الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


. الشريعة والسيادة وحقوق الإنسان ج1

لطيف شاكر

2020 / 12 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


حدّدت الأمم المتّحدة المعيار الدولي لحقوق الإنسان الأساسية عبر اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 ثمّ ‎العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية‏‏ والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العام 1966.
وفي عام 1990 كان اعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام الذي كان مجموعة من الحقوق المستوحاة من القيم الإسلامية المحافِظة والشريعة وضمّت منظّمة التعاون الإسلامي في هذه الوثيقة الكثير من الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكنّها أهملت حقوق غير المسلمين. علاوة على ذلك، استعانت المنظّمة بلغة الشريعة . وبعد اعتماد إعلان القاهرة، زعم ناشطون حقوقيون في الغرب وبعض الناشطين في العالم المسلم أنّ هذا الإعلان يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
انضمّت الدول المسلمة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصادق عدد كبير منها على هذه المواثيق، لكن غالباً مع تحفّظات مرتكزة على الشريعة لكن في الستّينيات والسبعينيات تغيّرت الأوضاع. فقد زادت خيبةُ أمل العالم المسلم من الخطاب العالمي حول الحرّيات العالمية بسبب تسييس حقوق الإنسان في خلال الحرب الباردة وفشل القانون الدولي في تحقيق الإنجازات بشأن مسائل تحظى بأولوية لدى المسلمين،
من وجهة نظر دولية، أثارت منظّمة التعاون الإسلامي الجدل لأنّ إعلان القاهرة ادّعى الالتزام بالشريعة. فقد ورد في المقدمّة أنّ “الحقوق الأساسية والحرّيات العامة في الإسلام جزء من دين المسلمين” وأنّ هذه الحقوق “أحكام إلهية تكليفية” أُنزِلت على النبي محمّد في القرآن. وتبرز محورية الشريعة بوضوح في موادّ الإعلان. فتنصّ المادّة 22 على أنّ “لكلّ إنسان الحقّ في التعبير بحرّية عن رأيه بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية”، فيما تؤكّد المادّة 12 أنّ “لكلّ إنسان الحقّ في إطار الشريعة في حرّية التنقل”، مع أنّ الإعلان لم يأتِ على ذكر حقّ كلّ امرأة. أخيراً، زادت المادّة 25 من طغيان الشريعة بالقول إنّ الشرع الإسلامي هو “المرجع الوحيد” لتفسير أو توضيح أيّ مادة من مواد هذه الوثيقة. ]
وأفضى هذا الاستعمال المختزل والخاطف للشريعة إلى عيوب مهمّة.
أوّلاً، لم يحدّد إعلان القاهرة ما يعنيه المصطلح. فنظراً إلى تنوّع الآراء حول الشريعة على مرّ الزمن وبين المذاهب الإسلامية وضمنها، من المستحيل معرفة ما هي الحقوق التي يحميها الإعلان.
ثانيا زد على ذلك أنّ اقتصار الحقوق على إطار من القيم مرتكزٍ على الشريعة سيُبطل هذه الحقوق بسبب شمولية الشرع الإسلامي. على سبيل المثال، تضمن المادّة 22 المذكورة أعلاه حقّ التعبير عن الرأي بحرّية طالما أنّه لا يتعارض مع مبادئ الشريعة. لكن ما دام الإسلام ديانةً ترعى كلّ ناحية من نواحي حياة المسلم، فهذا يعني أنّ حرّية التعبير عن الرأي ستكون محدودة في كلّ المجالات.
ثالثا علاوة على ذلك، لم توضّح منظّمة التعاون الإسلامي ما الذي يُشكّل مخالفةً بالضبط. كذلك، انتهكت عدّة موادّ في إعلان القاهرة القانونَ الدولي. فوضعت المادّة 10 غير المسلمين في مرتبة أدنى وحرّمت تغيير الدين إلى غير الإسلام. بالإضافة إلى ذلك، لم يعترف الإعلان بحقّ التجمّع وتأسيس الجمعيات أو حماية النساء من التمييز. وبالفعل، منحت المادّة 12 الحقّ بحرّية التنقّل حصراً للرجالفقط ، فيما اعتبرت المادّة 6 الرجل ربّ الأسرة.

المادة 10.
"لكلِّ إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحقُّ في أن تَنظر قضيتَه محكمةٌ مستقلَّةٌ ومحايدةٌ، نظرًا مُنصفًا وعلنيًّا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أيَّة تهمة جزائية تُوجَّه إليه".

لكنّ العيب الأفضح في إعلان القاهرة هو تمكين الدول على حساب الأفراد. ففي العالم الحديث، أدخلت حكومات الدول المسلمة، ولا سيّما السنّية منها، الشريعة بشكل متزايد في أنظمتها القضائية المحلّية وضمّنتها ضمن سلطتها. وبغياب جهاز دولي له كلمة الفصل حول تفسير الشرع الإسلامي، أحال إعلان القاهرة حقوق الإنسان إلى استنسابية الدول. وكان هذا خياراً متعمّداً اعتمدته منظّمة التعاون الإسلامي التي سعت إلى استغلال لغة الشريعة لحماية السيادة الوطنية.

وفي العام 2019، اعتمدت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا قراراً يعلن أنّ إعلان القاهرة والشريعة عموماً لا يتماشيان مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. علاوة على ذلك، طلب القرار من ثلاث دول أعضاء في مجلس أوروبا (ألبانيا وأذربيجان وتركيا)، وكلّها أعضاء في منظّمة التعاون الإسلامي، النأي بنفسها عن وثيقة العالم المُسلم.
والقول إنّ إعلان القاهرة وثيقة باطلة قول دقيق. فما من تشريع محلّي واحد في دول منظّمة التعاون الإسلامي يمكن نسبه إليه. وحتّى في الأمم المتّحدة، نادراً ما تذكره الدول الأعضاء في منظّمة التعاون الإسلامي أو يهمّها أن تشمله في استجاباتها المرتبطة بحقوق الإنسان. وتتجاهل مجموعات المناصرة المسلمة وحتّى بيروقراطيّو منظّمة التعاون الإسلامي هذه الوثيقة. مع ذلك، كانت قيمة إعلان القاهرة رمزية أكثر منها عملية، إذ سمحت للدول المسلمة أن تفرض صوتها في النقاشات العالمية حول حقوق الإنسان التي شعرت بأنّها مُبعدة عنها وخاضعة لها. في المقابل، يعكس ردّ الفعل الذي ولّده الإعلان عدمَ ارتياح المجتمع الدولي إزاء هذا الصوت. ويمكن تبرير قسم من عدم الارتياح هذا بالقلق الحقيقي حول حقوق الإنسان في العالم المسلم وقسم آخر في الترهيب من الإسلام
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة