الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشتار الفصول:146121 القصيدة العامودية هي الميزان الذي يُمتحن به الشاعر.

اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.

(Ishak Alkomi)

2020 / 12 / 4
الادب والفن


الشعر .
ماهية القصيدة الشعرية، البناء الشعري.
الحرية امرأة جميلة. لكن الحرية المنظمة أجمل.
اللعب واللهو جميل ونشاط وحيوة. لكن اللعب المنظم أروع.
القصيدة العامودية هي الميزان الذي تُمتحن به شاعرية الشاعر.
وقصيدة التفعيلة أو الحداثوية هي الفضاء الرحب والقدرة على الوصول إلى مناجم النفس وأعماقها.
الشعر: منذ أن ولد الشعر كان موزونا. سيبقى الشعر بأنواعه وأغراضه . الميناء الذي تلجأ إليه السفن في زمن العواصف.
الشعر الصادر عن الذات الشاعرة المبدعة يعبر دوماً عن الكليات .وإذا خلى من الحكمة غدا سرداً للظواهر ولايرتقي لدرجة وقدسية الشعر الذي هو نفحة ربانية..
العهد الكلاسيكي لكلِّ الفنون الإبداعية : محطة لايمكن الاستغناء عنها و يُشكل القانون العام للذائقة الجمالية عبر العصور عند المختارين والمتذوقين وسيبقى كذلك .لن تتغير مكانته وأهميته. وإن كنت مع رأي القائلين بتغيير حالاته وهيئته ليتناسب مع المتغيرات الحياتية ..
. في هذه العجالة مايهمنا هو الحديث عن الشعر العربي .لكوننا نكتب فيه ونزعم أننا تتلمذنا على أيدي أصحاب المعلقات وغيرهم من فحول الشعراء .وكما نعلم فالعرب أمة شعر فُطرت عليه، وأبدع لسانها بقوله ، وتشبهها الأمة الأغريقية ( اليونانية) . فقبل ظهور الفلسفة عند اليونان التي أخذوها عن المصريين والمصرين بدورهم كانوا قد أخذوها عن بلاد مابين النهرين .كانت الأمة اليونانية أمة شعر ملحمي تجاوز قانون الفناء ومثالنا ملحمة الإلياذة والأوديسة لهوميروس .
وإذا ما اقتربنا من غايتنا وموضوعنا فإننا في حالة قلق وجودي لما يُطرح من آراء مختلفة حول ماهية القصيدة الشعرية وانتسابها الطبيعي للشعر. وما هي المعايير في ذلك.؟!!
ففي الآونة الأخيرة نرى آراء ومدارس تنهج نهجاً عبثياً عندما لاتعترف بالقصيدة العامودية كأساس لتسمية ما نكتبه من شعر بل وترفض الانضواء تحت لواء المدرسة التقليدية في موضوع تعريف القصيدة الشعرية . .
مع العلم أنّ أغلب تلك الآراء تأخذ مناهج تتمثل بالعبثية حيناً والعبثية المطلقة أحيانا أخرى .وتزعم بأنّ الحياة تتطور، ولم يعد من المنطقي أن نبقى نغرف من نفس النبع الخليلي في بناء القصيدة العربية .
إن هذه العبثية بالحقيقة تُشابه لحد كبير ماجاءت به الفلسفة الوجودية لسارتر ولا أريد الدخول إلى هذه الجزئية لأنها ليست هدفي على الرغم من أنها تؤدي إلى تدمير القيم العليا عند الإنسان وأقرّ بأنني تتلمذتُ دهراً في المرحلتين الإعدادية والثانوية على أيدي سارتر والماركسية اللينينية .وسبب خروجي الكلي من الوجودية كان أس نظامها القائل: (بأن الله ميت ). أما الماركسية اللينينية والتي تناسبت مع أفكاري لكوني ابن كادح وفلاح فقد مكثتُ بها دهراً ولم تعد تُغادرني فقد تناسبت مع جوهر رسالة سيدنا يسوع المسيح .وقد يقول قائل لقد أضعتنا فنحن كنا نتحدث عن الشعر وأخذتنا للوجودية والماركسية الحقيقة أريد صدمة في قولي هذا للذين يعبثون في حقول الإبداع الشعري...أجل نحن لم نبتعد عن سياق موضوعنا لأنّ من لم يتتلمذ على أيدي الكبار لايحق له أن يخربش ويدعي ماليس فيه .ومن ثم لنرى مدى ما تقودنا بعض الأفكار والآراء إلى تدمير ذائقتنا.
لأنّ ما تقوله أغلب الآراء العبثية (الحالية المطروحة على الساحة ولها أتباعها) في بناء القصيدة الشعرية شيء مذهل حيث تساوي مابين القول الجميل والشعر. إلا أن الحقيقة التي لا تقبل الجدل هو أنّ: الشعر منذ أن ولدَ كان لغة ووزناً وموهبة وصنعة ومكابدة . والشاعر إذا زاوج مابين الحكمة والخيال يُحدث أثراً أعمق في نفس المتلقي .وهناك خلاف واسع شاسع مابين الشاعر الذي ولد والموهبة معه ومابين الناظم القادر على العمل الرياضي بوصفه علما مجرداً .
كما أنّ الشعر محاكاة للواقع ،ولكن ليس كل محاكاة بشعر.والعمل الشعري الذي يُخلف أثراً إيجابيا يرتقي لمصاف الرسالة الإلهية ولايمكن فصل المبنى عن المعنى في القصيدة الشعرية عربية كانت أم غير عربية .
فالشعر سيبقى عبر الأزمنة حاجة إنسانية راقية .والوزن والموهبة سداه ولحمته. منذ أقدم الحضارات هكذا كان الشعر.ففي الحضارة السومرية والأكادية (البابلية والأشورية). والحضارة الفينيقية وفي الجزيرة العربية واليونانية .كان الشعر لدى هذه الأقوام يختلف عن النثر من حيث أنه يولد ومعه الوزن ويتم تداوله وحفظه . وقيمة الشعر لاتكمن بمواضيعه بل بقدرته وآليته على تكثيف اللحظة الزمانية والمكانية وما يحمله من صفات لاتوجد عند غيره من الأجناس الإبداعية.
فالشعر مبنى ومعنى.وسيبقى هكذا يحمل عنصر الحياة من خلال التقنيات غير الموجودة في بقية الأجناس كالنثر والقصة والرواية والإقصوصة وغيرها.
أما من يرى في أن كلّ إنسان هو شاعر، وكل كلام جميل هو شعر .
فهذا مجرد عبثية لاترتقي لدرجة الإقناع المنطقي .لأنّ الحياة تقوم على منطقية تحمل سيرورتها التاريخية وتتضمن مراحلها كافة.سواء أكانت المرحلة البوهيمية إلى مرحلة الوعي الجمعي الذي أسس لظهور الأسطورة ومابعدها.
والصعوبة في الاعتراف بأنَّ كلّ كلام جميل هو شعر يقودنا برأي إلى أمرين هما:
1 =لايوجد ضابطة بناء في الشيء الذي يسمونه (القصيدة الحداثوية).
2 =القصيدة العامودية هي المنارة التي نهتدي إليها في زمن العواصف والليالي الحالكات حين نريد أن نتمثل بالقصائد الخالدة .
والقصيدة العامودية ستبقى الميزان الذي تُمتحن به شاعرية الشاعر.وستبقى تؤدي رسالتها الخاصة والعامة وأخر همها هو الكليات .
3 =القصيدة الحديثة رغم اختلافاتنا حول تكوينها وهيئتها وموضوعاتها إلا أنها تحمل معها الكنوز المفقودة التي جلبتها معها من أعماق النفس الشاعرة ، لكن مع الأسف ملمس القصيدة الحديثة هلامي ، زئبقي .لاقرار لها ،ولا نعرف أين تنتهي، وعن ماذا تتحدث في أغلب التجارب .مع استثناءات من تلك التجارب.
نقرُّ للقصيدة الحديثة بأنّ قدرتها تمكننا من الوصول عبر سيالة لفظية وكلامية إلى مناطق اللاشعور والأنا ،والأنا الأعلى .وتستجلب معها كنوز النيزك البعيدة تلك التي لا تستطيع القصيدة العامودية التقليدية الوصول إليها وهذه الميزة قد تغفر لها الكثير من الجوانب ورغم هذا فلا أعدها من الشعر بمعنى الشعر بشيء.
إنما هي تجارب ذاتية تستلزم إعداد جيوش من الأطباء النفسيين لتفسير معانيها. بينما في القصيدة العامودية يمكن تفسير كل بيت على حدة وبسهولة .
القصيدة التي تولد لدى ذات غير موهوبة. ليست بقصيدة لهذا نؤكد على أهمية الموهبة فهي أساس الإبداع مهما كان .
فالشعر موهبة ٌ.وصنعةٌ ومكابدةٌ ومتابعة ٌوسهرٌ. والشاعر الذي لايطور في أدواته الوزنية ولا يتعرف إلى فضاءات القصيدة العالمية إنما هو مجرد مقلد لاغير..
وأما الأغراض الشعرية فأرى معكم بأنها تتطور بتطور الحياة .
أريد أن أقول لايوجد طوطمية خليلية أو أخفشية لدى الشعر العربي.ومن حقنا أن نخوض المحيطات ونكتشف الجزر التي يمكن أن نؤسس عليها القصيدة بكل مقوماتها على أن تحمل كل ملامح الأوزان الشعرية العربية .
ونعرج بموجز أنّ الشعر العربي لم يكن قبل الخليل بن أحمد الفراهيدي له ضابطة ،ولكن بعدما خالط العرب الأقوام التي دخلها الإسلام وجدوا أن اللسان العربي أصابه من اللحن حتى وصل الأمر إلى الشعر لهذا جاءت تجربة الخليل ومن بعده الأخفش وهناك تجارب عدة دخلت مرحلة البحث في سر الصنعة الخليلية لهذا لا أتحفظ على قولي بأنّ الخروج عن عباءة الخليل ليس كفراً أدبياً، وليس تمرداً حلاجياً .وإنما هو ضرورة زمانية للقصيدة الشعرية . ولايقوم بهذا التمرد والعصيان إلا من تمكنّ من التقليد ومابعده من القصيدة الخليلية .لأنّ الإبداع يختلف عن الـتأليف الآلي المحكم بصيغة لايمكن الخروج عليها.
الإبداع هو إضافات إلى الهرم والبرج الإبداعي الأول .
وخير ما ننتهي إليه هو هذه القصيدة التي تؤكد على أن من يستنبط بحراً شعريا جديدا يكون قد أدرك ماهية وجواهر الصنعة الشعرية.فإلى القصيدة.
إِني من الشّعر ِ الرصين ِ أغرفُ
الشّعرُ نبض ٌ وخيال ٌ جامحٌُ///// والشّعرُ خمر ٌ من كروم ٍ يُقطفُ
والشّعرُ معرفة ُ الخليل ِ أخفشٌ//// موزونه ُ الألفاظ ُ لا لا تَخلفُ
إياك َ إنْ رُمتَ المنابع َ تجفِها//// فالشّعرُ وحيٌّ في المنابر ِ يُعرف ُ
الشّعر ُ آيات ُ الجمال ِ فتنة ٌ///// تزهو لك َ في عُرسها تُرفرِفُ
الشّعرُ موزونُ الكلام ِ ضربه ُ//// في سابق ٍ عُروضه ُ يستشرفُ
أما قوافي الشّعرْ فهي المنتهى//// إنْ زدتَ في وتد ٍ فأنت َ تزحفُ
عيبُ القوافي إنْ أتتكَ ضُمّنتْ ////إيطاؤها ،إقواؤها متخلفُ
أما الزَّحافُ إنْ تكاثرَ عَدّهُ ////خبنٌ، وطيٌّ ، فالبحورُ تُخسفُ
والشّعرُ حبٌّ واعتناق ُ مذهب ٍ //// كالخمر ِ إنْ زادَ التقادم ُ يُغرف ُ
والشّعرُ منْ صور ِ البيانِ همسهُ //// فيه ِ من الإفصاح ِ ما لاتعرفُ
فيه ِ الفواصلُ والدوائرُ خمسة ٌ ////تفعيلةٌ ٌ عشرٌ وخمسٌ تصرفُ
أفككْ به ِ التشديدُ فهو زائدٌ /////والنّونُ في التنوين ِ أنتَ تُوقِف ُ
واكتبْ بما يُنطقْ وليس َ أصله ُ//// هذي المقاطع ُ والعَروض الأحرفُ
الخفُّ والمجموع زدها فُرَّقٌ ////والصُغرى والكُبرى وأنتَ تردف ُ
صرِّعْ بيوت َ الشّعرِ ، اشطرْ بينها//// إنْ رُمتَ تصريعاً حذاري تُسرفُ
والعلةُ قسمان ِ زادَ أو نقصْ//// ترفيلُها التذييلُ سبغٌ واقفُ
إِياكَ في العِلل تغوصُ بحرها//// فهي البليةُ إنْ أتتكَ تُرعفُ
والشّاعرُ الموهوبُ فهو متعبٌ ////قاسى على مرِّ السنين ِ مُدنفُ
لوّعهُ في العِشق ِ صبابة مُسكر ٍ ////وهو المعنَّى والحبيب ُ المسعفُ
والشاعرُ إن شاءَ بيتاً يبنهِ //// راح ً مع َ النفس ِ يُغني يعزفُ
إياكَ إنْ كُنتَ بقولِكَ لائماً ////إني من الشّعر ِ الرصينِ أغرفُ
***
شتاتلون، ألمانيا في 2/7/2007م.

شعر:اسحق قومي
وفي الختام.
العهد الكلاسيكي سيبقى المحطة التي سنعود إليها لأنها المنارة التي ترشدنا إلى الميناء الأمين..الأوزان الشعرية هي المعيار الوحيد الذي نُصنف به هذا العمل أو ذاك واقترابه من الخلود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا