الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللينينيّة كجسر – الفصل الثالث من - تقييم علمي نقدي للتجربتين الإشتراكيّتين السوفياتيّة و الصينيّة : - كسب العالم ؟ واجب البروليتاريا العالميّة و رغبتها -

شادي الشماوي

2020 / 12 / 10
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 36 / فيفري 2020
تقييم علمي نقدي للتجربتين الإشتراكيّتين السوفياتيّة و الصينيّة :
" كسب العالم ؟ واجب البروليتاريا العالميّة و رغبتها "
تأليف بوب أفاكيان

مقدّمة الكتاب 36

ما من ظلّ للشكّ في أنّ التاريخ الاجتماعي عامة و تاريخ الحركة الشيوعيّة العالمية خاصة كان و لا يزال محور صراع طبقي و صراع بين الخطّين صلب الشيوعيين و الشيوعيّات . و الدلائل على ذلك لا حصر لها و لا عدّ .
و فضلا عن ما يدلّل عليه واقع الصراع الطبقي و الصراع الإيديولوجي و السياسي يوميّا و عبر العالم ، على سبيل المثال لا الحصر ، أثبتت هذه الحقيقة قراءة ماركس لكمونة باريس ، أوّل دكتاتورية بروليتاريا حسب إنجلس ، و الدروس المستخلصة منها و الفائقة الدلالة بالنسبة للثورة البروليتاريّة العالميّة . و أكّد لينين صحّة إستنتاجات ماركس و ثوريّتها في مقابل إستنتاجات آخرين تصبّ في خانة خدمة البرجوازية ، كما أكّد في مقدّمة كتابه الذى لن يكفّ ، في عصرنا هذا ، عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ، عن أن يكون منارة من أعظم المنارات المناهضة للتحريفيّة ، و نقصد كتاب " الدولة و الثورة " ، أنّ تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و رموزها موضوع صراع طبقي لا هوادة فيه . و مثلما كانت كمونة باريس موضوعا خلافيّا كذلك كانت الثورة الروسيّة لسنة 1905 فبينما أدان بليخانوف و أمثاله رفع الجماهير للسلاح ما جعلهم يقفون موقفا برجوازيّا حيال نضالات الجماهير الشعبيّة ، كان لينين و أنصارالبلاشفة يستخلصون الدروس الحيويّة من ما إعتبروه تميرنا جيّدا جدّا على الثورة القادمة ...( و " الباقي تاريخ "... ).
و إثر وفاة ستالين ، جدّ صراع طبقي كبير بحجم أعظم الجبال في العالم ، و صراع خطّين لا يقلّ عنه عظمة صلب الحركة الشيوعية العالمية بشأن تقييم التجربة الإشتراكية السوفياتيّة في ظلّ قيادة لينين و ستالين و العبر المستشفّة منها . و في الوقت الذى كانت فيه التحريفيّة السوفياتيّة على رأس التحريفيّة المعاصرة الفرنسيّة منها و الإيطاليّة ... تهشّم تهشيما رمز تلك التجربة الإشتراكية ، ستالين ، و من ورائه الماركسيّة – اللينينيّة ، إنبرى ماو تسى تونغ على رأس الحزب الشيوعي الصيني ينافح بما أوتي من جهد نظري و عملي عن هذه التجربة الرائدة و رموزها البروليتاريّة ، و يطبّق عليها المنهج المادي الجدلي و النظرة الشيوعيّة الحقيقيّة لتقييمها تقييما علميّا نقديّا فرزا للصحيح عن الخاطئ فيها و إحقاقا للحقّ و إستشفافا لما أمكن من الدروس لتطوير النظريّة و الممارسة الشيوعيّة الثوريّة و المضيّ قدر الإمكان قدما على الطريق المؤدّية إلى المجتمع الشيوعي العالمي ، كهدف أسمى للشيوعيين و الشيوعيّات . فهزّ هذا الصراع المبدئي من طرف الشيوعيين الثوريّين بقيادة ماو تسى تونغ ضد التحريفيّة المعاصرة العالم قاطبة من شرقه إلى غربه و من شماله إلى جنوبه و صار معروفا بالجدال العظيم الصيني – السوفياتي و وثائقه غاية في الأهمّية التاريخية إذ هي دافعت عن المبادئ الثوريّة للشيوعيّة و نقدت الأخطاء و قدّمت سبلا لتجاوزها ما فتح المجال لمزيد تطوير علم الثورة البروليتارية العالمية . و بطبيعة الحال ، خلال ستّينات القرن الماضى و سبعيناته و ، بعد ذلك أيضا ، كانت تلك الوثائق بدورها محور صراع طبقي و صراع خطّين محتدمين عالميّا و داخل الحركة الشيوعية و خارجها ما أفرز من ضمن ما أفرز إنشقاقا بين التحريفيين المعاصرين و على رأسهم السوفيات من جهة و الشيوعيين الثوريّين و على رأسهم الماويّون الصينيّون ليشكّل الشيوعيّون الثوريّون المدافعون عن الإرث الثوري للتجربة السوفياتيّة – وهو جانبها الرئيسي- و الخطّ العام الذى رسمه الماويّون للحركة الشيوعية العالميّة ما أطلق عليه حينها الحركة الماركسيّة – اللينينيّة في مقابل التحريفيّة .
و عقب وفاة ماو تسى تونغ و الإنقلاب التحريفي في الصين سنة 1976 و إعادة تركيز الرأسماليّة هناك على أنقاض الصين الإشتراكية الماويّة ، وجد الشيوعيّون الثوريّون لا سيما أولئك صلب الحركة الماركسية – اللينينيّة أنفسهم مجبرين على خوض معارك صراع طبقي و صراع خطّين ، دارسين و محلّلين و ناقدين و مقيّمين تقييما علميّا و نقديّا التجربة الإشتراكية الصينيّة و ما طوّره ماو تسى تونغ في خضمّها و بناء على الدروس المستقاة من التجربة السوفياتيّة ، من مساهمات عظيمة تنكّر لها التحريفيّون الصينيّون بزعامة دنك سياو بينغ و كذلك حزب العمل الألباني بزعامة أنور خوجا الذى صاغ خطّا دغمائيّا – تحريفيّا من أبرز ميزاته أنّه ينسف نسفا التجربة الإشتراكية الماويّة في الصين و من أساسها و يدافع دفاعا أعمى عن ستالين ، و صار هذا الخطّ معروفا عالميّا بالخوجيّة ؛ فيما أضحى أنصار التجربة الإشتراكية الماويّة في الصين و مساهمات ماو تسى تونغ في تطوير علم الشيوعية يعرفون بالماويين الذين تجمّع معظم أحزابهم و منظّماتهم ضمن الحركة الأمميّة الثوريّة التي نشطت موحّدة من 1984 إلى 2006 لتنهار بفعل خيانة الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) للشيوعيّة و الثورة الديمقراطية الجديدة و حرب الشعب في النيبال و الخلافات المنجرّة عن ذلك . و مرّة أخرى ، كان تقييم تلك التجربة التاريخيّة موضوع صراع طبقي و صراع خطّين و تطوّرت الجدالات النظريّة في صفوف الماويّين أنفسهم بشأن عدّة مسائل ما أفرز إنقساما للماويّة أمسى جليّا على النطاق العالمي منذ أكثر من عقد الآن ، بين أصار الخلاصة الجديدة للشيوعيّة التي طوّرها بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة ، أحزابا و منظّمات و أشخاصا من جهة ، و أحزاب و منظّمات و أشخاص يناصرون في الأساس مضمون مقال " ضد الأفاكيانيّة "...
كلّ هذا ، و غيره كثير ، أوردناه بصورة شديدة الإقتضاب لنشدّد بدورنا على أنّ التجارب التاريخيّة للصراع الطبقي و لصراع الخطّين تشكّل لا محالة محور صراع طبقي و محور صراع خطّين أيضا .
و ننصح من ترنو / يرنو إلى التعمّق في مدى إنسحاب هذه الحقيقة على كمونة باريس و الثورتين الروسيّتين بالعودة إلى ماركس فلينين و أمّا من ترنو/ يرنو إلى تفحّص ما بعد ذلك ممّا ألمحنا له بعجالة ، فعلها / عليه بكتبنا السابقة المتوفّرة بمكتبة الحوار المتمدّن . ففي الكتاب الأوّل من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " تلفون بيان الحركة الأمميّة الثوريّة لسنة 1984 وهو يتضمن ملخّصا لتقييم شيوعي ماوي لتاريخ الحركة الشيوعية العالميّة . و في الكتاب 4 ، و عنوانه " الثورة الماوية في الصين : حقائق و مكاسب و دروس " ، بوسعكم العثور على نصوص تقييميّة قصيرة و طويلة تسلّط الضوء على عدّة أوجه من تلك التجربة الإشتراكية . و في الكتاب 20 ، تعثرون على نصوص من الجدال الكبير الصيني – السوفياتي في منتهى الأهمّية . و في الكتاب 22 ، " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " ، ( فصول من كتاب لبوب أفاكيان يحمل العنوان نفسه ) ، تجدون عرضا نقديّا لمساهمات ماو تسى تونغ في الفلسفة و الاقتصاد السياسي و الإشتراكية بما هي المكوّنات و الأقسام الثلاثة للماركسيّة . و في الكتاب 23 ، الحامل لعنوان " لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم " تعرفون " ... الثورة الشيوعيّة و الطريق الحقيقيّ للتحرير : تاريخها و مستقبلنا " ، يقدّم ريموند لوتا تلخيصا اما نقديّا لتاريخ الحركة الشيوعيّة العالميّة إلى حدّ اليوم ، إنطلاقا من الخلاصة الجديدة للشيوعيّة. و في كتاب بوب أفاكيان " ماتت الشيوعيّة الزائفة ... عاشت الشيوعيّة الحقيقيّة ! " ( الكتاب 28 )، ثمّة تناول نقدي لمحطّات معيّنة من التجربتين الإشتراكيّتين السوفياتيّة و الصينيّة و حتّى لكمونة باريس . و بالكتب المفردة للماويّة في النيبال و في الهند و في الفليبين ، هناك نصوص و فقرات تلمس بقليل أو كثير من العمق مسائل متعلّقة بتاريخ التجارب الإشتراكيّة العالميّة ...
و لسائل أن يسأل ، و كلّ هذا الكمّ الذى لا بأس به من الوثائق القيّمة متوفّر باللغة العربيّة ، لماذا إذن هذا الكتاب الجديد عن تاريخ الحركة الشيوعيّة العالميّة ؟
و نجيب في الحال و مباشرة ، بلا لفّ و لا دوران ، بأنّنا قمنا بترجمة مضامين هذا الكتاب إلى العربيّة لعدّة أسباب تراكمت و تداخلت ففرضت علينا هذا الواجب فرضا . ذلك أنّنا ، و الحقّ يقال ، لمسنا مدى أهمّية هذه المضامين مذ إطّلعنا عليها قبل سنوات و أعدنا قراءتها لمّا عقدنا العزم على خوض تجربة ترجمة و نشر الأدب الشيوعي الماوي ضمن مجلّة إصطفينا لها من العناوين عنوان " الماوية : نظريّة و ممارسة " و كدنا نشرع في ترجمتها لولا أنّنا قدّرنا في وقت ما ، بعد إصدارنا للعدد الأوّل من تلك المجلّة / الكتاب الأوّل " علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة " ، أنّ النضال على الجبهتين النظريّة و السياسيّة عربيّا في حاجة ماسّة إلى وثائق أخرى تتناول مواضيع أخرى أكثر ممّا هو في حاجة إلى الوثائق التي تشكّل مضمون كتابنا الجديد هذا ، خاصة و أنّ ما ورد في بيان الحركة الأمميّة الثوريّة ، بيان مارس 1984 ، بالكتاب الأوّل ، يمكن إعتباره مدخلا كافيا حينها . و بالتالى تأجّل الإشتغال و ظلّ إنجاز المشروع إيّاه على أنّ قرار الترجمة لاحقا ينتظر الظرف المناسب للتنفيذ .
و في إعتقادنا اليوم أنّه آن أوان المرور لمرحلة التنفيذ ، بعد المشوار الذى قطعناه ، و للأسباب الآتى ذكرها :
- لاحظنا و نحن نتصفّح مواقع الأنترنت الشيوعيّة الثوريّة أن " كسب العالم : واجب البروليتاريا العالمية و رغبتها " لبوب أفاكيان أخذ يحتلّ مكانة مرموقة كأحد أهمّ الوثائق المرجعيّة المتّصلة بتقييم تاريخ الحركة الشيوعيّة العالميّة .
- و لمسنا لمس اليد ، أثناء إنكبابنا على تعريب مقال " ضد الأفاكيانيّة " لآجيث ( الكتاب 15 ) و " من ردود أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية على مقال " ضد الأفاكيانيّة لآجيث " ( الكتاب 18 ) أنّ " كسب العالم ..." من أهمّ الوثائق المعتمدة في الصراع حول تقييم عدد من القضايا التاريخيّة الشائكة الإيديولوجية منها و السياسيّة بوجه خاص ، ذات الصلة بصراع الخطّين صلب الحركة الشيوعية العالمية و صلب الماويين أيضا.
- و منذ بضعة سنوات ، عربيّا ، تابعنا على صفحات الحوار المتمدّن صراع الخطّين بين مناهضي الخلاصة الجديدة للشيوعية و أنصارها الذى جُمّعت وثائقه في كتاب ناظم الماوي المتوفّر بمكتبة الحوار المتمدّن و عنوانه " صراع خطّين عالمي حول الخلاصة الجديدة للشيوعية - هجوم محمّد علي الماوي اللامبدئي و ردود ناظم الماوي نموذجا عربيّا " و قد كان " كسب العالم ..." مصدرا و مرجعا من أهمّ المصادر و المراجع المعتمدة .
- و في المدّة الأخيرة ، حينما كنّا منكبّين على ترجمة كتاب بوب أفاكيان " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة "، قفز إلى نظرنا و إدراكنا مجدّدا أنّ مهندس الشيوعيّة الجديدة ذاته كما يسمّيه أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعيّة ، قد أولى عناية خاصة لمؤلّفه ذاك ، " كسب العالم ..." ، فقد كتب يقول في شأنه بالصفحة 18 من كتابنا عدد 35 على وجه الضبط :
" قبل عدّة سنوات من الآن ، في " كسب العالم ؟... " ، في بدايات ثمانينات القرن العشرين ، و في غيره من الأعمال الأخرى مذّاك ، تعمّقت كثيرا في تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و المجتمع الإشتراكي ، منذ زمن ماركس ( و إنجلز ) ، و تحدّثت عن واقع أنّ ماركس و إنجلز كانا يملكان نظرة ثاقبة إلى أقصى حدّ ، و في عديد الطرق و بالمعنى الجوهري ، كانا ، في الآن نفسه ، و ليس هذا مفاجئا ، محدودين و حتّى بأشكال معيّنة ساذجين ، في بعض الجوانب الثانوية على دلالتها - و هذا إن أعملتم فيه الفكر ، صحيح بشأن جميع المقاربات و المناهج العلميّة ، في تعارض مع النظرات الميتافيزيقيّة كالدين . و متحدّثا عن النظرات الميتافيزيقيّة و الدينيّة ، عندما نُشر أوّل ما نُشر " كسب العالم ؟... " ، وُجد البعض داخل الحركة الشيوعية العالمية الذين قالوا إنّ هذا يقدّم الشيوعيّة كراية ممزّقة ؛ و وُجد حتّى موقف أنّ الحديث ليس عن الأخطاء فحسب التي إقترفت و إنّما أيضا عن بعض المشاكل في جزء من مفاهيم و مقاربات القادة العظام الحقيقيين للحركة الشيوعية بمن فيهم مؤسّساها ، ماركس و إنجلز ، نوعا من الممنوعات - كان يتمّ التعاطى معه كأنّه كفر . حسنا ، هذا الصنف من المواقف و المقاربات يمضى تماما ضد ، و كان سيلقى الإشمئزاز من ماركس و إنجلز أنفسهما ، قبل أي شخص آخر . و على أيّة حال ، وُجدت الموجة الأولى من الثورة الشيوعية و أدّت إلى التجربة الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي ( من 1917 إلى أواسط خمسينات القرن العشرين ) ثمّ في الصين ( من 1949 إلى 1976 ) و التي وقع الإنقلاب عليها مع صعود القوى البرجوازية إلى السلطة و إعادة تركيز الرأسماليّة ، أوّلا في الإتّحاد السوفياتي و تاليا في الصين عقب وفاة ماو تسى تونغ سنة 1976 . و تحتاج هذه الموجة الأولى من الثورة الشيوعية و التجربة الإشتراكية إلى التعلّم منها بعمق ، بيد أنّنا نحتاج التعلّم منها بتوجّه علمي و منهج و مقاربة نقديّين ، في تعارض مع التوجّه و المنهج و المقاربة الدينيّين . وهذا بالذات ما شرعت في القيام به في " كسب العالم ؟... " و واصلت القيام به في أعمال متنوّعة مذّاك . فكان هذا هو المكوّن الأكبر و قوّة الدفع الأكبر في تطوير الشيوعية الجديدة .
و التعبير المكثّف للكثير من الجديد في الشيوعية الجديدة متوفّر في " الخلاصة الجديدة للشيوعية : التوّجه و المنهج و المقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة – خطوط عريضة "... "
و بكلمات مقتضبة لبوب أفاكيان ذاته :
" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيئ مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . "
( " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ، الجزء الأوّل ، جريدة " الثورة " عدد 112 ، 16 ديسمبر 2007 )
و من يتطلّع لدراسة هذه الشيوعية الجديدة و الإلمام بالسيرة الذاتيّة لبوب أفاكيان ، لا مناص له من إعمال الفكر و التعمّق في كتاب " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " ، متنا و ملاحقا و هو متوفّر بمكتبة الحوار المتمدّن ، أمّا من يتطلّع لتكوين فكرة أوّليّة و تلخيص للأعمدة التي تقوم عليها هذه الخلاصة الجديدة للشيوعية ، فنوفّر له نصّا لبوب أفاكيان ذاته في الغرض ، و ذلك بملاحق هذا الكتاب و عنوانه " الخلاصة الجديدة للشيوعية : التوّجه و المنهج و المقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة – خطوط عريضة " ف " التعبير المكثّف للكثير من الجديد في الشيوعية الجديدة متوفّر" فيه ، حسب ما صرّح به أعلاه صاحب الشيوعيّة الجديدة .
و إذا أضفنا إلى هذه الأسباب التي مرّ بنا ذكرها و التي رأيناها غاية في الوجاهة في حثّها على الإسراع في إنجاز العمل الذى ظلّ ينتظر على الرفوف منذ سنوات ، ملاحظتنا أنّ جماعات تعدّ نفسها شيوعيّة، إلى جانب أعداء الشيوعية المفضوحين، أخذت تنشر هنا و هناك نصوص تقييمات للحركة الشيوعية العالميّة ماضيا و حاضرا فيها ما فيها من تشويه متعمّد للوقائع و تزوير للأحداث التاريخيّة و قلب للحقائق رأسا على عقب و تلاعب صبياني بالمعطيات الماديّة الموضوعيّة و بالمنهج المادي الجدلي الواجب إعتماده في هكذا أعمال – مجمل القول نصوص تحريفيّة و دغمائيّة - ، ندرك لماذا كان لا بدّ لنا من النهوض بالمهمّة الملقاة على عاتقنا و دون تأخير .
و إنّنا لعلى وعي تام أنّنا لا نزال محتاجين إلى المزيد من الترجمات بهذا المضمار و طبعا إلى مزيد التصدّى لمشوّهى تاريخ الحركة الشيوعية الثوريّة خدمة أساسا لإعلاء راية الحقيقة التي دونها لن نستوعب حقّ الإستيعاب علم الشيوعيّة و لن نطبّقه و نطوّره فلن نفسّر العالم تفسيرا علميّا و لن نتمكّن من تغييره تغييرا ثوريّا من منظور شيوعي . وعليه ، من موقع المسؤوليّة الشيوعيّة الثوريّة ، نتعهّد ، دون تحديد تواريخ و لا سقف زمني فكثير من الأمور قد تتجاوزنا ، بأن نثابر على الإضطلاع بالمهام التي آلينا على أنفسها النهوض بها و بأن نبذل من الجهد طاقتنا كي نوفّر المزيد من الوثائق باللغة العربيّة تساهم في الإرتقاء بمستوى التسليح الإيديولوجي و السياسي لمن يبحثون عن الحقيقة و يسعون بدأب و تصميم إلى تحرير الإنسانيّة والكوكب من سطوة النظام الإمبريالي العالمي و تشييد عالم آخر، أفضل ، ضروري و ممكن ، عالم شيوعي .
و قد أثمر جهدنا المبذول هنا عددا جديدا من " الماوية : نظريّة و ممارسة " / الكتاب عدد 36 الذى نضع بين أيدى القرّاء آملين أن يدرسوا محتوياته دراسة نقديّة و يعتمدوا الحقائق التي تنطوى عليها في قادم تنظيراتهم و ممارساتهم الثوريّة .
و محتويات الكتاب ، فضلا عن مقدّمة المترجم هي :
الجزء الأوّل :

" كسب العالم : واجب البروليتاريا العالميّة و رغبتها "
لبوب أفاكيان / العدد 50 من مجلّة " الثورة "

1- المزيد عن الآفاق التاريخيّة للخطوات المتقدّمة الأولى في إفتكاك السلطة و ممارستها – دكتاتوريّة البروليتاريا - و الإبحار على طريق الإشتراكية .
2- المزيد عن الثورة البروليتاريّة كسيرورة عالميّة .
3- اللينينيّة كجسر .
4- بعض التلخيص للحركة الماركسيّة – اللينينيّة التي نشأت في ستّينات القرن العشرين و العامل الذاتي في ضوء الوضع الراهن و المتطوّر و الظرف التاريخي الآخذ فى التشكّل .
5- بعض المسائل المتعلّقة بخطّ حزبنا و نشاطه و مهامنا الأمميّة الخاصة .

الجزء الثاني :

( 1 ) عرض موجز لوجهات نظر حول التجربة التاريخيّة للحركة الشيوعيّة العالمية و دروسها اليوم
( مجلّة " الثورة " عدد 49 / 1981 )
( 2 ) مسألة ستالين و " الستالينيّة " - مقتطف من خطاب " نهاية مرحلة و بداية مرحلة جديدة " لبوب أفاكيان
( مجلّة " الثورة " عدد 60 ، سنة 1990 )
الملاحق - 4 – ( من إقتراح المترجم )

1- الخلاصة الجديدة للشيوعية : التوّجه و المنهج و المقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة – خطوط عريضة
( وثيقة نشرت سابقا في كتاب " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة-
خلاصة أساسيّة " )
2- ستّة قرارات صادرة عن اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية
( وثيقة نشرت سابقا في كتاب " عن بوب أفاكيان و أهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية
تحدّث قادة من الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " )
3- إطلالة على موقع أنترنت مذهل يديره ريموند لوتا : " هذه هي الشيوعية " - إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح
أ- مجاعة 1933 في الإتّحاد السوفياتي : ما الذى حصل فعلا و لماذا لم تكن " مجاعة متعمّدة "
ب- دحض الأكاذيب الكبرى المشوّهة للشيوعيّة
ت- إطلالة على صفحات / مداخل من موقع " هذه هي الشيوعيّة " - إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح
4- فهارس كتب شادي الشماوي
---------------------------------------------------------------------------




اللينينيّة كجسر

و في وضع اليوم ، بهذا أقصد أنّ اللينينيّة هي الرابط المفتاح في رفع راية الماركسية - اللينينيّة ، فكر ماو تسى تونغ و تطبيقها . و لضوع ذلك بصيغة إستفزازيّة ، الماركسية دون لينينيّة تساوى المركزيّة الأوروبيّة الإشتراكيّة الشوفينيّة و الديمقراطيّة الإشتراكيّة ، و الماويّة دون لينينيّة تساوى قوميّة ( و كذلك ، في سياقات معيّنة ، إشتراكيّة شوفينيّة ) و ديمقراطية برجوازية . و قد يبدو هذا كالصيغ البديهيّة اللطيفة لكنّها تنطبق و لها أهمّية حقيقيّة ، و هذا برأيى تلخيص لتجربة بعض المظاهر الموجودة في العالم و حولها ينبغي أن يقام صراع أعمق .
الآن و قد قلنا ذلك ، كمقدّمة بالأحرى حادة و إستفزازيّة ، أودّ أن أقول كلمات عن مسألة الإنهزاميّة الثوريّة بما هي نقيض الإشتراكيّة الشوفينيّة . و فقط تعليق مقتضب بعجالة بصدد قراءة نقطة مثيرة للغضب بوجه خاص في " آجلا أم عاجلا " و مقال نشريّة أصدرتها مجموعة أستراليّة حيث يتمّ نقاش هذه المسألة بالذات ، مسألة الإشتراكيّة الشوفينيّة و نظريّة " العوالم الثلاثة " . فعناصر من هذه المجموعة الأستراليّة عموما من مناصري ماو و هي ضد التحريفيّين الصينيين لكنّها على ما يبدو تنقسم إنقساما شديدا حول السياسة الأمميّة اللينينيّة و الإشتراكيّة الشوفينيّة ، العالم ثالثيّة .
في مقال من المقالات المدافعة عن نظريّة العوالم الثلاثة ، مثلما في كرّاس " آجلا أم عاجلا " ، من الأشياء الأكثر قرفا قراءة هذا الصنف السفسطائي تماما من " الأمميّة ". فهو يقول ستكون نظرة في منتهى الضيق و القوميّة منّا أن نناضل فقط ضد برجوازيّتنا الخاصة و ألاّ نفكّر في مجمل الوضع العالمي و مجمل النضال العالمي ، و مترجم ، هذا يعنى ستكون نظرة ضيّقة و قوميّة منّا أن نناضل ضد و نحاول أن نطيح بإمبرياليّتنا الخاصة ، برجوازيّتنا الخاصة ؛ و كي نكون أمميّن ينبغي أن نساند و نشجّع إمبرياليّتنا الخاصة و برجوازيّنا الخاصة .
و في هذا المقال الأسترالي يبرز الأمر بالأحرى بحدّة لأنّ كاتبه طوّر حجّة كاملة مقرفة و باعثة على الغثيان حول كيف " إنّنا هنا و يقع إستغلالنا و إضطهادنا من قبل الولايات المتّحدة و الإمبرياليّة الغربيّة و بسهولة يمكن أن ننسى الناس في أنحاء أخرى من العالم الذين تستغلّهم و تضطهدهم الإمبرياليّة الروسيّة و واقع أنّها تمثّل أكبر خطر على شعوب العالم ، و يمكن أن نفكّر في أنفسنا فحسب و واقع أنّ الإمبرياليّة تستغلّنا – سيكون ذلك مجرّد قوميّة ." على الفور ما قفز على ذهنى هو أنّ المشكل الحقيقي الذى يركّز عليه مثل هؤلاء الناس هو أنّ " الإمبرياليّة الروسيّة لا تقدّم لنا أيّة فوائد من نهبها في العالم ، لكن إمبرياليّتنا تفعل ذلك "، و ذا مترجم و مفصح عن جوهره هو أممّية هؤلاء الناس . و نسترسل ...
و بودّى أن أقول شيئا عن العدميّة القوميّة والعزّة القوميّة . و هنا أيضا ثمّة مثال حيث أمر واقع أنّ لينين مضى ضد اللينينيّة، حتّى و إن لم نقل ذلك كتابيّا عند نشر مقال عن العدميّة القوميّة . لكن بعض الناس( لا سيما في الحزب الماركسي-اللينيني، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ...) أشاروا إلى التناقض. لقد أبرز هذا المقال الذى كتبه لينين سنة 1914 و عنوانه " بصدد كرامة الروس القوميّة " (39) و فيه ، بدلا من قول إنّه لا ينبغي أن تكون لديهم أيّة كرامة من هذا الوع ن دخل في محاولة كاملة لمزج الإثنين ى واحد ، صراحة . يمكننا الشعور بالضغط الذى كان يتعرّض له : بالكاد إنطلقت الحرب و لم يُوجد قمع شديد لمعارضة الحرب ، فحسب ، و إنّما وُجدت كذلك موجة من القوميّة ( الشوفينيّة ) إكتسحت روسيا . لم يذهب لينيني ضد خطّ الإنهزاميّة الثوريّة ، كا يدافع عن ذلك الخطّ إلاّ انّه في الأساس كان يمزج بين إثنين في واحد بمعنى قوله في الأساس إنّه نظرا لإمتلاكنا عزّة قوميّة ، لا يمكن أن نقبل برؤية روسيا تلعب هذا الدور الإمبريالي في العالم و أن تون تحت سيطرة الطبقات الرجعيّة . صراحة ن يساوى الأمر تقريبا الإنحدار بالخطّ إلى ذات الحجج التي كان يدحضها ، و بالأحرى بشدّة ، عندما تقدّمت بها روزا لكسمبورغ تحت إسم مستعار هو جونيوس ، مثلما هي في مقاله " بصدد كراس يونيوس " (40) و كذلك ن بشدّة و صرامة في " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكى " (41) لكن في مقاله لسنة 1914 مضى لينين عمليّا ضد الدفع العام للينينيّة في هذه المسألة الحيويّة .
و مثلما سبق لنا التشديد على ذلك قبلا ، هناك اللينينيّة و هناك لينين ، و لم يرتق لينيني دائما إلى اللينينيّة ،و لا يجعل ذلك من اللينينيّة أقلّ ممّا هي عليه . و هذا ، بطريقة ما ، يجرّنا إلى النقطة المحال عليها قبلا حول الخطّ العام الذى صاغه الكومنترن – أي خطّ الجبهة المتّحدة ضد الفاشيّة – لأنّ هذا المقال ذاته ، " بصدد كرامة الروس القوميّة " ، و هذه النقطة بالذات ، خصّهما ديمتروف بالتشديد و التأكيد و إستخدمهما ليقيم صرح كامل هذا الخطّ في تقريره و مجمل صيغة الجبهة المتّحدة ضد الفاشيّة التي خصّ بها الدول الفاشيّة كعدوّ أساسي.
في بلد إمبريالي ، الراية القوميّة يرفعها بصلابة الإمبرياليّون . و السيطرة على هذا نقطة غاية فى الأهمّية في الإقتصاد السياسي الماركسي – اللينيني . رأس المال الإمبريالي يجب أن يسير على النطاق العالمي؛ و يتطلّب هذا شرط إعادة إنتاجه. و أحيانا ، كما أشار لينين ، قد يسرّع التطوير الاقتصادي في بعض البلدان المتخلّفة . غير انّ هذا يحدث في إطار الهيمنة و الإضطهاد و ، في إرتباط وثيق بذلك ، رغم كامل " أمميّته " ، يظلّ راس المال الإمبريالي قوميّا بعمق و مركّز في سوقه القوميّة و بالتالى له رهان ماديّ عميق في الدفاع عن مصالح أمّته . و هذه نقطة حيويّة تمّ تحليلها و تطويرها بصورة شاملة في الكتاب الذي سيصدر قريبا ، " إنهيار أمريكا ".(42)
أعتقد انّ الخطّ الذى قدّمه مقال في مجلّة " الثورة " ، " حول مسالة ما يسمّى ب " العدميّة القوميّة " " ، ليس صحيحا و إنّما في منتهى الأهمّية أن نستوعبه و نعمّقه . لقد وُجدت مشاكل جدّية بهذا الشأن ، حتّى في صفوف الأفضل ضمن الحركة الشيوعيّة العالميّة ، و ثمّة حاجة إلى المزيد من التحطيم و القطيعة الراديكاليّة . إنّها سيرورة بالكاد شرعنا فيها و علينا أن نمضي فيها قُدما تحت الراية الإيديولوجيّة المجيدة ل " العدميّة القوميّة ". الآن هذه مسألة محوريّة ، حولها لا يختلف فحسب الكثير من الناس ، سواء من الإتّجاه المسمّى ب " الماركسيّة " أو ما يسمّى ب " الماويّة "، بل عادة ما يهاجمون بشكل ساخر لينين قائلين إنّ تمّ تجاوز لينين أو إنّ أفكاره لم تعد قابلة للتطبيق.
و كذلك مع ظاهرة الإقتصادويّة الإمبرياليّة بوجه خاص ، وهي توصيف إستخدمه لينين بصفة مختلفة قليلا عن تلك التي أستخدمها هنا ، لكن بالأساس مع ذات النقطة المركزيّة في الذهن . لقد إستعملنا من وجهة نظر الإحالة على أناس أنكروا حقّ الإستقلال السياسي للأمم المضطهَدة ، خاصة المستعمرات . لقد حاول هؤلاء الإقتصادويّين الإمبرياليّين أن يسندوا حججهم بالإشارة إلى حقيقة أنّه لا بلد عدا إن كان إشتراكيّا ( و نرى الآن بوضوح أكبر أنّ هذا ليس صحيحا حتّى بالمعنى المطلق ) لكن ليس بوسع أي بلد أن يكون متحرّرا من خنق و هيمنة رأس المال المالي ، على الأقلّ على نحو نوعيّ ، عدا إن كان إشتراكيّا . و من هذه الحقيقة قفزوا نحو القول بأنّه لا فائدة من الحديث عن الإستقلال السياسي و التحرّر الوطني .
لقد نعت لينين ذلك ب " الإقتصادويّة الإمبرياليّة " و قال إنذ هؤلاء الناس غير قادرين على إستيعاب الجدليّة بين السياسة و الاقتصاد و كيف أنّ بالفعل مسألة النضال من أجل التحرّر الوطني ، خاصة في المستعمرات ، كانت في منتهى الأهمّية و لم يكن بالوسع إنكارها على أساس انّه كان في نهاية المطاف من غير الممكن أن نكون حقّا مستقلّين دون القطع النهائي مع الهيمنة الإمبرياليّة ( رأس المال المالي ) في المجال الاقتصادي . لكن هنا نستخدم المصطلح ، ( على انّنى لن أفصّل فيه القول بالقدر اللازم بما أنّ آخرين قد ناقشوا ذلك و كتبوا عنه ) على ضوء مغاير قليلا ، لا سيما في ما يتّصل بأولئك الناس الذين يحطّون من دور السياسة و الأمميّة في البلدان الإمبرياليّة .
لنواجه ذلك ، الإقتصادويّة سيّئة بما فيه الكفاية بأي شكل كانت ، و حتّى حيث الجماهير تعانى بيأس ، حيث يتّخذ النضال الإقتصادوي شكلا أحدّ بكثير و يصبح نضال الناس من اجل الخبز ، من أجل الوقود ،و حرفيّا من أجل البقاء على قيد الحياة و يتمتّع بإمكانيّات أكثر بكثير أن يصبح نضالا حادا و يصبح جزءا من التمرّد الثوري أو الحركة الثوريّة في صفوف الجماهير و أن يساهم في تلك الحركة ، حتّى في تلك الظروف ، التي وجدت في روسيا عندما كان لينين يناضل ضد الإقتصادويّة ، كافة الأشياء التي شدّد عليها لينين بصدد الإقتصادويّة صحيحة . و لكن أسوأ بكثير حين نتحدّث عن ذلك في بلد إمبريالي لا يملك أرستقراطيّة عمّاليّة قويّة فحسب ، لكن أيضا فئة متبرجزة تماما ، حيث سيوسّعه إلى حتّى وصف الكثير ممّا يسمّى بالنضال الإقتصادي كنضال ، و بالتأكيد يوسّعه إلى أشياء ليسميه أي نوع من النضال ذي الدلالة .
في هذا السياق ، دعوة العمّال إلى الإقتصادويّة و إلى تركيز النظر على المجال الضيّق لعلاقاتهم مع مشغّليهم ، أو حتّى صراحة على المجال الضيّق من صلتهم ببرجوازيّتهم الخاصة ، ودون تركيز نظرهم على العالم ككلّ ، هو ما أسمّيه الإقتصادويّة الإمبريالية أو الشوفينيّة . و مثل هذه الإقتصادويّة الإمبرياليّة لا تضع حدودا فحسب للحركة من أجل الإصلاحيّة و إنّما تؤدّى أيضا إلى خدمة الثورة المضادة ، بخاصة بصفة أكبر إن كانت سياسة واعية . و فى الواقع ، في ما يتّل بالبلدان الإمبرياليّة ، إن إتّخذ المرء موقف الأمّة ، بوجه خاص بالنظر إلى ما يل قبلا حول اللاتكافئ و علاقات الإنتاج العالميّة ، قد يكون من الأفضل البقاء إمبرياليين . لكن إنّ إتّخذ المرء موقف البروليتاريا – الذى لا يمكن أن يعني سوى البروليتاريا العالميّة . سيكون من الأفضل القيام بثورة إشتراكيّة و تحويل بلد إمبريالي إلى قاعدة إرتكاز للتقدّم بالثورة العالميّة و التقدّم نحو الشيوعيّة .المسألة ليست مسألة توبيخ العمّال و لا حتّى أولئك المتخلّفين منهم ، الذين يتذيّلون وراء ذلك و الذين يشجّعون على ذلك باسم الطبقة العاملة و الإشتراكيّة و الشيوعيّة .
إليكم هنا نقطة جانبيّة . كما تعلمون ، أثار لينين في كتابه " ما العمل ؟ " مسألة : ما هو مشترك بين الإرهاب و الإقتصادويّة؟ و كان لينين واضحا جدّا في أنّ الشيوعيّين يعارضون منهج الإرهاب الفردي و الإغتيالات إلخ . و اشيوعيّون الحقيقيّون يعارضون ذلك ، لكنّهم لا يعارضونها لأنّ هذه الأشياء مفرطة في الثوريّة ، مثلما يشدّد على ذلك أحيانا متّبعو هذا المنهج الإرهابي و مثلما يزعم أحيانا معارضوهم البرجوازيّون ، لكن لأنّه في الواقع ليس في آخر المطاف ثوريّا ، لا يؤدذى على الثورة و لا يمثّل إستراتيجيا للثورة . و المسألة ليست مسألة إدانتهم بل هي مسألة الإعتراف بهذه النزعات و النضال ضدّها بإعتبار أنّها ليست إستراتيجيا و لا يمكن أن تؤدّى إلى الثورة .
و هذا صحيح حتّى بخصوص تلك التنويعات التي تحاول أن تتّخذ بعدا إضافيّا و تربط مع النزعات النقابيّة الفوضويّة و تحاول الحديث عن تغيير المجتمع و النضال نضالا على نطاق أوسع من مجرّد المجال العسكري ، لكن التي لها جوانب مشتركة مع الإقتصادويّين ، سواء في المجتمع الرأسمالي أو في المجتمع الإشتراكي ، واقع انّهم يعيشون جانبا ، أو على الأقلّ تقلّل من قيمة بصفة لها دلالتها ، المسألة الحيويّة للبنية الفوقيّة ن للسياسة و الإيديولوجيا و الشؤون الالميّة والأمميّة . و كما قلت ، هناك أولئك الذين أحيانا من الجانب الإرهابيّ و أحيانا من الجانب الإقتصادوي ( أو عادة مزيج من الإثنين )، حتّى إن تحدّثوا عن الثورة في كلّ المجتمع أو حتّى الثورة العالميّة أحيانا ، يقلّصون الأشياء إلى المعنى الأضيق لكيفيّة تغيير علاقات الإنتاج و كيفيّة التحكّم ،و حتّى أحيانا حرفيّا ، في مصنع واحد و تحديدا ترك جانبا و الإستهانة بالمسألة الحيويّة للسياسة و الإيديولوجيا و الشؤون العالميّة و البنية الفوقيّة – حيث تتكثّف بالفعل هذه المسائل و حيث يتمّ القتال حولها قتالا مكثّفا .
هذه مسألة جانبيّة غير انّها هامة لأنّه فيها يتركّز إنتباه العمّال ، كما قلت ، و بالتالى هي هامة في كلّ البلدان . الإقتصادويّة سيّئة أينما وُجدت . لكن خاصة في البلدان الإمبرياليّة ، الإستهانة بمسألة البنية الفوقيّة ، السياسة و الإيديولوجيا و تركيز إنتباه العمّال بصورة ضيّقة على علاقاتهم بمشغّليهم الخاصّين أو حتّى ببرجوازيّـتهم الخاصة و دولتهم الخاصة في الواقع وصفة لتحويل العمّال ضد بقيّة البروليتاريا العالميّة .سواء تمّ القيام بذلك بخطاب ثوري أم حتّى بتحرّكات في شكل إرهابي تتّخذ مظهرا ثوريّا ، مع ذلك ، في الجوهر وفى الأساس ، هي مسألة تضييق أفق نظر العمّال و تحويلهم ليس بعيدا فحسب عن الثورة عامة و إنّما أيضا عن بقيّة البروليتاريا العالميّة .
و الآن أودّ أن اعرّج بإقتضاب على مسألة الحزب التي ، يتعيّن قول ذلك ، كثيرا ما يتمّ بإستمرار الإستخفاف بها اليوم في تاريخنا الخاص . و كخاتمة سأعود إليها بصفة أعمق . ما أسعى إلى القيام به هنا هو عرض لبعض النقاط المفاتيح للينينيّة تجعلها في الواقع جسرا و ما أقصده بالجسر على وجه الضبط هو الجسر بين الماركسيّة وفكر ماو تسى تونغ ، ما يمثّل اليوم العلاقة المفتاح التي ولّدت الماركسيّة – اللينينيّة ، فكر ماو تسى تونغ بطابعها الشامل العام و خلاصتها كعلم للثورة و إيديولوجيا بروليتاريّة ثوريّة .
و في هذا الإطار ، أنتقل من الإنهزاميّة الثوريّة مقابل الإشتراكية الشوفينيّة و مسألة تركيز نتباه العمّال على السياس و الشؤون العالميّة في تعارض مع الإقتصادويّة ، لا سيما بالنسبة للإقتصادويّة الإمبرياليّة الشوفينيّة . هناك نقاط حيويّة بشأن أناس يدّعون أنّهم ماركسيّون و يدّعون أنّهم مركسيّون - لينينيّون ، و يدّعون حتّى أنّهم ماويّون و غالبا ما يتكتّلون و يعبّرون عن مواقف تتتعارض مع اللينينيّة بشكل أو آخر نو عادة بشكل صريح . و في النهاية ، الحزب مجال حيث شكّلت مساهمات لينين و الخطّ اللينينيّ تقدّما نوعيّا في الماركسيّة و في نضال البروليتاريا العالميّة . و بالتال ، من غير المفاجئ أن يكون أيضا مجالا حيث عادة ما تخوض قوى " ماركسيّة كلاسيكيّة " أو " ماويّة " حديثة الولادة ن صراعا حادا و قاسيا في معارضة الخطّ اللينينيّ .
و من ناحيتهم ، يرفض الكثير من " الماركسيّين " الحزب اللينيني و يرون فيه ن كما سأعود إلى ذلك بعد قليل ، بذرة أو أساس كافة فساد الثورة في روسيا ، يرون فيه دكتاتوريّة الحزب و حفنة من البيروقراطيّن. هذا من جهة ، و من الجهة الأخرى ن هناك من يسمّون و من يدّعون أنّهم " ماويّون " و يعتقدون أنّه بسبب تجربة الثورة الثقافيّة البروليتاريّة في الصين ، المبدأ الأساسي للحزب اللينيني ، للمركزيّة الديمقراطيّة و ما إلى ذلك ، قد وقع تخطّيه و تجاوزه و لم يعد صحيحا و قابلا للتطبيق ، و أنّ شكلا جديدا ، أي ، شكلا ديمقراطيّا برجوازيّا جديدا ، يمكن أن يوجد و فيه يمكن إلغاء دور الحزب إلغاءا فعليّا .و ستلاحظون في ذلك المقتطف الذى قرأت سابقا حول كمونة باريس ، يصوغ ماو نقطة أنّه يجب أن يكون لدينا حزب ؛ حتّى و إن قال بلغة ساخرة " لا يهمّ إن كان حزبا شيوعيّا أو حزبا إشتراكيّا ديمقراطيّا " ، إنّه يتحدّث عن حزب شيوعي لينيني و هذا واضح ، و بوسعنا قول ذلك ، دون خشية الدخول في مشاكل مع أنور خوجا !
--------------------------------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي