الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كى لا تبكى صورة الملاك الذى بداخلك

محمد السعدنى

2020 / 12 / 13
الادب والفن


قلت لك ذات مرة أن لكل منا قصة يرويها، لكن قصة اليوم رواها قبلنا عشرات ومئات وربما آلاف مضاعفة، فلماذا نرويها اليوم؟ انتظر وستعرف، لكن لا تسألنى عما إذا كانت حقيقية أو رمزية خيالية؟ فمثل هذه الأسئلة لا تستهوينى إجاباتها، فما يعنينى هو مغزى القصة ودلالاتها، وما يهمنى هو كيف تصل إلى وجدانك وكيف تحرك مشاعرك، وما قد توحيه لك من أفكار.
يحكى فى زمان بعيد، أن إمبراطوراً دعى فناناً تشكيلياً شهيراً ليرسم صورتين متقابلتين ومتناقضتين عند مدخل أكبر مركز روحي في البلاد، إحداهما صورة ملاك والأخرى صورة الشيطان، لرصد الاختلاف بين الفضيلة والرذيلة. لم ترق الفكرة للفنان، إذ هى فكرة بدائية باهتة، لكن ماذا عساه يقول، فالإمبراطور كان متحمساً ولا يقبل المراجعة. راح الرسام يبحث عن مصدر يستوحي منه إلهامه، وفى طريقه عثر على طفل بريء جميل تطل السكينة من وجهه المشرق وتلتمع عيناه ببحر من السعادة والألق. ذهب معه الى أهله واستأذنهم في استلهام صورة الملاك من خلال جلوس الطفل أمامه كل يوم حتى ينهي ذلك الرسم، مقابل مبلغ مالي. بعد شهر أصبحت الصورة جاهزة ومبهرة للناس، كما لم ترسم لوحة أروع منها في ذلك الزمان.
ثم شرع الرسام في البحث عن شخص آخر يستوحي منه صورة الشيطان. كان الرجل جاداً في الموضوع لذا بحث كثيراً، وطال بحثه لأكثر من أربعين عاماً، حتى أصبح الإمبراطور يخشى أن يموت الرسام قبل أن يستكمل التحفه التاريخية التى أرادها، لذلك أعلن عن جائزة كبرى ستمنح لأكثر الوجوه إثارة للرعب والبغض. وقد زار الفنان السجون والعيادات النفسية وأماكن المجرمين، لكنهم جميعاً كانوا بشراً و ليسوا شياطين. وذات مرة دلف الفنان إلى حانة قذرة، فإذا به يعثر على الشيطان الذى كان يبحث عنه. كان رجلاً سيء الطالع لو رأيته لملئت منه خوفاً ورعباً. كان يعب زجاجه خمر رديئة في زاوية ضيقه داخل الحانه.
اقترب منه الرسام وحدثه حول الموضوع، ووعد بإعطائه مبلغاً كبيراً من المال، فوافق الرجل. كان قبيح المنظر كريه الرائحة أصلع وله شعرات تنبت في وسط رأسه كأنها رءوس الشياطين! وكان عديم الروح ولا يأبه بشيء، أجش الصوت ذا فم لم يبق فيه من الأسنان إلا قليلا. فرح به الحاكم لأن العثور عليه سيتيح استكمال تحفته الفنية الغالية. جلس الرسام أمام الرجل يرسم ملامحه الشيطانية أياماً عديدة، وذات يوم التفت الفنان الى الشيطان الجالس أمامه وإذا بدموعه تسيل على خديه، فاستغرب الأمر وسأله إذا كان تعباً أو يريد أن يدخن أو يحتسي الخمر، فأجابه بصوت أقرب الى البكاء المختنق: الآن تذكرتك يا سيدى، فقد جلست أمامك منذ أكثر من أربعين عاماً لترسم صورتى حين كنت طفلاً صغيراً، واستلهمت من وجهي صورة ملاك، وأنت اليوم تستلهم مني صوره الشيطان. وانفجر باكياً وارتمى على كتف الفنان وهو يقول: لقد غيرتني الأيام والليالي حتى أصبحت نقيض ذاتي! هل هذا بسبب أفعالي وعصيانى، أم سوء طالعى وحظى العسر وقسوة الدنيا وتصاريف الزمن؟. وجلسا معا يبكيان أمام صورة الملاك وصورة الشيطان التى لم تكتمل. ربت الفنان على ظهر الرجل قائلاً: لا تلومنى ياصديقى، فأنا أرسم ما أراه وما تعكسه صورتك، أما أنت من تقرر بأفعالك وضميرك إن كانت الصورة لملاك أم لشيطان.
لعلك الآن فهمت، لكن لا تتسرع وتحسبها قصة "دكتور جيكل ومستر هايد» للمؤلف الاسكتلندي الشهير "روبرت لويس ستيفنسون" حيث يوجد بداخل الشخص الواحد أكثر من شخصية مختلفة، إحداهما طيبة، والأخرى شريرة، لذا يختلف توجُّهه الأخلاقي إختلافًا جذريًّا من موقف لآخر. وهى تختلف أيضاً عن "صورة دوريان جراى" للكاتب الأيرلندى الشهير أوسكار وايلد، وإن كانت قريبة المعنى منها حيث فتنة الشر ومتع الحياة الزائفة إذا ما تحكمت فى الفتى الطيب وأفسدت حياته ونهايته، فاحذر ولا تسمح لصورة الشيطان أن تكتمل، وكى لا تبكى يوماً صورة الملاك البرئ الذى لايزال بداخلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة