الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجربة هولندا في توقيع ميثاق مملكة الاراضي المنخفضة

فراس حاتم

2020 / 12 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لكل بلد لها تاريخ في الوصول الى بر الامان بعد عقود من الصراعات و الحروب الدموية التي تعصف بها فلا يمكن ان نصل الى مرحلة السلام و الازدهار دون المرور في عقود من الصراعات و الحروب التي تزهق فيها الارواح و تسفك الدماء التي يكون فيها الحجر و البشر قد وصلا الى الدمار و هنا هولندا هي نموذج فريد بعد عقود من الصراعات و الحروب حيث هذا البلد الذي عاني من حرب المئة عام و حروب نابوليون و غيرها الى جانب الحربين العالمية الاولى و الثانية و ما ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها حتى استيقظ الجميع على الدمار في كل مكان و في كل نفس و الانقاض تملا الشوارع و الفقر يداهم حياة المواطن البسيط اليومية و قوتهم و منهم هولندا التي كان الجوع و الفقر يداهمها و حرمان اهلها من ابسط مقومات العيش حتى كانت هناك شائعات في الحرب و مابعدها بانها مهددة بالغرق كونها الاراضي المنخفضة بعد ما كانت هولندا واحدة من الدول الرائدة في اوروبا كونها ملكية دستورية و ديمقراطية منذ عام 1815 غير عن كونها بلد الاختراعات و الابتكارات الى جانب ازدهارها الاقتصادي سواء في مستعمراتها الخارجية ام على اراضيها في ميناء امستردام و روتردام و قبلها التي تاسست بعد الحروب النابوليونية كمملكة دستورية قبل ان تكون جمهورية ثم انفصلت عن مملكة بلجيكا التي في اعقاب هزيمة نابوليون في واترلو هناك و ما اعقبها من اضطرابات في 1815 حتى العالمية الثانية و اثناء خطاب الملكة ويلهلمينا عام 1942 حول اعادة النظر في علاقة مملكة هولندا مع اقاليم ماوراء البحار التي هي أروبا، كوراساو، وسانت مارتن في الكاريبي وهولندا التي هي الجزء الاكبر في اوروبا لكن مع وضع الحرب اوزارها و تنازل الملكة ويلهلمينا لصالح الملكة جوليانا ليبدا عهد جديد في المصالحة الهولندية بعد مفاوضات شاقة للوصول الى اتفاق سياسي في 15 ديسمبر 1954 على اعطاء حكما ذاتيا بصلاحيات اوسع للاقاليم الهولندية في اوروبا او عبر البحار لتسمى مملكة الاراضي المنخفضة . لو تعمقنا في التاريخ لراينا ان هذا الاتفاق انهى عمليا سبب ضعف المملكة الهولندية الذي جعلها عرضة للتقهقر امام الغزوات اي بمعنى اخر اي انه لا يتم العودة الى الازدهار في المملكة قبل حل هذه العقدة المستعصية من جذورها و لسنين طويلة كانت هولندا متكونة من اقليمان شمالي و جنوبي و كل منهما 12 مقاطعة و كل مقاطعة لها خصوصية ثقافية و دينية و عرقية مختلفة عن الاخرى و في تلك الفترات كانت الصراعات على اشدها في القارة و سببا في حربين عالميتين مدمرتين قضت الاخضر و اليابس فكان لابد ان تكون عملية اعادة الاعمار تبدأ بالانسان ثم تنتهي بالبنيان من اجل دولة قوية و طبعا البداية هي من الدستور الذي يكفل الحق للجميع في الحرية و تقرير مصيرهم و هذا كان سببا رئيسيا في اعادة بناء هولندا و اوروبا اجمع التي كانت نقطة البداية لان الانسان هو العنصر و المكون الاول فيه و الهدف الذي يعمل الجميع من اجله و هنا كان من المفروض الوصول الى اتفاق سياسي يكون سببا في تغيير هولندا ليس فقط اسما و التي تعرف بمملكة الاراضي المنخفضة بل مضمونا الذي كان له تاثيرات عدة منها :
1- تاثير سياسي : الذي جعل هذا التاثير مهم في ان جميع شعوب مملكة هولندا سواء على الاراضي الاوروبية في اقاليم ما وراء البحار لهم الحق في الترشيح و التصويت و حرية التعبير و احترام حقوقهم المشروعة كمواطنين هولنديين يكفل ذلك لهم القانون و الدستور الهولنديين الذي يضمن حمايتها التاج الملكي الهولندي مع احترام خصوصياتهم الثقافية و العرقية و الدينية من خلال احترام اللامركزية و الحكم الذاتي اي تطوير العلاقة بين المركز و الاقليم و حق تقرير مصيرهم ان ارادوا الاستقلال عن التاج الهولندي .
2- تاثير اقتصادي : طبعا كما نعرف هولندا كانت بلد عظيمة تجاريا سواء من خلال مستعمراتها من دورها الاوروبي لكن كان يجب تصحيح العلاقة مع الاقاليم و تعزيز التجارة الداخلية و الخارجية فيها من اجل عودة اقتصادية مزدهرة لهولندا التي تحدها من الشرق و الشمال الشرقي المانيا و و الجنوب بلجيكا و من الشمال و الغرب بحر الشمال و المملكة المتحدة بالاضافة الى الاقاليم التي تطل على عدة دول لاتينية في بحر الكاريبي التي لطالما كانت بوابة تجارية مهمة لاستيراد و تصدير المنتجات الصناعية و الزراعية الهولندية و التي عجلت بعودة عجلة الازدهار الاقتصادي الى هولندا مرة اخرى كقوة اقتصادية كبرى .
3- تاثير اجتماعي : ضمن هذا الاتفاق مساواة بين كل الهولنديين المعروفين كونهم شعب متواضع و متسامح من اجل عهد اجتماعي جديد و فتح مجال امام مصالحة مجتمعية هولندية على اساس الاحترام لكل القيم و العقائد في البلاد و جعل مصلحة هولندا هي الاعلى و فوق كل اعتبار .
4-تاثير ثقافي : ضمن كل اطياف الشعب الهولندي حقا ثقافيا في الدستور على اختلاف توجهاتهم الثقافية و الدينية و العرقية على اعتبار لغاتهم هي لغات اساسية و محلية في البلاد من خلال المسرح و الموسيقى و الصحف و المطبوعات مع ضمان اللغة الهولندية هي اللغة الاولى في البلاد و لغة الدولة الرسمية بجانب اللغات المحلية الامر الذي جعل هولندا منارة ثقافية تنفض غبار الحرب .
و هذا الاتفاق الذي كان سببا في تغيير جذري و علاج ناجع للازمة الهولندية التي ما ان وقع الاتفاق حتى هبت رياح الحرية في البلاد التي ادت بدورها الى عودة دوران الطواحين في ليدن و اشعاع النور في عاصمتها الاقتصادية امستردام و ازدحام السفن في روتردام و اختيار العاصمة السياسية لاهاي كمركز لمحكمة العدل الدولية التي بالفعل تستحق ان تكون عاصمة العدالة العالمية بجدارة لما اعطت الحق لكل ذي حق من دون ظلم و لا اعتداء بل بحب ووفاء القائم على احترام حقوق الانسان الهولندي مهما كان فكره و معتقده لانه في هولندا وطن حر يسع للجميع من دون تمييز فهل هذه التجربة هي نبراسا لنا في دولنا العربية و لاسيما العراق يكون وطننا للجميع من دون تمييز و المصلحة فيه فوق اي اعتبار بالرغم من ان فكرة الحكم الاتحادي هي فكرة سومرية اساسا و قبل كل شيء لانها من انجح انواع الحكم ام لازلنا ابعد ما يكون لتطبيق هكذا تجارب فلو نتخيل تطبيقها كيف سيكون عراق المستقبل ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد