الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمات الإبداع في الجزيرة السورية

اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.

(Ishak Alkomi)

2020 / 12 / 17
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


وأولهم الشّعراء والشواعر في الجزيرة السّورية.إن الإحاطة بكلّ المشهد الشعري في الجزيرة السورية يُعد ضرباً من المحال والخيال لكننا سنسعى جاهدين لنرصد بدايات القرن العشرين ونمر بشكل سريع إلى رصد الحركة الشعرية في نهايات الأربعينيات من القرن المذكور وما بعد.إلا أننا وجدنا من الضرورة بمكان أن نذكر بعضاً من المبدعين الذين ينتسبون لهذه الأرض .فكان إن نتناول في مقدمة كتابنا (حركة الثقافية والإبداع في الجزيرة السورية ) مقتطفات وشذرات موجزة للثقافة القديمة التي سادت في مدارس الجزيرة قديما حتى نبني عليها للمشهد البانورامي لحركة الثقافية في القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين. ونعني بالثقافة القديمة،الثقافة السّريانية التي ازدهرت في مدرسة نصيبين حيث كانت أكاديمية سريانية ذاع صيتها وتخرجت منها أجيالاً من المعلمين والشعراء والكتبة والمفكرين وحين نقول بالسريان أي نعني الآراميين الذين استقروا بعد حياة البداوة والترحال إلى حياة حضرية مدينية وكان استقرارهم في القرن الثالث عشر قبل الميلاد نجدهم في مناطق الفرات الأوسط، وكانت هجرتهم إليها ثالث هجرة ساميّة كبرى أتت من الصّحراء
واستطاع أحد ملوكهم كابار أن يؤسس دولة قوية على أنقاض دولة الميتانيين، واتخذ مدينة غويزانا تل حلف عاصمة له وقد اكتشفه عالم الآثار الألماني البارون ماكس فون أوبنهايم سنة 1911 و 1927، كما أقام الآراميون ممالك لهم وإمارات، مثل إمارة فدان آرام النهرين أغلب أرض الجزيرة السورية الحالية، ومقرّها مدينة حرّان وغيرها من ممالك وقد انتشرت اللغة الآراميّة في البقعة التي تمد من شرقي البحر الأبيض المتوسط وحتى اليمن وعُمان والبحرين(د لمن) والعراق حتى شمالاً جبال زغاروس وولاية آمد( ديار بكر) وماردين والرها وأنطاكية وبعد أن دخل الآراميون المسيحية تسموا بالسريان للتفريق بين الحالة الوثنية والمسيحية وللسريانية لهجات كالهجة الشرقية (الآشورية) ولهجة الرها ولهجة أهل تدمر واللهجة الفلسطينية وغيرها وقد وصلت اللغة السريانية إلى الهند وأصبحت اللغة الرسمية للفرس في زمن ما وتمّ التأثر بها من قبل شعوب عدة أخذوا عن أبجديتها التي طورها الآراميون من خلال أولاد عمومتهم الفينيقيون على الساحل السوري وكانت قد تغلبت على اللغة الأكادية واستمرت السريانية لغة الدولة والعامة مع اللغة اليونانية حتى القرن السابع الميلادي حين زاحمتها اللغة العربية التي أصلها من اللغة الآرامية أو السريانية بدليل ماجاء في العقد الفريد لابن عبد ربه حيث يقول الرسول العربي لحسان بن ثابت أتجيد السريانية قال لا قال: اذهب وتعلمها لأنها لغة الملائكة. ويُقال ذهب وتعلمها في 17 يوماً. والسؤال ماذا تعلم منها لقد تعلم نحوها وصرفها لأنه كان يتحدث بها أصلاً ولأنها كانت اللغة لكلّ الشعوب التي تقطن البقعة التي ذكرناها سابقاً من شرقي البحر المتوسط إلى اليمن فالعراق موزوبوتاميا( مابين النهرين) جبال أرارات. .وهناك كتاباً هاماً للبطريرك مار يعقوب الثالث (تقارض اللغتين العربية والسريانية).الذي يبين حقيقة أن العربية هي من السريانية ولكن لابد أن نشير إلى أهمية المثقفين السريان في نقل العلوم اليونانية والهندية إلى اللغة العربية وخاصة في العصر العباسي الثاني حيث نقلوا الرياضيات والفلسفة والطب والهندسة والعلوم الفلكية والجغرافية والصيدلة وازدهرت الدراسات اليونانيّة في الأديرة والمدارس الكثيرة المنتشرة في الجزيرة ومن خلال معرفة السريان لليونانية نشأة حركة الترجمة من اليونانية إلى السريانية، ومن ثم نقلوها إلى العربية، وأهمّ ما ترجموه مؤلفات أرسطو، وأيساغوجي بروفيروس في المنطق ورسائل كثيرة لسقراط وفيثاغورث وكتب بقراط وجالينوس وديستوريدس، ولهم إسهامات لايمكن أن نمر عليها في الطب والفلك والهندسة والجغرافيا والشعر والأدب والرسائل واللاهوت دون الإشارة إليها وكان جلّ هؤلاء من الرّهبان الذين برعوا في العلوم كافة .وأهم فترة أزدهر فيها الأدب السّرياني كان في القرن السادس الميلادي،ومن جملة ما نشأ من ثقافة في رحاب الأديرة والأكاديميات كأكاديمية نصيبين التي منها الشاعر السرياني الكبير ما (القديس) أفرام النصيبيني التي لا تزال أشعار وقصائده نبراساً للشعر السرياني ومن الشعراء .وفّا الذي يُعد أقدم شاعر سرياني .وآحو دمي .وهناك شعراء كثر جئنا على ذكرهم في كتابنا القصور والقصوارنة .وقد نشأ كما قلنا الشعر في الأديرة المنتشرة عبر الجبال والسهول وكانت أغراضه دينية والتفكير بنهايات الإنسان بعد رحلته الأرضية كما ومنه من كان يدافع عن الفكر المسيحي أمام الهرطقات التي انتشرت وتكالبت على الفكر القويم، وكان الشعر السّرياني يرتل في الكنائس والأديرة (1) ، وأهم مراكز النهضة الفكرية والعلميّة والثقافيّة، مدارس الرها ونصيبين ورأس العين ودير قنسرين وطابان وجبل كوكب، وبعد صراع مرير بين الفرس والرومان على المنطقة التي تقع بها الأكاديمية النصيبينية السريانية تنازل الرّومان للفرس عن مدينة نصيبين 363م، فرحلت عنها الطبقة المثقفة، واستقر أكثر أفرادها في مدينة الرها (أورفا) اليوم، وأقاموا فيها مدرسة ذاع صيتها، واهتمت المدرسة الأخيرة بدراساتها اليونانية إلى جانب علوم الدين والفلسفة، وظلت زمناً طويلاً مركز إشعاع فكري،وبعد فترة أمر الأمبرطور البيزنطي زينون بإغلاق هذه المدرسة سنة 489م، فرحل بعض أساتذتها إلى نصيبين وبعضهم الآخر رحل إلى مدرسة حرّان .ونجد بروز علماء وأطباء وفلكيون وباحثون وشعراء ولغويون ومؤرخون وكلهم سريان أهمهم :1ـ برديصان الرهاوي الشاعر الذي يُقال إنه أول من ألف الألحان السريانية وكان والده وثني وأمه مسيحية. كما اشتغل بالفلسفة والفلك،وله يعود الفضل في إيجاد أوزان جديدة في الشعرالسرياني، ومن بين من نذكرهم هناك الطبيب والفلكي والمترجم
2ـ سرجيس الرأسعيني وهو رئيس أطباء مدينة راش عينا( رأس العين ) وترجم بعض مؤلفات جالينوس الطبية ، منها (صناعة الطب والأدوية) .
3ـ وثيوفيل الرهاوي الذي آثره الخليفة العباسي المهدي في بغداد، وهو فلكي ومؤرخ ومترجم، ترجم ملحمتي هوميروس الشهيرتين : الإلياذة و الأوديسة، إلى السريانية حوالي سنة 765م،وبعد ألف ومئة وأربعين عاماً ترجم الإلياذة إلى العربية سليمان البستاني سنة 1905م.و4ـ ( ماراحودمه )، وهو أول نحوي سرياني، ومن باحثيهم في الجغرافيا.
5ـ (داود بن رابان)، وسمّى بحثه (حدود الأقاليم واختلاف الليل والنهار) .6 ـ(موسى بن كيفا) باحث أيضاً في الجغرافية، ورسم بعض الخرائط على النمط المعروف في أيامه .7ـ ومار أفرام، شاعر السريان وموسيقيهم الكبير ، أحدث في العروض السرياني البحر السباعي المعروف بـ الأفرامي، نسبة إليه، لحّن مقطوعات كثيرة من شعره، كان يرتلها مع فرقته في الاحتفالات الدينية، أصله من نصيبين، ثم نزح إلى الرها، وكان من مؤسسي مدرستها، له مؤلفات هامّة، ترجمت إلى لغات عدة. وهناك 8ـ مار يعقوب السروجي، وهو من كبار شعراء السّريان، وضع في الشعر السّرياني البحر الاثني عشري المعروف بـ (السروجي) نسبة إليه، وأصله من منطقة سروج، توفي سنة 521، م .
9 ـ جرجس أسقف العرب، تعلم في دير قنسرين ثم صار سنة /686 /م أسقفاً لبني تنوخ وطي وعقيل، فعرف بأسقف العرب، وكان من الراسخين في علوم الدين والفلسفة والفلك، وقد اشتهر بترجمة كتاب الأورغانون لأرسطو، وهو مجموعة مؤلفاته في المنطق .
10ـ ومار يعقوب الرهاوي اللغوي والمؤرخ الذي عاش في القرن السابع الميلادي، تعلم في دير قنسرين، ثم سافر إلى الإسكندرية للتعمق باليونانية والفلسفة، وله مؤلفات في اللاهوت والفلسفة والتأريخ، وكان متفوقاً في علوم اللغة وأصول المفردات ومن مصنفاته: (قاموس المصطلحات الفلسفية)، وهناك .11ـ يعقوب البرادعي الشاعر ولابد من ذكر العديد ممن اشتغلوا في الشعر ...وازدهرت في العصر العباسي الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة السريانية، ومنها إلى اللغة العربية وأشهر المترجمين في خلافة أبي جعفر المنصور الطبيب السرياني .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ــ مجلة العمران ، عدد خاص عن محافظة الحسكة ، أصدرته وزارة البلديات ـ العدد 41 ـ 42 ـ السنة 1972م.

12ـ كوركيس بن بختيشوع، وهو يتقن لغات عدة :اليونانية والفارسية والعربية فضلاً عن السريانية ... وفي عهد المأمون ترجم .13ـ يوحنا بن ماسويه كتاب (إقليدس) من اليونانية إلى العربية، وظهر في الترجمة أمثال :
14 ـ عبد المسيح عبد الله .15ـ واسطيفان بن باسيل.16ـ ويحيى بن عدي السّرياني .
17ـ ويعدّ حنين بن اسحق شيخ المترجمين في عصره، ورئيس الفلاسفة والحكماء والأطباء .
18ـ وظهر غريغوريوس أبو الفرج : المعروف بـ ابن العبري، لاهوتي، وطبيب ورياضي وفيلسوف، ومؤرخ شهير ، ولد في مدينة ملطيا على الفرات سنة 1226م، وسمّي أسقفاً لبلدة جوبوس ثم لمدينة حلب، وولي فيما بعد مناصب دينية كبيرة في الجزيرة والعراق، وكثرت في أيامه الكوارث والحروب، منها غزوات المغول المدمرة، له مؤلفات في الفلك واللاهوت والرياضيات والتاريخ والنحو والطب والفلسفة، وله كتاب اسمه (الصعود العقلي)، كما له كتاب التاريخ الكنسي في مجلدين و(تاريخ الزمان منذ الخليقة إلى سنة 1285م ) .
دوّن فيه تاريخ العالم، وله بالعربية (تاريخ مختصر الدول) وله كتاب طوق الحمامة من أروع الكتب التي قرأتها في مجال تفسير الأقوال واللغة التعبيرية، وتوفي في مراغه سنة1286م .
ونعود قليلاً للوراء فأثناء الغزو الإسلامي العربي لسورية وبلاد مابين النهرين العراق الحالي تقهقرت الثقافة السريانية والعلوم المنطقية في الجزيرة آنذاك مع الإشارة إلى أن سكان الجزيرة يومها جلهم من القبائل العربية من قبائل ربيعة وتنوخ وبني تغلب، وبكر وبنو كلاب، وبنو قشير وبنو تمير وبنو عقيل وكانت النزاعات بين تلك القبائل دائمة الحال نجد ذلك واضحاَ ودارت عدة معارك طاحنة مثل معركة وقعت بين قبيلتي قيس وتغلب على نهر الخابور، وعرفت بيوم قرقيسيا ويوم الثرثار ويوم الغدين ويوم ماكسين، وهي مركدة التي تبعد مسافة مئة كيلو متر جنوب الحسكة، ويوم الشرعية ويوم السكير وهو سكير العباسي حالياً، وتعرض لهذه الوقائع في أشعاره شاعر بني أميّة الكبير .
19ـ أبو لامالك غياث بن غوث بن الصّلت التغلبي، الملقب بـ (الأخطل) (19 ـ 92هـ ـ 640 ـ 710 م) .20ـ والأخطل شاعر قبيلة تغلب المسيحيّة التي اتخذت من الجزيرة موطناً لها وكان شاعر
البلاط الأموي، وأثيراً لدى الخليفة عبد الملك بن مروان حتى قيل : إنّه كان يدخل على الخليفة دون إذن والصليب في عنقه، وكان يدخل أحياناً عليه مخموراً، وجاء ذكر الخابور وحنينه إليه في عدد من قصائد الأخطل، شاعر الجزيرة .منها قصيدته التي يقول فيها :
أراعك بالخابور نوق وأجمـــــــال /// ودار عفتها الريح بعدي بأذيــــال
ومبنى قباب المالكيـــــــــة حولنــــــا /// وجرد تفادى بين سهـــــــــل وجبــال
والثقافة دوما هي حركة تتابع لما سبقها وتعد في الفترة التي نبحث فيها تتابعاً لثقافة أهل البلاد والأرض ونعني بهم السّريان ولغتهم السريانية وثقافتهم الشاملة والملمة والمتقنة بكلّ العلوم اليونانية والفارسية وعلومها وجاءت اللغة العربية التي لابد أن تكون ثمرة من هذا البستان الذي ازدهرت فيه الثقافات سابقاً وقد كانت السريانية التي أعطت العربية الكثير الكثير لغةً وعلوماً تجاوزت الأنا إلى الذات العالمية الرحبة عندما كانت تُجيد اللغة اليونانية والفارسية والعربية وكما أعطت السريانية للعربية فقد أخذت عن العربية الأوزان الشعرية والسجع والعديد من القضايا الإعرابية.
كما لابدّ من ذكر القرابة الجينية بين السريانية الآرامية والعربية ونجد ذلك واضحاً في المعاجم والكتب التاريخية واللغوية وبعد هذا لابدّ لنا من أن ننتقل إلى تأريخية مجيء القبائل السريانية والآشورية والأرمنية إلى الجزيرة السورية حيث بدأنا مقدمتنا بفعلهم البنائي العمراني والصنائعي والتعليمي وما يرفده من نشاطات رياضية وعلمية ومهنية تجاوزت حدود الصنعة القديمة إلى المهارات والابتكارات والمشروعات الزراعية التي جاءت بها أسر عديدة بعد بناء مدينة القامشلي كأسرتي أصفر ونجار وأسرة هدايا وغيرهم. كما ويجب الإشارة إلى أنه كانت هناك قبائل سريانية كانت قد جاءت قبل هذا الزمن إلى أرض الجزيرة وسكنتها في محيط قبور البيض خاصة .
ومع بداية بناء مدينة الحسكة التي نشأت في طورها الأول عام 1890م وكان الخواجا عمسي موسي القلعة مراوي وإخوته وأسرته ومجيء آخرين مع عام 1908م. وبناء بيوتهم شمالي نهر الخابور ذاك النهر الذي يتعرج عند جزيرة السمك ثم ينحرف جنوباً بشكل مستقيم ثم ينحني بحنو الذراع إلى الشرق مخلفاً بينه وبين تلك التلة العالية والواسعة فسحة من الأرض رأيتها وعاينتها وعلى شاطئ النهر آلة لرفع الماء من النهر لسقاية تلك الأرض(الغراف) وأن تلك التلة هي آثار مدينة نهرين التاريخية التي كانت تقابل مدينة على الضفة الجنوبية ولكن للغرب منها ونقصد هنا تل غويران والذي أزعم في مناقشتي مع الباحث الأثري الإنكليزي ديفيد أوتس وزوجته وهم من البعثة الإنكليزية التي تنقب في تل براك عام 1976م
David and joan oates كنتُ يومها أحضر مع من حضروا إلى المركز الثقافي بالحسكة وعندما كان لي قبل معرفة وقراءات وأبحاث في التاريخ القديم لبلاد مابين النهرين منذ عام 1970 و1971م.فقد تناقشنا وأكدت له أن( شادي كاني) ليست عجاجة لا أقول أيدني ديفيد أوتس وإنما قال لي سأركز على هذه النقطة لأنها جديرة بالمناقشة كما رأيته يهز رأسه قائلاً ربما سبقتني في هذا. مدينة قديمة اسمها مكريزي وسميتها نهرين جاء إليها الخواجا عمسي موسي وإخوته بعضهم قال جاؤوا قبل بداية التسعينات من نهاية القرن التاسع عشر وبعضهم قال وعاشوا في الخيام حتى بنوا لهم أول بيت في المكان عام 1890م.وقد جاء المكان لكونه كان له دكاناً في ماردين وكان صديقه الشيخ مسلط باشا الجبوري وعمسي موسي هو ورفاقه من دفع 500 ليرة ذهبية وفكوا أسر مسلط باشا عندما سجنه العثمانيون وتمكنوا من تحريره لهذا قربه إليه مسلط عندما جاء المكان وكذلك الشيخ مشعل الجربا الذي كان هو وجماعته قرب جبل كوكب فقد أهدى عمسي موسي فرساً عربية أصيلة.توافد السريان والأرمن وبنوا لهم بيوتاً وبدأت بوادر قرية صغيرة تكبر في المكان مع مجيء قوافل الهاربين الفارين من الذبح وتبدأ فيها الحركة الإنسانية المعتادة من بناء ومستلزماته الصناعية إلى المواد الاستهلاكية ولكن الإنسان الذي يعيش القهر وتغير بيئته الجغرافية يحن إلى ربوع أهله فكان أول ما كان هو صوت الغناء والمغنين والذين لديهم حنين سواء أكان الرجل أم المرأة...ومع فتح السريان كاثوليك والسريان أرثوذكس مدارس بجانب الكنائس بعد عام 1927م و1928م.تعلمت أجيال تلك المدارس باللغة السريانية والعربية ومنهم الفرنسية لأن في هذا الوقت كانت قد بُنيت كنائس ومدارس وكان المستعمر الفرنسي قد سيطر على الجزيرة وبنى على أنقاض الثكنة العثمانية ثكنة له ولجيشه وكان أن تطوع العديد من أبناء القبائل السريانية والأشورية في ذلك الجيش.
وحين بدأت قي مطلع السبعينيات من القرن العشرين أبحث عن تاريخ بلاد ما بين النهرين ومنها الجزيرة السورية التقيت بشخصيات كبيرة في السن ولم يكن الفكر الحزبي قد دخلهم منهم يعقوب حبو وعبدو حبو ووالد الصديق ذياب عبد النور القلعة مراوي وأيلو التانو وغيرهم ذكروا لي من أوائل من كتب الشعر هو المعلم في مدرسة السريان الأرثوذكس يعقوب حبو، وكان أخوه جرجس يعلّم أيضاً وجاء بعدهم شاب بنيبلي معلم ومدرب للفرقة الموسيقية هو الروائي البنيبلي افرام نجمة جاء من بيروت وظل زمناً يدير مدرسة السريان الأرثوذكس التي كانت تقع إلى الشرق من كنيسة مار جرجس التي بُنيت باللبن وتقع أنقاضها تحت بناء مطرانية السريان الأرثوذكس، وكان هذا الشاب حديث الزواج وكان متحدثاً ومتكلماً وموسيقياً وكان يكتب الشعر والنثر.
ثم يعود بعد خلاف مع المطران إلى بيروت ويأتي دور الملفان المتخرج من دير مار متى وهو اسحق ساكا الذي رأيته أنا وكان في نهاية الخمسينيات مديراً ومعلماً للسريانية وكان شاعراً يُجيد العربية وأيّ! إجادة.!!
هو معلمي للسريانية ومدير مدرسة السريان الأرثوذكس زارني في ألمانيا وهو مطران في العراق زارني أكثر من مرة واستضفته هو ومن معه.كما وجد خلال فترة نهاية الخمسينيات شاعر أعمى اسمه انطون الناعم كان يقول الشعر الشعبي وكان غزيراً وذا معانٍ لها أن تترك أثراً في النفس سمعته في عرس خالي كمال بحدي جرجس أصلاني في قريتنا تل جميلو في خريف عام 1957م....وكي لانمر دون ذكر للقبائل العربية التي كانت تحب أن تُنشد أشعار الشعراء وتُعقد المجالس لذلك أُشهد الله أني وقفتُ أمام باب أكثر من خيمة وأنا أسمعهم يتجاذبون أطراف القصائد وأخص تلك المجالس خيمة لبيت محمود العساف أخو جارنا حمدان العساف في الربع الأول من عام 1960م حين كان الرجال يجلسون ونجلس معاً في الشتاء والدخان يتصاعد من موقد صغير حيث كانوا ينشدون الشعر ولكن لم يكن من أشعارهم بل كانوا يحفظونه وكان ذا طابع بطولي وحماسي ومنه يعالج غرض الكرم .وإذا عدنا للوراء في عهد الاستقلال نجد انتشاراً للشعر الذي كان يُسمى بالاستظهار حتى منتصف الستينيات من القرن العشرين في الكتب المدرسية فكان لابد أن يولد من رحم الحياة شعراء وشواعر (جمع مؤنث شاعرة) لكنني لم أسمع في الحسكة شاعرة قبل الشاعرة إيفيت عبد الكريم تانو وهي ابنة عبد الكريم تانو الفنان التشكيلي المعروف على الصعيد الكنسي والرياضي أيضاً .ومن خلال بحثنا عن الشعراء فقد بلغنا عن شاعر وفنان تشكيلي ورسام ومخترع :
كبرئيل برصوم (برصوما) فقد اخترع راديو بالحسكة عام 1953 و1954م كما حول الستيلو(قلم الحبر الناشف) إلى مسدس كما ذكر لي الأستاذ داؤد سلو مراد الدبس.وقال كانت لديه قصائد رائعة في الحبّ وكان يرسم بشكل غريب..
ومن كتب الشعر والقصة والرواية الأستاذ البنيبلي القادم من بيروت وعين كمدرب ورئيس الفرقة الكشفية والنحاسية لمدرسة السريان أرثوذكس وهو الموسيقي والكاتب افرام نجمة كان شاعراً وقد جاء الحسكة منذ بداية الأربعينيات وحتى نهايتها.له كتب عديدة منها أين شوطتك سفر بلك؟!! وشعب الجزيرة .ومرحلة ثلاث سنوات، وعسكري يتحدث عن الحرب العالمية الثانية،وملفانا عروس لبنان، وهو من مواليد ماردين عام 1920م توفي في زحلة عام 2001م. كان خطيباً وكم من مرةٍ يستقبل الوفود الرسمية القادمة إلى الجزيرة السورية؟!!.
وفي كتابه شعب الجزيرة هناك العديد من القصص التي حفظها في هذا الكتاب كما يؤرخ لأحداث وقعت في الجزيرة والحسكة خاصة .وفي الصفحة رقم 230 يشير إلى زيارة رئيس سورية شكري القوتلي للحسكة وكذلك في الصفحة 220 .وفي الصفحة رقم 15 يقول: بلغ عدد النازحين من المسيحيين للجزيرة السورية عام 1937م 150 ألف نسمة منهم 75% من السريان و20% من الأرمن و5% من الأقوام الأخرى.ويضيف كانت الجزيرة براري شاسعة وموطن للقبائل العربية مثل قبيلة طيء والجبور والبكارة والعكيدات وعشيرة الشرابيين وشمر وهي قبائل تتنقل طلباً للرعي والمياه.
النص مقتطف من كتابنا ز المسيحيون في الجزيرة السورية.لمؤلفه اسحق قومي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة