الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطاقة الإيجابية / بين العقد الاجتماعي والاستعمار والاجتهاد ...

مروان صباح

2020 / 12 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


/ ثمة على الشاطئ المقابل من العالم شعوب أخرى ، هي أكثر عدداً وأوسع انتشاراً ويطلق عليهم بنصف فقراء العالم ، يعيشون في خمسة دول وفي مقدمتهم بالطبع الهند ، وعلى الرغم من النمو الاقتصادي التى اعتمدته حكومة نيودلهي من خلال تكثيف العمل من أجل تشغيل أكبر عدد من الناس ، إلا أن نصف الشعب مازال الفقر يطحن بهم والأغلبية محرومين من الكهرباء ، وعلى مرّ العصور ، كان ومازال الفساد في الدول الفاسدة يعتبر مجهول النسب ، بل عدم الإعتراف بالمسؤولية عنه ، جعلته ينتقل من المفسدة الفردية إلى ظاهرة شعبية ومن ثم تحول إلى منظومة بنيوية من الصعب معالجته ، لأنه بات يشبه عالم الدعارة ، فعندما تكون الدولة أقل فساداً ، تكون أعمار المومسات بها لا تقل عن الثلاثين عاماً ، أما عندما يتحول الفساد إلى ظاهرة ، يصبح الطفل فاسد وانتهازي بالفطرة ، كما هو حال العالم الثالث ، فهذه المجتمعات لا تبالي بالعلم والاختراعات لأنها مشغولة بالاختلاسات .

وهنا بالتأكيد ، لم يكن للأستاذ الهندي قبل سماعه قرار لجنة التحكيم أن يتنبأ بثقل الفوز عليه شخصياً ، لكن رانيجيتسينة ديسال ، ها هو يلقن البشرية جمعاء درساً في المثالية والأخلاق والإنسانية قبل أن تستدرجه شهوة المال وتُقيضه أحلام قلاع التفكير بالذات التى عادةً تستطيب تقيد النفس فيها ، تحديداً لحظة فوزه بالمليون دولار أمريكي ، فالأستاذ الذي وقعَّ عليه إختيار التدريس في مدرسة واقعة بقرية منسية ، فاز بجائزة المعلم الأكثر تميزاً ، متقدماً على 12 ألف مرشح آخر ، بالطبع لم تختاره لجنة التحكيم فقط على دوره لانتشال فتيات القرية من الجهل ودفعهم إلى التعليم ، بل قبل الإشارة إلى الشيء الأهم ، عندما فاز بالجائزة لم يتردد للحظة واحدة بالتنازل عن نصفها لصالح من تبقى في التصفيات النهائية ، الأشخاص التسعة ، بالتأكيد ودون مواربة ، فالرجل أستطاع معالجة طاعون العقلي وليس الهوائي ، ومن خلال الطاقة الإيجابية ( الفيزيائية ) ، صنع التغير بقوته الذاتية ، وبالتالي كأنه يقول للعالم ، التعويل على الذات شرط لامتلاك فن العيش ، بل مجرد دخوله إلى منطقة لغتها تختلف عن لغته ، قرر أن يمضي وقتاً مكثفاً بتعلمها لكي يباشر في ترجمة المناهج التعليمية ، فالمسألة ليست بلعابرة وتحتاج إلى وقفة معمقة ، بل كأن أستاذ المدرسة كان قد قرأ يوماً ما المقولة إياها ، هي كثيرة التداول عالمياً ، وربما جعلها دستور لحياته ، تقول المقولة ( أريد الحصول على القوة لكي أتحمل ما لا أستطيع تبديله ، والجراءة لتغير ما يمكن تغيره ، وأرغب إمتلاك الحكمة لأتمكن من التميّز أحدهما عن الآخر ) .

الأغلبية تميل لعدم تغيير الأشياء القائمة ، بل تميل بشكل واضح إلى تحملها واحتوائها كما هي ، إذن من أين جاء بكل هذه الطاقة الإيجابية في بلد يُصنف بمجمع الفقراء ، ولأن الطاقة الإيجابية ساهمت في تنمية شخصيته ، فلم تعد المسألة لديه مجرد مقتصرةً على فهمه لمآساة الهند أو لأنه تقبلها ، بل أستطاع قبل كل ذلك صناعة المصالحة الذاتية مع النفس ، وإعادة التوازن بينه وبين المجتمع الذي يجهل إلى أين ذهاب ، وربما هذه المصالحة سهلت له الاستفاقة من وحل الأحكام التى يصدرها الناس مسبقاً على بعضهم البعض ، وعلى نحو آخر ، عندما أفكر ، أفكر بصراحة بأكثر رأفةً ، أكاد أذهب بإحساسي الخاص إلى أبعد الانفعال والتعاسة ، فعندما راجعت بحث علمي كانت جامعة مينيسوتا قررت التنبيش وراء الجراثيم التى تحملها شعوب جنوب أسيا أو جنوب شرق آسيا ، فهؤلاء مجرد دخولهم للولايات المتحدة الأمريكية يفقدونها ، في المقابل يحصلون على أخرى ، وكلما طالت إقامتهم قلة الكائنات الدقيقة ، فالبعض أحال ذلك لتغير النظام الغذائي والدوائي والهوائي ، إذنً أستاذ المدرسة النائية لم يحصل فقد على إعتراف عالمي ، بل فضح النظام الهندي أمام البشرية ، عندما أستطاع بمفرده إحداث تغير تعليمي وتفكيري في قرية واحدة وذاع صيتها بفضله ، في المقابل ، وقف النظام بأدواته جميعها مكتوف الأيدي بوجه الفساد المستشري في كافة المستويات ، وهنا يسجل ديسال قدرته على رفضه للتأقلم مع قانون المستبد ، بل تصالح مع الرياح التى جعلته يمتطيها ، ليغير الأقدار .

صحيح ايضاً ، أن الاقتداء العقلي المأمون ليس بالطبع من خصال السياسيين ، كانت الهند والدول الأربعة الأكثر فقراً ، يحيلون تأخرهم إلى سياسات المستعمر ، لكن بعد خروجه ، الحال بقى على ما هو بل تحولت البلدان إلى أسوأ ، لأن فكرة الاستعمار قامت على ( نحن والآخرون ) ، وبالتالي أستطاع الاستعمار الحديث صنع نسيج متداخل ، ويبدو طويل الأمد ، بالفعل ترسخت الرؤى الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية ومن أهم هذه الترسيخات ، التفوق العرقي ، لقد ترسخ مفهوم بين هذه الشعوب ، بأن بالفطرة الطبيعية ، هم أقل مكانةً من الإنسان الأبيض وهذه الفلسفة كان الفليسوف كانط أسهم في دعم ركائزها .

ومخالفاً للمثل الشائع شعبياً والمتجذر في أدبيات العرب والقائل ( أذكروا محاسن الموتى ) ، وهنا المغاير هو الفارق بين أشخاص لم يتركوا سوى ثرثرات على هامش مقهى في طرف شارع ما ، وآخرون خلفوا وراءهم أفكار قابلة للنقد ، إذن ، حتى نظرية العقد الاجتماعي التى وضعت من قبل الثلاثي هوبز / ولوك / وروسو ، وعلى الرغم من سمعتها الحسنة ، إلا أن محتواها لم يخلو من العنصرية الصريحة ، وفي المقام الأول ، لقد تم إنتاجها فقط مِّن أشخاص من اللون الأبيض ، وبوضوح شديد أشارت على ضرورة إهمال وعزل كل شخص من غير européen1 حسب تصنيف الاثنوغرافيا اليونانية الرومانية ، قديماً ، وبالتالي عندما يفوز هندي بجائزة بالمعلم الأكثر تميزاً ، فهو يقرع قبور مؤسسين العقد الاجتماعي وتحديداً قبر كانط وايضاً جميع من تعاقبوا على حكم الهند ، من أجل أسماعهم حقيقة لا تقبل التأويل أو التفاوض أو التضليل ، بأن الطاقة الإيجابية ليست مقتصرة على لون معين ، بل متاحةُ لكل مجتهد أيا كان عرقه ، ولأن أيضاً القوة ليست مرادف للقسوة بقدر أن القوة تكمن في القلب ، ومهما توالت المأسي عليه ، يبقى القلب السليم قادر على العطاء . والسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي