الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميدان وشارع التحرير.. رمز الثورة المصرية التاريخي

أحمد موسى قريعي
مؤلف وكاتب صحفي سوداني

(Ahmed Mousa Gerae)

2020 / 12 / 13
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ميدان التحرير (الإسماعيلية سابقا) هو قلب القاهرة الخديوية ورمزها الحديث، ومدخلها وبوابتها الرئيسية، بل أن هذا الميدان هو "مصر مصغرة" وشريان الحياة فيها، كل من تطأ "قدمه" ميدان التحرير يدرك أنه قد رأى كل القاهرة بشوارعها وناسها ومصالحها الحكومية، تقريبا حياة المصريين تبدأ من هذا الميدان.
التحرير ليس مجرد "ميدان" وحسب وإنما عالم "معقد" ومتداخل ومتشابك بكل ما تعني الكلمة، وذلك لاتصاله المباشر بعدة محاور تشكل تاريخ القاهرة الحديث مثل (رمسيس، والجلاء، وطلعت حرب، والقصر العيني، ومحمد محمود)، كما أنه الجسر الذي يعبره (المصريون) إلى حوالي (18) وزارة بإدارتها المختلفة، هذا غير البنوك والمطاعم ووكالات السفر وخطوط الطيران العربية والأجنبية، ومجلس الشعب، ومجلس الشيوخ، ومجمع التحرير، وحي عابدين وجاردن سيتي وجامعة الدول العربية، وكورنيش النيل، والمقر القديم للجامعة الأمريكية.
تاريخ تأسيس ميدان التحرير وأشهر اسمائه
يعود تاريخ تأسيس ميدان التحرير إلى حقبة الخديوي إسماعيل باشا الذي فكر في تشييد ميدان في عاصمته الجديدة يحاكي ميادين باريس خاصة ميدان "شارل ديجول".
في سنة (1865) حول الخديوي فكرته إلى واقع عندما طلب من المهندس الفرنسي "باري لدي شامب" تأسيس ميدان بوسط القاهرة على نمط طراز الميادين الفرنسية.
اتخذ ميدان التحرير منذ انشائه عددا من الأسماء إلى أن استقر على اسمه الحالي في سبتمبر سنة (1954)، ومن اسمائه المشهور ما يلي:
1/ ميدان الكوبري
نسبة إلى كوبري قصر النيل القائم الآن، والذي أسسه الخديوي إسماعيل باشا سنة (1869) كثاني كوبري في مصر بعد كوبري "بنها" الذي تم تأسيسه سنة (1856).
2/ ميدان القصور
وذلك لوجود عدد من القصور حول منطقة الميدان، منها "القصر العالي" أو قصر إبراهيم باشا، وقصر الإسماعيلية الذي حل مكانه اليوم مجمع التحرير والذي كان المقر الرسمي لـ "غازي مختار باشا" المفوض العثماني السامي لمصر.
ومنها أيضا قصر "أحمد خيري باشا" ناظر المعارف العمومية في الحقبة الإسماعيلية، والذي أسسه الخديوي إسماعيل باشا سنة (1870) والذي أصبح في عام (1916) مقرا للجامعة الأمريكية بالقاهرة. ومنها كذلك قصر أو فيلا "هدى شعراوي" التي أقيمت على الطراز العربي في موقع "جراج التحرير" الحالي.
3/ ميدان الحرية
أطلق على الميدان بعد ثورة (1919) اسم "ميدان الحرية" في إشارة إلى شعارات الحرية التي انتظمت الشعب المصري عقب "ثورة 19".
رحلة شارع التحرير
يقطع شارع التحرير الميدان ليتصل بكوبري قصر النيل، كما يمتد شرقا إلى ميدان "باب اللوق"، وميدان "عابدين" تماما كما أراد له الخديوي "إسماعيل باشا" أن يربط ثكنات قصر النيل بقصر عابدين مقر الحكم الخديوي.
كما يمتد الشارع غربا من "كوبري الجلاء" إلى حي "الدقي" ثم "بولاق الدكرور" بعد أن يمر بمنطقة المركز القومي للبحوث.
أشهر المعالم التي يمر بها شارع التحرير أثناء رحلته
شارع التحرير أثناء رحلته الطويلة يمر بعدد من المعالم الهامة نختار منها ما يلي:
1/ شركة مقار جروب للسيارات
قبل أن يكمل الشارع رحلته إلى حي بولاق الدكرور وبالتحديد عند محطة "مترو البحوث" نجد شركة مقار جروب (اخوان مقار سابقا) تلك الشركة التي يأخذ مقرها حوالي "نصف كيلو" متر من امتداد الشارع.
أسس هذه الشركة أحد أثرياء محافظة أسيوط في 15 مايو سنة (1953) وقد كان يوم الافتتاح حدثا لا ينسى إذ حضره البكباشي "أنور السادات" ممثلا لقيادة ثورة يوليو، بالإضافة إلى مدير شركة "جنرال موتورز" في مصر، حيث افتتحت الشركة مصانع اخوان مقار بالدقي لصناعة هياكل السيارات واصلاحها، والآن تعتبر اخوان مقار من أكبر معارض السيارات في مصر.
2/ مسجد السعودية
هو مسجد المهندس "نبيل حسين عبد المجيد" المتوفى سنة (1974) وهو عبارة عن زاوية صغيرة وضيقة مخصصة للصلاة وتحفيظ القرآن تقع أسفل أحد العمارات الحديثة بمنقطة الدقي، قصد صاحبها من انشائها المحافظة على طراز العمارة الإسلامية القديمة.
3/ المركز القومي للبحوث
هو أقدم منشأة على شارع التحرير على الاطلاق، كان اسمه في الأصل "المركز القومي للبحوث العلمية" وضع تصميمه ونفذه المهندس "علي لبيب جبر" بناء على مرسوم ملكي صدر سنة (1947) ثم تم دمجه في المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي في عهد ثورة يوليو ليصبح المعهد القومي للبحوث بموجب القانون رقم (243) لسنة (1956)، وقد مر المركز خلال تاريخه بـ (3) مراحل أساسية هي:
المرحلة الأولى
وتمتد من سنة (1956) إلى سنة (1968) وكان الهدف الأساسي منها التركيز على تطوير العلوم الأساسية وتنمية الكوادر العلمية البشرية.
المرحلة الثانية
بدأت في سنة (1968) وانتهت في سنة (1973) وقد تميزت هذه المرحلة بتفاعل أكبر من قطاعات الإنتاج والخدمات.
المرحلة الثالثة
هي المرحلة المستمرة الآن من عمر المركز والتي بدأت في العام (1973)، وفيها ركز المركز نشاطه العلمي على البحوث التعاقدية مع الهيئات الممولة والمستفيدة من البحث العلمي بالإضافة إلى الأفراد المستفيدين من بحوث المركز سواء داخل أو خارج مصر.
يعتبر المركز القومي للبحوث هو "بيت الخبرة" الأول في مصر للبحث العلمي والتطوير والابتكار، كما أنه يملك قدرة على المنافسة الدولية ودفع عجلة التنمية في مصر.
أهداف المركز القومي للبحوث
تتركز جهود المركز منذ انشائه في تحقيق الأهداف التالية:
أ/ إجراء بحوث أساسية وتطبيقية في مجالات العلوم والتكنولوجيا المختلفة التي تخدم الاقتصاد القومي والمجتمع المصري.
ب/ تقديم الاستشارات العلمية للجهات المستفيدة.
ج/ تقوية الروابط العلمية مع الهيئات المناظرة المصرية والعالمية.
د/ المساهمة الفعالة في نشر العلم والمعرفة.
هـ/ إعداد الكوادر العلمية.
ميدان وشارع الخديوي إسماعيل وأشهر معالمه المندثرة
في الأصل كان يطلق على ميدان وشارع التحرير اسم "الخديوي إسماعيل" وذلك لوجود "سراي الإسماعيلية" التي بناها الخديوي لزوجته الثالثة "جشم أفت خانم أفندي" التي تزوجها الخديوي سنة (1863)، ولم ينجب منها أطفالا، يُعرف عن "جشم أفت" بأنها أول من أنشأت مدرسية حكومية مجانية لتعليم البنات في مصر سنة (1873)، هي "المدرسة السيوفية" التي عُرفت فيما بعد بالمدرسة "السنية" الموجودة الآن بحي "السيدة زينب".
من أشهر المعالم التاريخية التي اندثرت بمنطقة ميدان وشارع التحرير قصر "نازلي هانم" ابنة "محمد علي باشا" الذي كان يقع في الجهة الشمالية من مدخل كوبري "قصر النيل"، وسراي الأمير "كمال الدين حسين" ابن السلطان "حسين كامل"، وكذلك مبنى وزارة الخارجية المصرية القديمة قبل نقلها إلى مقرها الحالي بـ "كورنيش النيل"، وجامع الشيخ "العبيط" الذي أصبح مسجد "عمر مكرم".
تصميم ميدان التحرير ومراحل تطوره
ميدان التحرير عبارة تحفة فنية أظهرت جمالها للعالم ثورة (25 يناير) 2011م التي اتخذت من الميدان مكانا للتعبير عن رفض الشعب المصري للظلم والتسلط المباركي.
تم تصميم الميدان في فكرته الأولى أن تتوسطه قاعدة عظيمة لتمثال الخديوي إسماعيل باشا أعظم خديوي في تاريخ أسرة محمد علي باشا، وبالفعل بدأ الملك "فؤاد الأول" في عمل التمثال، إلا أنه لم يوضع في مكانه بوسط الميدان وذلك بسبب قيام الثورة "الناصرية" في يوليو سنة (1952).
كما كانت في تصميم الميدان حديقة كبيرة كانت تطل عليه، أُقيم بها سنة (1955) نافورة كبيرة وساعة زهور.
كما كان بالميدان كوبري دائري للمشاة يفصلهم عن حركة السيارات بعد زيادة الكثافة المرورية بمنطقة "وسط البلد"، أُزيل هذا الكوبري لصالح "مترو الأنفاق" الذي أعطى الميدان اسم "السادات" وذلك لوجود محطة من محطات المترو باسم الرئيس الشهيد "أنور السادات".
مر ميدان التحرير خلاله تاريخه الذي تجاوز عامه الخامس عشر بعد المئة بعدد من المراحل إما بإضافة بعض اللمسات إليه، أو بإعادة تصميمه حسب توجهات السلطة الحاكمة.
1/ تخطيط موسى قطاوي باشا
في سنة (1904) طالب بعض الصحفيين والمهندسين المعماريين بضرورة هدم "ثكنات قصر النيل" لأنها تشكل رمزا للاحتلال يجاور مبنى "المتحف المصري" رمز الحضارة المصرية.
فوضع "موسى قطاوي باشا" تخطيطا لمنطقة الميدان يتم فيه هدم ثكنات قصر النيل، وإقامة مجموعة سكنية تحيط بالمتحف.
كان قطاوي يركز في تخطيطه أن يصبح الميدان المركز الثقافي والسياسي لمدينة القاهرة، لذلك وضع في تخطيطه مجموعة من التجمعات الإدارية والوزارات وعددا من المتاحف وبعض التماثيل التذكارية لأسرة محمد علي باشا.
من هو موسى قطاوي باشا؟
هو باشا يهودي ورجل أعمال مصري ترجع أصوله إلى قرية "القطا" بمحافظة الجيزة، ولد في سنة (1850) ومات سنة (1924).
كان قطاوي رئيس الطائفة اليهودية بمصر وعضوا بالجمعية التشريعية (البرلمان).
لقطاوي مجموعة من الاسهامات الوطنية فيرجع الفضل إليه في تأسيس خط سكة حديد أسوان وشرق الدلتا، بالإضافة إلى شركة ترام وسط الدلتا.
2/ تخطيط محمد ذو الفقار بك
في سنة (1947) وضع محمد ذو الفقار بك أحد نواب البرلمان المصري، تخطيطا جديدا لميدان التحرير، إلا أنه لم ير النور وذلك بسبب انشغال حكومة "النقراشي باشا" بعدة أزمات.
كانت خطة "ذو الفقار بك" تهدف إلى بناء برلمان جديد يحل محل ثكنات قصر النيل التي كانت ترمز إلى الاحتلال ومجموعة المباني التي لم ينفذ منها سوى "مجمع التحرير" في سنة (1951).
3/ تخطيط سيد كريم
في سنة (1953) وضع المهندس المعماري "سيد كريم" أحد منسوبي ثورة يوليو تصميما وتخطيطا جديدا للميدان يتضمن إعادة تصميم منطقة ثكنات قصر النيل وبناء فندق ضخم في موقعها.
كما كان تخطيطه يتضمن هدما للمتحف المصري واستبداله بمبنى متعدد المستويات يكون الرمز الجديد للحضارة المصرية، بالإضافة إلى مبانٍ لوزارة الخارجية وهيئة الإذاعة والتلفزيون، نصب تذكاري للجندي المجهول، وسلسلة من التماثيل لقادة الثورة الناصرية.
التاريخ الثوري لميدان وشارع التحرير
ظل ميدان التحرير طوال (115) سنة رمزا للثورة المصرية في مختلف مراحلها، فقد شهد الميدان أول احتجاج ثوري في تاريخه سنة (1881) عندما تجمع فيه الزعيم "أحمد عرابي" وقواته ثم انطلقوا لقصر عابدين لمواجهة الخديوي "محمد توفيق".
كما خرجت من الميدان جموع المصريين الذين كانوا يطالبون بعودة "سعد باشا زغلول" زعيم ثورة 1919م بعد نفيه واثنين من رفاقه إلى "جزيرة مالطا".
ومن ميدان التحرير خرج الشعب المصري بعد هزيمة (1967) "رافضين" تنحي الرئيس "جمال عبد الناصر". ومنه أيضا خرج آلاف المصريين يطالبون الرئيس السادات بالحرب ضد قوات الاحتلال الصهيوني، ثم خرجوا إلى الميدان للاحتفال بنصر (1973).
كما كان الميدان المسرح الذي احتضن ثورة (25 يناير 2011) التي اسقطت نظام مبارك، وثورة (30 يونيو 2013) التي أبعدت جماعة "الإخوان المسلمين" من حكم مصر.
ميدان التحرير اليوم
اهتمت الحكومة المصرية الحالية بتطوير الميدان، وتحويله إلى "مزار سياحي" يحاكي عظمته عند نشئته الخديوية الأولى، وإبراز قيمته الحضارية.
فتم تزيين الميدان بـ “مسلة فرعونية" تنتمي لعصر الملك "رمسيس الثاني" أحد ملوك الأسرة الـ (19)، منحوتة من حجر الجرانيت الوري بطول (19) مترا، ووضع بجوارها تماثيل لـ (4) كباش تعد من رموز "الإله أمون" كانت تزين "معبد الكرنك" بالأقصر منذ آلاف السنين.
كما تم تزيين أيضا بمجموعة الإصلاحات التي تبرز جماله التاريخي والثوري للعالم.

المصادر
القاهرة في عصر إسماعيل/ لعرفة عبده علي
شوارع لها تاريخ/ لعباس الطرابيلي
القاهرة الخديوية/ لسهير زكي حواس
القاهرة شوارع وحكايات/ لحمدي أبو جليل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشدد مع الصين وتهاون مع إيران.. تساؤلات بشأن جدوى العقوبات ا


.. جرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى من عدة طوابق في شارع الجلاء




.. شاهد| اشتعال النيران في عربات قطار أونتاريو بكندا


.. استشهاد طفل فلسطيني جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد الصديق




.. بقيمة 95 مليار دولار.. الكونغرس يقر تشريعا بتقديم مساعدات عس