الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في رحاب الزاوية

زكرياء مزواري

2020 / 12 / 7
الادب والفن


"من عرف.. وصل !!"
بهذه الشذرة الجامعة المانعة، تنفّس صاحبنا الصُّعداء، وأطلق لخياله العِنان، وبدأ يحملق في الأفق، أفق اجتراح مسالك أخرى تقرّبه من معين السُّدة العالية. هكذا تراءى لباحثنا "الجاد" و"المائز" سيناريو المحطة المقبلة، بعد إعلان اسمه ضمن لائحة الأساتذة الذين تمّ قبولهم للالتحاق بالزاوية.
كانت خطوات "بوزريويطة" -مُنذ البدء والحقُّ يُقال- تنطوي على قدرٍ كبيرٍ من الحرفية العالية، مرفوقة ببنات أفكاره التي تشي بهندسة دقيقة فائقة، إذ منذ أن التحق بأسلاك الدراسة في الزاوية، وعينه صوب الغنيمة.
في شبه توقفٍ للزمن، أعاد بوزريويطة شريط ماضيه، ماضي الوضاعة والثعلبية الحقيرة، وتذّكر حجم المصاعب والرّهانات الكبرى التي قامر عليها حتّى يظفر بمنصب الأستاذية. وها هو اليوم أضحى "دك-توراً" على شاكلة أسلافه متوّجاً بأعلى شهادة علمية تُمنح في بلاده.
تذّكر صاحبنا جيّداً هوسه اللامحدود في البحث عن مزيدِ أضواء، إذ لم يجد بُدّاً من بُلوغ مُراده سوى مسلك الظهور بزيّ الباحث الغيور على الشأن الثقافي. لذلك كان دائم التسابق نحو تنظيم الأنشطة العلمية، وعقد اللقاءات الفكرية، وتنويع الجلسات المعرفية، ودائم الوصال لكل وليّ نعمة. مكّنته هذه العملية من كسب ولاء العديد من "الوجوه البلاستيكية" التي سطت على هذا الحقل الرمزي، وعاثت فيه فساداً حد الاستنقاع، بعد أن سحلت كلّ مثقف حقيقي قادرٍ على تخصيب مخيال المتعلمين.
كانت سنوات تحضيره للدكتوراه أبهى سنوات حياته كلها؛ إذ كثّف فيها باحثنا الألمعي كل طاقته ووقته لهندسة ما بعد الشهادة، وسخّر كل مخزون دسائسه للحفل التنكري الذي أجراه على مرأى النّاس. لم يكن "ساذجاً" حتّى يمسح رفوف المكتبات الوطنية، ويُقمّش كل فكرة ألمعية تخدم رسالته "العلمية"، ولم يكن "بليداً" ليسكن محراب المعرفة، حتّى يهضم ما كُتب ويكتب في تخصصه، ولم يكن "غبيّاً" ليثني ركبه ويقوس ظهره، حتّى يستدرك تكوينه الهشّ إلى أقصى الحدود، بل كلّ ما في الحكاية أنه خبِر دُروب الوصول في بلده الضارب في التخلّف حدّ الغثيان، إذ تكفي كثير علاقات ممزوجة بكمية لابأس بها من المكر والدهاء، بتحقيق أعزّ ما يُطلب في هذا الباب.
بدأت خطة بوزريويطة في هندسة المشهد بغصب رئاسة الجمعية التي جرى الاقتتال عليها كثيراً في الكواليس، لأن جمعية تعنى بالشأن الثقافي مثلها تتماشى وهدفه اللا مصرح به؛ فهي جمعية بحمولة فكرية تاريخية أسسها رجال لم يغرهم فتات مادي وضيع، أو هوس رمزي مزيف. لذلك بعد أن نأت مثل هذه الأيادي النّظيفة عمّا بات يُحاك للشأن العلمي في البلاد، اهتبل "بوزريويطة" الفرصة، واقتنص المبادرة، وأعلن عزمه على حمل المشعل.
مكنته رئاسة الجمعية من معرفة ما يجري في الساحة الثقافية، كما يسّرت له تمتين علاقات مع أساتذة لهم اليد الطولى في "الزّطاطة" وقطع طريق الأرزاق. لذلك، بعد فهمه اللعبة جيدّاً، قرّر خوض المُغامرة. دشّن صاحبنا أوّل خطوته في الجمعية بندوة "علمية" عن موضوع "تراث گناوة في دوار قصبة هدراش: واقع وآفاق"، ألقاها أستاذ مغشوش خامل الذكر بين أوساط الباحثين. كانت هذه الدراسة التي تقدّم بها، بيضته الوحيدة التي أنجزها لنيل/غصب شهادة الدكتوراه. ثم بعد هذا الحفل التنكري الذي أخرجه، سجّل أطروحته في الزاوية المنشودة مع هذا المشرف المعروف بالخواء والتساهل الرّهيب.
كانت هذه على سبيل "التنبيه والإشارة" البدايات الأولى لباحثنا "المائز" و"الجاد" بحسب لغتهم المسربلة بالركاكة والوهن، إذ مسرح جريمته لم يقف عند هذا الحد، بل امتد إلى هندسة مشاهد أخرى أكثر حبكة حتى لا يترك أثراً يُثبت إدانته فيما بعد. كانت لحظة مناقشة رسالته "العلمية" المزعومة، لحظة انكشافٍ للسيناريو الذي حبك قصته بدقة متناهية؛ فتملقه الدائم للمشرف، وخطب ودّ الكثير من المدرسين الزائفين في الزاوية، كانت كفيلة بالثناء على مجهوده الجبّار الذي بذله في عمله الأكاديمي "الرصين"، ومن تمّ منحه الشهادة بميزة عالية، دون نسيان التوصية بالطبع.
أمام هذا المشهد الصفيق الذي نحته بوزريويطة، تقدم جمع الأساتذة الموقر معية حضور كبير أتى به لتأثيت الفضاء، إلى المكان المخصص للضيوف الكرام، حيث أنعم عليهم بما لذّ وطاب من الحلويات والمشروبات، بينما هو غارقٌ في تلقي التهنئات والتبريكات.
لم تمض على الحفل التنكري الذي أتمه بإتقان غير أيام معدودات، حتّى بدأ محطة أخرى من محطات ثعلبيته الحقيرة، إذ بدأ بجمع ورصّ بعض "عروضه" الفصلية أيّام الدراسة في الزاوية، وإدخال بعض التعديلات عليها من تحويرٍ ونقلٍ وسلخٍ من بحوث غيره القادرين على سبك المعنى، مطرّزاً إياها بإحالات أنكلوساكسونية توهم القارئ بأنه واحد من عشاق لغة العم سام. هذه "العروض" المغشوشة حوّلها إلى مقالات كي يملأ ما يسمى بُهتاناً "ملفاً علمياً"، ثم زاد عليها درجة، وقام بإعادة تدويرها حتى تصير كتاباً صادراً عن دار نشرٍ لا يهم صاحبها المُرابي عدا الشهرة ومراكمة الرأسمال.
هكذا تقدّم بوزريويطة بملفه "العلمي" للجنة لا تقلّ "علمية" عن "هذيان مكتوبه"، بعدما أعلنت الزاوية مباراة لتوظيف "مشروع شيخٍ" برحابها. كان صاحبنا على علمٍ مُسبقٍ بنجاحه، ولم يكن حضوره إلا من باب إكمال حفل "الصلاة والسلام" التي رسمها منذ البدء، لذلك وهو يجيب عن أسئلة المقابلة الشكلية، كان يتأمل في أعضاء اللجنة، ناحتاً لكل واحدٍ منهم اسماً، مادام على درايةٍ بماضيهم العار !!. فهذا "الدكتور-القرد" على يمينه، المعروف وسط خلاّنه بالاشتغال على الأمثال الشعبية في ترويض الذئاب والنّصب على بنات آوى، وذاك "الدكتور-الجائحة" المشهود له بالارتماء دون سروالٍ على الموضوعات العلمية الدقيقة، والمحاضرة فيها بأدوات منهجية بائدة تنتصر للشكل على حساب المضمون، وآخر "الدكتور-البلاستيكي" الذي لا يستحي وجهه من السطو على مجهودات الآخرين و سرقة بنات أفكارهم، ثم أخيراً وليس آخراً "الدكتور-العتاهة" عاشق الندوات وفارس الميكروفونات، والذي لا يملّ من ترديد "بُرازه" المعرفي في كل مناسبة وحفل، حتّى يسجل حضوره، ويأخذ بالتالي صوراً تذكارية ينشرها على صفحته الفايسبوكية.
بعدما التحق بوزريويطة بركاب الزاوية، بدأ يتخلصّ بالتدريج من إرثه الماضوي، فكان البدء من نصيب صفحته الفايسبوكية التي حذفها من العالم الافتراضي، وأحل محلها حساباً آخر يتماشى ومنصبه الحديث، ثم زحف المد إلى "أصدقائه" القدامى الذين اتخذ من مجهودهم مطية لبلوغ مآربه، حيث تخلّص منهم بحقارة وخذلان رهيبين، ثم سارع إلى التخلي عن رئاسة الجمعية التي لم تعد ملائمة لمقامه الأكاديمي وقرر تسليمها لواحد من نفس فصيلته، ثم بادر إلى عقد تحالفات جديدة داخل الزاوية تمكن له النفوذ إلى عمق المؤسسة وإدراك منطق اشتغالها.
بأحابيله الماكرة التي راكم منها خبرات هائلة، تعاقد بوزريويطة مع شبه مؤسسة "علمية" خليجية تعنى بالدراسات الآنية والمستقبلية!، والمعروفة بإغداقها السخي على كل "مخبرٍ محليٍّ" تقدم طوعاً للبحث في موضوعات تحت الطلب. سارع باحثنا إلى ترأس قسم الإعلام، نظراً لما يتيحه من امكانات واسعة في ترويج اسمه ضمن "سوق المعرفة"، كما بادر إلى تأسيس مجلة فصلية حشد فيها زُمرة من أشباه الكُتّاب المهرولين وراء الفتات المادي الوضيع، والذين يمتلكون القابلية للتطبيل والتزمير والترويج.
عبر هذا الطريق السيّار الجديد، نجح بوزريويطة في تشكيل قبيلته الثقافية، كقبيلة متواطئة مع هياكل المخزن العتيق، وصانعة لأصنام ورموز وأبطال ونجوم، حولتهم بين عشية وضحاها من كائنات ظلية إلى أخرى ضوئية. عبر هذا المكون القبلي/المخزني تم قص أجنحة الباحثين الحقيقيين المالكين أدواتِ التحليل والتفكيك، وتقليم أظافر المبدعين القادرين على الرفع من منسوب الإحساس والذوق الرفيع، ووأد مثقفين صادقين في التحامهم بقضايا مجتمعهم ووطنهم الجريح، وذلك في مقابل السماح بظهور "رويبضات" لا همّ لهم سوى مباركة القائم من الأوضاع، وإعادة إنتاج "الستاتيكو" المفرمل لكل رغبة في الانعتاق من شرنقة الظلم والفساد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن