الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لسجن مذاق آخر أسامة الأشقر

رائد الحواري

2020 / 12 / 13
أوراق كتبت في وعن السجن


لسجن مذاق آخر
أسامة الأشقر
عندما تكون الفكرة المراد تقديمها صعبة على المتلقي، يتوجب على الكاتب أيجاد طرق/وسائل يسهل على المتلقي تناول الفكرة، وبما أن العنوان قاسي: "لسجن مذاق آخر"، فعلى الكاتب أن يضاعف تلك الوسائل والطرق، حتى يتمكن القارئ من التقدم من الكتاب.
كنت حذرا ومترددا في التقدم من الكتاب، لاعتقادي أنه يحمل مادة (ناشقة) متعبة ومرهقة، لكن بعد أن بدأ في الدخول إلى متن الكتاب، وجدت عالما آخر، فالطريقة السلسة التي استخدمها أسامة الأشقر" جعلت الكاتب سهل التناول وحتى ممتع، وهذا يعود إلى أن قسم الكتاب إلى فصول تتناول جانب معين في حياة الأسير، فبدا الكتاب وكأنه كتاب معرفي، يعرف القارئ عن الحياة الأسرى في سجون الاحتلال، مبينا النضال الويل الذي خاضوا حتى استطاعوا أن يحصوا على جزء صغير من حقوقهم كأسرى، ومن عنا جاءت أهمية الكتاب، تقديم مادة معرفية بطرقة وأسلوب ناعم وسلس.
في مقدمة الكتاب والذي سماه "المجهول" يوضح الكتب أنه آخر ما كان يفكر فيه الاعتقال، لأنه وضع الشهادة غاية أمامه: "لم يخطر ببالي شخصيا أن يتم اعتقالي، وقد أخذت كل احتياط أمني مطلوب، وقد وعت نفسي بالشهادة إذا حانت لحظة الاشتباك وجها لوجه، ...الاعتقال أشبه بالمجهول بالنسبة لي" ص27، والكاتب بهذه المقدمة أراد القول أنه لم يختر الاستسلام، بل المواجهة، لكن (القدر) جعله أسيرا بدل شهيدا.
وهذا ما وجدنا عندما وصف مشاعره بعد الأسر: "تمنيت أن تنشق الأرض وتبتلعني، لأني لا أحتمل أن أقف أمام هؤلاء القتلة دون قدرة على المواجهة، ولا أطيف تنفيذ أوامرهم والصمت على شتائمهم التي تنم عن خلق هابط وحقد عظيم" ص28، فلغة السرد "أنا" خففت من حدة القسوة على المتلقي، حيث شعر أن من يكلمه هو شخص حميم وقريب منه.
يلي الاعتقال يأتي "الترحيب/التحقيق" وهذا التسلل في تناول الفصول جعل الكتاب أقرب إلى السيرة الروائية، فهو مرتب ومتناسق في تقديم الأحداث، يحدثنا عن مكان التحقيق بقوله: "أزالوا العصبة عن عيوني... رائحة البطانية الكريهة، كل شيء هنا يدعو للكآبة والاحباط والشعور بالضيق... فالوقت في هذا القبر يسير بطيئا ويصعب حسابه" ص32، في مثل هذا الواقع لا بد من إيجاد (أداة/وسيلة) يدافع بها الأسير عن نفسه، ويدرأ العذاب العالق به: "...سلاحي الوحيد أيضا، أشغل نفسي فأعود بذكريات إلى الوراء، كم أنا مشتاق لطابون أمي وصوت أبي يقيم صلاة الفجر" ص35، الحرية، الماضي، ذكريات أمه وخبزها، ونداء الأب لصلاة الفجر، كانت الأداة التي استطاع بها أن يبعد شيئا من قسوة المكان والوقت والجلاد.
هذا على صعيد نفسي، أم على صعيد العقل والفكر: "أدركت مع الوقت أنه لا يجوز أن أظهر أي نقطة ضعف أو ألم أمام المحقق لأنه سوف يستغل ذلك" ص36، بهذا التحالف بين الذكريات والعقل استطاع الكاتب أن يصل إلى هذه النتيجة: "..فالزمن في خدمتي، فمهما طال هذا التحقيق فهو إلى نهاية" ص38، وبهذا استطاع أن يتجاوز التعذيب وضيق المكان وبطأ الوقت.
ينقلنا إلى وسيلة نقل الأسرى "البوسطة" فهي أحدى وسائل التعذيب التي يستخدمها المحتل ضد الأسرى: "...نشعر كأننا عائدون من سفر بعيد، مع أننا ما زلنا في بداية الرحلة، قد نقضي داخل العربة دون أن تبدأ الحركة ساعة أو ساعتان" ص45.
وبما أن هناك أسير، فهناك لاحق له، القيود/الكلبشات" وهي أداة مؤذية وموجعه للأسير: "فمنذ الحظة الأولى لاعتقالي اكتشفت أنني ممنوع من تحريك قدم... أم اليدين فللقيد النصيب الأكبر منهما،... وكان أصعب ما عانيت من تلك القيود، حين يتم تكبيلي بما يسمى الكلبشات البلاستيكية" ص49.
ويحدثنا عن الطعام في السجن: "هنا تأكل لتبقى لا لنتذوق" ص52، هذا ما قاله له زميل البرش.
أما عن العلاج في السجن فجاء تحت عنوان: "العلاج بالتعذيب" ، يقول عن (المؤسسة
)/الأشخاص المعنيين بالطب: " فطبيب السجن هو طبيب جزء من طاقم السجانين، وهو من أهم أدوات خطة تحطيم الأسير الفلسطيني،.. وكيرا ما شارك أطباء السجن باقي السجانين في ضرب الأسرى ورشهم الغاز" ص55.
وعن الإضراب وقمعه من قبل الاحتلال يقول في "القمعية": "...أثر البودرة الغازية ملتصقا بملابسنا لأيام ربما لأسابيع، نشعر كأن روحنا ستقتلع من حناجرنا من ضيق الشديد، أما من لامست هذه البودرة جسده فيشعر بحرقة شديدة كأنه نعرض للشوي وتظل معاناة الندوب وآثار الحروق لأسابيع، بل لأشهر لا يستطيع الأسير المصاب الاستحمام" ص69.
ويحدثنا عن "الزيارة" والمعاناة النفسية التي يتعرض لها الأسير وأهله، بقوله: "...أحرص أن لا تخرج مني كلمة تلقائية تشعرهم بالألم والعذاب الذي أعانيه....لكن هيهات هيهات أن تنطلي أي من هذه الحيل على أمي" ص72، ويحدثنا عن بقية الاسرى بقوله: "أشعر ببكاء أسير إلى جانبي، هذا ينظر أولاده الذين حرم من رعايتهم أطفالا، والآخر يرى أمه هدها الدهر، وبانت أيدي الزم على محياها، يراها لا تستطيع الوقوف، فتجلس على مقعد الإسمنت، وكانت في الماضي تجوب البيت وتفلح الأرض وترفد الطابون.
أحيانا من شدة إحساسي بالألم كانت قواي تخونني، وتختلط مشاعر الفرح بلحظة اللقاء ومشاعر الحزن والألم خاصة عندما تتحدث أمي بعفوية ودون قصد عن معاناتها وباقي أهالي الأسرى... وعن أم الأسير فلان يا حرام، رجعوها دون أن تزور، قالوا لها أن ابنها معاقب، تنهمر دموعي، ألمس الزجاج الذي يفصل بيني وبين أمي، تضع يدها على يدي من خلف الزجاج وتقبل الزجاج، آه ما أقسى لوعة الفراق وما أصعب أن يفصل بينك وبين من تحب سنتمترات قليلة... وعيونهم تنظر إلينا كأنها تقول لكل تاعل يا بني أخرج معي، يا الله لو أنني استطيع إخراجك من هنا، لو أنني أستطيع إنقاذك من هذه الجدران" ص 74و75، هذه المشاعر هي من تؤكد على إنسانية الفلسطيني وعدالة قضيته، وهو مثل كل إنسان تعرض للاحتلال، فوجب عليه المقاومة ورفع الظلم عنه وعن شعبه، فمن يمتلك هذه المشاعر وهذا التفكير لا يمكن أن يكون مجرما/إرهابيا/مخربا.
أما عن "الفقدان/الموت" يحدثنا عن أحد الأسرى الذي تعلق بابنته "فاطمة" عندما ارادوا أن يخبروه بموتها: "...وبمجرد أن رؤيتنا عرف أن بالأمر خبر غير سار، فسأل هل توفى أبي! فقلنا له لا، فقال أمي إذا!، قلنا لا أجلس لنتحدث، لكنه لم يستطع، وبدأ بالارتجاف والتعرق، بدأ أبو أحمد الحديث، سأله الأخ يحيى من الذي مات، عندها قال: أبو أحمد رحم الله فاطمة، ماذا! من! فاطمة! لا لا مستحيل من فاطمة! هذا مستحيل كل الدار ولا فاطمة...بقى الوالد بين بكائه وحسرته وألمه لأكثر من شهر، وهو في برشه (سريره) يبكي وغير مصدق لما يحدث" ص80و81.
أما عن العقوبة داخل السجن "العزل/مدافن الأحياء" فيقول عنها: "...وقد يتحول العزل إلى وسيلة للقتل البطيء" وهذه العبارة كافية لتبيان ما يعانيه الأسير في العزل من ألم وقهر ومرض نفسي وجسدي.
أما عن انجازات الأسرى "الإبداعات/(الإعجازات) فتتمثل في هذا القول: "...ويعتبر أدب السجون من أهم ما يفخر به الشعب الفلسطيني، وهناك من الأسرى من يكشف قدراته في الرسم أو النحت أو التصميم الفني" ص90.
ويحدثنا عن "العيد" داخل السجن وكيف يتعامل الأسرى مع العيد: "...والحلوى بحد ذاتها ليست الهدف، لكنها جزء مهم من مقاربات الأسرى لإضفاء الشعور بالعيد وإحساس بمشاركة الأسرى طقوس الهيد مع الأهل" ص94.
أما عن وسيلة الاتصال بالأهل والأصدقاء فجاء في عنوان "الهاتف المحمول/الجوال(الجحش): "... يتم تهريب جهاز الجوال بتفكيك أجزائ وإزالة غطائه وكل قطعة معدنية يمكن أن يكتشفها جهاز كشف المعادن، ...يبدأ العمل الشاق لتمديد الأسلاك وإحضار البطاريات ..حتى يصبح الجوال جاهز للعمل" ص96.
أما عن موعد "الإفراج" فيقول: "...وفي اليوم التالي يستعد الأسير للإفراج، وعندها يبلغ الأسر بذلك، وتصبح الثواني ساعات" ص107.
يتقوف الكاتب عن السرد، ويعطي المجال ل"منار" خطيبته لتسرد فصلا من فصول الكتاب، فتحدثنا عن الكاتب "أسامة" نفسه، لكن بلسانها هي وليس بصوته هو، وهذا الأمر يحسب لكاتب، الذي فضل أن يكون الحديث عن على لسان شخص آخر.
تخبرنا "منار" عن "أسامة" بقولها: " وقد أتقن ثلاث لغات، العبرية والانجليزية والفرنسية" ص116، وتحدثنا عن قرارها بالموافقة على الاقتران بشخص/أسامة محكوم بعدة مؤبدات بقولها: "...وصفني البعض بالمجنونة، وقالوا أني أرمي بنفسي إلى التهلكة، لكني أقول لهم أن حبي أسامة أكبر من السجن والسجان، إن السعادة التي أشعر بها وأنا أستمع لأسامة وهو يقرأ لي عبر الجوال مقالاته وأشعاره، وأحملها أنا إلى العالم، تكفينا عن كل أسباب السعادة المادية" ص120، اللافت أن "منار" تتحدث عن المتعة الروحية، والتي بنظرها أهم من المادية/الجسدية، فتبدو وكأنها قديسة تنظر الجنة ولا تتطلع إلى الحياة الدنيا، هكذا هي المرأة الفلسطينية، فأي امرأة هذه التي تفكر بهذه العقلية وتقدم على هذا العمل الخارق؟.
يختم "أسامة" كتابة بكراس "حروب الظل" والذي يتحدث فيه عن تجنيد الجواسيس، ومن يقرأ هذا الكراس، يوقن أن نهاية العميل مزرية، فإما القتل أو العيش على عار الخيانة.
الكتاب من منشورات اتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2020.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام فرنسي: اعتقال مقتحم القنصلية الإيرانية في باريس


.. إعلام فرنسي: اعتقال الرجل المتحصن داخل القنصلية الإيرانية في




.. فيتو أميركي ضد مشروع قرار منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في


.. بن غفير: عقوبة الإعدام للمخربين هي الحل الأمثل لمشكلة اكتظاظ




.. تاريخ من المطالبات بالاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في ا