الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما أمرّ قهوة الجنرال!

ضيا اسكندر

2020 / 12 / 9
الادب والفن


كم كانت وما زالت عبارة «المعلّم عازمك على فنجان قهوة» التي كان يستخدمها عناصر الأمن لدى اعتقال النشطاء السياسيين خلال حقبة طويلة من تاريخ سورية المعاصر، أثراً مزلزلاً في أذن متلقّيها. تلك العبارة "الدبلوماسية" كانت وما زالت أشدّ وطأةً من الصفعة. فالمطلوب للاستضافة يدرك من خلال تجارب الآخرين وتذوّقهم لقهوة المعلم، بأنه سيذوق الأمرّين لدى وصوله إلى الفرع.
«قهوة الجنرال» كتاب للمخرج المسرحي والقاص والأديب والسياسي غسان الجباعي، يحكي فيه عن تجربته الموجعة والمُتعِبة له وللقارئ في سجون النظام الرهيبة. والتي امتدّت لما يقارب العشر سنوات عقوبة له؛ لا لامتشاقه السلاح الناري في مواجهة السلطة، ولا بسبب انتمائه لحزبٍ سياسي معارض يدعو إلى إسقاط السلطة بالعنف، ولا حتى لاشتراكه في مظاهرة أو اعتصام غير مرخّصَين، بل فقط لأنه يحلم بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
الكتاب أو الرواية مسرودة بلغة شاعرية مدهشة. ولكن قد يلتبس على القارئ المعتاد على مطالعة الروايات الكلاسيكية أن يستسيغ تشابك الأزمنة والأمكنة في هذه الرواية. فالكاتب يبتعد عن التسلسل الزمني في أحداثها المتداخلة ما بين وقائع وذكريات التحقيق والسجن، وتفاصيل حياة المعتقلين وآلامهم وآمالهم، مع الحوار ما بين بطل الرواية وزوجة سجين سياسي آخر. ذلك الحوار الزاخر بالذكريات والغضب والمرارة والمآسي.
تعجُّ الرواية بمواقف تراجيدية يستحيل على القارئ ألّا يقف متنهّداً، وقد اغرورقت عيناه ليرتاح قليلاً من هول شراسة القهر والظلم والهوان. الواقعة ليس على المعتقل السياسي وحسب، بل وعلى أحبّ الناس وأقربهم إليه؛ كالأم والأب والزوجة والأولاد.
من أجواء الرواية:
«كان ذلــك في فصــل الخريــف وكانــت الريــح شــديدة لدرجــة أنهــا اقتلعــت تلــك الورقــة مــن يدهــا.. أخرجتهــا مــن صدرهــا وأرادت أن تعطيهــا للحــارس، لكــن الريــح خطفتهــا مــن يدهــا.. يــوم كامــل وهــي تركــض مــن فــرع إلى فــرع حتــى حصلــت عــلى تلــك الورقــة وخبّأتهــا في صدرهــا. مــن دون هــذه الورقــة لا تســتطيع زيــارتي. ولكنهــا مــا إن وصلــت إلى بــاب الســجن وأخرجتهــا حتــى طــارت الورقــة مــن يدهــا.. تركــت العجــوز أكيــاس النايلــون، وركضــت خلــف الورقــة كالمجنونــة. لعبــت بهــا الريــح وتعــرّت وســقطت ثــم نهضــت وركضــت مــن جديــد وســقطت.. ولــولا ذلــك الشرطــي الشــاب الــذي كان يقــف أمامهــا ويبتســم لهــا والورقــة بيــده، لمــا ســمحوا لهــا بالدخــول..»

ولكي لا نحرم القارئ من متعة كشف جمالية هذا العمل الإبداعي الجريء، وما يحتويه من مفاجآت ومواقف وحكايا تقشعرُّ له القلوب، سوف نكتفي باقتراح قراءة هذا الكتاب الهامّ ليعزّز لديه حلم التغيير والانتقال إلى سورية الجديدة، سورية العلمانية الديمقراطية العادلة والقادرة والمزدهرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و