الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور القاضي الجنائي إيجابي ويقتضي منه أن يبحث عن الحقيقية بكافة الطرق القانونية

ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك

(Majid Ahmad Alzamli)

2020 / 12 / 11
دراسات وابحاث قانونية


القاضي يفصل بين المتقاضين على ضوء ما يدلون به من حجج وما يتمسكون به من دفوع دون حاجة إلى البحث عن أدلة أخرى أو السعي لإتمام ما كان ناقصا منها مقتصراً على الاكتفاء بما احتوته أوراق الدعوى من عناصر تجسيما لمبدأ حياد القاضي في النزاع المدني والذي يعتبر من المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها نظام الإثبات في الدعوى المدنية. فالدعوى المدنية من أعمال الأفراد بحسب الأصل وتتعلق بمصلحة خاصة للمدعي الفرد فى أن يطلب من القضاء أن يحصل على حقه من المدعى عليه ، والمراكز القانونية لإطرافها متقابلة ومتوازنة ، أما الدعوى الجنائية فهي عمل من أعمال الدولة تمارسه سلطة الاتهام لكشف الحقيقة واقتضاء الحق العام فى العقاب ، فالسلطة العامة تتولي تقديم الأدلة التي تراها كافية لإثبات التهمة فى حق مرتكبها ، يقابلها حق المتهم فى إنكارها بتقديم أدلة النفي وفقاً للوسائل المحددة قانوناً والقرائن القانونية. ومن ثم فان عبء الإثبات وإقامة الدليل فى المواد الجنائية يُلقى على عاتق الجهة الأقدر على إدراك أغراض المجتمع وغرض الدعوى الجنائية وهي النيابة العامة ، وسلطات الإتهام الأخرى. ويختلف دور القاضي الجنائي في نظر الدعوى عن دور القاضي المدني حيث أن القاضي المدني يقتصر دوره على تقدير الأدلة التي يقدمها الخصوم فهو مقيد في الإثبات بطرق معينة وهذا التقيّد راجع إلى مبدأ حياد القاضي في المواد المدنية، ويقصد بهذا المبدأ ان القاضي المدني ينحصر دوره في الحكم بين الخصوم، بحيث يكون موقفه من الدعوى سلبياً يقتصر عملة على تقدير ما يقدم اليه بالطرق التي عينها القانون ووفقا للإجراءات التي و ضعها من أدلة في الدعوى ليعتبر الوقائع المدعاة ثابته أو غير ثابته، ولا يجوز أن يعمد من جانبه إلى جمع أدلة أخرى أو أن يبحث عن الحقيقة من غير طريق الأدلة التي قدمت اليه في الدعوى .
ويُعتبر نظام الأدلة القانونية في مجال الإثبات الجنائي من سمات نظام التنقيب والتحري (يوجه الفقه العديد من الإنتقادات تجاه هذا النظام ويعتبره نظام ديمقراطي لإعتمادة على السلطة التحكيمية في تحريك الدعوى لذلك لانجد له شيوعاً بين الدول). وهو يقوم على فكرة مغايرة للنظام الاتهامي وأساسها أن الدعوى الجنائية ملكاً للجماعة وتباشرها بواسطة وكلاء تنيبهم عنها وتبغي بها المحافظة على كيانها .فظهرت النيابة العامة كسلطة إتهام ثم إرتقت بدورها إلى تحقيق الدعوى ورفعها ومباشرتها أمام المحاكم الجنائية المختصة. وفي مجال الإثبات فدور القاضي في هذا النظام يقوم على مبدأين إحداهما مضيِّقاً لدوره في الإثبات والأخر يمنحه حرية واسعة.
وفيما يتعلق بالسبب لصعوبة الإثبات في المواد الجزائية فإنه يتمثل في الطبيعة الخاصة للأفعال الجرمية ،ذلك أنه وإذا كان الإثبات في القانون المدني ينصب على تصرفات قانونية يتم إثباتها عند الضرورة بموجب الأدلة المعدة مسبقا والتي غالبا ما تتمثل في الدليل الكتابي فعلى النقيض من ذلك في القانون الجزائي، فإن الإثبات ينصب على وقائع مادية لا يمكن تحديدها مسبقا ،كما ينصب كذلك على وقائع معنوية (نفسية ) لها طابع إستثنائي ، فالإثبات في المواد الجزائية ينصرف إلى الركن المادي وذلك بتقصي حقيقة الوقائع المادية، وإلى الركن المعنوي وذلك بالتحقق من قيام أو عدم قيام القصد الجنائي ،فالجريمة ليست كياناً ماديِّا فحسب وإنما هي كذلك كيان معنوي أو نفسي يقوم على الإرادة والإدراك ،وهي أمور كامنة في ذات المتهم ،لا يمكن استجلاؤها إلا بمظاهر خارجية وربطها مع البواعث الداخلية ،وهذا أمر يستلزم فهم طبيعة المتهم والتطلع إلى ذاته ،وهذا يستدعي أن يكون القاضي غير مُقيِّد في تحري الوقائع من أي مصدر وغير ملتزم بدليل معين يفرض عليه من أجل الوصول إلى الحقيقة ، كما يستدعي عملاً تقديرياً من قبل القاضي وهذا كله يتم بالاعتماد على اقتناعه الشخصي. على العكس مما هو عليه الحال في القانون المدني الذي يقوم بحماية مصالح خاصة وذات طابع مالي ،فإن القانون الجنائي يقوم بحماية كيان المجتمع والمصالح الأساسية لأفراده من أي اعتداء عليها ،ولذلك فهو يضع النص التجريمي لتحذير الأفراد من الإقدام على الجريمة ويقرر جزاءً على ذلك ، وهي أهداف يستحيل أن تتحقق إذا كان القاضي مقيدا باستعمال نوع أو عدد معين من أدلة الإثبات أو في تقديرها،بل إنها تستلزم أن يخوَّل القضاة إثبات الجريمة والخطورة الإجرامية بكل الوسائل ،كي يتوجهوا إليهم بالعقوبة أو التدبير الإحترازي اللازم حسبما تقتضيه المصلحة الاجتماعية(1). للإثبات الجنائي أهمية خاصة ، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته اعتماداً على الأدلة الواقعية والقانونية التي تتضمنها قوانين الإجراءات الجنائية والتي تضمنت قواعد خاصة تتميز عن قواعد الإثبات فى القانون المدني ، وتبدو مظاهر هذه الخصوصية والتفرد سواءً من حيث هدف الدليل أو طبيعة الموضوع الذي يرد عليه أو عبء الإثبات أو الأدلة المقبولة أو قواعد البحث والتنقيب عنها أو الدور المخوَّل للقاضي الجنائي فى الإثبات.
أن اختلاف طبيعة الدعويين المدنية والجنائية واختلاف المراكز القانونية لإطرافها ، واختـلاف المصالح المرتبطة بكـل منها ، يؤثر فى نظريـة الإثبات فى المواد الجنائيـة على نحو يجعلها تميل فى بنائها إلى أن تكون فى صالح المتهم لتكون قواعد الإثبات فى النهاية ضمانة للحيلولة دون إدانة بريء إستناداً لمبدأ المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم من المحكمة بالغاً الدرجة القطعية . إن دور القاضي الجنائي يختلف عن دور القاضي المدني فى نظر الدعوى ، بينما دور القاضي المدني سلبي يقتصر على الموازنة بين الأدلة المقدمة من الخصوم ، إذ دور القاضي الجنائي إيجابي يقتضي منه أن يبحث عن الحقيقية بكافة الطرق القانونية ، فله ولو من تلقاء نفسه أن يأمر بتقديم أي دليل يراه لازماً لظهور الحقيقة , إعتماداً على كافة القوانين العقابية .
والقاضي وان كان الحياد مبدأ أساسي يرتكز عليه فى نظره للنزاع ، إلا أن الحاجة إلى تدخله تبرز فى كافة فروع القضاء مدنية كانت أو إدارية أو جنائية ، مع تفاوت درجة التدخل باختلاف طبيعة كل قضاء ، إذ يختلف دور القاضي ودرجة تدخله بحسب طبيعة الخصومة مدنية كانت أو غيرها ، فالقاضي المدني يكون دوره شكلي ومقيد بالوسائل التي حددها المشرع فى قوانين الإثبات أو قواعد المرافعات ، ورغم ذلك فهذا القاضي قد يتدخل لإحالة الدعوى للتحقيق أو للخبرة والمعاينة حتى ولو لم يطلب الخصوم ذلك ، وهو إذ يفعل ذلك أنما يقوم بدوره فى تقصي حقيقة الدعوى . كما أنَّ القاضي الجنائي وبالنظر إلى خصوصية الدعوى الجنائية وشدة خطورتها على الإفراد والمجتمعات ، فان الإثبات فى هذا القضاء بُني على أن الأصل هو البراءة ، وان القاضي له حرية واسعة فى الاقتناع بأي دليل . تُطرح الدعوى الجنائية على القضاة إما بعد جمع الاستدلالات عنها ، وإما بعد تحقيقها بمعرفة أحدى سلطات التحقيق ، وإما بعد إتمام الأمرين معاً ، وإما الأمران معاً ,مرحلة أولية من مراحل الإثبات فى المواد الجنائية ، لا تعرف المواد المدنية لها مقابلاً . لفروق بين كل من الدعويين فى طبيعتها وموضعها. وقد أوجب القانون – علاوة على ذلك – أن تعود المحكمة الجنائية من جديد إلى تحقيق الأدلة المطروحة عليها بنفسها حتى تتمكن من تمحيصها جيداً ، ومن تقليب وجوهات النظر فيها على كافة الاحتمالات ، وفى النهاية من تكوين عقيدتها فى ضوء ما يطمئن إليه وجدانها منها ، سواءً أكانت مجرد استدلالات أو أدلة تكشف عنها التحقيق الابتدائي أو النهائي ، فإما الاقتناع بثبوت التهمة فمبني على اليقين ، لا على الحدس والتخمين ، وإما الاقتناع ببراءة المتهم ، أو بالأقل بوجود شك فى أدلة اتهامه ، وما عليها حينئذ سوى أن تبريء ساحته وذلك خير فى أن يبريء المسيء من أن يدان بريء .. خطأً أو تسرعاً .
للإثبات الجنائي ذاتيته المستقلة وخصائصه التي يتميز بها عن الإثبات المدني ، ومن ابرز هذه الخصائص الدور الفاعل والرئيس الذي يوكل للقاضي فى كشف الحقيقة ، ويتضاعف أهمية هذا الدور بالنظر إلى طبيعة الدعوى الجنائية ، والذي يكون للقاضي فيه تكوين عقيدته من أي دليل. فالدعوى الجنائية هي نشاط القاضي فهو القائم على إدارتها وعليه أن يتوصل إلى معرفة الحقيقة المادية التي تُشكل قناعته للحكم فيها. ومن ثم فان القاضي الجنائي لا يملك فحسب إلاّ الإمكانات القانونية للبحث عن الحقيقة فى كل مصادرها بل انه ملزم قانوناً بالبحث عنها وإقامة الدليل عليها ولا يكتفى فى سبيل ذلك بما يقدمه الخصوم أو ما يتفقون عليه من أدلة ، كما هو الشأن فى الخصومة المدنية ، بل فرض عليه القانون دوراً ايجابياً فى البحث عن الأدلة وفحصها وتقديرها وتكملة النقص والقصور فيها(2). أن القاضي الجنائي أعطى حرية وسلطة واسعة فى إختيار الدليل من قبل القاضي وتكوين قناعتهِ من أي دليل، ولذلك يبرز الدور الايجابي لهذا القاضي من مباشـرة البحث عن دليل البراءة او دليل الإدانة فقاً للقانون الجنائي والتكييف الصحيح للجريمة .حيث اختيار الدليل أو الواقعة التي ترجح لديه دليل الإدانة أو دليل البراءة ، محكوماً بضميره العادل ، وهو يصل إلى ما يصل إليه من قناعة ببذل أقصى حدود تفكيره وضميره فى تمحيص الواقعة والدليل فى أسلوب وتسلسل منطقي يضفي طمأنينة على نفس المطلع على حكمه بما بُني عليه من مقدمات ومعطيات تُوصِّل إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم. فإذا كان أساس المحاكمة الجنائية هو حرية قاضي الموضوع في إقامة الدليل الذي يرتاح إليه ضميره و يكوِّن عقيدته و اقتناعه لتأصيل الاتهام أو نفيه ، إلا أنه يبقى واجباً تحت شعار إقامة الحِيدَة والموضوعية للعدالة في الدولة أن يدلل القاضي على صحة عقيدته ، بأن يشير إلى تحديد الدليل الذي استمد منه هذه العقيدة والاقتناع ، وأنه دليل موجود أصلا في أوراق الخصومة ، و تمت مناقشته في الجلسة بحضور الخصوم ، و يُعد ذلك كافياً لضمان سلامة حكمه شكلاً من هذا الجانب دون أن يلزم بإظهار الصلة المنطقية بين الدليل والنتيجة المنطقية(3).
لقد أصبح تخصص القاضي الجزائي من بين أهم القضايا المطروحة عند الحديث عن إصلاح قطاع العدالة ، وحين نتحدث عن التخصص فإننا نقصد بذلك التخصص الـدقيق داخـل التخصـص الجنـائي، و تخصـص القاضـي الجنـائي لـه آثـار واضحة سواءً من حيث بحث شخصية المتهم ، أو من حيث تقدير الأدلة ، وكذلك من حيث تفريد العقوبة. وممـا لا شـك فيـه أن جلـوس القاضـي للنظـر في قضـايا متنوعـة يـؤدي إلى تشـتته و التـأخر في حسـم القضـايا بسـبب كثرة وتعـدد مهـام القاضـي في المحـ ـاكم ، كمـا أن عـدم تكوينـه تكوينـاً مناسـباً يمكِّنـه مـن النظـر في القضـايا المطروحـة أمامـه يــؤدي إلى عــدم فعاليتــه و إتقانــه نتيجــة لعــدم اســتيعابه لمتطلبــات عملــه وذلك من خلال ،التركيــز علــى إعــداد القضــاة الجنــائيين بكــل مــا يتطلبــه الأمــر مــن متطلبــات و معرفــة قانونيــة و تكــوين علمــي لأن التخصص يؤدي إلى الفعالية و إتقان العمل ، مما يؤدي إلى زيادة مهارة القضاة الناتجة عن تكرار العمل الواحد .
مبدأ الإقتناع القضائي يعني أنَّ للقاضي الجنائي مطلق الحرية في أن يستمد قناعته من أي دليل مطروح في الدعوى وأنه غير ملتزم بإصدار حكمه بالإدانة أو البراءة لتوفير دليل معين طالما أنه لم يقتنع بذلك فجميع الأدلة في الدعوى خاضعة إلى تقديره فله مطلق الحرية في استخلاص قناعته من أي دليل مطروح في الدعوى، والأدلة مهما تضافرت لإلتزامه بحكم معين طالما أنه لم يقتنع بهذه الأدلة ونجد أن أغلب الدساتير والقوانين الحديثة أخذت بمبدأ حرية القاضي الجنائي.
وأهم ما يعلل مبدأ الإقتناع القضائي أنه يتفق مع أسلوب التفكير العادي والمنطقي في الحياة العادية وفى البحث العلمي إذ لا يُقيد الناس تفكيرهم بأدلة وإنما معينة يستقون الحقيقة من أي دليل ويكفل هذا المبدأ ألاّ تبتعد الحقيقة القضائية عن الحقيقة الواقعية، ويدعم هذا المبدأ أن الإثبات الجنائي في الدعوى الجنائية يرد على وقائع لا على تصرفات قانونية(4).
ويجدر بنا الإشارة إلى أهمية ودور طرق الإثبات الحديثة ,والتى أصبحت لها أهمية فى مجال الإثبات الجنائى بجانب الطرق التقليدية فيجب دائما أن نطوَّر مجال طرق الإثبات الجنائي، حيث أن الجرائم أصبحت متطورة بقدر التطور التكنولوجى الذى نعيشه فيجب دائما أن نطور من طرق الإثبات التى تتوافق مع التطور الإجرامى. أن المبدأ العام الذي يحكم سلطة القاضي الجزائي في تقدير الأدلة هو مبدأ حرية القاضي في تكوين قناعته ،هذا الاقتناع الذي يبدو من جانبين ,هما حرية القاضي في أن يستمد قناعته من أي دليل يطمئن إليه ،دون أن يتقيد في تكوين قناعته بدليل معين ،وحريته في تقدير الأدلة المطروحة عليه، دون أن يكون ملزماً بإصدار حكم بالإدانة أو بالبراءة لتوافر دليل معين طالما أنه لم يقتنع به ،فله أن يأخذ بالدليل الذي يطمئن إليه وجدانه ويطرح الدليل الذي لا يطمئن إليه. وعلى ذلك فإن للقاضي مطلق الحرية في تقدير اعتراف المتهم ،فيحدد قيمته وفق اقتناعه الشخصي، ويقرر ما إذا كان يقتنع به ،ومن ثم يستند إليه في قضاءه بالإدانة ،كما أنه باستطاعته أن يستبعده ويصدر حكما ببراءة المتهم إذا ما تبين له عدم صدق هذا الإعتراف . ولكن مهما إتسعت هذه السلطة التقديرية للقاضي الجزائي فإن لها حدودها ، ذلك أن المشرع لم يتركها مطلقة بل قَيَّدَها ،وذلك بأن أورد عليها بعض الإستثناءات التي لا يملك القاضي إزاءها أي حرية في تقدير الأدلة ،كما أنه أخضعها لبعض الضوابط التي يتعين على القاضي الالتزام حين إعماله لهذه السلطة . الإستثناءات التي ترد على حرية القاضي في الإثبات تتعلق إما بقيام المشرع بحصر أدلة الإثبات في بعض الجرائم ، بحيث لا يجوز الإثبات بغيرها ،ويتعلق الأمر بجريمتي الزنا و قيادة السيارة في حالة السكر ، فالأولى لا يمكن إثباتها إلا بالأدلة التي حددها المادة 341 من قانون العقوبات ،والثانية لا يمكن إثباتها إلا بواسطة خبرة وذلك بتحليل كمية الكحول في الدم للتأكد من وجود الكمية المطلوبة .أو إنه يتعين عليه الإلتزام بأدلة الإثبات الخاصة ببعض المسائل غير الجزائية التي يملك اختصاص النظر فيها بصفة تبعية للدعوى الأصلية والتي أدلة إثباتها تكون قانونية على عكس أدلة الإثبات الجزائية التي هي إقتناعية. أما الاستثناءات التي ترد على حرية القاضي في الاقتناع ، بحيث لا تترك له حرية تقدير الأدلة وفقا لاقتناعه الشخصي ،فهي تتعلق أساسا بالقرائن القانونية ،فالقاضي ملزم قانونا بالحكم بالقرائن القانونية القاطعة ولا يحكم على غير مقتضاها ،كما أنه ملزم بالحكم بالقرائن القانونية البسيطة ما لم يتم إثبات العكس أمامه، فيقتصر دوره فقط على التأكد من توافر الشروط التي استلزمها المشرع للأخذ بالقرينة من عدمه. والضوابط التي يخضع لها اقتناع القاضي ،فإنه مقيد بأن يكون هذا الاقتناع مبنيا على الجزم واليقين لا على الظن والترجيح بحيث يصل القاضي إلى مرحلة من التيقن يصبح على إثرها مقتنعا بالحقيقة ،وأن يكون مبنيا من الأدلة مجتمعة دون تناقض أو تخاذل فيما بينها ،ذلك أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة متماسكة وتكمل بعضها البعض،وتؤدى وفق قواعد العقل و المنطق إلى النتيجة التي انتهت إليها المحكمة .
ويتمتع القاضي الجنائي بسلطة تقديرية في ظل مبدأ تكامل الأدلة حيث يحكم القاضي في الدعوى بمقتضى العقيدة التي تكونت لدية بكامل حريته فلا يوجد دليل له قوة مسبقة في الإثبات . فالمشرع اليمني مثلاً أجاز للقاضي في الإثبات الجنائي أن يقضي وفقاً لقناعته ومنحه دوراً إيجابياً(5) ,في البحث عن الحقيقة ولم يحدد أدلة الإثبات في الدعوى الجزائية على سبيل الحصر بل أورد عدد من أدلة الإثبات في المادة 323 إجراءات جزائية وهي شهادة الشهود وتقرير الخبراء واعتراف المتهم والمستندات بما فيها أية تقارير رسمية مرتبطة بشخصية المتهم أو وقائع الجريمة والقرائن والأدلة الأخرى فإيراد "عبارة الأدلة الأخرى" على وجه العموم بعد أن ذكر عدد من الأدلة يستفاد منه أن المشرع اليمني لم يحصر الأدلة في مجال الإثبات الجنائي ومن ثم فكل دليل يمكن أن يوصل إلى الحقيقة وإقامة العدل في ظل مشروعية الأدلة وما يطرح على القاضي في مجلس قضائه على بساط البحث والمناقشة يصلح أن يكون دليلاً مقبولاً في الدعوى وبالتالي فإن دور القاضي في التشريع اليمني مكملاً لما يقرره القانون في الإثبات الجنائي في حين أنه لا يملك هذه السلطة الواسعة في مجال الإثبات المدني وقد عبرت المحكمة العليا اليمنية عن هذا المبدأ بقولها ( ومعلوم من حيثيات حكم الإدانة وهو الحكم الابتدائي أنه لم يَبنِ حكمه على الإقرار وحده وإنما بناه على مبدأ تساند الأدلة من إقرار وشهود وآله تصوير الفيديو وغيرها).


-----------------------------------------------------------------------------------------------
. 1-مروك نصر الدين ،محاضرات في الإثبات الجنائي ،الجزء الأول ،النظرية العامة للإثبات الجنائي ،دار هومة للطباعة النشر والتوزيع ،الجزائر، 2007،ص625 .
2-الإثبات الجنائي – بحث فى مجلة القانون والاقتصاد – عدد خاص 1980- د. احمد فتحي سرور
3- إثبات جرائم الكمبيوتر- د.سعد عبد اللطيف حسن
4-اغليس بوزيد ، تلازم مبدأ الإثبات الحر بالاقتناع الذاتي للقاضي الجزائي " دراسة تحليلية مقارنة بين القانون الجزائري والقانـون المصري وبعض القوانين العربية " ، الجزائر : دار الهدى ، 2010 ، ص 125 ، 126.
5-محمود نجيب حسنى، الإختصاص والإثبات في قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة 1992 ,ص62-63








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارتان إسرائيليتان تستهدفان خيام النازحين في حي زعرب برفح


.. اعتقال مؤيدين لفلسطين في جامعة ييل




.. الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟ • فرانس 24


.. وكالة الأونروا.. ضغوط إسرائيلية وغربية تهدد مصيرها




.. آلاف المهاجرين في بريطانيا يخشون الترحيل إلى رواندا