الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكونُ الواسعُ والعقولُ الضيّقة 23

مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث

(Moayad Alabed)

2020 / 12 / 8
الطب , والعلوم


The vast universe and narrow minds 23

لقد أحرز الإنسان الكثير من التّقدّم في مجالات عدّة لكنّ الكثير من المسائل قد تعقّدت بفعل الحصول على مثل هذا التّقدّم! حيث تبيّن من خلال ما ذكرنا من العديد من الإكتشافات أنّ هذا الكون بكلّ ما ظهر من فهم، مازال معقّدًا في الفهم وفي وضع النّظريّة المناسبة التي تُوصِل إلى نتيجةٍ أكثر إرضاءً من الماضي. ونظرةٌ بسيطةٌ إلى ما يكتنزه العقل البشريّ تُوصِلكَ إلى نتيجةٍ طريفةٍ، وهي أنّ الذي يوحي إلى تعقيد الكون، أو إزدياد تعقيداته، هو هذا التّقدّم. حيث كلّما تقدّمنا خطوةً إلى الأمام تتعقّد المسائل أكثر فأكثر! فمِنْ كَوْنِكَ الذاتيّ تستطيع بلا مواربة أنْ تصلَ إلى نتائجَ رائعة، تستطيع من خلالها التعرّف على الكثير من التشابهات ما بين الكونين الصّغير والكبير. هل تعرف أنّ كونك الدّاخليّ شبيه إلى حدّ كبير بكونك الخارجيّ، بل حتّى ما تُدخِله أنت من أكوان متعدّدة في المفاهيم من خلال الرّؤيا التي تراها أنت في عوالمك الذّهنيّة الحاضرة والغائبة! فإذا أدخلتَ إلى عالمك الباطن مما يؤثّر عليه فسترى ما لا يرضيك من تأثيرات، حيث تكون كلّها تعقيدات وتعقيدات. وكذلك العالم الخارجيّ، إذا قمت بإدخال ما لا يرضيه فسترى ما لا يرضيك! أهذه طلاسم؟ بالطبع ليس بطلاسم أبداً بل هو (أي هذا الوضع!) واقع مقبول أو تخمين مقبول! مثل ذلك السؤال الذي ذكرناه في مرّة من المرّات وهو: هل الكون مستمرّ في التّقدّم إلى الأمام (لا تنسَ أنّ هذا الأمام إعتباريّ حيث أنّ الكون في توسّعه لا يمكن الحديث فيه عن أمام أو خلف أو علوّ أو دنوّ ولا عن يمين أو يسار ولا فوق ولا تحت وهكذا!) أو مستمرّ في الإنكشاف على نفسه أو لِنَقُل، مستمرّ في التوسّع بلا قانون يُمْسِكه؟ لا لا أبداً ليس هكذا تطرح الأسئلة يا نور العين! حيث يسأل الإنسان أحيانًا أسئلة تؤنس الآخر لكنّها أسئلة طيّبة وحلوة في الإطار العلميّ. احيانا يسألك طفلك أسئلة تحيّر العقل، وهي تصدر بلغة بسيطة جدّاً لا يعرف الغرض منها سوى أنّه سؤال، وكأنّه إشارة من الغيب! لا تتعجب فالإشارات تأتي من كلّ مكان وبأساليب متعدّدة وبأوقات متعدّدة، حتّى في منامك تأتي الإشارات أحياناً. ولا تستغرب أو تستخفّ من أيّ منها فهي تأتيك بنكهةٍ وطعمٍ كطعم العسل أحياناً (العسل؟ نعم العسل ليس هذا الذي يتوفّر في الأسواق العربيّة الفقيرة فهو عُسَيْلٌ وليس بعسل!). ومن هذه الإشارات ربّما تأتيك عن كيفيّة ما يتوسّع بها الكون. لكن لا تتعجّب إذا ما وضعت قاعدة لهذا التوسّع، ستتغيّر هذه القاعدة باللحظة! لأنّ التغيّر الذي يحدث للكون عجيب غريب.
دَعْني أعرّج على وضع الزّمن الدّاخليّ بأسلوب يشبه أسلوب إستقبال الإشارة المذكورة! ودَعْني أتحدّث معك بشيء من الغرابة، حول النّوم الطّويل و/ أو النّوم القصير (النّوم الطّويل! الذي تترك فيه الرّوح قفصها مغادرةً هذا العالَم إلى عالَمٍ آخر لا يعرفه أحد من البشر بسهولة، كيفيّته، نمطه، أتّساقه أو عدم إتّساقه، مداه في الأفق أم غير ذلك؟ هل لنا أن نتسلّق إليه دون أن نغادر هذا العالم؟! وهكذا من أسئلة لغزيّة، لا إجابة سهلة عليها!) وسننتقل إلى مدارج متعدّدة، نُلَمْلِم بعضها أحيانا ونترك البعض الآخر أحيانًا، لأسباب عديدة لا مجال لتفصيلها هنا! وسنحدّد العلاقة مع الزّمن الدّاخليّ الذي ذكرناه لمرّات عديدة.
الموت (رحيل الرّوح أو إنتقالها القصير أو الطّويل) من الأسرار التي تُرِكَت بلا تفسير يُقنع النّاس. فهناك علماء النّفس، لهم أسلوبهم وتفسيرهم، وهناك علماء الدّين، لهم أسلوبهم وتقديرهم لهذا. ولأهل العلوم الطبيعيّة تفسيرهم كذلك، فلا غرابة! وأنا أقصد ما يضعون له من معادلات رياضيّة ومعادلات كيميائيّة، كيف يتصرّف الجّسم وتفاعلاته الكيميائيّة أثناء النّوم، وللحديث شجون!أمّا المضمون الذي يتدفّق من خلاله الإنسان إلى عوالم بعيدة وغريبة، لا يستطيع أحد أن يراها أو يفسّرها. ولا نريد أن نقول أنّ لدينا شيئًا حول المضمون، لأنّ الأمر لا يهمّني إلّا في الجانب الفيزيائيّ وخاصّة من خلال دراساتي هذه حول الزّمن واللازمن! حيث يهمّني كما قلته سابقاً هو الزّمن الدّاخليّ. هذا الزّمن موجود في عالم غير عالمنا حيث يوجد في عالم مجرّد لا أفق رياضيّ له، إنّما في عقل الإنسان يوجد له كونه الخاصّ به والذي يتشكّل من حدوده الثّلاثة: ماضٍ وحاضر ومستقبل. لكنّ الذي يحدّد الفرق بينه وبين الزّمن الخارجيّ أن هذا الزّمن تتداخل فيه هذه الثّلاثة، حيث لا ماضٍ واضح، أو بمعنى يمكن أن يكون ماضيه هو مستقبل، في الزّمن الخارجيّ وحاضره يتداخل في الماضي الخارجيّ مع مستقبل فيه من عدم الوضوح ما يكفي لأن نطلق عليه بالمستقبل الهجين(!) أي ليس بالضّرورة أن يكون لهذا المستقبل ماضٍ أو حاضر!
الزّمن الدّاخليّ ترافقه المسافة الشفّافة (!) أي ليس فيها عنوان ثابت يدلّ على وجودها بهذا الشّكل المتعارف عليه. لذلك عند أخذ العلاقة الفيزيائيّة التي تربط ما بين السّرعة والمسافة والزّمن تكون بتعبير غير هذا التعبير، المستخدم في الميكانيك الكلاسيكيّ. حيث يكون هناك إحتمال أن تكون سرعة المتحرّك الإبتدائيّة قريبة إلى درجة الإنطباق مع السّرعة النهائيّة (!). والعالم هذا عالم بلا إحداثيّات تقليديّة، وإنتقالاته من وإلى، لا تتّفق مع إتّجاهاتنا المعروفة، والزّمن في هذا العالم زمن غير ذلك الذي نعرفه. فالعالم الذي تقيس فيه الزّمن أو المتغيّرات الفيزيائيّة الأخرى عالم مفتوح ولكنّه نهائيّ له نهايته وتستطيع أن تصل إليها ببعض الشّقاء والتّعب!وبسرعتك التي تفوق سرعة الضوء حيث تكون أنت (اللاكتلة!) عبارة عن شيء من خواصّ لا تقليديّة، هي خليط من مواصفات لا تقليديّة (عندما أقول أنت أعني الوجود الذي تمثّله شخصيّتك الكريمة، والتي ستكون بلا شكّ بلا كتلة! فكيف سيتمّ تصوّرها، أتركها لك!). وتكون إنتقالاتك من نوع الطّاقة الحركيّة المَحْضَة، التي لا طاقة كمون فيها (أي لا طاقة وضعيّة) حيث كلّ الطّاقة هي طاقة حركيّة، يعبّر عنها بهذا الشّكل، طالما كنتَ متحرّكاً في ذلك العالم. حيث في قدومِك تنتهي طاقتكَ الحركيّة الخاصّة بهذا العالم لتعيد قواعدك الفيزيائيّة التقليديّة. وإذا أردتَ أن تعرف مدى هذه الطاقة، فراجع قليلا إنتقالاتك حين النّهوض والرّجوع من ذلك العالم (أو العوالم) إلى عالمك التقليديّ.
هل تعلم أنّ الكون الذي تعيشه أو تعيش فيه في المنام أو في الشّرود الذّهنيّ الذي يأخذك أخْذاً، هو كون مفتوح. وبالتّالي لا يمكن لك أن تتنبّأ بشكله (أو بأشكاله إن كانت قفزاتك بين كون وآخر!) وبالتالي سيكون زمنه بمواصفات خاصّة (كما أشرت آنفاً) لا يعتمد فيها على مكان ولا يعتمد على أيّ عامل من العوامل التقليديّة الأخرى! حيث يتحرّك فيه (أو تتحرّك فيه) روحُك أو نفسُك أو كلّك الى اللاحدود (هذه اللاحدود تقليديّة لكنّ للكون نهاية كما قلت!). هذا كل ما أقوله لك كي أنتقل معك إلى ما أريد أن أصِف به الموت (القصير أو الطّويل) من جهتي أنا. أي بحثي في الزّمن واللازمن. حيث أنّ الموت هو نوع من أنواع النّوم الطّويل(هذا ليس تفسيرًا فقد قلت لك لا تفسير له في العلوم التي ذكرتها). لكنّني وجدت إشارة، ما أروعها في القرآن الكريم حول هذا الموت أو النّوم الطّويل من خلال النّوم الذي ترتاح فيها خلايا المخّ! (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأخرىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الزمر 42. وأقول ثانيةً ذلك الذي ذكرته في الحلقة السّابقة، ولا أزيد (لا يقول لي قائل أنّ هذه الآيات واردة بإيماني بها، ليس كل النّاس تؤمن بذلك! وأنا أقول هذه إشارات لباحث وجدها كي يتدبّر بها بلا تعصّب أو إنغلاق! كي يصل إلى نتيجة تخدم الجميع).
والحديث عن الزّمن المتعلق بهذا الوضع الذي يكون مرافقا (الرّفقة كمعنى لا الرفقة المعروفة في النسبية المحترمة!) يكون موضوعًا مبهمًا في الكثير من تفاصيله. خاصّة أنّ الذي ينتقل، ليس من الأشياء المعروفة، مجسّم أو غيره. إنّما هو ذلك الشّفاف المجهول في الصّفات، وفي الهُوية إلّا من تلك الصّور التي يشترك فيها الحُلم أو الرّؤيا. حيث تكون تعبيرات عن كوكتيل من تأثيرات في الواقع وفي مضمور النّفس من خير أو / و شرّ.
الإنتقال الذي يحدث للزّمن لا قاعدة مرئيّة ولا قاعدة حسابيّة له، لكنّني أشير من خلال الفيزياء إلى إشارات مهمّة.
أوّلاً:الزّمن الدّاخليّ له صفة التّمدّد أو التقلّص الذاتيّ، وليس له أيّ علاقة بما حوله من واقع أو خيال أو إنتقال إلى تلك العوالم.
ثانياً:الزّمن الدّاخليّ لا يتعامل بالمعادلات الرياضيّة المجرّدة إلّا من فرضيّات ذاتيّة تعتمد على كلّ شخص في الإنتقال بالزّمن من مكان إلى آخر، ومن نوع المكان إلى آخر، ومن صفة التأثير الذّاتيّ الذي يشترك في تكوين الزّمن الدّاخليّ (الزّمن عمومًا موجود، لكنّ وضعه يختلف من حالة إلى أخرى)
ثالثاً: الزّمن الدّاخليّ موجود، حيث الكون إلّا أنّنا لا نستطيع تحديده لأنّنا عاجزون عن تعيين الزّمن الخارجيّ وماهيته فكيف بذلك المجهول بالكثير من صفاته.
رابعاً: هذا الزّمن قصير إلى درجة مذهلة أحياناً بالمقارنة مع الزّمن الخارجيّ، وأحياناً يكون بطيئاً جداً إلى الدّرجة التي لا يمكنك تصوّرها بالمقارنة مع الزّمن الخارجيّ.
خامساً:يمكن لك في حالتي الزّمن أن تنتقل إلى المستقبل وتراه وتتفاعل معه بشكل كبير. ويمكنك كذلك أن تجعله إنعكاساً لماضي الواقع. وهذا المستقبل يمكن لك أن تسحبه إليك وتعيش إرهاصات مرتبطة به. وزمنك الدّاخليّ يمكن أن تنتقل به إلى عوالم قد إختزنت تجاربك في الماضي ليسحبها إليك وهكذا. لذلك أقول لك أنّ الزّمن الدّاخليّ عندك، يتأرجح ما بين ماضٍ بإرادتك أحيانا وأحيانا خارج إرادتك، ومتأرجحًا إلى المستقبل. أي أنّ زمنك الدّاخليّ مطويّ ذاتاً جزء منه طَوْعَ أمرك والجّزء الآخر يكون قسريّاً لا تدخّل فيه من قبلك.
وهنا الزّمن يلعب بنا لعباً لا مجال لتحديده، إن كان الزّمن هكذا فكيف باللازمن؟!
يقول لايبنيز(1) (تتطلّب الميتافيزيقيا وجود مادّة فعّالة واحدة لشرح العلاقة السببيّة بين الأشياء العديدة التي نختبرها) و (لا يمكن العثور على الواقع إلّا في مصدر واحد، بسبب ترابط كلّ الأشياء مع بعضها البعض). وبالإمكان التعبير عن الموت القصير أو الطّويل بالميتافيزيقيا التي تتطلّب وجود التّفسير المناسب الذي يروح ويجيء كالنّفس أو الشّيء المجهول الذي ينقلك إلى عوالم غريبة! كي تستطيع أن تشرح العلاقة السببيّة بين وضعك الحالي ووضعك في الحالة الأخرى!

زمن غريب!
من الأمور المهمّة المتعلّقة بهذه الفقرة هي أنّ الزّمن يمكن تغيّره بشكل عجيب في الرّؤيا، ومن الصّعب تفسير ما لهذه التغيّرات كيف تحدث بسرعة تتجاوز حتّى سرعة الضوء. حيث يمكن لك أن تفسّر وجودك أو وجود غيرك في مكان يبعد عن نقطة ما، يمكن أن نوجد منه سرعة الإنتقال فيكون المقدار كبيرًا إلى الدّرجة المذهلة.
لقد أثيرت فلسفة الموت في عدد من التخصّصات الفرعيّة للفلسفة. ربّما لهذا السبب أو لغيره من الأسباب المتعدّدة، لا يعترف بفلسفة الموت، على أنها فرع من فروع الفلسفة العامّة. والسّؤال الذي يطرح دائمًا، ما هو الموت؟ أو كما يطرح كودي جيلمور: متى يموت الشيء؟ ويأتيك الجّواب هو التوقّف عن الحياة. لكن يبدو أنّ هناك حالات يتوقّف فيها شيء عن الحياة دون أن يموت. وتشمل حالات الرّسوم المتحرّكة المتعلّقة. حيث تتوقّف عمليّات الحياة. ولكن يمكن إعادة تشغيلها والإنشطار حيث ينقسم الكائن الحيّ إلى كائنين حيّيْن. وهو تحدّ واضح لمعنى الموت أو للفرق بين الحالات التي ينطوي فيها الإنشطار على الموت والحالات التي لا يحدث فيها الإنشطار. يقدّم غليمور وصفا جديداً لهذا الإختلاف، يقترح أن الإنشطار يستلزم الموت ما لم يتضمّن ما يسمّيه الإنقسام التوليديّ
Generative division
لقد أثير سؤال أخر بشكل: ماذا يحدث لنا عندما نموت؟ يبدو أنّ معظم الفلاسفة ذكروا إعتقاداً على أنّ هذا الشيء الشّفّاف المسمّى بالرّوح (وقد ذكر مفسرو القرآن الكريم شيئا عنها بالشّكل التّالي: تعدّدت آراء الفلاسفة ونظريّات المتكلّمين في ماهيّة الرّوح، وهل هي عَرَض أو جوهر (2)، وفي نشأة الرّوح وهل هي قديمة أو حادثة، وفي علاقة الرّوح بالبدن ومحلّها منه وتعلّقها به، وفي خلودها بعد الموت، وحقيقة سعادتها وشقاوتها، وغيرها من المباحث الكثيرة (كذلك المصدر2)
وكذلك ذكرت بالشكل:(حقيقتها غيبيّة مجهولة، لم يستطع العقل البشريّ أن يتوصّل إلى معرفة أسرار كنهها وإستجلاء ماهيّتها. أمّا (معاني الرّوح الواردة في التنزيل العزيز والسنّة المطهّرة ، وبذكر ما قيل في تجرّد الرّوح عن ماهيّة المادّة وصفاتها، وإستقلالها خالدةً بعد الموت رغم إضمحلال البدن وتلاشيه، لما لهذا البحث من أثر في معرفة حقيقة المعاد)(كذلك المصدر2). وقد أشير إلى أنّ الرّوح التي تنتقل أو هذا الشيء الذي ينتقل من عالم الإحداثيّات المعروفة إلى عالم الإحداثيّات المجهولة أو المتعدّدة أو التي لا تمتلك بعدُ معنى الإحداثيّ! هي سبب الحياة. قال تعالى ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرّوح قُلِ الرّوح مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) (3) وقد ورد إلى أنّها (هي من الملكوت من القدرة) كما قال الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصّادق عليه السّلام (4) وكذلك حديث النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله، حيث سؤاله عن الرّوح فأجاب: (بكون الرّوح من سنخ الأمر، ثمّ عرّف سبحانه أمره في قوله: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (5) فبيّن أنّ أمره تعالى من الملكوت ومن القدرة، وهو قوله للشيء (كُن)، وهي كلمة الإيجاد والحياة التي يلقيها إلى الأشياء فتكون ويحييها بمشيئته، دون توسّط الأسباب الكونيّة الأخرى بتأثيراتها التدريجيّة، ومن غير إشتراط قيد الزّمان والمكان، ويدلّ عليه قوله تعالى: ( وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) فاتّضح أن الآية قد بيّنت أنّ ماهيّة الرّوح من سنخ الأمر الذي ذكرناه)).
ليس غايتي أن أذكر الرّوح إنّما أريد أن أوضّح أنّ الإنتقال بالشّيء المذكور يكون في الزّمن الدّاخليّ وقد وضّحت بعض صفاته وأترك الباقي لتأمّلاتك الجّميلة في مفهوم ذلك الزّمن.
رغم الإخفاق الذي يرافق معنى الزّمن. لكنّنا نستطيع أن نعطي له معنى ولو بالإستناد إلى معان أخرى (لا مرافقة علميّة كما حصل كإحداثي رابع عند أنشتاين). حيث صرّح صاحب النّظريّة أنّ الزّمن ماهو إلّا وهم من الأوهام تعوّدت عليه أحاسيسنا. ولم يعرّف إلّا عبارة عن توجّه أو إشارة تشيرإلى وجود ماضٍ ومستقبل مرورًا بالحاضر. ويمثّل بشكل سهم بسيط لا أكثر، يتّجه هذا السهم من الماضي إلى المستقبل أو بنقطة إسناد في المستقبل المجهول، يكون فيه رأس السّهم إلى الماضي مرورًا بالحاضر. وقد أشرنا إلى حالة المطلقيّة والنسبيّة في الزّمن بشكل من التعبيرات الفلسفيّة! والحقيقة كذلك أشرنا إليها بكونه (أي الزّمن) خَلقاً كبقيّة الأشياء التي عرّفت أو لم تعرّف. ولا آتي بجديد في القول بأنّ الزّمن موجود وليس وَهْمًا عند إشارة العديد من الفيزيائيّين إلى ذلك بالإستناد إلى المنطق الفلسفيّ. من التعبيرات عن طريق مهمّ لفهم الزّمن هو تعبير أو مفردة الأبديّة:
Eternalism
التي أشرت إليها في حلقة من الحلقات، حين الحديث عن تعدديّة الكون أو الأكوان المتعدّدة وفي النهاية تطرّقت إلى أنّ القول في بقاء الأكوان الأخرى غير كوننا إلى الأبديّة. وفي الحقيقة هو فرض أو إحتمال في بقاء الأكوان الأخرى إلى الأبد! رغم أنّني أتحفّظ على كلمة (إلى الأبد) لإعتبار علميّ رياضيّ يقول، أن لا يمكن لبداية دون نهاية وقد تطرقتُ إلى هذا الموضوع في العديد من الأبحاث في هذا الجانب (ربّما يعترض عليّ أحد الرياضيّين في أنّ المالانهاية موجودة حتّى في الخطوط التي نرسمها كأبعاد فتكون مطلقة إلى المالانهاية فكيف لا تكون هناك لا نهاية؟ وأجيب هذا الكلام في عالم ضمن المواصفات والإحداثيّات الإقليديّة على السطح المستوي أمّا في الواقع الفعليّ فهي تدور إلى أن تلتقي مع نهايتها على السطح المنحنيّ وهكذا، فلا يمكن إلّا أن تكون هناك نهاية فعليّة). أقول: إنّ الأبديّة هنا تمسّ معنى يتعلّق في الزّمن الذي نتكلّم عنه. حيث لا يمكن لي أن أتعامل مع الزّمن بهذه الصّورة، ولا مع هذا المعنى، من خلال الأبديّة. وهناك قُرْبٌ بين مفهوم الأبديّة واللانهائيّة (أو اللانهاية) في شكل أو حجم الكون. بينما اللانهاية في الرياضيّات
أو في الفيزياء لا معنى لها في الواقع العلميّ التطبيقيّ، لا المجرّد! وقد أثير الموضوع من قبل العديد من العلماء عن لامعنى لهذه اللانهاية. وللعلم إنّ أوّل من أشار إلى اللانهاية حين الحديث عن الكون هو توماس ديغز عام 1584 وقد إقترح الفيلسوف وعالم الفلك الإيطالي جيوردانو برونو وجود شموس لا حصر لها، تدور حولها كواكب وبالذّات حول شمسنا، وتسكن الكائنات الحيّة في هذه العوالم. وبقي منذ الإثارات الأولى إلى الآن في علم الكونيّات مجموعة الأسئلة التي تثار حول وجود أو عدم وجود حجم لا نهائيّ أو وجود فضاء يستمر إلى الأبديّة. لقد لاحظنا كم من الصّفات تتغيّر في حالة الموت الحراريّ للكون الذي كان ومازال مثبتا بشكل كبير في الجانب النظريّ الفيزيائيّ. أي أنّ موت الكون أصبح من الإحتماليّات المهمّة التي تقف بالضدّ من جانب الحديث عن الأبديّة. أي أنّ الموت لهذا الكون لا ينبغي أن يكون إستمراراً في التوسّع إلى ما لانهاية أو وجوده (أو إيجاده) إلى مالانهاية. إلّا ما ذكرنا عن الأكوان الأخرى التي يكون من المحتمل أن تستمر إلى الأبد (!) وهو إحتمال من إحتمالات عديدة. حينها يكون الإستمرار إلى الأبديّة واحدًا من الدّراسات الإفتراضيّة تضعف كلّما تقدّمنا بتجاربنا وتصوّراتنا التي تقترب من الحقيقة العلميّة. وكما أشرت إلى الأبديّة بالمفهوم العام، هو المستقبل القادم لحال الكون الأبديّ(!)
والأبديّة كما يقال (مقاربة فلسفيّة للطّبيعة الوجوديّة للزّمن). ولكنّي أفهم أنّ الزّمن الذاتيّ وجود وخَلْق لا علاقة له بالموجودات الأخرى إن سلبته معناه الذاتيّ، كما فعل أهل الفيزياء النّظريّة وفق عهدة أنشتاين! وقد أشرت الى هذا الموضوع مراراً. أعتقد أنّ كلّ ما يجول في الذّهن من صور فهي واقع مخلوق في مكاننا أو في مكان آخر. في كوننا هذا أو في كون آخر. فالزّمن هذا وغيره من المخلوقات التي وجدت بصفتها الذاتيّة لا علاقة لها بأي شيء آخر إلّا لغرض الدّراسة وتأدية ما مطلوب لإيصال الغرض من ذلك لا أكثر. وما المستقبل إلّا وجود من الموجودات التي سيكشف عنها النّقاب عند بلوغه وهو في مكان ما. مثلما أشار إفلاطون في فلسفته حول الزّمن في أنّه موجود بشكل مستقلّ عن الأحداث التي تشغله (ببعض الإختلاف عمّا أشير إليه في هذا البحث المستمرّ، والإختلاف واضح للحصيف!). فلا غرابة من قول يحدّد بأنّ الزّمن موجود بمعزل عن صور أخرى أو أشكال وجوديّة أخرى.
رأيي يناقض نّظريّةً ما!
ماهي هذه النّظريّة التي أعتبرها مهمّة لسلبيّتها التي أقحمت رأياً وعكسته على الواقع الفيزيائيّ النظريّ؟ إنها نظريّة يطلق عليها بالنّظريّة ـ بي للزمن!
B-theory of time
لقد وضعها الأستاذ
J.M.E. McTaggart
من جامعة كيمبردج عام 1908 في بحث سمّاه (لا واقعيّة الزّمن)
(6)The Unreality of Time
وقد أضاف ريتشارد غالي عام 1966 بعض الإضافات المهمّة حول تفسير معنى الزّمن وتحليله والتغيير الذي يحصل عليه بإجزائه الثّلاثة، الماضي والحاضر والمستقبل.
وهذه النّظريّة مهمّة كذلك للفيزيائيّين النظريّين بسبب التوافق ما بينها وبعض مدارج الفيزياء والتي تدخل من ضمنها النّظريّة النسبيّة الخاصّة لأنشتاين. حيث تظهر نسبيّة التّزامن، بحيث تنصّ على أنّه يمكن أن يكون لكلّ نقطة في الكون مجموعة مختلفة من الأحداث في لحظتها الحاليّة. وتتوافق مع ما تتنبأ به النسبيّة الخاصّة من تقلّص الطّول وتمدّد الزّمن. وقد أشارت النّظريّة بهذا التّزامن على وجود الخلود من خلاله. حيث تشير النّظريّة إلى أنّ الحاضر بالنسبة إلى مراقبين مختلفين هو شريحة من الزّمن بوصفه بُعْداً رابعاً لأبعاد الكون المشار إليه في النسبيّة الخاصّة. فيكون عندذاك الشيء ممتدّاً في الزّمن وفي الفضاء ويحتوي على أجزاء زمنيّة ومكانيّة. حيث يطلق على هذا الوجود بأنطولوجيا الشرائح الزّمنيّة.
كما تنصّ هذه النّظريّة كذلك على أنّ إعطاء موضع من موضعين أو موقعين يتعلّقان بالتّرتيب الزّمنيّ للأحداث في فلسفة الزّمن. حيث يشير أهل هذه النّظريّة ومنظّروها على أنّ تدفّق الزّمن وَهْمٌ من الأوهام، وأنّ الماضي والحاضر والمستقبل حقيقةٌ في تدرّجها وهي في معناها الفلسفيّ على حدّ سواء. وأنّ هذا الزّمن لا يقاوم أي أنّ الصّيرورة الزّمنيّة ليست سمة أو صفة موضوعيّة للواقع. وقد تطرّقت إلى معنى الخلود وفق تصوّراتها!
والذي يذكر فيه أن ليس هناك شيء في الواقع يطلق عليه الزّمن (يقصد به مستقلّاً) أو يشبه الزّمن، وإنّ ظهور النّظام الزّمني للعالم هو مجرّد مظهر. وتقسّم الأحداث وفق الماضي بسلسلة تتطرّق إلى أحداث مسجّلة وسلسلة تتعلّق بالمستقبل، فيكون لدينا كمترادفين للحاضر وللخلود. والماضي عبارة عن أحداث متغيّرة بإستمرار، بينما المستقبل الذي يمثّل سلسلة أخرى ثابت إلى الأبد. أي يقصد بذلك بصم الأحداث الموجودة بالفعل حتّى تستقدم إلى الحاضر لتكون أو لتدخل في حقل الماضي متراكمة مع الأحداث الأخرى وهكذا. ولا أريد أن أدخل في دهاليز النّظريّة كي لا أخيّب ظنّ المتابع! ولكنّني إلخّص رأيي عنها بأنّ الماضي سهل في التعبير عنه بحوادث ولكنّ الصعوبة هي في كيفيّة التفاعل مع حادثة المستقبل إلّا من خلال ما ذكرت أعلاه عن إمكانيتك الذهاب إلى المستقبل وتعود محمّلاً بهدايا جميلة أحياناً ومحمّلاً بأخبار مؤلمة أحياناً أخرى!
لا تقل لي أنّ هذه الأشياء فانتازيا! فكلّها فيزياء وكيمياء، يمكن أن تكون أكثر، ولكنّها لا تكون أقلّ من ذلك!
وسنعود ثانية بإذن الله تعالى
د.مؤيد الحسيني العابد
Moayad Alabed
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فيلسوف ألمانيّ ولد في عام 1646 وتوفي عام 1716 في هانوفر. وكان عالما في الرياضيات كذلك، حيث وضع الأساس للحساب المتناهي في الصغرمع إسحاق نيوتن ولكن بشكل مستقل عنه. كان والده إستاذاً في الفلسفة الاخلاقية.إسمه بالشكل:
Gottfied Wilhelm von Leibniz
(2) السيرة النبوية / ابن هشام ٢ : ٢٩٢ ـ مصطفى البابي الحلبي ـ مصر
وراجع كذلك:تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد 92
(3) سورة الاسراء 85
(4) الكافي للكليني 3 : 245/1
(5) سورة يس الآية 83
(Stanford Encyclopedia of Philosophy)(6)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وضع لؤي وائل لاعب المقاولون تحت الملاحظة الطبية 24 ساعة بعد


.. رئيسة جمعية العون الطبي للفلسطينيين تحذر من كارثة صحية في غز




.. بلع لسانه.. وضع لو?ى واي?ل لاعب المقاولون تحت الملاحظة الطب


.. دعوى قضائية: أطباء يابانيون يطالبون غوغل بتعويضات بسبب نشر -




.. مهندسة متفوقة في الطب في كاليفورنيا داعمة للفلسطينيين تحظى ب