الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات الجزائرية-الروسية كأنموذج للقوة الموضعية للتعاون الإقليمي في منطقة شمال إفريقيا: حلول مقترحة للتكيف مع وضعيات -السلام النزاعي المناهض

عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)

2020 / 12 / 10
السياسة والعلاقات الدولية


تحدث وزير الخارجية الجزائري الدبلوماسي المرموق صبري بوقادوم عن تعليمات رئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد المجيد تبون بخصوص الالتزام بتعهده الدفاع عن كرامة المواطن الجزائري بالخارج. فبعد عودة الخطوط الجوية الجزائرية إلى النشاط في المطارات الداخلية لم يتبقى الكثير حتى تعلن الجزائر عن افتتاح كامل لأجواء الجزائرية أمام الرحلات الدولية. بقيت الدبلوماسية الجزائرية نشطة على الصعيد القاري ولم تتأثر بالأزمة المفتعلة في الصحراء الغربية المحتلة والتي أكملت دائرة الأزمات المفتعلة في محيط الجوار الجزائري الملتهب شرطا وغربا في ليبيا ومالي والصحراء المحتلة. مع ذلك، شكل تصريح الفريق سعيد شنقريحة أن "قطار الجزائر قد انطلق بالفعل ولا أحد بإمكانه أن يوقفه". تصريح لافت أمام وزير الدفاع الأمريكي السابق مارك إسبر الذي لخصه أحد الملاحظين باللهجة الدارجة: "ارحلي يا باريس عن الساحل الإفريقي والجزائر قادرة على شقاها" فهل هذا الموقف صحيح بالفعل؟. تظهر مناورات المؤسسة العسكرية قدرات تسلح عالية ومتطورة الذي تعتبره بعض الدوائر الغربية "سوفيتي العقيدة" رغم تأكيد احترافية المؤسسة العسكرية الجزائرية. روسيا تعتبر الجزائر شريكا استراتيجيا يمتلك ناصية قارية وقوة عسكرية جديرة بالخشية.
كانت سعادة الجزائريين كبيرة بتعيين الدبلوماسي صبري بوقادوم وزيرا للخارجية في وزارة عبد العزيز جراد رئيس الوزراء الذي يعتمد بشكل كلي على وزير الخارجية بحكومته في العديد من الملفات الضاغطة التي تسترعي اهتمام الدولة والشعب الجزائري بشكل كبير وفي مقدمتها أوضاع ليبيا ومالي والصحراء الغربية اضافة الى أوضاع الشعب اليمني والسوري اللذين تقترب أزمة بلديهما من العقد الكامل لضياع هيبة الدولة وتفكيك الأمن المجتمعي للأمتين السورية واليمنية. ناهيك عن القضية الفلسطينية التي تراوح مكانا بسبب احباط الجهود وتكريس الجمود دون تحقيق السلام.
لقد سجل وزير الخارجية السيد صبري بوقادوم مواقف الجزائر مما يجري في دول الجوار بطريقة لافتة للداخل والخارج. يمكن أن نعتبر الدور الجزائري دورا جديرا بالخشية والتقدير على الصعيد القاري للقارة السمراء عامة ولدول الجوار المغاربي والافريقي بشكل خاص. لقد حققت تصريحات الدبوماسي صبري بوقادوم شروط الوضوح والشفافية والثبات والنشاط في وقت واحد. لا تزال صورة الجزائريين راسخة في الخارج على أنها من دول الجنوب التي تتسيد المشهد الأممي دفاعا عن الثوابت والقيم وحق تقرير المصير. تساعد جهود وزير خارجية الجزائر على تأكيد الحضور الجزائري في جميع دوائر النزاع القاري حيث لا يملأ الفراغ الجزائري على الصعيدين الافريقي والأممي نظير دولي آخر لأن الجزائر لا تحيد عن ثوابتها ومصالحها مهما كانت الضغوط أو المساومات والمغريات.
تأسست العلاقات الجزائرية الروسية أثناء فترة الحرب الباردة حين كان العالم يعيش صراعا محتدما بين الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية. يمتعض الروس حيال ابتعاد العرب عن الفلك الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق لكنهم وجدوا توصيفا خاصا للجزائر التي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية والعسكرية القوية مع موسكو لتقدم نموذجا قويا للعلاقات الدائمة التي لا تتأثر بالتحولات الدولية الكبرى. لقد تحولت الجزائر الى الشريك الدبلوماسي والعسكري الأول والأهم في القارة السمراء والمنطقتين المتوسطية والمغاربية. لقد شكل مرور الأسطول البحري على الموانئ العسكرية الجزائرية موقفا تاريخيا يعزز تصريح نائب وزير الدفاع الوطني الفريق سعيد شنقريحة أن بناء قوة الجزائر على الصعيد العسكري قد تحولت إلى "قطار يستحيل ايقافه بعد الانطلاق". الجزائر تحلم بنموذج استعادة الريادة البحرية المتوسطية كما كانت قبل قرون مضت لتكمل بناء ترسانتها البرية والجوية التي تراهن على تصنيع عسكري للمنشآت والأسلحة والعتاد الحربي. كل هذا الجهد كان بفضل استمرار التعاون العسكري الجزائري مع شركائها الأوفياء على الصعيد الدولي وفي مقدمتهم الشريك الروسي.
قال الرئيس الروسي: "ترى كيف كان سيكون مصير العالم لو لم تقاوم موسكو إرادة الهيمنة الأحادية على العالم!". لقد انتبهت القوى الدولية الى قدرة "التسامح النسبي" في التحول الى أحد أهم مفاتيح أو أدوات القوى الدولية الكبرى للسيطرة على العالم وفرض السلام الاقليمي الدولي. فلا يوجد طرف دولي واحد قادر على امتلاك القوة المطلقة والجزائر احدى الدول الاكثر اطلاعا على مجريات الأحداث في دوائر النزاع في القارة السمراء من خلال دورها البارز في منظمة الاتحاد الافريقي بأديس أبابا. أو دورها في حلحلة أكثر الأزمات صعوبة في دول الجوار المغاربي.
قابلت موسكو النماذج السيئة للغطرسة وعدم السماح بالتعاون الدبلوماسي والعسكري الفعال والشراكات الأمنية والتعاون الاستخباري للتحكم بما يسمى "بالسلام الصراعي المناهض" الذي أضحى يتكرر بشكل مدهش على كل صعيد إقليمي في محاكاة تاريخية ما عرفه العالم أثناء حقبة الحرب الباردة. فوحدها جائحة كورونا ما أوقف الثورات الاحتجاجية المنتشرة عبر العالم وأنهار الدماء المختلفة في دوائر الحروب الأهلية بشكل مؤقت.
يتراكب التوافق الجزائري والروسي في تحقيق استقرار السلام الاقليمي في سوريا وليبيا ومالي واليمن لعدم السماح لأي نموذج سيء من الغطرسة وعدم التسامح من تهديد وحدة الأقاليم أو سلامة السيادة والموارد أو تهديد الأمن المجتمعي في هذه الدول. لكننا سنعيش حالة ادمانية في التعامل مع حالة السلام والأمن الصراعي المناهض Agonistic peace التي تهدد بظهور عدة نماذج من الدول الفاشلة في الجوار الجزائري. تهدد هذه النماذج بموجات هجرة جديدة ونزوح كبير للاجئين وتحول مجتمعات الدول الفاشلة الى كتل بشرية ربيبة تقتات على حساب الدولة الجزائرية. في هذه الحالة تزداد مسؤوليات الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة في حال ازدياد الأعباء الانسانية المتراكمة على حساب كلفة القيادة الاقليمية للجزائر.
هنالك حلول كثيرة لكنها تقتضي توافقات ثنائية وأخرى متعددة الأطرف لجمع الجهود ومنح احباط جهود السلام الاقليمي في القارة السمراء. التعاون الجزائري الروسي يخدم هذه المقاصد بشكل واضح وصريح. موسكو هافانا بريتوريا من العواصم التي تدرك تماما نفسية صانع القرار الجزائري الذي يراهن على الدفاع عن الثوابت ووتحقيق المصالح دون الحاجة إلى تقديم تنازلات مؤلمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا