الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البورتريت الأخير لنيلسون مانديلا

قحطان المعموري

2020 / 12 / 15
الادب والفن


إلتُقِطِتْ هذه الصورة عام 2011 ، كجزء من سلسلةِ صورٍ استثنائية عن جنوبِ إفريقيا ، إبتداءاً من ديزموند توتو( كبير الأساقفة) وإنتهاءاً بـأف دبليو دي كليرك ( آخر رئيس أبيض لجنوب أفريقيا). لقد كانَ مانديلا هو الملهِم لهذا المشروع الذي أسْمّيتَهُ ( 21 رمزًا) لكنه لم يوافق على المشاركةِ فيهِ حتى بعدَ تنفيذه. لازلت أتذكّر اليوم الذي تلقّيت فيهِ مكالمةً هاتفية. كنتُ حِينها أقودُ السيارةَ عائداً إلى المنزلِ من جبلِ تيبل في كيب تاون ، بعد أن اصطحبت كلابي للجري. كان مانديلا قد شاهدَ صُورَ دي كليرك وتوتو ، حينها أبدى رغبتهَ بالتصويرِأيضاً. اتَصَلتْ بيَّ زوجتهُ السابقة ويني مانديلا ، نيابةٍ عنهُ. اعتَقدتُ في بادىء الأمرِ انَّ المكالمةَ كانتْ مِنْ صديقةٍ ما تَودُ المزاحَ معي حيث بدا لي الموضوع وكأنهُ أشبه بسرياليةٍ جميلةٍ .
لم يتمَ تصوير مانديلا و لسنواتٍ عديدةٍ. بَدأتُ بتوثيقِ ما قدْ يكون سنواته الأخيرة ، حيث صَوّرت حياةَ افراد الأسرة ومناسبات أعياد ميلادهم . كنتُ قريباً لهم وبشكلٍ لا يُصدّقْ. بالنسبةِ للصورةِ النهائية ، التي كانتْ ضِمنَ مشروع ( 21 رمزاً) ، كنت أعرف بالضبطِ الطريقةَ التي سألتقط فيها صورةً له. في هذه الطريقة ، كُنتُ أرغب بإستخدامِ المرآة ، مذ كنت أحلم بالمشروع في مطبخي المنزلي عام 2009. كان مانديلا في التسعينِ من عمرهِ ، وكان جسده هزيلاً. إنتظرنا لمدةِ عشرة أيامٍ ، في منزلهِ في (إيسترن كيب) لكي يكون بوضعٍ صحيٍ جيدٍ يمكّنهُ من الجلوسِ لغرضِ التصويرِ. لم يكن مريضا جداً، لكن ملامح الضعف والهزال كانت واضحة عليه ،عندها قررت الاستعانة بالمرآة لتصويره.
كنت متوتراً جداً. لم تكن بالنسبةِ لي صورة مُعقّدة ، لكنّ الإعداد لها كانَ كثير التعقيد . كان مانديلا يطلقُ النكاتَ بينَ الحينِ والآخر مع الفريق ومعي شخصياً بحيث جعلَ جميع منْ في الغرفةِ يشعرُ بالراحةِ والأطمئنانِ . تلك كانت هديتهُ. كانَ بإمكانهِ دائماً نشر الإبتسامة على وجوهِ الناس ، وأن يجعلك تشعر بأنك كنت الشخص المميّزفي المكان وبين المدعوين . كان مجرّد رجل مُسن وبسيط لكنه في ذات الوقت جميل ، و في الواقع كان قائدا و أباً لشعبٍ كبيرٍ، وثوري من الطراز الرفيع ، وحائزعلى جائزة نوبل للسلام.
انتهى الأمر بهذه الصورة إلى أن تكون آخر ما تم التقاطه لمانديلا. لقد تم نشرها في ستين ألف صحيفة في أنحاء العالم ، وتم مشاركتها مع ما يقرب من مليار شخص، كما حطّمت الرقم القياسي لأكثر الصور مبيعاً في جنوب إفريقيا وذهبت عوائدها الى الأعمال الخيرية ، إضافة الى أنها ساهمت في شهرة مشروع (21 رمزاً ) وتألقه عالمياً.
لازلتُ أتذكّر عندما شاهدته مع حفيدهِ وهو يشاركه حفلة عيد ميلاده . كانَ الطفلُ الصغيرَ ذو الجسد الممتلئ ، يجلس على ركبتيه وهو يسحبُ الكعكةَ من فمِ مانديلا. في ذلك الوقت ،كان مانديلا يبلغ من العمر خمسة وتسعين عامًا وحينها كانَ يرفض مكالمات هاتفية من توني بلير وشخصيات سياسية وحكومية أخرى من مختلف المستويات . لقد ركّز بالكامل على هذا الطفل الصغير البالغ من العمر أربع سنوات .
لا يوجد بلد آخر في العالم يسمح لك الناس فيه بدخولك إلى وطنهم بالطريقة التي قام بها مانديلا . هل يمكنك تخّيل محاولة القيام بذلك في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة ؟ لكن مانديلا كان رجلاً ذا شخصية وواثقاً من نفسه. لقد قال لي : " لقد وقفت على أكتاف العمالقة " ، مضيفاً "معاً نكون أفضل " . بالنسبة لي وأنا الذي ولدت في أستراليا، فأن أكثر الكلمات التي تعلمتّها بعد إثني عشرعاماً من العيش في أفريقيا هي (الجماعية ) ، ليس لدينا شيء بدون الروح الجماعية في المجتمع . يمكنك أن تضعَ اليوم على الإنترنيت ما تريد من الهاشتاكات ، لكن ذلك لا يخلق مجتمعاً حقيقياً تسودهُ الروح الجماعية . إن المجتمع الحقيقي يأتي من العملِ الجماعي الذي يعزّز روح المواطنة الحقيقية و يخلق قيّم التعايش المشترك . لم يَكُنْ لدى مانديلا حساباً على الفيسبوك وانستغرام أو غيرها من وسائل التواصل الإجتماعي كما هو الحال لدى رؤساء العالم اليوم ، لكنه إستطاع أن يبني بلداً وشعباً جديداً ومختلفاً

الموضوع مترجم إلكترونياً








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير