الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المناصفة

محمد أبو قمر

2020 / 12 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لا أحد من المنظومة الدينية الحالية في إمكانه أن يقوم بعملية إصلاح حقيقية ، وإذا حاول أحدهم ، فإن هذه المحاولات سيتم الطعن فيها أو في أصحابها ، أو يتم إهمالها وتعمد إزاحتها من الذاكرة ، أو يجري اتهامها بالتجديف والخروج عن إجماع العلماء كما حدث مع محاولات الأفذاذ أمثال رفاعة الطهطاوي والشيخ محمد عبده والشيخ علي عبد الرازق وغيرهم.
ولا أظن أن التنوير يمكن إحداثه بذات الطريقة التي حدث بها في أوروبا لأسباب عديدة يعرفها أساتذتنا المهمومين بقضايانا المصيرية ، ، وحتي أختصر الكلام ولا أفتي فيما أعلم فإنني فقط أريد الإشارة إلي تلك المناصفة التي حدثت في السبعينيات من القرن الماضي بين السلطة السياسية والسلطة الدينية ، فحينذاك وعلي إثر الاتفاق الذي حدث بين السادات والإسلام السياسي وما تبعه من تغيير للدستور وفتح الباب علي مصراعيه لمؤامرة الصحوة التي دبرتها المخابرات المركزية مع السعودية انشطرت مصر إلي نصفين ، الأمور السيادية اختصت بها السلطة السياسية ، أما عقل الأمة المصرية وضميرها ووعيها وأنساقها الاجتماعية والأخلاقية هيمن عليها رجال الدين علي اختلاف مذاهبهم ، وأعتقد أن هذه المناصفة سارية حتي الآن ، بل يمكن ملاحظة أن القانون المفترض أنه من اختصاص السلطة السياسية كمفصل سيادي تنظم الدولة به شئون المجتمع وتحدث به التوازن الذي يحقق المساواة والسلام الاجتماعي يمكنك ملاحظة أنه صار منفيا بفعل الفتاوي التي طالت أحيانا أرواح البعض ، ناهيك عن آثارها المدمرة علي مفهوم المواطنة وعلي حرية الفكر والنقد والإبداع.
وأظن أن الكلام عن إصلاح الخطاب الديني في ظل هذه المناصفة التي صارت المنظومة الدينية بموجبها سلطة موازية لسلطة الدولة لها نظام تعليمي مختلف ، ومناهج لا تتآلف مع أي خطة تعليمية للدولة ، ولها تركيبة مؤسسية تختلف عن التركيبة المؤسسية والهيئاتية للدولة ، وتصدر خطابا ليس بينه وبين الأهداف القومية الشاملة أي نوع من التناغم أو الارتباط ، أظن أن الكلام عن الإصلاح في ظل هذه الحقائق محض أوهام .
الأمل الوحيد في ظني هو في إعادة توحيد الدولة مثلما فعل الملك العظيم مينا ، أي في إنهاء هذه المناصفة ، بحيث تكون السلطات السيادية وعقل الأمة وضميرها ووعيها في قبضة الدولة بشرط أن يكون ذلك مبنيا علي هدف إخراج المجتمع المصري من أزمته الحضارية وفتح الطريق أمامه لبناء دولته الحديثة المؤهلة للمشاركة الفاعلة في مسيرة الحضارة الإنسانية.
أنا لا أعرف كيف تتم عملية إنهاء هذه المناصفة ، لكنني أدرك أن هذه القسمة التي أضرت بالمجتمع المصري وشوهت معارفه وضيعت الطريق تحت أقدامه حدثت حين تم العبث بالدستور لأغراض سياسية خالية من النبل ووفقا لحسابات غاية في الحماقة الأمر الذي أفسح المجال لمؤامرة حقيرة استهدفت إخراج الوعي المصري من التاريخ ، وهكذا فإنه ربما يكون الدستور هو المدخل الأول لإجراء عملية الإصلاح ، ومن ثم تكون فرص عمليات التنوير أكثر رحابة وأكثر فاعلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة