بعد اتهامات من حكومة آبى أحمد بأن القوات الموالية لجبهة تحرير شعب تيجراى، الحزب الحاكم فى تيجراى، هاجمت قاعدة عسكرية ، ومنذ ذلك الحين وردت تقارير عن وقوع عدد من الغارات الجوية على ميكيلى عاصمة تيجراى.

وأصدرت حكومة آبي مذكرات توقيف بحق قادة جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغراي، وعيّنت قائداً جديداً للمنطقة، متوقعة أن الحرب والصراع ستنتهي سريعا؛ وكل التحليلات والأنباء لا تزال مبنية حتى الآن على ما تقوله أديس أبابا وحدها حيث لا تتوفر في المقابل أي تقارير مستقلة وموثوقة من تيغراي إلا في ما ندر بسبب عزل الإقليم عن العالم.
والجدير بالذكر إن قوات جبهة تحرير شعب تيجراي ذات تدريب جيد وخبرة قتالية عالية، لذا يخشى البعض من أن يستمر الصراع طويلاً ، لأن الخلفية التاريخية للمشهد تُظهر بأن هناك قدرة كبيرة على التعبئة العسكرية داخل إقليم التيجراى لأنه يقع على حدود إثيوبيا مع إريتريا، وبالتالى فإن جيشها لديه خبرة كبيرة فى الصراع العسكرى والسياسى ، كما يتميز الإقليم بتضاريس وعرة من الجبال العالية والسهول الخفيضة، ويقع عند أقصى شمال إثيوبيا، على مسافة أكثر من 600 كلم من العاصمة الفيدرالية أديس أبابا ، وتحدّه من الشمال إريتريا، الشقيق العدو الذي يضم بين سكانه أيضا إثنية التيجراي التي تتكلم التيجرانية على غرار سكان الإقليم، ويضم الإقليم مدينة أكسوم التى تعتبر الموقع المقدس والروحى للمسيحيين الأرثوذكس الذين يشكلون الغالبية في إثيوبيا، والمصنفة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، والتي كانت مركزا للحضارة الإثيوبية القديمة .
كما يقدر عدد القوات شبه العسكرية التابعة للجبهة والميليشيات المحلية بنحو 250 ألف جندى وما يزيد الامور تعقيدا حدوث انشقاق وخلاف عنيف اخير بين الجماعات العرقية الأخرى فى إثيوبيا شمل ذلك الأورومو، المجموعة العرقية التى ينتمى إليها رئيس الوزراء آبى أحمد. وامتد الخلاف على طول الحدود مع إريتريا.
وثمة قلق أيضاً من أن الصراع في إقليم تيغراي، الذي يمثل حوالي 10٪ من سكان إثيوبيا البالغ عددهم أكثر من 100 مليون شخص، قد يؤدي إلى تفاقم التوتر في بقية أجزاء هذا البلد المنقسم عرقياً إذا استمر إقليم تيجراى فى الصراع مع القوات الحكومية، فقد يشجع ذلك الجماعات المعارضة الأخرى على فعل الشيء نفسه وربما جذب الدول المجاورة إلى الصراع.
من جهة أخرى، كانت هناك دعوات افريقية و دولية للتهدئة وإيجاد حلول سلمية وقبول حكومة أديس أبابا التفاوض مع قادة الإقليم ، خاصة بعد أن وصل آلاف الأثيوبيين من الإقليم إلى السودان هربا من القتال الدائر في إقليم تيغراي، وذكرت وكالة الأنباء الرسمية في السودان سونا نقلا عن مصادر في مفوضية اللاجئين السودانية، إنه من المتوقع وصول أكثر من 200 ألف شخص من إثيوبيا إلى ولاية القضارف في الأيام المقبلة.
لكن آبى أحمد يتمسك بمواصلة العمل العسكري وسياسة الحكم المركزي تجاه إقليم تيجراى، وبذلك يكون تكرار أحداث التاريخ باندلاع حرب أهلية يلوح في الأفق ، وربما ينتج عنها إزاحة آبى احمد عن سدة الحكم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس يبحث تمويلا إضافيا لإسرائيل| #أميركا_اليوم


.. كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي: لدينا القدرة على




.. الخارجية الأمريكية: التزامنا بالدفاع عن إسرائيل قوي والدفاع


.. مؤتمر دولي بشأن السودان في العاصمة الفرنسية باريس لزيادة الم




.. سر علاقة ترمب وجونسون