الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخروج المدروس من مكة ليثرب وبداية عصر الدعوة ج2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2020 / 12 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ويبقى موضوع خروج أو إخراج النبي محمد من مكة المدينة التي شكلت أولى ملامح العالم الجديد الذي ولد مع الرسالة وفيها، بحاجة إلى الكثير من إعادة القراءة وطرح الأفكار التي تتساوق وتتسق مع مجريات البعث والقرار، سواء أكان ذل بموجب تخطيط وأجتهاد النبي لوحده أو من خلال فروض أداء الرسالة ونجاحها من قبل الرب الذي بعثه، في النهاية أرى الرأي الأول أكثر رجاحة وأهم بالنسبة لفهمنا لحقيقة أن الإنسان بعقله وتدبره للأمور ملزم مع سياقات الفكرة أن يفعل ويترجم ما يجب أن يفعل دون الأعتماد الكلي على مصدر الوحي، فقد يكون الإلهام وطبيعة فهم النبي لحقيقة الزمان والمكان والحال التي عليها الناس هي من دفعته للإستجابة للخروج حتى يتحرر أولا من هيمنة قريش وتسلطها وثانيا ليزرع في تجربة ثانية تلك البذرة في أرض أكثر تهيؤا وقابلية للنمو نظرا للطبيعة الدينية المتنوعة ليثرب وما فيها من عدم مركزية تحكمها كما هو الحال في مكة.
وتبقى النتائج هي المعيار الدال على نجاح أو فشل الحدث والفكرة، وطالما أننا ومن خلال التتبع التأريخي لما جرى، نرى أن هذه الحركة كانت مفتاحا مفصليا في تجديد الدعوة وبعث الروح المعنوية العالية في صفوف الدعاة وعلى رأسهم النبي من خلال ما أنجز ومن خلال ما فرضه الواقع الجديد من قوة وبناء تنظيمي لجماعة الدعوة ومنها تحركوا لتجسيد مرحلة الدعوة المكية الأولى، والتحول من التشريع الفردي والأخلاقي في الدعوى إلى العمل التشريعي التفصيلي ووضع ملامح وأسس لما سيكون عليه الناس بعد الأن من قواعد بناء وإرشاد ومحاولة مقارنة ما هم عليه بما جرى من أحداث مع أصحاب الديانات السابقة، وهذاما نلاحظه جديا في كيفية بناء نسق النص الديني المدني، خاصة وأن يثرب التي تحولت بتسميتها إلى المدينة تعج بأصحاب الديانات السابقة، وهو ما يعطي قوة ومساحة كبيرة للنص في المقارنة والشاهد موجود.
يطعن الكثير من الدارسين لحركة الفكر الديني المحمدي بالتغير النوعي والدلالي للنصوص المدنية مقارنة بالنصوص المكية، على أساس أن هذا التحول هو مفارقة لروح الدعوة السلمية والأخلاقية التي تميزت بها سابقا، أولا من حيث طول وقصر النصوص وطغيان السجع والتكثيف في مبنى النص، وثانيا من طبيعة أتجاهات النص ومراميه الكلية في مرحلة المدينة، وقد شككوا بذلك على أعتبار أن المرحلة المدنية أشعرت النبي محمد بالقوة وبالتالي فهذا الشعور الطاغي حول طبيعة مجمل الدعوة الدينية من الدعوة بشكلها الأسترضائي والحث على تنمية الروح الفردية الإيمانية إلى مدار التحدي والمجابهة العلنية، خاصة مع تشريع أحكام العلاقة مع القوى الدينية المنافسة خاصة أو مع الأخر المختلف فكريا وعقائديا، والحقيقة أن هذا التحول ليس متعلقا بالهجرة أو تغييرا في بوصلة الدعوة بقدر ما هو إفصاح حقيقي عن قيم الدين الجديد ورؤيته لعالم كله.
الأمر مرتبط إذا بما كان ممكنا وغير ممكن خاصة وأن الحرية والتجربة الجديدة أعطت للنبي المجال الكامل لشرح وتوضيح ما مكلف به أو ما يريده من قواعد ومسارات للمجتمع الجديد وفق رؤية واحدة، لم يعد يكفي أن تستمر الدعوة الدينية في البناء الفردي الإيماني لآن هذا الأسلوب فرضته طبيعة مكة وطبيعة العلاقة ما بين المسلمين وعموم سادات مكة وزعمائها وليست خيارا متاحا لهم أن يكشفوا عن كل مؤديات الفكرة التي يحملونها، يثرب والمدينة اللاحقة لم ولن تستغرب الخطاب الجديد عن تلك العلاقة وذلك لوجود خطاب مشابه وقريب له وشائع فيها بوجود اليهود والنصارى الذي يلتقون مع الفكرة الجديدة بالكثير منها.
إذا الموضوع ليس موضوع تغير أو أنتقاله في الجغرافية تبعها أنتقاله في الفكر بقدر ما هي تحول نوعي في الخطاب من القشرة إلى العمق الذاتي للدعوة، ما كان أمام النبي محمد محرما أو ممنوعا التصريح به أو إعلانه قد زالت أسبابه ومبرراته مع بداية تكوين المجتمع الجديد، فبدأ بالمصالحة المجتمعية عبر طريقين، الأول مصالحة بين القاعدة الحاضنة له وهم الأوس والخزرج من جهة والثانية مع زعماء اليهود ورجالات يثرب ليؤمن أساسا المجال الحيوي للدعوة، والخطوة الثانية هو م يعرف اليوم بعملية الدمج الأجتماعي بين أهل المدينة من الأنصار وبين الوافدين الجديد، كان الهدف من هذه الخطوة ترسيخ وحدة إيمانية أجتماعية يسهل لها أن تتعامل مع مجتمع موحد وليس مجتمع أقلية وأكثرية، كانت الخطوتين مهمتين وأظن أنهما أجتهاد شخصي من النبي لبناء نواة صلبة لمجتمع متشكل حديثا فيه من النقائض ما يهدد أصل الرسالة لو بقيت على حالها.
إذا عملية الأنتقال أو ما تسمى بالهجرة أو الإخراج كما جاء في النص الديني شهدت أول أنتصار نوعي لمحمد على خصومه، وخسارة كبرى لقريش ومكة ومنهجها التسلطي، هذا الأمر قد عرفته لاحقا وندمت حين فرطت أو فكرت بإخراج العصفور من القفص، لذا بدأت أتصالاتها مع حلفائها في يثرب وهم كثر بين حلفاء مصالح أو حلفاء مصير للتضييق على محمد وجماعته، لكنها أيضا فشلن في ذلك ليس لقوة محمد وجماعته ولكن وسائل الضغط التي مورست وعلى مراحل زمنية تتشابه في أدائها ودوافعها وقد أضرت أولا بحلفاء قريش وجعلت الخنادق واضحة، من كان مع محمد ومن كان مع أعداءه ولم تؤتي أكلها كما تمنت سفن قريش.
كانت عملية إدارة الصراع بين النبي وخصومه تسجل حالات أنتصار كبرى ومحورية له، مقابل أنتصارات جزئية وهامشية تمثلت بالأذى البدني والنفسي فقط دون أن تمس جوهر وأصل الصراع، لذا كان يسجل النقاط ويراكمها مما قوى موقعه في خارطة الصراع وتحول من مظلوم منتهك إلى فارس ومقاتل بكل قوة لوقف عملية الطغيان والهيمنة القرشية على وسط الجزيرة ومحورها الديني والأقتصادي والقبلي أيضا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية