الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (244) مرتكزات السيطرة الاستخبارية

بشير الوندي

2020 / 12 / 9
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (244)
مرتكزات السيطرة الاستخبارية
---------
مدخل
---------
الاجهزة الاستخبارية المحترفة هي اجهزة مرشقة بطبيعتها , وبعيدة عن البيروقراطية , كما ان طبيعة العمل الاستخباري ان يكون في بلد العدو , وان تكون اذرعه من الجواسيس والعملاء من ابناء البلد المستهدف , وهؤلاء ليسو كُثُر , وايجادهم وتدريبهم صعب , وفي ذات الوقت فإن الواجب الاستخباري الاول تجاه البلد المستهدف يتمثل بأحد اتجاهين , اما تخريبه او السيطرة عليه وتوجيهه , وهذه مهام جسيمة تحتاج الى جهود جبارة ويجب ان تتم بشكل احترافي , ومن هنا عمدت الاجهزة الاستخبارية الى ان تضع تفضيلات لجهودها تكون بمثابة مرتكزات للسيطرة على البلد الهدف حيث تختار مؤسسات او تشكيلات في البلد المستهدف بمثابة المفاصل الرئيسية له من اجل احكام السيطرة على البلاد وعلى مقدراتها .
----------------------
إحكام السيطرة
----------------------
ان المرتكز يشكل مركز الثقل الاستخباري الاساس في عملية النفوذ والهيمنة على البلد الهدف , فالاجهزة الاستخبارية الاجنبية لاتبعثر جهودها في دوائر ومؤسسات غير مؤثرة في البلد المستهدف , فهي قد تحتاج الى عميل هنا وعميل هناك , الا انها تهدف الى البحث عن افضل المؤسسات المفصلية التي يمكن السيطرة التامة عليها شريطة ان تمتاز تلك المؤسسة او الجهة بقدرتها على تمكينهم من التأثير العام على البلد المستهدف سواء بتحطيم قدراته , او بالسيطرة على مقدراته لصالحها .
ان المرتكز هو شبيه بالمحطة الاستخبارية الكبيرة ولكن من اهل البلد المستهدف إدارةً وعملاً وتوجيهاً وبعيدة عن البلد المشغل , فهي ليست سفارة او قنصلية او محطة تجسس لأن الاخريات يكون اعضائها ومشغليها من استخبارات الدولة الاجنبية مباشرة.
وقد تحتاج الاستخبارات الاجنبية او تتوافر لديها اكثر من مرتكز , فعندما يستباح البلد استخباريا تكثر فيه المرتكزات الاستخبارية , واحيانا تسمى لوبي او مجموعات ضغط لكن من اهل البلد الهدف , فتكون كمظلة استخبارية اجنبية في البلد الهدف ومن ابناء البلد الهدف ولكنهم يرفعون شعار البلد الراعي واهدافه ويعملون لصالحه ويقدمون مصالحة على مصالح بلدهم , فإختيار المرتكز يكون حسب البيئة والمجتمع و تاثير المرتكزات .
ان المرتكز الجيد هو الذي يمكن من خلاله ان تقوم الدولة الفاعلة من السيطرة على الدولة الهدف , سواء كان المرتكز هو بالاساس من صنيعة المخابرات الاجنبية كبعض الجيوش والاجهزة الاستخبارية او بعض الاحزاب التي يتم تشكيلها في دوائر المخابرات الاجنبية وكذا منظمات المجتمع المدني المصنّعة لأهداف استخبارية (انظر مبحث السيطرة الاستخبارية 38 ) .
وتفضل اجهزة الاستخبارات الدولية ان يكون المرتكز من صناعتها بالاساس لتسهل السيطرة عليه , فهنالك دول تورطت بأن تضع تأسيس دوائرها الاستخبارية او الامنية او الشرطوية او العسكرية بيد اجهزة استخبارية اجنبية , وهنا تتولى الاستخبارات الاجنبية التأسيس والتدريب والتجنيد في ذات الوقت فيصبح الجهاز مطيتها ويعمل بأوامرها ولايمكنه الفكاك منها , فجهاز السافاك الشاهنشاهي تأسس وتدرب وتطور ودعِّم من خلال الاستخبارات الامريكية طيلة عقود لحين سقوط نظام الشاه , فكان هو مركز الثقل لكل الجهد الاستخباري والنفوذ الامريكي في ايران والمنطقة , فهو مرتكز وصنيعة في ذات الوقت .
كما ان حصر مبيعات الاسلحة المتطورة بشروط سياسية واقتصادية جعلت الكثير من الدول ان تسلم بنفوذ الاستخبارات الدولية على جيوشها فصار التسليح والتدريب والعتاد وقطع الغيار من جهة واحدة وهنا تسعى الاستخبارات الاجنبية الى احكام السيطرة عليه وعلى قياداته وتجنيدهم ليكون صورياً جيش وطني ولكنه في الحقيقة ينفذ اهداف الاجنبي.
اما في الانظمة الفوضوية والهشة فتذهب الاجهزة الاستخبارية الى خلق مرتكزات شعبية او خدمية او منظمات مدنية او من خلال الطبقة المتنوره كالاساتذة والكتّاب وطلاب الجامعات بيافطات التقدم والتحرر .
----------------------------------
مرتكزات بشعارات براقة
----------------------------------
تختلف انواع المؤسسات التي تركز عليها الاستخبارات الاجنبية وتسعى لإحكام السيطرة عليها بحسب طبيعة البلاد وطبيعة القوى السياسية فيه , فهي تختار مؤسسات مفصلية لها التأثير الكبير على البلاد , وتركز جهدها للسيطرة على تلك المؤسسات لكي تحكم سيطرتها على تلك البلاد من خلف الستار ( انظر مبحث 163 التجنيد من خلف الستار ) , قد تحتاج الاجهزة الاستخبارية الى اكثر من جهاز او مؤسسة لإحكام سيطرتها على البلد المستهدف .
فهنالك بلدان لاتستطيع الاستخبارات الاجنبية النفاذ الى مراكز الحكم او الى اجهزتها الحساسة بحكم العداوة المستحكمة مع سلطة البلاد , فتختار هنا ان تكون مرتكزاتها شعبوية او من المجتمع من قبيل منظمات مجتمع مدني او احزاب معارضة سرية او علنية, او من الواجهات الثقافية , وتستطيع من خلالها من السيطرة على الشارع وضعضعة الامن والاقتصاد عبرها وتستخدمهم كورقة ضغط لتركيع حكومة ما .
وفي بعض البلدان تفضل الاستخبارات الاجنبية ان تستميل طائفة او قومية وتمدها بأسباب الدعم والقوة وتجعلها مرتكزاً لإقلاق نظام ما او خلق الاضطرابات فيه , فتبرز لها مظلوميتها وتزيد من تشددها وتمدها بالاستشارات الاستخبارية والسلاح والافكار وتدعمها في المحافل الدولية لتصبح تلك القومية صنيعتها وطوع امرها في تنفيذ مخططاتها للضغط على الدولة والنظام .
كما تقوم بعض الاجهزة الاستخبارية بجعل مرتكزها الاستخباري زعماء القبائل او الاعلام او رجال الدين او المفكرين او احزاب المعارضة او البيوتات السياسية المؤثرة او الحاكمة , فكان ديدن الاستخبارات البريطانية خلال القرن الماضي الاعتماد على شيوخ العشائر وعلى بيوتات السياسيين , فكان الاب ثم الابناء هم مرتكزات للنفوذ و السلطة والجهد الاستخباري البريطاني .
بل ان الامريكان استخدموا قبل سقوط صدام احد الطرق الصوفية العراقية كمرتكز استخباري هام للسيطرة عبرها على اتباعها من صفوة العسكريين والسياسيين وبعض المقربين من صدام .
----------------------
حاميها حراميها
----------------------
ان أغلب الانظمة الدكتاتورية مبنية على اساس العسكر , فتكون للمؤسسة العسكرية السطوة الكبرى في المجتمع , لذا يكون الجيش احد اهم نقاط الارتكاز للاستخبارات الاجنبية في تلك البلدان , فتتم الهيمنة على تلك الجيوش الوطنية من خلال حصر التسليح والتدريب والعتاد والادوات الاحتياطية والتكنلوجيا والنفاذ الى قادته وتجنيدهم واحاطتهم بالمستشارين , لاسيما وان بعض البلدان تأسست على ايدي الاجانب او اعيد تشكيلها على ايديهم , وفي هذه الحالة تصبح المؤسسة العسكرية هي تحت السيطرة الكاملة من قبل الاجنبي بحيث لاتمر اوامر السلطة الوطنية الا من خلال موافقة الاجنبي عليها .
وغالباً مايتم ذلك في الدول التي يراد لها ان تبقى حليفة ولاتخرج من الطوع , ففي تلك الدول تقوم الاستخبارات الاجنبية بالسيطرة على مقاليد البلاد بشكل فعال بحيث ان السلطة الحاكمة تدرك انها لاتستطيع الاستناد الى المؤسسة العسكرية حتى لحمايتها .
وينطبق ذات الامر على المؤسسات الاستخبارية الوطنية , وفي هذا الشأن يقول الجنرال حسين فردوست في كتابه ظهور وسقوط امبراطورية بهلوي " كانت امريكا تسيطر على جهاز السافاك اي جهاز الامن والاستخبارات الذي يمتد داخليا وخارجياً , وكانت CIA لا تسمح لاي دولة بالاقتراب من هذا الجهاز , فيما كانت بريطانيا تسيطر على استخبارات الجيش الملكي الايراني الذي يعتبر مرتكز انتشارها في ايران" ويضيف " ان الشاه كان لا يستطيع تغيير مدير الاستخبارات العسكرية بدون موافقة البريطانيين , كما لايستطيع تغيير رئيس السافاك بدون موافقة الامريكان , ومن خلال هذين الجهازين كانت الدولتان تتقاسمان النفوذ داخل البلد , وكان فريق مستشارين امريكان يقودهم ضابط متواجدون بشكل دائمي في جهاز السافاك وبمعيتهم ضابط بريطاني واحد , وفي المقابل , في الاستخبارات العسكرية , كان هنالك فريق مستشارين بريطاني كامل معهم ضابط امريكي , وكانوا متواجدين لسنوات , ويتدخلون في جميع البرامج والتدريب والموازنات والهيكل التنظيمي والتغييرات والتجهيزات والخطط والايفادات وحتى التحقيق والاعتقالات , فكان مدير الاستخبارات العسكرية ومدير السافاك يقدمون كل ما يحتاجه الفريق الاستشاري لان مصيرهما وبقاءهما بيد هؤلاء , ومن خلال الجهازين ينتشر النفوذ في كل مفاصل الدولة والحياة ويطلعون على كل اللجان و الاوامر ويتدخلون في كل شي , ويجعلون رئيس السافاك والاستخبارات طوع امرهم , يدافعون عن اي شي يهمهم و يتدخلون حتى في تعيين الحكومات والوزارات".
وفي بعض البلدان كتركيا , اختارت الCIA ان تكون سيطرتها السرية على مفصلين رئيسيين هما الجيش والمحكمة العليا , فعندما حصل الانقلاب الفاشل على الرئيس اوردغان , انكشف المخطط من ان الامريكان استطاعوا من النفاذ بدرجة كبيرة الى هاتين المؤسستين عبر مؤسسات وواجهات المعارض عبد الله غولن , لدرجة ان اعداد من كانوا مشاركين بالمؤامرة في هذين المفصلين كانوا بالآلاف .
---------------------------
عملاء في قمة الهرم
---------------------------
في بعض الاحيان , تتمكن الاستخبارات الاجنبية ان تصل الى قمة هرم السلطة سواء الحزب الحاكم او الرئيس او رئيس الوزراء او الملك فيصبح هو والعائلة المالكة هم المرتكز الاستخباري وهو نصر مابعده نصر ومرتكز استخباري من الطراز الاول يجعل كامل البلاد رهينة بيد الاستخبارات الاجنبية .
فهنالك اكثر من دولة عربية استطاعت الCIA ان تجعل من حاكمها المطلق عميلاً رسمياً لعشرات السنين يستلم مرتباً سنوياً منها – والقصة معروفة - فكان هو والعائلة الحاكمة هم المرتكز الاستخباري الرئيسي لها والذي يغنيها ويمكنها من السيطرة الكاملة على البلاد وهو امر مستمر الى الان ومتوارث من السلف الى الخلف !!!! .
وفي حالة اخرى جعلت الموساد من احد الملوك العرب مرتكزها الاستخباري حتى ان احدى القمم العربية التي اقيمت في بلاده والتي كان الرؤساء والحكام العرب يناقشون خطط سرية لجيوش الدفاع العربي المشترك , تمكنت الموساد بمساعدة من الملك ان تكون لهم في مبنى المؤتمر غرفة انصات مموهة لتسجيل الجلسات السرية بالصوت والصورة !!!!.
-----------
خلاصة
-----------
تقوم الاجهزة الاستخبارية الاجنبية دوماً بالعمل على تركيز جهودها في البلد الذي تستهدف تحطيمه , او تستهدف ان تجعله مطيتها ويدور في فلكها , الى ان لاتشتت جهودها في كل الاتجاهات , فتترك عمليات التجنيد الشامل لمحطاتها الاستخبارية , فيما تسعى الى اختيار مؤسسات مؤثرة سواء كانت حكومية او مدنية او شعبية او فصيل من نسيج مجتمعي , شريطة ان يتمتع بتأثير بالغ على بنية الدولة والمجتمع , فتقوم بالسيطرة عليه – واحياناً تصنعه من العدم كبعض الاحزاب او المنظمات – ومن خلاله تقوم بالإمساك بتلابيب الدولة وتركيع نظامها السياسي .
وفي غالب الاحيات يتم التركيز على المؤسسة العسكرية او على الدوائر الاستخبارية والامنية للبلاد من اجل احكام السيطرة على البلد , وقد وصلت نجاحاتها في بعض الاحيان الى ان تتمكن من السيطرة على قمة السلطة لتجعل كامل البلاد العوبة في اياديها .
ان تلك المؤسسات التي تتم السيطرة عليها هي المرتكزات الاستخبارية التي تكون من ابناء البلد وبأموال البلاد ولكن ولائها للاجنبي وشرورها على ابناء جلدتها , الامر الذي يستدعي من الحكومات الوطنية ان تكون مفاتيح الدولة والمجتمع بأيدٍ أمينة بعيداً عن التدخلات والتحكم الاجنبي , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب