الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظروف إشكالية معقدة تجابه التعليم والتلامذة خارج أسوار المدارس!

تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)

2020 / 12 / 17
التربية والتعليم والبحث العلمي


ليست كورونا بكل آثارها هي مشكلة التعليم أو معضلته، فكورونا عقدة ظهرت هذا العام لتلقي بأحمالها على كاهل مجتمع يغص بمعضلاته ليكون التعليم من أبرز ضحايا مشكلاته و-أو أمراضه العضال التي تفشّت على خلفية سطوة نظام كليبتوفاشي على نظام ما بعد 2003..
إن طلبة البلاد يئنون من عدم توافر المباني ومرفقاتها؛ لعدم وجود موازنات كافية وللفساد المستشري الذي أفشل أية مشروعات للبناء والإعمار وبقيت مدرسة من بين كل اثنتين متضررة كلياً أو جزئيا وغير صالحة للاستخدام.. فيما تغص المتبقية بنظام تعدد الدوام ضاغطة على طابع برامج المدارس وسلامة تلبيتها...
مشكلات الوصول إلى المتوافر من تلك الأبنية (المدرسية) قطعت الطريق أولا على الإناث وألقت بهنّ خارج المدرسة فيما أوقعت التلامذة الآخرين بعقبات جمة استنزفت فرصهم الفعلية للتعلّم...
المشكلات الأعنف هي تخريب الأبنية في الصراعات الدموية مع قوى الإرهاب وبين الهدم الكلي وتخريب بعض مرافق تلك الأبنية نجد الحرب نفسها قد دفعت إلى النزوح الداخلي والتهجير القسري الأمر الذي أوقع ملايين الأطفال بشبح الأمية وقد أحصت اليونسيف ومنظمات رعاية الحقوق في المخيمات ما يتجاوز الـ3.2 مليون طفل عراقي بلا مقعد للتعليم نهائياً...!
إن البنية التحتية للتعليم بلا رصيد فعلي يتلاءم وحجم ما أصابها من خراب وحاجة تقابل النمو السكاني حتى بقيت من أخطر (الركائز البنيوية الأساس) بلا اهتمام استثماري مخصوص بخلفية سيادة العنف والانشغال بالصراعات الطائفية المفتعلة المصطنعة وتكبيل الاقتصاد بالتعطل وتوقف عجلته وإبقائه رهين الديون ومنطق الاقتصاد الريعي والاقتصار على كل ما ليس استثمارياً، ما يؤسس لكارثة تدمير المستقبل عن عمد وسبق إصرار...!
وهذا يساوي خروج 90% من أعمار السن المدرسي خارج التعليم بخاصة في المحافظات (المتضررة) بالإرهاب ولعبة احتلالها بالميليشيات بدل منحها فرص إعمار وبناء وتقدم منتظرة..
إن واقع وجود الملايين خارج أسوار الدراسة والتعلّم يعني ترك الأطفال على أرصفة العراء بلا رحمة حيث ابتزازهم بالتشغيل في أعمال محظور اشتغالهم فيها.. وتعريضهم للابتزاز بكل أشكاله ومنه الاستغلال الجنسي والاتجار ببهم وبأعضائهم بلا من يمنع عنهم لا تلك الجرائم ولا حتى سوء المعاملة وانعكاساتها السايكوسوسيولوجية على تكوين شخصياتهم بما يخضع للعنف وتجلياته، في التجنيد في الميليشيات التي تجد سوقها جاهزاً بهم...
أما داخل المدارس المكتظة بأطفال مُكرَهين على مختلف أشكال الممارسات السلبية التي شوهت البرامج الدراسية حيث فرض دروس ومقررات عن الموت والقتل وطقوس ما أنزل دينٌ بها من سلطان الجنائزيات والمقاتل لأطفال بعمر الزهور! دع عنك عدم إعداد المعلمات والمعلمين ووجود مستخدمين أميين يمارسون المهمة تسويقاً لبرامج دخيلة لا علاقة لها بالتعليم.. وطبعا مع نقص فادح في أعداد المعلمات والمعلمين أنفسهم...
ومع انعدام موازنة فعلية للتعليم ومع انتشار جرائم المخدرات والاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر ومع تركّز جرائم الاغتيال والتصفية التي طاولت المئات والآلاف تواصل النزيف بهروب التدريسي والتلميذ مذكرين هنا بمسيرة دموية فغيّبت حيوات مئات الأكاديميين والمحامين والقضاة والإعلاميين لتلحقها سياسة إغلاق ربما اضطراري الخلفية بخلفية كورونا إلا أن عشرة ملايين من التلامذة لا يجدون البديل الفعلي للمدرسة بوجود (بعض) الاتصال الألكتروني غير الممنهج...
إن حلا واقعيا ينبغي أن يأخذ بالحسبان حقيقة أن ترك التلامذة خارج مقاعد الدراسة قضية تعني اغتيال مستقبل مجتمع لا اقتصاديا سياسيا بل استيلاد قنبلة إرهابية موقوتة تهدد المجتمع البشري برمته بسبب من تحويلهم إلى سوق للمخدرات ولكل أوبئة جحيم العتمة والظلام وما يجري تحتها من تجنيد واستغلال من إرهاب مشرعن..
إن قضية حقوق الطفل والطفولة في العراق ستبقى واحدة من أخطر ما يجابه لا المجتمع العراقي بل المجتمع الإنساني برمته إذ أننا ينبغي أن نُعنى بتبعات ترك ملايين الأطفال بعيداً عن دروس تعليمهم وتربيتهم وصقل مساراتهم بموضوعية وعقل علمي المنهج والغاية...
إن مشكلة البناية المدرسية ليست وحدها إذن هي ما أودت بالتعليم في عراق كان الأول شرق أوسطيا وانتهى من الأمية ليعاود اليوم بنسبة أمية تستفحل وتستشري حتى باتت تخترق هيكل وجودنا بمستوى يشير لوجود معلم مشوه المعرفة يعاني من عثرات كفاءته ومهنيته..
ومشكلتنا ليست فقط بأن الأطفال بين ست سنوات إلى 17 سنة هم خارج أسوار مدارسهم بل في أنهم يضطرون لافتراش أرصفة الاستغلال وجائحة تطل عليهم برؤوس مختلفة من المعضلات المرضية الأخطر بأوبئتها فتفتك بمنظومة القيم وتحيلهم إلى أدوات سهلة التوجيه لكل ما يعادي أنسنة وجودنا..
لقد اقتطع الأجداد والآباء من لقمة عيشهم كي يعلّموا الأبناء، إناثاً وذكوراً وكان المعلم بأفضل مكان ومكانة مجتمعيا وكانت القيم بأسمى ما يحفظها ويديمها ويتقدم بها وكانت الأنشطة المدرسية مرعية لا من الدولة بل من المجتمع حتى وإن كان الناسس حُفاة فالعقل وبناء الإنسان جوهرة أساس لم يفرط بها مجتمع الأمس...
وايا كانت الظروف والمصاعب والمصائب فإن التعليم كان إلزامياً مجانياً وعيوبه كانت بحدود ليس بينها التسرب الجماعي المليوني للتلامذة! ولا إكراه ملايين أخرى على تعلّم مقررات لا علاقة لها بالمعارف والعلوم بل هي تعبير عن فرض رؤى جهلة على حساب التربية والتعليم..
إن الكارثة تبقى باستمرار كامنة في إرهاب الناس وإرعابهم لمنعهم من أي شكل يتصدى لعبث مقررات تنتهك طفولة التلامذة خدمة للامنطق التخلف وخطاب الخرافة والقدسيات الزائفة..
هبوا أيها الشعب الذي بدأت معه المدرسة وبنى مهد التراث الإنساني.. هبوا يا من كانت عاصمتكم مقصد الدارسين والباحثين عن العلم .. هبوا يا بنيتم أعرق الجامعات والمعاهد وأسستم لمناهج الفلسفة التنويرية.. هبوا لإنقاذ أطفالكم من عبث إلقائئهم على قارعة طريق وأرصفة تجهيل وحشوهم بالخرافة ليكونوا جنود مجموعات تسلّح أو اتجار بموبقات الفساد والجريمة...
أطفال العراق في مصيدة فليكن التعليم أهم مشروع من مشروعات التغيير ومطلبه الأعمق والأشمل..قدموا استراتجيات العمل وشروط تجنبه قوانين الفساد واستغلاله لقواه وبقواه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر