الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقع والقصيدة -غزالة في بلاد الشمال- كميل أبو حنيش

رائد الحواري

2020 / 12 / 8
الادب والفن


الواقع والقصيدة
"غزالة في بلاد الشمال"
كميل أبو حنيش
عندما تُنسج القصيدة بطريقة تتماثل مع الحدث/الواقع، فهذا له (محاذير) أدبية، لأنه يمكن أن يؤثر على جمالية النص/القصيدة، وهو فعل يحتاج إلى مهارة استثنائية، لتقديمة بطريقة تقنع المتلقي بأنه أمام نص أدبي، وليس حدث.
الشاعر "كميل أبو حنيش" يكتب قصيدة عن "سميرة/إيفا" بطريقة تجمع بين مشاعره والأحداث التي جرت لها، فهو يبدأ القصيدة بواقعية:
"غزالةٌ في بلاد الشمال
مدّي يداً...
تكفي لألمسها وأهمسُ: كم أحبكِ
ثم أحني قامتي
وأقبّل الطهر المكابر"
فعليا "إيفا" قادمة من السويد/بلاد الشمال، وبترت يدها/مدي يدا، لكن هذه الواقعية تم أضافة احاسيس الشاعر تجاهها، فكانت الالفاظ البيضاء "لألمسها، أهمس، أحبك، أحني، أقبل، الطهر، المكابر" بهذه الألفاظ أزال الشاعر الواقعية عن الحدث، ومنحه لمسة ناعمة وهادئة وجميلة.
واللافت أن الشاعر يستخدم أفعال هادئة وناعمة "لألمسها، أهمس، أحني، أقبل" وهذه تتناسب وحال المرأة الناعمة والهادئة، والمرأة التي قدمت جزاء من جسدها/يدها لفلسطين، وبهذا يكون الشاعر قد زاوج بين الحدث الواقعي والأدب بطريقة جميلة وناعمة.
يتقدم الشاعر خطوة إلى الأمام موضحا أن (الأفكار والعمل) تجمعهما (هو وإيفا):
"نحن الذين تشابهت أحلامنا
وقلوبنا، ترنو إلى شمس تضيء بعالمٍ
يحتله هذا السديم المكفهرْ
جئنا لهذا الكون نحمل
بذرة الأمل العظيم...
والحلم يجمعنا على حب العدالة والسلامْ
وكلنا مرضى الحنين إلى حياةٍ
لا تطوّقها الحروب ولا الجنونْ
ولا يقود زمامها تلك الشراذم واللئامْ"
يستخدم الشاعر الألفاظ البياض كتأكيد على نقاء الفكرة التي يحملانها: "أحلامنا، قلوبنا" وبهذا الثنائية البيضاء أدخلنا إلى العالم الذي ينشدانه: "ترنو إلى الشمس، بذرة الأمل، الحلم يجمعنا، حب العدالة والسلام، الحنين للحياة" فالأفكار إنسانية بامتياز، وبهذا يكون الشاعر قد نوه إلى أن بتر يد "إيفا"، واعتقاله خلف الجدران جريمة اقترفها "الشراذم اللئام"، قد أوصل رسالته كفلسطيني مناضل ومعتقل ـ بالطريقة غير المباشر ـ .

الشاعر يعرفنا أكثر على "إيفا" بقوله:
"إيڤا الغزالة...
قد تراءت من شمال الأغنيات...
وعانقت أيامنا الثكلى
المليئة بالمآسي والسقامْ...
جاءت إلينا، تنشد المعنى...
تودُّ الاحتراق كما الفراشة باللهيبْ
إيڤا الجميلة... أدركت معنى الجمالِ
وأمسكت في ساعديه
بكلّ ما في العمر من شغفٍ
لئلا يكتوي بالنار
أو يهوى صديقاً
وسط ساحات المعارك والخصامْ
وتشبثت إيڤا طويلاً
غير أنّ الموت أدرك ابنها وحبيبها
انحسر الذراع... ولم تباليَ طالما بقيَ
الفؤاد مكابرًا ومتيّمًا
يمشي على درب المروءة والشهامة والتمامْ"
بداية المقطع تتماثل تماما مع المكان/السويد الذي قدمت منه، فبدا البياض كاملا: "غزالة، تراءت، الأغنيات، عانقت"، بينما كان السواد متعلق "بنا/نحن" الفلسطينيين: "الثكلى، بالمآسي، السقام"، وهنا يكون الشاعر قد أوصل فكرة عظمة العمل الذي أقدمت عليه "الغزالة" التي كانت تنعم ب"الأغنيات"/الهدوء والسلام، فتخلت عنهما لتقاوم الظلم والظلام، وكان أن فقدت جنينها وحبيبها ويدها.
والشاعر لا يقدم هذا الفكرة بطريقة مباشرة، بل بطريقة شعرية لافتة:
" تودُّ الاحتراق كما الفراشة باللهيبْ" فرغم واقعية الحدث: "أمسكت ساعديه، وسط المعارك، الموات أدرك ابنها، انحسر الذراع" إلا أن الطريقة التي قدمها الشاعر أزالت الواقعية المباشرة عن الحدث الأسود، وقدمته بطريقة شعرية، تُوصل الفكرة بطريقة أدبية جميلة.
بعد هذا يستخدم الشاعر صيغة الجمع "نحن" من خلال "نحبك، نحب (مكررة)، ننساه، يذكرنا، نحيا (مكررة)، نذكر" فهو يتحدث نيابة عن الفلسطينيين، وأراد ان يرد على وفاء "إيفا" ويوفيها حقها، فكانت صيغة الجمع هي المناسبة لهذه القامة المعطاءة:
"إنّا نحبّك دائمًا...
ونحبّ هذا الحلم يلمع في ربا عينيكِ
يهطل مثل غيثٍ
أو يطير كما العصافير الجميلة والحمامْ
ونحبّ اسمك يانعًا يبقى يذكّرنا
بما ننساه عن معنى الأمومة
أمنا الأولى.. حواء أو إيڤا الكريمة
لا تقولي إنّنا نحيا قليلًا... إنّما نحيا طويلًا
في قلوب الأنقياء من الرجال أو النساء أو الكرامْ
والحبّ أكبر دائمًا... من كلّ أصوات القنابل والدمارْ
سنظلّ نذكر أنّ في هذا الزمان المرّْ
بشرًا يغذّون المسير ويكرزون كما المسيحْ
يقدّمون حياتهم فوق الصليبْ...
يكفيهمُ شرف الدفاع عن الوداعة والوئامْ



كما فاتحة القصيدة المتعلقة "بإيفا" البيضاء، جاءت خاتمتها، فكل ما جاء عنها كان أبيض: "نحبك، يلمع، يهطل، يطير، يانعا، الأمومة، أمنا" والمتعلق بنا نحن الفلسطينيين قاسي وشديد: "المر"، لكن الشاعر ينسب فعل السواد لآخرين (مجهولين)، وكأنه بتجاهله لهم، لتسميتهم، أرد التأكيد على سخطه وغضبه، بحيث أن (يرفض) حتى لفظ تسميتهم.
وإذا ما توقفنا عند هذا المقطع أن الشاعر يكرر لفظ "نحب/ك، ونحيا" أكثر من مرة، وهذه اشارة من العقل الباطن للشاعر إلى أن ما يحمله من أفكار هو "الحب والحياة" بمعنى أن ينفي تهمة (الإرهاب) التي يلصقها المحتل بالفلسطينيين.
يختم الشاعر القصيدة بقوله:

"مدّي يدًا تكفي
لتهدم ما تبقّى من جدارْ
كي أراكِ بعين قلبي...
تضحكين وتسبحي فوق الغمامْ"
خاتمة شعرية بعيدة عن الواقعية، تذهب بالمتلقي إلى فضاء رحب ومتسع: "تسبحين فوق الغمام" وتأخذه إلى عالم الأمل والفرح: "أراك، قلبي، تضحكين" وبهذا يكون الشاعر قد قدم قصيدة جميلة، تُوصل الفكرة التي أراد تقديمها، بعيدا عن المباشرة.

القصيدة منشورة على صفحة شقيق الأسير كمال ابو حنيش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد