الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمعات العصا ومجتمعات الحوار

عبدالله محمد ابو شحاتة

2020 / 12 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نشاهد جميعاً تلك الفجوة الكبيرة بين نماذج المجتمعات الديمقراطية الحديثة، وبين معظم المجتمعات العربية والإسلامية، تلك الفجوة التي تتسع لتشمل كافة مجالات الحياة وكل أنساق المجتمع، وقد كُتبت المقالات ووضعت الكتب و المؤلفات منذ بدايات القرن العشرين وحتى الأن و التي حاول كلاً منها إرجاء حالة الإنحدار التي تعاني منها تلك المجتمعات إلى أسباب مختلفة، وقد طغى على معظم تلك الأعمال التأثر الواضح بإيديولوجيات أصحابها وتوجهاتهم وغاب عنها في الغالب التحليل الموضوعي، فتجد القومي يلقي كافة اللوم على الأحتلال، وأتباع الأسلام السياسي يقولون لك ابتعادنا عن الدين سبب تخلفنا والأسلام هو الحل ، ومهرجي الوهابية يصرخون من على منابرهم قائلين " جاء البلاء حين خلعت خلعت النساء الحجاب "
وبعيداً عن كل هذه المهاترات، فحالة التأخر الحضاري تلك رغم تعدد و تعقيد أسبابها إلا أنني أرى دائماً أنها تتأثر أكثر بمُفارقة مجتمعات العصا ومجتمعات الحوار،

إن المجتمع يتكون من ثلاث جوانب رئيسية متداخلة فيما بينها، الجانب الاقتصادي والسياسي والثقافي، وتندرج تحت تلك الجوانب الكثير من الأنساق الاجتماعية، ولو اعتبرنا أن هناك مثلث قائم الزاوية يرمز لتلك الجوانب الثلاث لكان الجانب الثقافي هو زاويته القائمة، والثقافة هنا تستخدم بمعناها الشامل بكل ما يندرج تحتها من عادات وتقاليد وأديان وأعراف وأساطير وفنون وفلسفة..الخ
وتتميز ثقافة مجتمعاتنا بالإقصائية والميل للصراع، وهي سمة مميزة في كل المجتمعات التقليدية، بينما تتميز ثقافة المجتمع الحديث بالتعددية والتعايش والميل إلى الحوار،

فالمجتمع التقليدي قائم على فكرة الثقافة الواحدة والتي توضع غالباً في موضع تقديس، حيث يصبح كل خروج عنها أو معارضه لأحد جوانبها خرقاً يواجه بالعصا، ولذلك تعاني تلك المجتمعات من الركود والتأخر عن ركاب الحضارة، لأن الأفكار المطروحة على الساحة دائماً لا تمثل ألا تياراً واحداً وأتجاهاً واحداً ومحدودية فكرية، فلا يمكن بأي حال من الأحوال دفع مجتمع إلى الأمام بدون تنوع الرؤى والمناقشة الحرة لكافة وجهات النظر،
وفي تلك المجتمعات التقليدية لا توجد قيمة حقيقية للدساتير والقوانين، ففي معظم تلك المجتمعات لا تشكل الدساتير والقوانين إلا حبراً على ورق، وتكون المرجعية الأولى دائماً هي العادات والتقاليد والدين، وتكون الكلمة العليا في كافة القضايا الأجتماعية للشيخ فلان و أبونا علان وليس لأصحاب التخصص،
أما المجتمعات الحديثة فتنوع التوجهات والرؤى الموجود بها يحتم أن تكون الكلمة العليا للدستور والقانون وذلك لأنه هو الميثاق الوحيد الذي يمكن أن يجتمع تحت مظلته كافة المواطنين بالرغم من اختلافاتهم الفكرية والعقائدية فهو يشكل الرؤية المشتركة والحيادية لكافة الثقافات والتوجهات الموجودة في المجتمع، أما المجتمعات التقليدية لا حاجة لها لذلك الميثاق الدستوري ، لأنها أصلاً تفتقر لتعدد الرؤى والأفكار وتغيب عنها الفردية وتسود فيها القطعان البشرية، ولا توجد على ساحتها إلا رؤية واحدة وتوجه واحد أوحد، فلا حاجة لها أذاً لتلك الأرضية المشتركة التي يُشكلها الدستور، لأن تلك المجتمعات أصلاً لا تعترف بفكرة التعايش المشترك وتقريب وجهات النظر بدلاً من تطاحنها و التي إنما لأجل تحقيقها وضعت الدساتير،
و حتى تلك الدساتير والقوانين الصورية التي توجد في تلك المجتمعات التقليدية، تكون دائماً منحازة بشكل كبير إلى أحد فئات المجتمع على حساب الفئات الأخرى، كما تستند في كثير من نواحيها على العادات والتقاليد والدين وتُهمل الجانب العلمي والموضوعي،
ونتيجة لكل تلك العوامل تحدث حالة من التحجر الثقافي، وتصبح ثقافة تلك المجتمعات عاجزة عن تلبية أحتياجات الأفراد النفسية والجسدية نتيجة لتحجرها من عصور مضت وبقائها لمدد زمنية بالغة الطول دون أي تغيير حتى فقدت صلاحياتها، فمن جانب لا يستطيع المجتمع لفظها أو تحديثها بسبب نبذه لكافة الرؤى المختلفة، ومن جانب آخر لا يستطيع اشباع حاجاته في ظل وجود تلك الثقافة المتحجرة، فيقع عندها الفرد ضحية للكبت ويلجأ للنفاق بأن يخالفها في السر و يتظاهر بالتزامه بها في العلن، بل ويهاجم من يسعى إلى تغييرها لكي يُصفق له المجتمع ويظهر بمظهر المواطن الشريف والمثالي، وحالة النفاق تلك هي أصبحت ظاهرة واضحة في مجتمعاتنا خاصة في السنوات الأخيرة،

إن مجتمعاتنا بحاجة ماسة للصدمة الفكرية التي تحرك ثقافتها الراقدة، إنها بحاجة إلى أمثال فولتير و ديدرو و هولباخ، ولا نعني هنا بالصدمة تزكية الصدام ، بل نعني بها طرح كافة الرؤى المخالفة على الفضاء العام وعدم التنازل عن حرية التعبير، حتى تصير المحاورة واجبة ولا مناص منها ويصير تقبل النقاش أمر واقع، ويتحول مجتمع العصا إلى مجتمع الحوار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah