الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدخل إلى عصر الرعب: البرج الخامس

دلور ميقري

2020 / 12 / 12
الادب والفن


1
لم يكن من المتوقّع وصولُ خبر هجوم الأعراب على المحمل الشريف بسرعة إلى حاضرة السلطنة، كون البريد من الحجاز يتأخر كثيراً. لكن الخبرَ وصلَ، بطريقةٍ ما، إلى دمشق الشام وذلك قبل أيام من عودتنا إليها ضمن موكب الوالي. وقعَ الخبرُ كالصاعقة على المدينة، بالأخص تفاصيل السلب والاستباحة، التي تم اللوك بها والزيادة عليها من لدُن أعوان سعدو باشا؛ وكان هؤلاء يعوّلون على إعادته لمنصبه، لاستعادة نفوذهم. تأججت على الأثر مشاعرُ السخط والغضب في نفوس الأهالي، فعبّروا عنها بالخروج إلى الدروب والأسواق لشتم مورلي باشا والترحّم على أيام سلفه.
النقمة على الباشا، كانت أكبر بين قادة الانكشارية في قلعة المدينة، بسبب مصرع رفيقهم آمر قلعة تبوك ضمن الملابسات المعلومة. فما لبثت الاضطرابات أن بدأت في دمشق، بتحريضٍ من تلك الأطراف، الناقمة على الوالي. كون هذا الأخير ما زال في طريق الإياب، فإنّ المشاغبين إتجهوا إلى السرايا، أين يقيم المتسلّم الذي ينوب عن الباشا في إدارة البلد. لما علموا بهروب الرجل، استهدفوا هذه المرة حارات النصارى واليهود، بدَعوى أن ساكنيها فرحوا وشمتوا بما حصل للمحمل الشريف على يد أعراب الحجاز.

الأمور كانت على هذه الحال، عندما دخلنا محروسة الشام ضمنَ موكب الوالي. هذا، خطط للوصول إلى المدينة في ساعة متأخرة من الليل، عقبَ سماعه بحال الفوضى والاضطراب فيها خلال الأيام الأخيرة. وكان قد علمَ أيضاً، أن المتسلّم عجز عن تأمين الأمن في البلد وتركها هارباً إلى جهةٍ مجهولة. عقبَ دخول الباشا إلى قصره، أسرع بارسال كتبٍ إلى قادة الوجاقات، لمحاولة استمالتهم إلى صفه بمواجهة الخصم المشترك؛ الانكشارية. هذا ما علمته من الطواشي، وكان قد حضر إليّ في مساء اليوم التالي صُحبة صديقنا برو. أتى حكيم كي يودّعني، كونه توقّعَ عودة مولاته إلى تخت السلطنة عن طريق البحر في يوم الغد أو بعده على أرجح تقدير.
" لن ينتفع الباشا بشيءٍ من هذا التدبير، لأن مصيره سيتحدد هناك في الباب العالي "، علّقتُ على معلومة حكيم. أيّدني هوَ الرأيَ، وزادَ بأن السلطان ربما يأمر بقطع رأسه. ثم عرّجنا على معلومة أخرى، تتحدث عن احتمال تورّط الوالي السابق بأمر هجوم الأعراب على قافلة الحج علاوة على أصابعه فيما تشهده الشامُ من الاضطرابات والفوضى. في المقابل، بقيَ برو ملتزماً بالصمت وعلى عينيه غشاوة شفافة من الأسى. كان واضحاً حزنه، غبَّ سماعه عزم السلطانة العودة إلى مسقط رأسها؛ برغم أنّ ذلك أمرٌ بديهيّ ومتوقّع. ما أسرعَ أن حَوّل مجرى الحديث، بسؤاله الطواشيّ: " ألم تُعرب لك مولاتك عن رغبتها بلقائي، على الأقل من أجل الاستخارة في شأن سفرها بحراً إلى الأستانة؟ "
" لا، لم تفعل ذلك. إنها لم تكد ترتاح مما كابدته في خلال رحلة الصحراء، المشئومة "، ردّ حكيم. قال برو، وكانت نظرته هذه المرة تأتلق ببارقة الأمل: " لعلها لا تسافر قريباً، لحين استعادتها نفسها ". عندئذٍ، تلاقت أعيننا أنا والطواشي بنظرةٍ باسمة. تركناه على ذلك الرجاء، وعُدنا للمداولة فيما تشهده البلد من أحداث. على حين فجأة، تذكّرتُ صديقي باسيل، وذلك على خلفيّة خبر الهجوم الأخير على حي النصارى. خادمي، سبقَ أن أعلمني بأن ذلك الحي ما فتأ محاصراً من قبل الزرب وبعض الجهلة المتزمتين. فاقترحتُ على برو الذهابَ لاحضار صديقنا، بالنظر لتأثيره المعلوم على العامّة. تحرّك على الأثر حكيم من مجلسه، وما عتمَ أن قال بأن وقت عودته إلى القصر قد أزفت. ودّعته بالعناق والتمنيات بالسفر الآمن، فيما ظل برو مطرقاً برأسه. قال صديقنا لهذا الأخير: " سأخبرُ مولاتنا، ولا ريب، ما لو شاءت الاستخارة بشأن موضوع السفر ". قال لي برو فجأةً، بعدما صار الضيف الآخر عند عتبة الباب: " لا أجده مناسباً الذهاب إلى منزل باسيل، لأنه لا يحتاج لمساعدة بشكل من الأشكال ". فكّرتُ أنه محقّ بتقديره، كون الأضرار في حي النصارى كانت محدودة، كما أن لديهم سوقهم الخاص ولن يتأثروا بالحصار. لما وافقته الرأيَ بهزّةٍ من الرأس، أعربَ عن رغبته بمرافقة الطواشي في طريق العودة.
عقبَ ذهابهما، اتجهتُ لحجرة النوم لأقلب بين المجلدات، علّني أظفر بكتابٍ أقرأ فيه. وإذا بي أسمعُ طرقاً على باب البيت، ما جعلني أعتقدُ بأنّ أحد ذينك الصديقين قد نسيَ شيئاً ما، يود الافضاء به إليّ. لكن ظهرَ أن الطارقَ رجلٌ من خاصّة زعيم حي القيمرية، أتى ليعلمني بأنني مدعوٌّ غداً للاجتماع مع أفراد مجلس الأشراف على وليمة عشاء في منزله.
" على مرجوح الظن، أنها ليست دعوة عادية، وإنما اجتماع للأشراف من أجل بحث الأوضاع في البلد وربما ينضم إليه عدد من الأعيان وقادة العسكر "، كذلك فكّرتُ بعدما صرفتُ ذلك المرسال. تركتُ الكتابَ جانباً، فيما الهواجسُ تَتناهبني وتُسلّمني لمشاعر القلق والمخاوف. بدا لي أن الحاضرة ستُمتَحنُ ببلاء، لا يقل عما شهدناه في الطريق إلى الحج، سواءً من جانب الدولة أو من جانب القوى المتصارعة. ثقل رأسي بهكذا أفكار، فانتقلت إلى فراشي علّني أصيب نصيبي من النوم.

2
استغرقتُ في النوم حتى الظهيرة، وكنتُ بالكاد انتبهت لخادمي صباحاً عندما همس في أذني، مذكّراً إياي بضرورة النهوض للذهاب إلى المدرسة. وقتئذٍ، تمتمتُ وأنا بين اليقظة والمنام: " لن يخرجَ أحدٌ من بيته، لأن المدينة في حالة حرب ". على الفطور، الذي تحوّل إلى غداء بفعل الوقت المتأخّر، ذكّرني الخادمُ بما قلته صباحاً. ثم أردف، يسألني بشيء من القلق: " هل استقيتَ معلوماتك من ذلك الرجل الأسود، الذي كان بضيافتك مساء أمس؟ ". فأجبته مبتسماً، وقد فهمتُ أنه يقصد الطواشي: " بل استقيتها من ثرثرتك صباح أمس، لما هجمت عليّ فورَ إفاقتي من النوم "
" لكنك لم تشفِ فضولي، بتفصيل ما جرى معكم عندما هاجم البدو المحملَ الشريف؟ "، انتقل إلى أمر آخر كان قد غفلَ عن ذكره. بدَوري، تذكّرتُ أمرَ صديقي باسيل. فسألته، ما لو حضرَ مرةً في غيابي. لما هزّ رأسه سلباً، قلت له: " أنتَ تعرف بيته، أليسَ كذلك؟ لقد أرسلتك ذات مرة إليه، لو تذكر؟ حسنٌ. أريد منك أن تذهب إليه، فتطمئن على أحواله وتسأله ما لو كان في حاجةٍ لشيء من المؤن أو خلافه ". أغمض الخادمُ عينيه، على عادته عندما يُشير إلى فهمه للأمر واستعداده لتنفيذه. كنت عندئذٍ قد فرغت من الطعام، فانتحيتُ إلى الحمّام كي أتوضأ لأداء صلاة الظهر. بعد الصلاة بنحو ساعة، وكنتُ في حديقة الدار أتفقدُ أحوالها، رجعَ الرجلُ العجوز لينبئني أن الأمور في حي النصارى ليست بذلك السوء. ثم أضافَ: " كما أن باسيل وعائلته بخير، وقال أنه لا ينقصهم شيئاً. كما أبلغني فرحته بعودتك سالماً من الحجاز، كونه سمع بهجوم البدو على قافلة الحج ". تخففَ بعضُ ما بي من القلق، فتابعت اهتمامي بأمور الحديقة.

لأول مرة منذ ذهابي مع قافلة الحج، أجوبُ دروبَ مدينتي، التي أحب. شاء الخادمُ أن يرافقني حتى القيمرية، كون الأوضاع مضطربة، فلم أمنعه من ذلك. لكنني رفضتُ عرضه، أن نستقل عربة مشدودة بالخيل. كنتُ عادةً عند الخروج أشتملُ بهيئة رجل الدين، المنتمي لفئة الأشراف؛ وذلك كان وحده كفيلاً لاطمئناني في أحلك ظروف الأمن بالمدينة. خرجنا إذاً من المنزل، متخذين درباً مستقيماً باتجاه مرجة بين النهرين. كانت المتاجر مفتوحة على مألوف العادة، مُنارةً بالأسرجة، فيما زحمة السوق أيضاً على سابق عهدها. أشباح الأشجار، المتكاثفة عند الأسوار، رافقت سيرنا حتى وصولنا إلى باب جيرون. مررنا من ثم بِحَذاء مدرسة القيمرية الكبرى، المدعوة على لسان العامّة ب " جامع القطط "؛ وذلك، كما قيل، لكون مؤسس المدرسة عُرف بإيوائه للهررة وعطفه عليها. ثم ظهر لعينيّ مدخلُ منزل كبير الحي، وكان ثمة فتية شاكّي السلاح يقومون على حراسته. ودّعتُ مرافقي العجوز، ثم التفتُّ إلى أحد الحراس طالباً منه الإبلاغ عن حضوري.
" أهلاً بابن أخي، السيّد البرزنجي "، هتفَ كبيرُ حي القيمرية وهوَ يحتضنني بحرارة. وعليّ كان أن أصافح بقية الحاضرين، المندفعين إليّ لتهنئتي بالنجاة من مقتلة الصحراء. كان الحضورُ مجتمعين في الإيوان، بالنظر إلى جو المساء الحار. جلستُ إلى يمين المضيف، وكان مجلسُ حضرة المفتي بمقابلي. مثلما توقعتُ، حضرَ إلى المكان العديدُ من الأعيان وبعضُ قادة أصناف العسكر فضلاً عن أعضاء مجلس الأشراف. عبقُ أزهار شجر الليمون، كان ينتشرُ في المكان بقوّة مع عُرف عرائش الياسمين. لحظتُ أن قادة الأورطات قد أخذوا هذه المرة مجالسهم بعيداً عن قادة الوجاقات؛ وكأنما للتعبير عن اختلاف الموقف من الوالي. المضيفُ، أشارَ إلى الخدمَ بتقديم العشاء. وما لبثت ألوان الطعام أن احتفت بها الطاولة المستطيلة، الممتدة على طول أرض الإيوان. في خلال المأدبة، استفهمتُ من المضيف بصوت منخفض عما لو سمع بخبر ما، متأتّ من ناحية الأستانة. عمد أيضاً إلى الهمس، عندما أجابَ باقتضاب: " ليسَ ثمة جديدٌ، لكن الأقاويل تملأ البلد ".
غبَّ انتهاء الوليمة، تمّ تقديم القهوة والحلوى. ربما استعاد المضيفُ موضوع تحريم القهوة، الذي جرى على لسان المرحوم شيخ الإسلام في مناسبةٍ شبيهة. إذ استهل كلمته بطلب قراءة الفاتحة على روح الرجل، وبعد ذلك راحَ يُعدد مناقبه، لينتهي بالقول: " إنها خسارة كبيرة للشام، كون الشيخ الراحل ابنها البار وصوتها لدى مولانا سلطان الكون ". أيَّده معظمُ الحاضرين، باستثناء قادة الأورطات، الذين بقوا في دواخلهم يعدّون أنفسهم غرباءَ عن المدينة لا أولادها الأصيلين. وربما أكونُ غاليتُ باعتقادي، وأنّ عدم تحمّس أولئك القادة إنما يعود لاعتبارهم شيخ الإسلام من الموالين في حياته للوالي. هذه المسألة، أي الموقف من باشا الشام، ما أسرعَ أن طُرحت من لدُن البعض.
وهذا الشيخ المرادي، يتنحنحُ قبل أن يبدأ القول: " في حقيقة الحال، أنّ المرحوم كان من الممكن اليوم أن يكون بيننا، لولا سوء إدارة المتولين شئون المحمل الشريف ". أرتفعت الهمهمات، مؤيّدة ما ذهب إليه المفتي. واضحٌ، أن خصوم الوالي لهم الكلمة العليا في هذا المجلس. ثم التفتَ المفتي إليّ فجأةً، ليطلب رأيي، كوني الشاهد الوحيد على الحدث بين الحضور. كنتُ متهيئاً للموقف، ولنفس الإعتبار. لكنني حاولتُ التكلم بلسان معتدل، بعيداً عن العاطفة وردة الفعل. ابتدأتُ أيضاً بالترحم على الفقيد وكافة ضحايا القافلة، ثم تابعتُ القول: " منذ سنوات عدة والمحمل الشريف يسيرُ إلى الحج دونما أن يعترضه الأعرابُ، وكان هؤلاء لا يطالبون برشوة لقاء ذلك. فماذا دهى، لكي يهاجموا القافلة هذا العام بزعم عدم تلقيهم المال من باشا الشام؟ هذا هوَ السؤال الرئيس، الذي أتمنى أن أسمع جوابه؟ ".

3
رميتُ ما يشبه الأحجية في أسماع الحضور، وذلكَ قبل أن ألتزم الصمتَ. تلقفَ آمرُ صنف اللاوند الأحجية، مثلما يفعل لاعب الخفّة. قال من مكانه بالقرب من المفتي، الجالس بمقابلي: " إنه بالفعل سؤالٌ مهم، يجعلنا على بيّنةٍ مما جرى للمحمل الشريف ودونَ التسرّع باتهام أميره بالتقاعس في واجباته. وكما يذهبُ إليه تفسيري، وبالتالي الإجابة على ذلك السؤال، أنّ للوالي السابق يداً في التدبير اللئيم، المودي بقافلة الحج إلى المصير المعروف ".
بادرَ القائدُ الانكشاريّ للرد، مقاطعاً: " أيُعقل أن نرمي الآخرين بهكذا تهمة خطيرة، دونَ أيّ بيّنة؟ وهل هوَ أسعد باشا، مَن أوعز لمورلي باشا بعدم مراضاة شيخ البدو بشيء من المال كيلا يعترض سيرَ المحمل الشريف؟ كلنا الآنَ يعلمُ، على ما أعتقد، بحقيقة أن أخوتنا في قلعة تبوك حذّروا الباشا من تحركات مريبة للبدو وأنّ عليه الاتصال بشيخهم قبل مواصلة الطريق إلى الأماكن المقدسة. كذلك عرّضَ الباشا حياةَ مولاتنا السلطانة للخطر، عندما كانت أسيرة لدى البدو، بأن عمد إلى سبيل الخداع بارساله لهم زكيبتين مملوءتين بالحصى بدلاً عن ذهب الفدية "
" هل كنتَ تأملُ بمكافأة أولئك المارقين بالذهب، هم مَن سَلبوا وسَبوا المحملَ الشريف؟ "، تساءل آمرُ اللاوند بنبرة تهكّم. أجابَ الآخرُ، محتداً بعض الشيء: " بل كنتُ آملُ أن يثبت الباشا بما معه من الجند، عوضاً عن هربه وهوَ يحملُ الذهبَ تاركاً أعراضنا تُستباح وتُسبى "
" كان في وسعه أن يثبتَ، لو أن رفاقكم في تبوك قدّموا له الجند لمرافقة المحمل الشريف، بعدما أعلموه بنيّة الغدر لدى الأعراب "
" لقد رفضَ الباشا التفاهم مع آمر قلعة تبوك، ثم ما لبثَ أنّ سلّم رأسَهُ لشيخ البدو. هل سُمِع من قبل بهكذا خيانة وغدر، أيها الأخوة الأكارم؟ "، وجّه الانكشاريّ سؤاله للحضور. شاء آمرُ الوجاق الردّ، لكن المضيفَ استلم زمام الحديث. قال منقّلاً بصرَه بين الرجلين: " لن نتكلم هنا عن النوايا، بل عن أعمال محددة. التقصير في حماية المحمل الشريف، يقعُ عاتقه على أمير الحج قبل أيّ كان. هذه حقيقة، لا جدال فيها على ما أعتقد ". ثم أضافَ، ناقلاً عينيه هذه المرة بين الحضور الآخرين: " وعندي، أن من الواجب علينا الإعراض للباب العالي بالأمر، وجلالته هوَ مَن يُقرر أمرَ المتهم والبريء وكذلك العقاب والثواب ". أرتفعت الهمهمات من جديد، تؤيّدُ مقترحَ كبير القيمرية. لم يُسلّم آمرُ الوجاق، فعاد للقول: " لم يكن أحدٌ يملك الجرأة لإتيان مثل هذا الأمر، وذلك في زمن الوالي السابق. هذا يدل الآنَ على معرفة الجميع بخلق مورلي باشا، وأنه إنسانٌ رحيم ومتسامح وعادل ".
قال المضيفُ، هازّاً رأسه بحركة تفهّم: " بلى، إنه كذلك ولله الحمد والشكر. لكن ولاية كالشام، تغرق بالفوضى لأدنى سبب بسبب تعدد أصناف العسكر، بحاجة أيضاً لحاكمٍ يتّسمُ بالحزم والهيبة "
" لقد أظهرَ الرجلُ حزمَهُ وهيبته، لما تمرّد المتسلّمُ السابق. وأنتم الأعيان، لو تذكرون، مَن هرعتم عندئذٍ إلى معسكره ترجونه العفو عن قادة القلعة حتى رقّ قلبه ورضيَ بذلك "، قال الآمرُ. عاد المضيفُ لهزّ رأسه، ثم أجابَ: " ذاك موضوعٌ وهذا موضوعٌ. على أيّ حال، لعل عريضتنا تصل للباب العالي في وقتٍ يكون فيه عسكره هنا، وذلك للانتقام من أولئك البدو. وعلى مرجوح الظن، أن مَن سيقود ذلك العسكر هوَ الوالي، الذي يحل بمكان مورلي باشا على رأس إيالة الشام ". أعربَ أكثرُ الحضور عن استحسانهم لرأي المضيف، وما لبثت أنظارهم أن اتجهت نحو المفتي. كأنما كانوا على معرفة، سلفاً، بأنّ الرجل حضّر العريضة المفترض أن تتوجّه إلى الباب العالي. إذ مدّ يده إلى حافظة أمامه، ليستخرج منها ورقة: " سأقرأ عليكم نصّ العريضة لجلالة سلطان الكون، التي سبقَ وكتبتها بناءً على رغبة وجهاء المدينة من أعيان وعسكر وعلماء "، قال الشيخُ ذلك ثم راحَ يتلو مما بيده. وبحَسَب ما تسعفني الذاكرة، أنّ العريضة تأخذ على الوالي تقصيره بحماية المحمل الشريف مع عرضٍ موجز لواقعة هجوم البدو على قافة الحج. وقد لحظتُ وقتئذٍ تجاهلَ ذكر موضوع السلطانة، لما أشيرَ إلى واقعة السبي. على الأثر، مرّت الورقة على الحاضرين كي يضع كل منهم اسمه عليها. تنصّل آمرُ اللاوند من كتابة اسمه، وكذلك فعلتُ أنا. وكنتُ عندما جاء دوري، قد قلت باقتضاب موجّهاً الكلامَ للمضيف: " أتمنى لكم التوفيقَ، لكنني استنكفُ عن وضع اسمي ". أما آمر اللاوند ( وأعتقدُ أنه لا يعرف القراءة )، فإنه لوّح الورقة بحركة ساخرة ثم ناولها لمن يليه.

4
على الأثر، تساءل المضيفُ ما لو كان ثمة مسائل أخرى يُمكن مناقشتها والبتّ فيها. نَبَرَ المفتي للكلام، فطلبَ من زعماء الأحياء العملَ على إعادة الهدوء إلى المدينة بعد الحوادث الأخيرة، الناجمة عن ردة الفعل تجاه ما جرى للمحمل الشريف. عندئذٍ، اتجهت أنظارُ بعض الحضور إلى آمرَي الأورطات والوجاقات. لكن أيّ منهما لم يعلّق على كلام المفتي. ولأن كلام هذا الأخير ذكّرني بوضع صديقي باسيل، فإنني عقّبتُ على كلامه بالقول: " في حقيقة الحال، أنّ أكثر مَن يعاني من فقدان الأمن هم النصارى واليهود. وهذا يُخالف شريعة الله، الموصية بهم بوصفهم أهل كتاب "
" شريعة رب العالمين، تعترفُ برسالتَي عيسى وموسى، اللتين حرّفهما أتباعهما وصاروا من الخاسرين ديناً ودنيا "، ردّ عليّ إمامُ الحنبلية وهوَ من السادة الأشراف. رمقتُ بنظرة مواربة حضرةَ المفتي، قبل أن أتساءل: " لو كان الأمر كذلك، فلِمَ نأخذ منهم الجزية ولا نعتبرهم من المشركين؟ "
" إذاً، أنتَ لا تعدّ تقديسَ النصارى للصليب والإيقونات بمثابة الكفر؟ "، طرحَ عليّ الإمامُ بدَوره السؤالَ. توجّهت أنظارُ الحضور إليّ، وقد تصاعدت همهمات بعضهم. لم تكن هذه المرة الأولى، أتواجه فيها مع الرجل بشأن وضع أهل الكتاب. على ذلك، عدتُ أوضح رأيي بالقول: " لهم دينهم وإيمانهم، ولنا ديننا وإيماننا. لكن المتفق عليه منذ نزول الوحي على سيّدنا محمد، أنّ النصارى هم أهل كتاب. لقد تميّزنا عليهم، بأننا ندفع الزكاة بينما هم يدفعون الجزية "
" يدفعون الجزيةَ عن يدٍ وهم صاغرون "، صحّحَ لي الإمامُ. ثم أضاف: " ولأنّ كتابَ الله أوصى بأن يبقوا صاغرين، فإننا نعاملهم على هذا الأساس حتى يعودوا إلى رشدهم ويُسلموا أو يهاجروا إلى أخوانهم من ملل الكفر في ممالك الفرنجة "
" أنتَ تعني، تمييز النصارى بالملبس والمركوب وغير ذلك من الاجراءات، الحاطّة من قدرهم؟ حسنٌ. لكن هكذا اجراءات ظهرت في القرون الأخيرة، ولم تكن معروفة بزمن الرسول وخلفائه الراشدين ولا حتى في عهود بني أمية والعباسيين "
" القرون الأخيرة، التي تلمز من قناتها، هيَ التي أعزّت الإسلام ببني عثمان، الذين نشروا رسالته في قلب ممالك الفرنجة "، قال لي الإمام مقاطعاً. بينما تصاعدت همهماتُ العديد من الحضور، معبّرةً عن استحسانهم كلام إمام الحنبلية، شرعَ المضيفُ في التنحنح تمهيداً للتدخل في الجدل. قال منقّلاً عينيه بين المتجادلَيْن: " القوانينُ الخاصّة بوضع النصارى واليهود، لا يمكن لأحد تغييرها إلا بفتوى من شيخ الإسلام. هذا أمرٌ مفروغٌ منه. لكن من غير المقبول أيضاً، السماح للزرب بمهاجمة وحصار حارات النصارى واليهود وأخذ المعلوم من ساكنيها بغير وجه حق. الأمن يجب أن يُحفظ في جميع الأحياء، والناسُ سواسية أمام القانون بغض النظر عن مِلَلهم ونِحَلهم ". هيمن الصمتُ على الأثر، ولم يعترض أحدٌ على كلام المضيف.

تركتُ منزلَ كبير القيمرية، وكان الوقتُ ما يني في أول الليل. على ذلك قررتُ زيارة صديقي برو، كونه كما علمنا يعيشُ في نفس الحي. كأنما كان ينتظرني؛ فرجّحتُ أن خادمي مرّ عليه. أكّد برو ذلك، ببعض الامتعاض كمألوف عادته. برغم ما كان يُظهره للرجل العجوز من ود، في أوان زياراته لنا، إلا أنه كان يضيق من ثرثرته ولجاجته وفضوله. فور جلوسي على الحشية الرثة، أخبرته بما جرى في الاجتماع بشأن العريضة، الموجّهة للباب العالي. زهدَ بالحديث، ولم يعلّق بشيء. لحظتُ وجودَ ورقة على الأرض العارية، فيها كتابة بخط كبير. لعلني لم أذكر من قبل، أنّ ربيبَ الأحاجي كان يلجأ للكتابة في مواضيع معيّنة، وأحياناً كنتُ أجده يخط رموزاً فلكية على دفترٍ يحتفظ به.
قلتُ له بنبرة دعابة: " هل سبقتني العريضة إليك، كي تضع اسمك عليها؟ ". رمقني بنظرة سريعة، ثم ما لبثَ أن أمسك بالورقة وبدأ يقرأ فيها. كانت قطعة جميلة من النثر، يُعبّر فيها عن عذاب العشق ويعدّه الداء والدواء معاً. بعدما أنهى القراءة، مررَ لي الورقة بناء على طلبي. مررتُ بنظري عليها، أعيدُ قراءة كلماتها. فيضٌ من الشفقة اجتاحني عندئذٍ، أنا مَن تسنّى له رؤية المرأة المعنية ومعاينة ما يحدثه جمالها من تأثير طاغ لا يُقهر. سألته بعدئذٍ، ما لو جاءه خبرٌ من ناحية القصر. هزّ رأسه نفياً، وكان التأثر ما يفتأ واضحاً على ملامحه.
قلتُ بعد لحظة صمت: " البارحة، تحججتَ بموضوع الاستخارة لتدفع الطواشي على مفاتحة السلطانة بأمرك. أليسَ صحيحاً؟ ". ثم أضفتُ بسرعة: " لكنني أعتقدُ أنها حتى لو بقيت في الشام لفترة أخرى، فلن تكون راغبة بلقاء من شهدوا واقعة استباحة المحمل الشريف ". ظلّ ملازماً صمته، وكان يرمقني بين فينة وأخرى بنظراتٍ تائهة. فاجأني بعد ذلك بهذا السؤال: " كيفَ تحمّلتَ الحرمانَ الجسديّ، ولم تفكّر ثانيةً بالزواج؟ ". سؤاله دفع بابتسامةٍ إلى فمي، قبل أن أجيبَ بنبرة دعابة متسائلاً: " لعلك نسيتَ أنني ملتحفٌ بخرقة الصوفية؟ "
" لو أنك، على الأقل، اتخذتَ أحدَ طلبتك مريداً لك، أيها الشيخ الصوفيّ! "، ردّ مبتسماً بَدوره. فهمتُ مرادَ القول، وأنه يهمز من قناة شيوخ الطريقة، الذين يربّي الواحد منهم غلاماً كمريدٍ أثير، يلازمه في آناء النهار والليل كي يأخذ عنه التعاليمَ الضرورية ليُصبحَ خليفته. ربما لم أذكر بعدُ، أن والدي كان في حياته من أتباع الطريقة النقشبندية، المقيم قطبها الأكبر في بلاد الهند. كان لهذه الطريقة عددٌ هائل من المريدين في أصقاع عالم الإسلام؛ وحتى في الأستانة، أينَ أضفى البابُ العالي عطفه عليها.
قلتُ مجيباً تندّرَ صاحب الأحاجي: " أعدّ نفسي مريداً، وليسَ شيخ طريقة ". ثم أردفتُ مناكداً: " قد تستدعيني سلطانتك في الغد، وكانت قد أبدت رغبتها بذلك لو تذكر؟ ". اتخذَ عند ذلك هيئةَ الجد، فمد لي يده بالورقة: " إذاً أرجو منك تسليمها هذه، ولتعتبر ما فيها بمثابة كلمات وداع ".

5
في الأيام التالية، عدتُ لمواصلة حضوري في المدرسة الشامية الكبرى بعدما انقطعتُ عنها لنحو شهر من الزمن. شمسُ الصيف، أضحت تميل إلى الحرارة وبالأخص في ساعات الظهيرة وأكون وقتئذٍ راجعاً من المدرسة. في الأثناء، زارني باسيل وكان سعيداً لأن الحصارَ فُكّ عن حي النصارى. ذلك كان من ضمن إجراءتٍ، اتخذها الوالي فورَ عودته إلى الشام. إجراءٌ آخر، لاقى أيضاً استهجاناً عاماً، صدرَ من القصر: تم منع أي اجتماع خارج الديوان، سواء للأعيان أو لمجلس الأشراف. هذا كان على الأرجح، ردّ الوالي على العريضة المرسلة إلى الباب العالي والمتضمنة شكوى بحقه بشأن واقعة المحمل الشريف.
ما لم أكن أتوقّعه بحال من الأحوال، أن يحضر إليّ في المنزل رسول من لدُن الباشا يدعوني لمرافقته إلى القصر. كان ذلك عقبَ عودتي من المدرسة ظهراً، وتناولي طعام الغداء. الرسول، جاء بعربة تشدها الخيل، وقفت بجانب مدخل الدار. ركبتُ سويةً مع المرسال، وكان هذا رجلاً في نحو الأربعين، عليه أمارات الاجلال والخضوع والرقّة. لم ينبس بكلمة خلال الطريق، لحين وصولنا إلى القصر. عند سيري على الممشى، المفضي إلى ناحية الديوان، ألقيتُ نظرةً مواربة إلى ناحية قسم الحرملك؛ هنالك، أينَ تقيم سلطانة قلب صاحب الأحاجي. ما لبثتُ أن وجدتُ نفسي وجهاً لوجه أمام الباشا، وكان قد استعادَ توردَ وجهه وحيويته وهيبته. كان واقفاً لوحده عند مدخل الديوان، الكائن في رواق متصل بقسم السلاملك. قال لي مبتسماً، وهوَ يربت بيده المعطّرة على كتفي: " ستنضمّ بعد قليل إلى مجلس الديوان، لأنني أخترك لتكون أحد أركانه ".

عملي في الديوان، تحدد فيما يتعلق بمراسلات الباشا. خُصصت لي حجرة صغيرة، تقع أيضاً في نفس الرواق. شأن بقية الأماكن في القصر، كانت الحجرةُ آيةً في البذخ لناحية الزخرفة والنقوش والتلبيس. كذلك الأمر في الأثاث، المصنوع من الخشب النادر والمرصّع بالفضة والصدف. الوظيفة كانت بغاية الأهمية، لأن صاحبها يطّلع على معظم أسرار الوالي. هذا الأخير، لا بد وآثرني بالوظيفة كوني امتنعتُ عن وضع اسمي في تلك العريضة، التي وجهها الأعيان إلى الباب العالي. قد يكون آمرُ اللاوند من أخبرَ الباشا، أو لعله أحد العيون داخل الاجتماع. من ناحية أخرى، تأثرتُ ولا شك لكون الوظيفة الجديدة ستحرمني من مواصلة دروسي للطلبة. وقد ودّعتهم في اليوم التالي، قبل توجهي إلى الديوان، واستمعتُ إلى كلمات بعضهم، المفصحة عن مبلغ حزنهم لفراقي.
عليّ كان أيضاً أن أعتاد منذئذٍ على جو لم آلفه قبلاً، يتغلغل فيه الحسد والنميمة والطمع والجشع وسوء الطوية. مصيرُ صاحب الوظيفة هنا، يُمكن أن يتحدد نتيجة تفسير خاطئ لجملة تفوّه بها أو نُقلت مع التحريف بشكل متعمّد. لم يكن ثمة حصانة لأحد، ولا حتى للباشا نفسه؛ هوَ مَن ينتظرَ البت بأمره من جانب الباب العالي. في الأثناء، التقيتُ مع طواشي السلطانة ذاتَ مرة بالقرب من مدخل الديوان، وعلمتُ منه أن مولاته تنتظرُ أيضاً خبراً من الأستانة قبل شروعها بالسفر. وكان حكيم قد هنأني بالوظيفة الجديدة، ثم تساءل بشكل عابر عن وقت انتهائي من الدوام.

عقبَ ذلك اللقاء بالطواشي بعدة أيام، إذا به يعترض طريقي عندما كنتُ أسير على الممشى المفضي لخارج القصر. قال لي، مبتسماً بغموض: " مولاتي ترغب بحضورك، لأن لديها ما تسألك عنه ". تبسّمت بدَوري، لأنني تذكّرتُ ذلك الحديث مع صاحب الأحاجي بشأن دعوة محتملة قد تصلني من السلطانة. صحيحٌ أنني لم أقبل آنذاك عرضَهُ الأخرق، بأن أكون مرسال غرام، لكنني أخذتُ ورقته كي تبقى ذكرى منه أحتفظ بها لنفسي. هكذا رافقتُ الطواشي إلى قسم الحرملك، وكانت الشمسُ تميل إلى الغروب. لحُسن الحظ أنني تناولت الغداء في حجرتي بالديوان، وكان عادةً يُحمل من مطبخ القصر.
" أهلاً بالسيّد البرزنجي "، رحّبت بي السلطانة. برغم بعض الشحوب في وجهها، إلا أنها كانت متألقة بالنضارة والحُسن. استقبلتني في أحد الطزر، المعدّ للضيوف، وما لبثت أن اشارت لي كي أجلس على أريكة بمقابلها. تبادلت معي حديثاً لطيفاً، كان محوره الفَرْق بين أتباع المذاهب وأتباع الفِرَق الصوفية. ظهرَ ارتياحها، لأنني دافعتُ عن هؤلاء الأخيرين، قائلةً: " وإذاً هم ليسوا أتباعَ الشيطان، مثلما وصفهم أمامي مرةً شيخُ الإسلام رحمه الله وغفر له "
" البعضُ منهم غالى في تصرفاتٍ شاذّة، جعلت الآخرين يعتقدون أنها عقيدة الصوفية كذلك. وشيخ الإسلام، رحمه الله، لعله اتبع اجتهاداً يقول أن بعضَ الضرر بشيءٍ يجعله نافلاً ككل "، أجبتها بينما نظراتي تلتهم وجهها المكشوف. كانت تكتسي بثوب رائع، لكنه محتشم وإن يُظهر شيئاً من صدرها الناصع. كذلك كانت قبعتها، المطرّزة بخيوط ذهبية والمشكوك فيها الجواهر النادرة، تندفع منها خصلاتُ شعرها ذي اللون الكستنائيّ.
قالت لي بعد هنيهة صمت: " أرسلتُ إليك لكي أحظى بمشورةٍ حولَ وضعٍ معيّن، وكنتُ عادةً أحصلُ على معونة المرحوم شيخ الإسلام ". سكتت قليلاً، ثم أضافت: " عقبَ وصولنا إلى القصر ببضعة أيام، ظهرت أعراضُ الحمل على إحدى جواريّ ممن رافقنني أثناء رحلة الحجاز، المشئومة. بالطبع، هيَ غير ملومة بما جرى لها من استباحة على يد أولئك الأعراب الكفّار. لكنني أتساءلُ، ما لو كان اسقاطها الحمل مشروعاً وجائزاً؟ ". لما سمحتُ لنفسي الافتاءَ بأنّ كلا الأمرين جائزٌ، اسقاط الحمل أو الاحتفاظ به، فإن الارتياحَ بانَ على ملامحها. طلبت مني عندئذٍ أن أتكتم على الموضوع، ثم ما لبثت أن أنهت الجلسة.
فيما تلى من أيام، بقيتُ مشغول الفكر بتلك المقابلة وبالأخص موضوع حمل الجارية. إلى أن انشغلتُ عن ذلك، لما شاع خبرٌ بوصول الصدر الأعظم على رأس جيشٍ جرار كي يتوجه إلى الحجاز للانتقام من الأعراب.

* الكتاب الثاني من رواية " الأولى والآخرة "، المنشورة في هذا الموقع عام 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب


.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل




.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال