الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوجه التركي - الطوراني المعاصر

آرا دمبكجيان

2020 / 12 / 11
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


التوجه التركي – الطوراني المعاصر
(الجزء الأول من ثلاثة أجزاء)
الحركة الطورانية: حقائق و أبعاد
ولدت الطورانية – التركية كمبدأ في النصف الأول من القرن التاسع عشر في منطقتي أوفا و قازان ذات الأقوام التركية اللسان. انتقل دعاتها و مؤسسوها الى القسطنطينية، عاصمة الدولة العثمانية، حيث أزهرت و أثمرت و عاشت فأصبحت المبدأ المتسيّد و حملت لواء التطلعات القومية المتشربة و المتشبعة بالرغبات القتالية التسلطية التركية. و من حسن حظ هذا المبدأ ان جاء (الأتراك الفتيان) و (حزب الأتحاد و الترقي) و من ثم كمال أتاتورك الى الحكم، فأوصلوه الى مرتبة القيادة و السيادة. و في المرحلة التي تلت حكم أتاتورك، لم يخيب أي من حكام تركيا ظنون السلف فتبنوا (قدسية) هذا المبدأ، و لا زالوا الى يومنا هذا يبذلون جل جهدهم لتحقيق أحلام الأولين.
ان الحركة الطورانية تطلّع قومي – شوفيني –عنصري تحتضن ذلك الرأي الذي ينادي بأن الأقوام التركية اللسان تؤلف شعبا واحدا و يجب أن تتوحد تحت راية واحدة تقودها ... تركيا.
و هذا التوجه القومي التركي – الطوراني لا يقوم على تحقيق مطالب انسانية أو اجتماعية عامة مثل التوحد و العمل الجماعي البنّاء في وطن واحد جامع للكل، أو حتى تحقيق أهداف أخرى سامية كما هو معروف في عُرف العالم المتحضر أو كما حاول العرب تطبيق فكر الوحدة وصولا الى الوحدة العربية المنشودة. لكنه يبحث في مواضيع مثل أستعمار أرض شعوب من غير الجنس التركي بعد إبادة أهلها و تأجيج نار الحروب في المناطق الساخنة. و تقع كينونة هذه الحركة ضمن إطار التعالي التركي العنصري و تهميش دور الشعوب غير التركية بخلق أمبراطورية عالمية تدعى "الطوران الكبرى".

ضياء كوك الب – فيلسوف الطورانية
فقد ذكر ضياء كوك الب، منظِّر حركة "الأتراك الفتيان"، إن "وطن الأتراك ليس تركمنستان و لا تركيا نفسها، بل دولة جامعة للأتراك تدعى (طوران)."
لم تولد تسمية "الطوران الكبرى) من لا شيء، فهي جاءت الى الوجود من مبدأ التتريك الذي كان هدفه تشتيت الشعوب غير التركية القاطنة ضمن حدود الدولة العثمانية كالأرمن و العرب و الأكراد و اليونانيين و الآثوريين و السريان و غيرهم. في الوقت الذي كان اعضاء "الأتراك الفتيان" يقولون للعرب: "عليكم أن تفهموا انكم أتراك و لستم عرباً، و ليست هناك دولة للعرب"، كما أطلق مصطفى كمال تسمية "أتراك الجبال" على أكراد تركيا...
و لأنجاح عملية التتريك اقترح مصطفى كمال في وقته عشر وصايا: قم بتتريك اسماء اعضاء اسرتك، صلّي و تكلم باللغة التركية، سلِّم اطفالك بيد معلمين اتراك، صادق الأتراك وحدهم...الخ. و كان هدفه خلق شعب تركي عملاق يتبع شعار "تركيا للأتراك فقط."
و قد دفعت تعاليم دعاة الطورانية الأقحاح من أمثال ضياء كوك الب و يوسف قجوران و أحمد آغاييف و فؤاد كيوبريلو و غيرهم من الطبقة المتنفّذة العليا في تركيا الى اتجاهات ثلاث:
1- تتريك الشعوب غير التركية في داخل الأمبراطورية أو إبادتهم،
2- التوسع الى خارج حدود الدولة و احتلال مساحات اضافية،
3- تشكيل امبراطورية طورانية.
تحققت هذه الخطط ذات التوجه العسكري على التوالي و بصورة واضحة للعيان دون أي اعتبار للرأي العام العالمي، في الوقت الذي تبنَّت حركة "الأتراك الفتيان" في تنظيمهم في مدينة سالونيك (حاليا في اليونان) في تشرين الأول 1911 طروحاتٍ كالآتية:
1- يجب أن تكون الأقوام الدنيا فريسة للأقوام العليا السامية و ذلك حسب القوانين الطبيعية.
2- إن إبادة الأقوام الدنيا هي غاية الأقوام النبيلة العليا، ةو تنظر الأخيرة الى الأولى كعدو لدود.
3- يجب تطبيق برامج الإبادة تطبيقا شاملا من دون التأثُّر بأحد.
إن عمليات الإبادة هذه ليست عملا شريرا، و تعتبر تعبيرا لما يجول في نفس الأقوام النبيلة العليا.
4- تعتبر عملية إبادة الشعوب ضرورة عسكرية دون الأخذ بنظر الأعتبار عوامل العمر و الجنس.
5- تعتبر عمليات إبادة أطفال العدو وسيلة لحماية الأمن القومي للدولة.
6- إن هؤلاء الأطفال ليسوا حتى جديرين أن يعيشوا في ارحام امهاتهم لأنهم مرفوضون إلهياً (فبدأت عمليات بقر بطون الحوامل من قبل الأتراك.)
7- إن وجود و دوام الأمبراطورية متعلقان بقوة و عنفوان حزب "الأتراك الفتيان" و بالقضاء على المبادئ المعارضة كافة. و من سوء حظ الأرمن كانت الطموحات الفاشستية في أعلاه قد جاءت في فلسفة و تنظيرات منظمي المجزرة الأرمنية في عام 1915 إيام حكم حزب "الأتحاد و الترقي" في تركيا.
(سؤال يطرح نفسه: هل أخذ هتلر أفكار الحزب النازي عن التفوّق العنصري من الأتراك الفتيان؟)
لقد غدت الطورانية أهم مبدأ في توجهات السلطات التركية الحاكمة من عهد مصطفى كمال أتاتورك و الى الآن، مع التباين في شدة التنفيذ. فقبل عقود مضت كانت الطورانية موجّهة نحو الأتحاد السوفييتي السابق لجذب جمهوريات "البطن الرخوة" الأسلامية في نسيج الجنوب. و أما الآن، و بعد زوال الخطر الأحمر، وجَّه حكام تركيا أنظارهم نحو أرمينيا و روسيا و غيرهما من دول المنطقة حيث ان هدفهم الحقيقي هو مد النفوذ التركي نحو دول البلقان و خاصة في منطقة الأقلية المسلمة فيها و اللعب بورقة الدين على الرغم من عدم وجود أتراك اقحاح هناك، و شواطئ البحر الأسود، و منطقة القفقاس و ما وراءها، حزام وادي الفولكا الأدنى، أسيا الوسطى و كازاخستان، و مناطق مختلفة من الأتحاد الروسي. و أخيراً، و ليس آخراً، الدول العربية المسلمة المجاورة لأستغلال ورقة الدين أيضاً. و الهدف الرئيس من كل هذا هو محاولة توحيد هذه المساحات الشاسعة و تأسيس دولة "الطوران الكبرى" لتحتضن هذه الأطماع الأستعمارية 31 شعبا و قوما و عرقا بشريا باعداد يتجاوز 350 مليون نسمة. و حسب كتاب "العالم التركي" المطبوع في 1976 في تركيا، يعتبر المؤلف ان المناطق المحصورة بين المحيط المتجمد الشمالي نزولاً الى المحيط الهندي في الجنوب، و من هنكاريا في الغرب الى سهوب منشوريا في شرق و وسط آسيا مناطق تركية بلا منازع.
لم تتغير نوايا و مبادئ الحركة الطورانية في تركيا قيد أنملة منذ بداية القرن العشرين و الى اليوم. ما تغيَّر هو الشكل الخارجي فقط محافظاً على اللب و الجوهر. فالفكر العسكري ظلَّ نفسه، و الذي (تطوَّر) فقط هي القيادة العسكرية. فالمجازر الدموية لا زالت على قيد التنظيم في تركيا نفسها. و عمليات تأجيج نار الحروب تسير على قدم و ساق. و لكن كل ما ذُكِر في أعلاه يجري تحت راية حفظ السلام الدولي في المناطق المحيطة بتركيا!! و لتقوية روابط الأخوة بين شعوب المنطقة!!، و كذلك تحت ستار نشر العدالة بين الشعوب المضطهَدَة!!. و ليس غريبا اذا قامت الدبلوماسية التركية بالتخلي عن الطروحات الطورانية و مبادئها الأساسية لذر الرماد في العيون مستخدمين النفاق التركي المعهود و المتجدد دوما في روح كل تركي. و كما ذكرت صحيفة (كون آيدن): "إن الحركة الطورانية خطرة علينا بالدرجة نفسها كما هي العنصرية العرقية بالنسبة الى اوروبا." و مع هذا ترى في آذربيجان بالذات أعلاما تركية ترفرف في العاصمة باكو... و طرحت صحيفة (ازفستيا) الروسية الصادرة في 19 كانون الثاني 1990 السؤال الآتي: "تحاول آذربيجان أن توحَّد الآذربيجانيين في الأتحاد السوفييتي و ايران و تركيا لخلق (آذربيجان الكبرى). فهل فكَّر هؤلاء الحالمون فيمن سيحميهم عند تطور الأمور؟ و هل وضعوا في حسابهم النتائج السلبية لهذا العمل؟ لأن هذه الأعمال سوف لن تخلخل ميزان القوى في المنطقة فقط، بل ستمهد الطريق لإراقة دماء كثيرة."
لقد زالت الدولة السوفييتية من الوجود ككيان سياسي و لكن وريثتها روسيا تبذل جل جهدها لعدم خلخلة ميزان القوى ذاك...
لقد نسي أو تناسى هؤلاء أن روسيا كانت قوية في ايام القياصرة، و بقيت على قوتها عندما ارتدى الدب الروسي ثيابه الحمراء، و ظلّت روسيا قوية عندما ارتدى الدب الثوب الأبيض من جديد...
بعد قراءة السطور في اعلاه لن يصعب الفهم عن سبب ذكر "آذربيجان الكبرى" مع خارطة جديدة للمنطقة تحت عنوان "بان – آذربيجان" في الجزء الثالث من الموسوعة التركية التي اصدرتها تركيا، و تتضمن تلك الدولة اليوتوبية-الخيالية جزءا من منطقة داغستان (حيث بدأت الفتنة قبل سنوات فأخمدتها روسيا)، المنطقة الشمالية من ايران نحو جنوبها الغربي (اي الحدود العراقية الشرقية) ، نصف أرمينيا ابتداءا من حوض بحيرة سيفان. و كما ذكرت صحيفة (آزادامارد) في عددها 20 الصادر في 1992 تصريح سليمان ديميريل و بالكبرياء التركي الأجوف المعهود: "ليس بإمكان أحد أن ينكر وجود عالم تركي شاسع يمتد من بحر الأدرياتيك وصولا الى جدار الصين العظيم."
يعتبر كل هذا دليلا ساطعا ان تركيا تحاول تحقيق مخططاتها العدوانية القديمة بأساليب جديدة و تحت ستار جديد في كل مرة في تضليل الرأي العام العالمي. و تحاول تحقيق أحلامها التوسعية في تطبيق المبدأ الطوراني حسب المخطط الآتي:
1- بالدرجة الأولى، تسليح الدول الرئيسة الداخلة في العالم التركي...تركيا، آذربيجان و البوسنة تسليحا كاملاً.
2- تكوين أقتصاد موحّد من الدول ذات اللسان التركي.
3- خلق ثقافة موحدة بعد التتريك الروحي و النفسي لمختلف الشعوب و الأقوام التي تعيش على (الأرض التركية) في أثناء التبشير و الدعوة الى الطورانية.
4- تأجيج نار حروب جديدة في مناطق البلقان و القفقاس من أجل الأستحواذ على أراض جديدة (رأينا قبل عدة سنوات ما حصل في جيجنيا (الشيشان) و البوسنة و الهرسك و داغستان.
5- تأمين العمل العسكري المشترك مع الشعوب الأسلامية (تركيا، البوسنة و الهرسك في الغرب، و تركيا، آذربيجان، جيجنيا (الشيشان) في الشرق).
6- وضع اللبنات الأولى لخلق كيان (الطوران الكبرى).
7- و لأجل تحقيق كل ما جاء في أعلاه، فهي تنظر بعين الطمع الى نفط شمال العراق (أي "ولاية" الموصل و محاولة نزعها عن العراق).
كما نرى أن الطورانية قد أخذت وضعا جديدا بعد انهيار الدولة السوفييتية، ذلك الأنهيار الذي فتح البوابات المغلقة و فسح المجال للتوغل في الأعماق.
فتحتَ ستار السلام تحاول تركيا الدخول الى مناطق القفقاس و البلقان، في الوقت الذي تفتك بأكراد الداخل بحجة الحفاظ على كيانها. و تهدد أرمينيا تحت عذر مساعدة الأخيرة أرمن آرتساخ (غاراباغ الجبلية)، و تهدد ايران و سوريا و العراق بحجة مساعدتهم لمن تُسمِّيهم ب(الأنفصاليين الأكراد). و في الوقت نفسه قامت بتصعيد التوتر في علاقاتها مع اليونان لإسكات شكاوى اليونانيين القبارصة ضد الأنفصاليين الأتراك في شمال قبرص التي أحتلتها في 1974 تحت سمع و بصر أنظار العالم (المتمدن) الذي يكيل بمكيالين. بعبارة أخرى، تسلك تركيا كل الدروب القذرة من أجل مخططها لخلق (الطوران الكبرى) و أن تكون هي سيدتها...فهل ستنجح؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE