الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا بين السياسة والعلم والدين ..!

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2020 / 12 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


مع مرور عام على بداية الجائحة كورونا وما احدثته من ازمات واشكالات صحية واقتصادية واجتماعية لايزال الجدل محتدم بين اطراف ثلاثة كل منها عمل ولايزال لاستغلال الجائحة بطرقه الخاصة خدمة للنخبة المعبرة عن هذه الاطراف التي تتداخل وتتقاطع مصالحها ماديا ومعنويا ..ففي السياسة شكلت الجائحة ركنا هاما في السجال بين مختلف الحكومات ومعارضيها وبين اوساط شعبية وحزبية ومدنية والعامة ايضا .. بل انه بسببها خسر ترامب منصبه الرئاسي اذا جاز القول ..وتزايدت الاتهامات بين امريكا والصين ، وبين الدول المتطورة وغيرها من دول العالم ، ناهيك عن اصوات هامة من داخل امريكا واوروبا تتهم الدول الصناعية بانها سبب رئيسي في هذه الجائحة التي يؤكد الخبراء انهم يعرفون حجم انتشارها واضرارها لكن لا يعرفون بالضبط كيف بدأت وماهو مسببها الرئيسي .
وكانت ولاتزال محل خطاب شعبوي من غالبية الحكومات التي تتفاخر بانها ستقدم اللقاح مجانا في حين هناك الكثير من الحكومات والدول لاتزال غير قادرة على توفير الحد الأدنى من الخدمات الصحية .. في هذا الاطار تفاوتت الادوار الحكومية في التعامل مع الجائحة بين الشدة واللين ، الاهتمام والتهاون وفق معادلة غير دقيقة بين الاقتصاد والصحة ،بين الشركات المعولمة وبين المجتمعات والشعوب..
وهنا ظهر عشرات من الاطباء والمتخصصين في معاهد ومراكز طبية يشرحوا ويحللوا طبيعة الجائحة و مخاطرها وسبل الوقاية منها وكل واحد فيهم يطرح رؤى وافكار تتناقض مع الاخر ..حتى خبراء منظمة الصحة العالمية اللذين تعددت تصريحاتهم وبالأخير يشددوا القول انه حتى مع اللقاح لامجال للتأكيد ان الجائحة ستختفي لانهم غير متأكدين من مسبباتها الأولى ..
ومن هنا كان التعاون الكبير بين الساسة ومراكز الابحاث الطبية (غالبيتها تمول من شركات رأسمالية) بهدف الاسراع بإعادة الحياة الطبيعية لمختلف مجالات الاعمال وفقا لمطالب الرأسمالية بالربح او انها ستعمل على طرد ملايين الموظفين وهذا الامر يلقي بظلال قاتمة على مستقبل الساسة وحكوماتهم ناهيك عن تزايد احتمالات المظاهرات الناقمة تجاه الحكومات والمؤسسات الرأسمالية..
في هذا السياق كان الخبراء في سباق مع الزمن وتحت ضغوط شركاتهم من ناحية وتجاه مسؤولياتهم الإنسانية وتعزيز قوة العلم ومنطقه ، فكان الاسراع بإعلان اكتشاف اللقاح في أمريكا والصين وروسيا وألمانيا وبريطانيا ، مع الإشارة الى ان بعض الاطباء يؤكد ان اللقاح لايزال يحتاج الى وقت اطول بعد الاختبار السريري من اجل ملاحظة دقيقة لنتائجه ومظاهره واثاره الجانبية ، وهذه الأخيرة محل نقد كبير تجاه اللقاحات المعلنة حيث يرى عدد من الخبراء في مجال الأوبئة انهم غير متأكدين من حجم الاثار الجانبية واضرارها .. لكن القرار بسرعة الإعلان عن اللقاح جاء تلبية لطب اقتصادي وسياسي ، من اجل خلق أجواء إيجابية وتفاؤل كبير في أوساط المجتمعات قاطبة وداخل بلدانهم خاصة .. وللعلم ووفق بعض الاستطلاعات داخل أمريكا هناك نسب عالية لبعض الجماعات من أصول عرقية مختلفة تتشكك في جدوى هذه اللقاحات الامر الذي يعكس تحديات كبيرة امام الحكومات التي يجب ان تعمل على تطعيم 70%من السكان للوصول الى ما يسمى بمناعة القطيع .
في هذا السياق دخل الطرف الديني معلنا عبر مجموعات تقليدية – ذات تفكير ماضوي - ربطت الجائحة بالشرور المتكاثرة في الارض وانها اختبار وبلاء من الله للمؤمنين ..ولان الفضاء العام مجالا لظهور النخب ونجوم المجتمع ، فان السياسي استغل الجائحة ووظف بعض رجال الدين في اجندته وخطابه ومعها جميعا تشكل تشتت في وعي العامة بين داعم للرأي العلمي ومنطقه باعتباره القول الاكثر اهمية .. في هذا الشأن ذهب اخرون نحو رفض اللقاحات تحت اوهام ما ينجم عنها من مخاطر وان المؤمن لا يحتاج الا للدعاء والصلاة ..مع العلم ان ملايين من البشر يؤمنون بهذه الفكرة لكنهم مع هول الاضرار من الجائحة سيتجهون تدريجيا نحو التطعيم كما هو السائد لديهم من حالات سابقة . لكن المشهد العام يجب ان يكون واضحا في محددات وادوار كل من الدين والعلم دون تناقض بينهما ،فالعلم سيد القرار في مجالاته وابتكاراته وباعتباره مرتكز الحداثة وناظمها الأول ، وللدين دوره في تعزيز حضور القيم والضمير الإنساني .
ومع تفاقم الازمة مع الموجة الثانية من الجائحة خاصة في امريكا ذاتها ومعها روسيا والهند وإيطاليا والبرازيل ودول اخرى في حين نجحت الصين وكوريا الجنوبية منذ الموجة الاولى ..هنا تسارع الاهتمام بضرورة الإنجاز الطبي الذي توجهت اليه كل الشعوب ، علها تتلقى خبرا سارا بنجاح الابتكار للقاح ، الامر الذي يخلق أجواء تفاؤل كبيرة وما تعكسه من ارتياح في الأسواق المالية وفي المجال الاقتصادي والإنساني عامة.. وتزايد معدل التفاؤل مع منتصف شهر ديسمبر حيث بدأت بعض الدول بتعميم اللقاح فعليا وفي نفس الوقت لاتزال معدلات الإصابة ترتفع نحو مؤشرات غير مسبوقة وهنا يكون الوعي بالزمن كمحفز للابتكار والمواجهة نحو الكوارث والمخاطر بما يعزز من دور العلم وابتكاراته .
واذا كانت الدول الغنية قد حجزت لنفسها حصص من اللقاحات فماذا عن الدول الفقيرة والدول ذات الازمات السياسية والحروب الاهلية ،، لان التفاؤل بصناعة اللقاح لا يمكن ان يكون حقيقيا الا اذا كان له وجه انساني في ممكنات الحصول عليه في مختلف ارجاء المعمورة .
هنا يتجلى الوجه الإنساني والضمير الإنساني ومدى تأثيره في خلق تآزر ودعم وتساند بين مختلف الدول الغنية والفقيرة ، او دعم الدول الغنية للدول الفقيرة ، فهذه الأخيرة ووفقا لمنظورات حقوق الانسان وميثاق الأمم المتحدة ومضمون الرسالة المعلنة لمنظمة الصحة العالمية ، يحق لها ان تحصل على حصص من اللقاحات كافية لسكانها او غالبيتهم على الأقل .. وهو اختبار أساسي للنزعة الإنسانية في ضمير العالم وسياسات الحكومات والشركات المعولمة ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة