الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواطنة مشروع التنمية القادم

هشام حمدي

2020 / 12 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يشكل التعصب الفكري والتطرف العلمي أزمة حقيقية للفكر، بالإضافة لأزمات أخرى إذا تجسدت وتحققت فعليا على أرض الواقع، وللتنقيب عن الحلول لهذه الأزمة الفكرية يجب تحليل أسبابها ونتتبع منابع جذورها في المجتمع المغربي، ونظرا لما يكتسيه التحليل من أهمية، وأدواره في التشخيص للعلاج ولعل هذا الدور يناط بالدرجة الأولى للمؤسسات الحكومية وليس للأفراد أو الخبراء مهما بلغت درجاتهم الأكاديمية العلمية أو تكوينهم الفكري.
وهنا يجب التنبيه اختصارا لبعض الأفعال والممارسات الفكرية البعيدة عن الموضوعية مهما صغر حجمها فلا يجوز الاستهانة بها حتى لو كانت آثارها غير مرئية أو ضعيفة الصدى، فقد تكبر وتترعرع مع مرور الوقت لتصبح أشد تطرفا ضد التساهل وأكثر بعدا عن التسامح معلنة بداية ونشوء التطرف بكل ألوان طيفه الفكرية.
فالتعصب للجماعة والتشدد للقبيلة وتأليه الأفراد والمذاهب يجعله لا يرى الحقيقة والحق إلا من خلالها ويطفئ نور عقله، ويجعل غيره يفكر مكانه بل ويتبنى منطق غيره، رافضا كل رأي مختلف ومخالف لما يعتقد به وفيه من رأي أو طريقة؛ من هنا تبدأ الهوة في الكبر بين أفراد المجتمع، وربما تتحول لصراع ونزاع قد يتطور لاقتتال بين أفراد المجتمع.
يعرف الفكر المتطرف من خلال سيمة المبالغة خصوصا في القدح والذم نحو كل مخالف ومختلف وقد يصل حد البراء والإقصاء، وفي المقابل يكيل المدح والمديح -لكل من يوافقه ويتفق معه- لدرجة القداسة والتنزيه عن الأخطاء.
وهذا ما سيؤدي إلى نشأة عقليات متحجرة في المستقبل لا تنظر للحقائق بعين متسائلة وناقدة متفحصة ومتجردة من العواطف. ولنا في حركات داعش والنصرة وأجناد الأرض وسياسيو السودان وأفغانستان والعراق وسوريا والصومال وهلم ألما عبرة يا أولي الألباب التي سكنت في سرداب الوعظ والتدين المظهري فسلط عليهم البيت الأبيض صوت وسوط عذاب الانتداب، أو يساهم في وضع لبنات بناء عقليات غير مكترثة بالواقع وغير مبالية بالقانون والدستور إلا من كلام شيوخها ودروس وعاظها وخطب أئمتها، وتلح في هذه الجزئية بالذات على أنها هي الحقيقة المطلقة. مع أن رؤية نصف الحقائق شر من الجهل بها؛ الفرد هنا يظن معرفته كل شيء وهو لم يعرف إلا قدر صغير منها.
ومن بين العوامل المساعدة على نشأة تلكم العقليات ذات البعد الواحد؛ فقر البيئة الثقافية بمعنى ضعف الخلفية المعرفية والعلمية وغياب منطقية تحليل المشكلات وحل الأزمات؛ فيكون تفكيره منحصر في الإطار الضيق الذي يشكل حصيلته المعرفية وتجاربه وخبراته الحياتية؛ إن عقلية البعد الواحد يصعب عليها الحوار والنقاش في هدوء، أو سماع النقد المقابل دون عصبية أو تشنج؛ لاعتيادها وتعودها النظر لنفسها نظرة كمال واحتكار للحقيقة المطلقة، وكل من خالفها لن يعدو إلا كافرا أو مشركا أو ملحدا.
إن تبسيط عظائم الأمور والمشكلات العويصة المزمنة دون عمق وتحليل منطقي لها سمة لأهل التعصب والتطرف، يضاف إليها الانغلاق التام نحو الاستفادة من ثقافات الأخر أو علوم أخرى معنية في ذلك. وهذا لن يزيد القضايا إلا إشكالات وتخلف ورجعية.
إن هذه الممارسات المتطرفة فكريا وإن لم تخرج للعلن أو لم تحرض على عنف أو إعطاء ضوء أخضر بالقتل، لا ينبغي لنا التغاضي والسكوت عنها. فالنار تبدأ بشرارة صغيرة، والواجب على الدولة ومؤسساتها والحكومة بسلطاتها والمجتمع المدني بتأثيره أن يعيدوا صياغة الذهنية لتلاميذ الكتاتيب وتنمية الوعي الطلابي بالتشجيع على النقد والتفكير الموضوعي، وتعليم آداب الحوار والاختلاف والمساعدة في تطوير وتثوير وتحرير المناهج والبرامج التعليمية من هذا النمط من التلقين والتفكير.
فالتطرف الفكري استشرى في الكثير من طبقات المجتمع المغربي، بالرغم من تفاوت آثاره من منطقة إلى أخرى حسب مستوى الوعي لدى الأفراد والمسؤولين؛ ولهذا لا ينمو إلا في مناخات وجغرافية العقول ذات البعد الواحد.
إن علاج هذه الظاهرة يجب أن يشكل أولوية لدى صناع القرار، وذلك لآثارها الخطيرة الناجمة عنها على مستوى الفرد أو الدولة، وهنا يجب التنويه بالمجهودات الأمنية للحد من خطورة انتشار هذا الفكر، إلا أن عجلة التنمية والتقدم لا ينبغي أن تتوقف إلى حين القضاء عليها، وإشاعة تعليم قيم المواطنة والمدنية يعتبر من المستعجلات في مرحلة الوباء التي نعيشها هذه الأيام، حتى نتنافس مع الآخر في ميادين المعرفة والثقافة بهدف الالتحاق بركب الحضارة والتقدم.
لقد مرت كثير من الشعوب عبر التاريخ بأزمات فكرية وحروب عنيفة في الرؤى الاجتماعية والتوجهات السياسية، ولكن خيار المواطنة والتقدم لم يكن ضحية لهذه الصراعات، بل نجدهم يسارعون في الانسجام والاتفاق عما يهدد حضاراتهم أو يقوض تقدمهم.
ومن الامثلة على ذلك في وقتنا المعاصر دولة الهند وامبراطورية الصين، فلا أعتقد ان دولا تزخر بالأعراق والأديان والطوائف والمذاهب والظروف الاقتصادية الصعبة في ظل نمو سكاني كبير كما يوجد في الهند والصين، ومع ذلك كل المؤشرات العالمية تشير إلى نمو اقتصادي يفوق التوقعات. فالصين حققت ولا تزال تحقق إنجازات هائلة في فترة زمنية قصيرة، إذ أنها تملك احتياطيا ضخما من العملات الصعبة ونمو اقتصادي قضت به على عدد الفقراء الذي يعادل عدد سكان أمريكا مجتمعة.
إن إشاعة قيم المواطنة والدخول في ديناميّات التنمية هو شغلنا الشاغل الآن دون غض الطرف عن مشكلة الفكر الإقصائي، وهذا هو مجال البحث والتحليل العلمي. بدلا من التمركز في برج التنظير العاجي ونهج الحلول الترقيعية الآنية.
فهل نعتبر قيم المواطنة مشروعنا التنموي القادم للخروج ليس فقط من الفقر والمرض والأمية بل ومن أمراض المتفيقهين والوعاظ وفتاواهم الكهنوتية؟
الإنسانية هي الحل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد


.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو




.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي