الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرض سيادة الشعب

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2020 / 12 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


1 ) محددات المرحلة :
النظام السياسي المخزني المغربي ، الذي يبني شرعيته المفروضة بالقهر ، والجبر ، وليس بالاختيار ، يعيش في الظرف الراهن اسوء مراحل تموضعه ، لأنه وصل الى الإفلاس السياسي والاقتصادي الذي ساهم فيه الوحش كورونا ، رغم لعبه دورا في تمكين النظام من المناورة والتحايل التي لم تكن متاحة قبل غزو الوحش للمغرب ..
ان النظام الذي بنى الدولة المخزنية على عنصرين متكاملين ، هما الانتساب للنبي لضمان سند الرعايا الغارقة في التقاليد المرعية ، والمتماهية مع التقاليد البالية القروسطوية ، التي تتجسد يوميا في تقليد التقاليد المخزنية التي تحيل الى الأزمنة الغابرة في الاعتقاد ، والممارسة ، والتقاليد المصنفة ... والتركيز على فرض القهر الضريبي بأشكاله المختلفة ، لتسمين بيت مال الحاكم بامر الله ، وعائلته ، وأصدقائه ، ومريديه من المنافقين مصاصي دم الرعايا المهدور بمناسبة او من دون مناسبة ... ، على حساب جوع ، وقهر ، وذل الرعايا الذين بقدر ما تضخمت ميزانية الحاكم بامر الله ، بقدر ما زاد بؤسهم ، وتضاعف فقرهم ، واشتدت عليهم المصائب من كل فج عميق ، ومن كل حدب وصوب ، واصبح حالهم المشفق عليه مدار السخرية من قبل الأمم الديمقراطية لِمَا اوصلهم اليه نظام الرعية الغارق حتى الاعنق في البتريمونيالية ، والكمبرادورية ، والبتريركية ، والثيوقراطية ، والاثقوقراطية ، والقروسطوية ، نظام ملهوف على الدولار والأورو ، متخصص في الافتراس والنهب ، وتهريب الثروة التي هي ثروة الشعب الى خارج البلد .. انّ نظاما من حيث هذا الشكل في البنيات وفي الممارسات ، لا يمكن انتظار منه فرجا ، او التعويل عليه لخلق بديل الفقر ، وقلة الشيء ، ورد الاعتبار للإنسان المغربي الذي يتعامل معه النظام كرعية بدون حقوق ، وليس كمواطن كما له واجبات له حقوق ..
ان الازمة الخانقة اليوم ببلادنا ، والتي ضربت كل القطاعات الى مستوى السكتة الدماغية ، في الوقت التي لم تضرب الازمة النظام الذي يزداد ثراء في ثراء فاحش ، وامام اعين جميع الرعايا الذين لا حول ولا قوة لهم في هذا المصاب الوضع المتأزملارال ، وفي اشد اللحظات قساوة التي يمر بها المغرب ، يشتري الحاكم بأمر الله قصرا بالدائرة السابعة بباريس ، بأكثر من ثمانين مليون أورو ، وهي الى جانب الدائرة الثامنة ، وحتى المنطقة السادسة عشرة من اغلى المناطق الباريسية بالنسبة لثمن المتر مربع من الأرض ... لخ ، ليست وليدة اليوم ، وانما هي تحصيل حاصل لاستفراد النظام بالمغرب لوحده بالمغرب كبقرة حلوب ، واثقال كاهل المغاربة بديون متراكمة ، ولا يزال متماديا في سياسة الاقتراض الغير منقطعة النظير بملايير الدولارات ، ودون تقديم حصيلة الجهة التي استفادت ، ولا تزال تستفيد لوحدها من هذه القروض ، باسم المغاربة الذين لا علاقة لهم بها ، واغلبيتهم لا يسمعون بها ..
واذا كان الواضح والمؤكد انْ يعتقد السدج ، او المتواطئين و المستفيدين من فتات مائدة النظام المخزني القبائيلي ، انّ هذه الازمة لها طابعها الظرفي الخاص ، الذي وجدوا له المبرر في الوحش كورونا ، فان استحضار محددات الازمة المرحلية ، واساسا ابراز عمقها الثابت ، وأسبابها الهيكلية ، امر ضروري لتلافي التحاليل الجزئية ، والخلاصات المبتورة .. ولنا ان نسائلهم ليطرحوا على انفسهم السؤال : اين ذهبت 34 مليار درهما وضعت من جيوب المغاربة في صندوق الملك المسمى بصندوق كورونا ... وكم مليون دولار وأورو تم وضعه في هذا الصندوق الذي هو صندوق العجائب الذي امتص تلك الأموال دون ان يجرأ احد على طرح او الاستفسار عن مسارها .. وكيف يمكن فهم استمرار وزير المالية مطالبة الاوربيين بضخ الأموال في نفس الصندوق ، دون معرفة المستفيد منها ، ولا معرفة الجهة التي ستسيطر عليها ..
ان تسلط اقلية من لفوف الاقطاع ، والرأسماليين السماسرة على مقاليد الحكم غداة استقلال " إيكس ليبان " " Aix L’Eban " الشكلي ، حيث خرجت فرنسا من النافدة ، ورجعت من الباب ، كورثة للاستعمار ووكلاء عنده ، جاء ليجهض المسيرة النضالية التي خاضتها الجماهير الشعبية المغربية العريضة ، ضد الاستعمار المباشر ، من اجل فرض طموحها في الاستقلال والعيش الكريم ، في كرامة وحرية . ورغم محاولة الحكم إضفاء طابع الشرعية على هذا الواقع الشاد ، سواء بالتناور السياسي ، او بقوة القهر والقمع كما نلاحظه اليوم ، فانه لم يتمكن في الحقيقة الاّ من اجترار الوضع ، واطالته زمنيا ، معمقا في نفس الوقت ، التناقض الأساسي الذي تتواجد فيه أوسع الجماهير الشعبية ، مع حفنة من المستغلين السماسرة ، ومنتقلا به الى مستويات اكثر حدة وشدة .
لقد شكلت اللعبة الانتخابوية على مر التجارب الانتخابوية ، التي لم تكن أصلا انتخابات ، الى جانب القمع المنهجي الدائم والمستمر ، والغير منقطع ، الاطار المستمر لمحاولة التنفيس عن هذا التناقض ، بتمييع الصراع ، ومحاولة تحريفه عن جوهره الحقيقي ، الذي هو فرض سيادة الشعب ، وتحكمه في مصيره .
وقد استفاد النظام المخزني الذي بنى أجهزة بوليسية فاشية ، وجهاز سلطوي ، مخزنولوجي ، قروسطوي ، غارق في الممارسات الرجعية في ذلك ، من عمليات الإجهاض التي كانت قيادة الحركة التقدمية تكسر بها نضالات وتطور هذه الحركة ، سواء بمغامراتها الفوقية التي فشلت قبل انطلاقها ، او بتذبذبها ومناوراتها الغامضة أحيانا ، وخياناتها الواضحة أحيانا أخرى ..
غير ان هذه الحلول الموسمية التي يلجأ اليها النظام باستمرار ، لفك عزلته ، وضمان استمراره ، سرعان ما كانت تصطدم بالواقع الموضوعي العنيد ، الذي لا يحتمل لا الترقيع ، ولا المداورة . وهكذا ظلت الازمة السياسية ببلادنا ولا تزال ، ازمة نظام حكم تقليداني قروسطوي ، كحكم يفتقد أيديولوجيا ، وسياسيا ، واقتصاديا ، واجتماعيا ، لأدنى مقومات العيش في زمننا وعصرنا الراهن ، عصر الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، ورد الاعتبار للإنسان المغربي كمواطن ، وليس كرعية مثقل بالواجبات ، ومن دون حقوق ..
ان هذه الحقيقة الأولية لم تبق قائمة فقط ، بل زادت رسوخا ووضوحا ، طوال مرحلة التزاوج الفاشل بين قضية الصحراء الغربية المغربية التي عنونوها بمسلسل ( التحرير ) ، وقضية البناء المؤسساتي التي عنونوه ب ( الديمقراطية ) . ان المسالة الأساسية التي أعطت لهذه الفترة التي لا تزال مطروحة الى اليوم ، لان قضية الصحراء دخلت سلسلة من المنعرجات بعد قرار ترامب الاعتراف الشخصي بمغربية الصحراء ، مقابل تطبيع النظام المغربي علاقاته مع الدولة العبرية ، وهي مقايضة رخيصة دلت على ان النظام يشكك في مغربية الصحراء ، وان ما يهمه من طرحها ، وحلها ، ولو ببيع القضية الفلسطينية ، هو ربط تهديد الصحراء بوجود النظام ، لان ضياعها يعني حتمية نهاية دولة العلويين . لذا فهو لم يطرح قضية الصحراء كتاريخ ، وشعب ، وجغرافية ، بل طرحها كحاجب ومنقد له من السقوط . لذا كانت عملية مقايضة مغربية الصحراء باعتراف الرئيس الأمريكي الشخصي ، وليس المؤسساتي بمغربية الصحراء ، هو بيع للقضية الفلسطينية التي يختلف وضعها القانوني ، مع الوضع القانوني للصحراء الغربية ..ان الأرض التي تشكك فيها ولا تستطع اثبات ملكيتها الاّ بالباطل ، فملكيتك لها باطلة ، لأنها لا تعنيك كأرض ، بل تعنيك كحاجب من السقوط ، ولا تعنيك كشعب او جماهير ، بل تعنيك كفوسفاط ، وأسماك ، ومعادن .. فهل من الجائز ان تخضع قضية الصحراء لعقلية البقال والزبون ... ومن اعطى النظام المغربي الحق في اجراء المقايضة المدانة حقوقيا ، وانسانيا ، وسياسيا ، وتاريخيا .. وهنا حين يوظف النظام قضية الصحراء للدفاع عن عرشه من السقوط ، فهو لا يعير بذلك ادنى اعتبار للسكان الذي اصبحوا عنده بمثابة سلع رخيصة ، ولو كان النظام يؤمن حقا بمغربية الصحراء لماذا اقتسمها اقتسام غنيمة مع موريتانيا بمقتضى اتفاقية مدريد الخيانية .. ولماذا حين خرجت موريتانية من وادي الذهب الذي كان موريتانيا ، ودخله النظام المغربي ، سيصبح الوادي مغربيا بعد ان كان موريتانيا ، وسيصبح سكانه مغاربة بعد ان كانوا موريتان .. بل ودائما في اطار توظيف النظام الصحراء لحماية عرشه من السقوط ، كيف يمكن فهم حل الحكم الذاتي الذي اقترحه في 2007 ، دون استشارة الشعب المغربي باستفتاء ، وكيف ركب حماره في 2017 ليعترف بالجمهورية الصحراوية ، وهو الاعتراف المنشور في جريدته الرسمية ... اذن ان ما يسمى بمسلسل التحرير فشل ، والذي افشله النظام ، وليس الشعب المغربي .. فعن أي مسلسل تحرير يطرب النظام ، بعد الاعتراف الشخصي لدونالد ترمب بمغربية الصحراء ، مقابل تطبيع النظام علاقاته مع إسرائيل .. وهل الاعتراف بمغربية الصحراء هو من اختصاص الشعب ، ام ان الاعتراف لن يكون الا وقد شهد به الرئيس الامركي في الوقت الضائع من مغادرته البيت الأبيض .. لقد رفضت وكالة المخابرات الامريكية اعتراف الرئيس الأمريكي الأحادي ، دون المرور من المؤسسات الدستورية ، وعارضة رئيس لجنة الدفاع في الكونغريس الأمريكي ، كما لإدارة الرئيس جون بايدن راي مخالف في خرجت دوناد ترامب ، والاتحاد الأوربي رفض الخلط بين قضية الصحراء والقضية الفلسطينية ، وانْ اثنى على تطبيع العلاقات بين النظام المغربي وبين الدولة العبرية.. بل ان وزيرة الخارجية الاسبانية والمسؤولين الاسبان رحلوا جماعات وفرادى عند فريق جون بايدن ، لدعوته لإلغاء الاعتراف الشخصي وليس المؤسساتي للرئيس دونالد ترامب بمغربية الصحراء ، وهو نفس ردة الفعل سجلتها كل الأحزاب الاسبانية التي ترى فيما جرى على حساب الدولة الاسبانية .. فاين تتجه قضية الصحراء بعد هذا التناقض المكشوف لدا الساسة الاوربيين الذين مرة يساندون حل الحكم الذاتي ، ومرة يعتبرون ان الحل بيد الأمم المتحدة ، الذي يشير الى الاستفتاء .
فهل اذا الغت إدارة جون بادين الاعتراف الشخصي لترامب ، واستمر الاتحاد الأوربي يرفض المقابلة بين الصحراء وفلسطين ، يكون مسلسل التحرير قد نجح ام فشل الفشل الذريع . والسؤال هل هي نهاية عقد دورات مجلس الامن ، واللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة لبحث موضوع الصحراء ...
اما عن الديمقراطية المُفترى عليها ، فيكفي اثارة أسلوب اللائحة في الانتخابات ، حتى يظهر جليا المخطط المخزني في اختيار الجماعات التي ستتقاسم مسؤولية تنفيذ البرنامج الملكي الذي لم يشترك في الانتخابات ، ولم يصوت عليه احد ، لكن للأسف ورغم ان برامج الأحزاب التي دخلت على أساسها الانتخابات ، ترمى في المزبلة بعد الإعلان عن نتائج العملية الانتخابوية ، فان الجميع يهرول ليحظى بشرف تنفيذ برنامج الملك الذي يحكم ..اي ان الأحزاب هي مشاتل معروضة للأشخاص التي ستتولى تنزيل برنامج القصر ، وهو ما يعني ان الجميع يتسابق ليصبح موظفا ساميا عند الملك ، برتبة وزير ، او برتبة برلماني ...
وبالرجوع الى الدستور الممنوح الذي هو دستور الملك ، سنكتشف وبكل سهولة ، ان الحاكم الفعلي هو الملك لا غيره ، لكنه غير مسؤول عن نتائج حكمه .. فهو الدولة والدولة الملك .. والمحاكم ( المؤسسات ) التي هي محاكمه ومؤسساته ، لا تملك اهليه مسائلته فبالأحرى محاكمته ... اما عقد البيعة ، وحكم الامارة ، والامامة ، والراعي الكبير التي تستمد سلطاتها الاستثنائية من القران ، ومن سلالة الانتساب الى النبي ، والتي تعطيه سلطات خارقة ليست حتى عند الجن والعفاريت ، فتجعله فوق دستوره الممنوح ، فهي اكبر دليل على ان النظام المغربي هو نظام استبدادي ، طاغي ، مخزنولوجي ، معادي للديمقراطية انْ لم تكن كما يروج لها ، ويفهمها هو ..
لقد فشل المسلسل الديمقراطي الذي ركز الطابع الاستبدادي ، وفشل المسلسل التحريري وقضية الصحراء لا تزال مطروحة للمعالجة من قبل الأمم المتحدة لأكثر من خمسة وأربعين ستة خلت ، بل لقد عادت لغة الرصاص كما كان الحال قبل 1991 ، والحرب لن تتوقف ، وانْ حصلت مفاوضات ، لان أي نتيجة للمفاوضات تقررها نتائج الحرب .. فعن أي مسلسل تحرير يتحدثون ، وعن أي مسلس ديمقراطي يتغنون .. وأين نحن الآن بعد كل هذا الفشل .. والى اين نحن سائرون ...
ان المسالة الأساسية التي أعطت لهذه المرحلة خصوصياتها ، وتعقيداتها في آن واحد ، هي مسالة السيادة الوطنية ، وما تعرضت له من تشويهات ، وما ترتب عنها من ( اجماع ) كاذب ومزيف ، لم يكن في الحقيقة سوى غطاء لذيلية القيادات الانتهازية المتخاذلة ، وانجرارها وراء سياسة النظام الذي عرف كيف يوظف التناقض الأساسي مع الشعب المغربي ، باستعمال قضية الصحراء في ضرب التناقض الذي اصبح ( وحدة وطنية ) مصلحية وانتهازية .
ان استغلال هذه المسالة من موقع التحكم والمبادرة ، مكّن النظام ومعه الطبقة السائدة ، من تجاوز تناقضاتها الداخلية – مؤقتا على الأقل – التي تفجرت في المحاولتين الانقلابيتين في سنة 1971 و 1972 ، ومحاولة الجنرال احمد الدليمي في سنة 1982 ، وسمح لها باسترجاع مصداقيتها التي أصبحت مهزوزة اليوم عند الامبريالية ولو جزئيا ، خاصة مع الأدوار الخطيرة التي تصدى لها الحكم ولا يزال ، بخصوص القضية الفلسطينية ، وتهافته المكشوف والمتواطئ في التدخلات السافرة للإمبريالية بافريقيا ..
ومثل قضية الصحراء الغربية المغربية ، فان النظام عزز تحكمه في الساحة الداخلية ، بالتجارب الانتخابوية المسترسلة ، والممسوخة ، التي كانت هي الأخرى مجالا لتكريس الانحراف القيادي ، الذي زكاها بمشاركته على قاعدة دستور 2011 ، الذي هو امتداد لجميع الدساتير السابقة الممنوحة ، والمطعون فيها ، والاستعداد للمشاركة في مسرحية النظام الانتخابوية في مطلع 2021 ، ومنها انْ امكن ، المشاركة في حكومة الملك ، لتطبيق برنامج الملك ، وليس البرامج الحزبوية التي تُطْمر بمجرد الإعلان عن نتائج المهزلة الانتخابوية .. الى غيرها من الممارسات التي قدمت للنظام ، تحت تغطية ( الاجماع ) الفاسد ، و ( الجبهة الداخلية ) الغير معلن عنها . فكانت هذه الممارسات الزئبقية ، اكبر سلاح لضرب نضالات الجماهير الشعبية ، ومحاولة تلجيمها وتحنيطها . فالقمع المنهجي ، والاغتيالات ، وخنق الحريات العامة ، والحريات السياسية ، والنقابية ، والمتاجرة بديمقراطية غير موجودة أصلا ، كانت هي التجسيد اليومي ( لانفتاح ) النظام .. واي انفتاح وخيرة ما انجب هذا الشعب ، تُرشى عظامهم اليوم برطوبة سجون الملك المختلفة ...
غير ان مكاسب الحكم هذه ، لم تكن ، وما كان لها ان تكون من ( القوة ) الخادعة ، لكي تصمد وتستمر ، لولا الإصلاح المغامر للتعبير السياسي ، والتنظيمي للحركة المفروض فيها انها تقدمية ، لتنحاز الى جانب الشعب المقهور والمفقر ، لا الى جانب الحكم ، بالمشاركة في عملياته الانتخابوية بدون طعم يذكر .. ومع ذلك بقيت هذه المكاسب مهزوزة ، وخاضعة للأخذ والرد باستمرار ، لعدة عوامل منها أساسا :
1 ) ان ما يسمى او اسموه ب ( الانفتاح ) السياسي ، منذ ان كان بشكله المسرحي والى اليوم ، حيث الاستعدادات عن قدم وساق للمشاركة في العملية الانتخابوية لسنة 2021 ، للتنافس على تطبيق وتنفيد برنامج الملك الذي لم يشارك في الانتخابات ، ولم يصوت عليه احد .. لم يكن في الحقيقة وكما هو ملاحظ بشكل باهت ، سوى انفتاح ل ( النخبة ) --- لان النخبة قضية --- على نفسها ، وعلى بعضها البعض ، واقطاب القيادات الانتهازية المختلفة السابقة والحالية ، لم يكونوا يمثلون داخل ( الاجماع ) الفاسد ، سوى انفسهم ، ومصالحهم الفئوية الضيقة . بل انهم كانوا ولا يزالون ممثلي هذا ( الاجماع ) المتسلطين داخل الحركة التي تسمى تجاوزا اليوم بالتقدمية . ف ( الانفتاح ) المغشوش ، ومن دون أرضية صلبة ، كان بالضرورة انتقائيا ، لا يتوجه الاّ لمن استعد للعمل في دائرة التزكية اللامشرطة ، لاستراتيجية الحكم ، ومعه الطبقة المتحالفة معه ، وخططها اللاشعبية ، واللاوطنية ، مقابل الانتفاع المصلحي الضيق ، والحالة هذه ، فانه لم يكن ليعود بأية فائدة ملموسة لصالح الجماهير المسحوقة ، لا على المستوى الاقتصادي ، ولا على المستوى السياسي ...
2 ) ما يسمى اليوم ب ( الانفتاح السياسي ) للحكم على محيطه ، وهو ليس بانفتاح ، لان عناصر الانفتاح مفقودة ، والموجود هو الإذعان ، والرضوخ ، والقمع ، والسير وراء النظام ، في كل ما يخدم مخططاته البعيدة والمتناقضة مع مصالح الشعب المغربي ..
ان ما يسمى بالإجماع حول الحكم ، هو قائم على أرضية اقتصادية اجتماعية قد تنفجر في كل وقت وحين . فالواقع الاقتصادي والاجتماعي وصل الازمة الكبرى ، والمنافد كلها مغلقة ، والدولة بدأت تتخلى وتتخلص عن الحقوق التي اكتسبها الشعب بنضاله المستميت منذ الستينات ، ولا اذل على نظام التعاقد المفروض على الحقل التعليمي ، وسيعمم على الإدارة العمومية التي هي ملك للشعب ، وليست ملكا للحكم ..
ان الواقع الاقتصادي والاجتماعي الراهن ، لم يشهد أي تطور إيجابي من شانه ان يدعم التحالف النخبوي الفوقي ، بل على العكس من ذلك ، استمر في التدهور والتأزم ، منعكسا على الجماهير الشعبية بالمزيد من القهر والتفقير ..
الحكم اليوم مفلس في اختياراته ، وعاجز ان يعطي شيئا للشعب ، وللجماهير المفقرة ، اللهم ثروة الملك ، وعائلته ، واصدقائه ، ومريديه ، والمقربين له ، تزداد ثرواتهم بشكل مهول وخطير ، وبالمقابل يزداد الشعب الغبن ، والذل ، والشقاوة ، وضنك العيش الذي لن يفارقه طالما لم ينتفض على الأوضاع الغير مقبولة اطلاقا ..
3 ) لم يتوقف المد النضالي عن التطور والتصاعد ، رغم القمع ، ورغم التواطؤ القيادي الاصلاحوي ، ورغم خيانة النقابات باسم السلم الاجتماعي الذي لم ينتهي منذ سبعينات القرن الماضي . بل ان هذا المد الذي خبى بالتآمر على حركة 20فبراير ، قد تكمن اليوم من فرض نفسه في الساحة ، بالمدن الكبرى ، والمدن ، الصغيرة والمتوسطة ، وبالقرى ، والمداشر ، والجبال .. وهو العش الذي ستبزغ منه نواة النضال التي عرفتها سنوات الستينات والسبعينات ، سواء في المجال الحقوقي الحقيقي ، او المجال النقابي ، او السياسي ، او الطلابي ، او في ما يخص توسيع رقعة النشاط الثقافي ، والجمعوي الجاد ، وتطوير تعابيره واساليبه المتنوعة ، التي تصقل فكر وعقل الانسان المغربي ، الذي فطن للمسرحية التي تلعبها القوى المندمجة في مشاريع النظام ، بحيث أصبحت متجاوزة أيديولوجيا ،وتنظيميا ، وسياسيا بمطالب الجماهير ذات العنوان العريض الذي هو سلطة الشعب ..
واذا كان الحكم قد تمكن من إطالة انفتاحه المزعوم ، بفرض عصا ( الاجماع ) ، والانفتاح المَقْلب ، وحقنات المساعدات الخارجية ، وتواطؤ طابوره الخامس داخل الحركة التقدمية الحقيقية ... ، فان الواقع الموضوعي كان اعند واقوى . وهذا ما جسدته وعبرت عنه الجماهير الشعبية في مختلف الانتفاضات التي عرفها المغرب ، وليس اخيرها حركة 20فبراير والتطورات اللاحقة بها ...
سياسة الهروب الى الامام :
لقد كانت حركة 20 فبراير رغم خسارتها حين سقطت في مقلب دستور 2011 ، وطابعها الظرفي العفوي ، تدشينا لتطور جديد لنضال الجماهير الشعبية ، وقواها الحية بعد موت الحسن الثاني ، اذ جسدت في آن واحد هشاشة الانفتاح ، وطابعه النخبوي من جهة ، وإدانة الجماهير لهذا الانفتاح المزيف ونتائجه العملية ، وفجرت الاجماع المزيف المفروض ، وعرت حقيقة الديمقراطية المزعومة من جهة ثانية . لكن طابعها العفوي ، واستمرار الهيمنة الاصلاحوية التحريفية على مواقع التقرير والتعبير داخل الحركة التقدمية ( الملكية البرلمانية المغربية ) على الطريقة المغربية ، لم يكونا ليسمحا بتطويرها ، وتصعيدها ، وتجذير نفسها النضالي . لكنها مع كل ذلك وضعت النظام مجددا امام ازمته الدائمة ..
ولمحاولة اخراج نفسه من الورطة الحقيقية ، لم يكن للنظام من سبيل آخر غير نهج سياسة الهروب الى الامام ، مجسدة في المحاور التالية :
--- انتزاع المبادرة السياسية من جديد لمسالة السيادة الوطنية ، وتوظيفها داخليا على غرار ما عمل في نهاية سنة 1973 ، سواء لتبرير القمع الداخلي ، او لطمأنة الجيش . ومن ناحية ثانية محاولة فك عزلته الدبلوماسية والسياسية ، خاصة على المستوى الافريقي ، وعلى مستوى الاتحاد الأوربي ..
--- تعميق الترابط مع الامبريالية الفرنسية والأمريكية ، والتي وصلت درجة مقايضة مغربية الصحراء ، بالتطبيع مع إسرائيل ، والتنازل عن القدس وفلسطين ، وعروبة الجولان ، والضفة .. فاعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمقايضة الصحراء بإسرائيل ، كان نتيجة هذا الخضوع التام ، والترابط بين النظام ، وبين أمريكا وفرنسا التي تسير على نفس خطى واشنطن .. انّ رجاء النظام المغربي دعم ومساندة الامبريالية الامريكية والفرنسية له كنظام ، كان مقابل تنازلات خطيرة في شكل قواعد عسكرية امريكية ستقام بالداخلة ، زيادة على جعل التراب الوطني رهن إشارة قوات التدخل السريع الامبريالية للعدوان على الوطن العربي وافريقيا .. ان تشييد قاعدة عسكرية أمريكية بالداخلة لن يكون لوجه الله ..
--- وبترابط مع التوجهين الاولين ، التهافت على بيع القضية الفلسطينية للحفاظ على عرشه ، وتقديم خدماته السياسية كوسيط للرجعيات العربية ، الامارات العربية المتحدة ، السعودية ، البحرين ، وحتى قطر التي تنشر فضائية الجزيرة خريطة المغرب دون صحراءه ... ، لدا أمريكا ، خاصة مع اشتداد عزلة العراق ، وسورية ، وليبيا ، واليمن ، والجزائر المهددة بالتدمير والتخريب .. يكون النظام قد ابان عن وجهه الذي لم يكن خفيا ، ويكون قد اختار اصطفافه ضد القضايا القومية ..
--- تقليص رقعة النشاط السياسي ، والنقابي الجاد ، والجمعوي الملتزم ، وتهميشه اكثر ما يمكن ، في محاولة منه لتجميد الساحة الداخلية ، عبر تصعيد القمع ، وتنويع اساليبه ، ومجالاته ، مقابل الحفاظ على واجهة نشاط سياسي فولكلوري ، يحفظ ماء وجه الديمقراطية المحمدية المزعومة ، مثل الديمقراطية الحسنية سابقتها ..
--- توظيف مختلف خدماته الخارجية السالفة الذكر ، للحصول على المساعدات والهبات المالية ، والقروض ، للتنفيس عن الازمة الاقتصادية ، وخلق نوع من الرواج المالي على الأقل ..
انّ كل هذه المحاور المتداخلة والمترابطة كما هو واضح ، عاجزة عن حل مشاكل النظام المتفاقمة بشكل حاسم ونهائي ، لكنها تسمح له بربح الوقت لترتيب أوضاعه ، لمحاولة استرجاع المبادرة والتحكم فيها . فهذه التوجهات تجسد كما برز من خلال السنتين الأخيرتين ، حقيقة أساسية وهي ان النظام – فضلا عن استراتيجيته العامة الواضحة الملامح – يعيش على الحلول الظرفية القائمة على ربح الوقت ، واجترار الوضع . فهو واع تمام الوعي لقصر نفس هذه الحلول ، خاصة عندما تتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي الأكثر من متأزم ، فما يهمه بالتحديد هو كبث النقمة الشعبية ، وابعاد شبح الانفجار الشعبي الذي سيسبب شبح الانقلاب بتوجيهات خارجية من دوائر القرار الخارجي . أي انقاد النظام وضمان استمراره ، هما هاجسه اليومي ومحور سياسته الظرفية .. ولا يهم بعد ذلك ان يتحول المغرب الى محمية أمريكية فرنسية ، او يبقى خرابا وانقاضا .. هنا يراهن النظم على الصحراء كحاجب لسقوطه ، وعلى الانتخابوية لتحنيط الواقع في بوتقته اللاديمقراطية لتفادي النزول الى الشارع الذي قد يتحول الى عصيان مدني ..
--- ان سياسة الهروب الى الامام هذه ، اذ تترك للنظام عنصر المفاجئة والمبادرة ، كمنع وقفة لمحتجين ضد تطبيع العلاقات مع إسرائيل ، وتفريق الوقفات حتى قبل ان تقع ، لأنه يتخوف من تطورها الى انتفاضة شعبية عارمة لن تنتهي الا بسقوطه المدوي ، والذي انْ سقط بسبب ظلمه واعتداءاته على الناس ، لن يردف احد دمعة على ذهابه ، بل سيكون يوما وحدثا في التاريخ السياسي المغربي لا مثيل له ، فكما يقولون " على نفسها جنت براقيش " ..
ان سياسة الهروب الى الامام هذه ، انْ كانت تسمح للنظام بتغيير مواقفه بالسرعة والدقة المطلوبتين ، فإنها لا تخلو من المغامرة والمخاطرة . فسياسة من هذا القبيل تستلزم بالضرورة حصر دائرة القرار، وتضييقها ، وتشخيص القرار نفسه ، وبالتالي فان هذا يحرم النظام من دعم فعّال ، واع ، ومستمر من جانب ( نخبته ) ، و مريديه السياسيين ، الذين سيجدون نفسهم في ظل غياب الرؤية حتى على المدى القصير ، في حالة تردد وقلق دائمين . وهذا ما يجعل خطة النظام هذه ، مهيأة لان تنقلب عليه في أي وقت وحين ، خاصة وانه موضع سؤال لدى الامبريالية نفسها الغير مستعدة في الظرف الراهن للتخلي عن موقع المغرب ، لكنها مستعدة للتخلي عنه اذا ظهر الشخص البديل ، واذا كان التخلي عنه سيحول دون ارتماء المغرب في مشاريع ضد الغرب ، خاصة اذا كانت ذات اتجاه إسلامي راديكالي .. هنا تبقى المراهنة على الشخص البديل ضمن نظام جديد ، وضمن نفس الدولة ، او يبقى دور تدخل الجيش لقطع الطريق عن هذا المشروع امرا حتميا ، وبتشجيع دوائر القرار الغربي ، وعلى راسهم الولايات المتحدة الامريكية التي كان دورها في انقلاب 1972 واضحا .. وهو حل قد تشجعه فرنسا واسبانيا جارة المغرب ...
في ظل المحاور السالفة الذكر، عمل النظام اذن على استغلال الوحش كورونا ، لفرض حالة استثناء غير معلنة ، حيث تم اطلاق يد البوليس الفاشي ، والجهاز السلطوي المخزنزلوجي ، في الفتك بالناس ، ورمي الاحرار بملفات مشبوهة في السجون .. كل هذا يحصل بموازاة التناور السياسي خارجيا ، سواء فيما يخص مغربية الصحراء ، او الحكم الذاتي ، او " الاستفتاء " ، او التحرك على المستوى العربي بإعادة روابط العلاقات الانتهازية مع دول الخليج .. لكن خطة النظام افتضحت ، وتعرضت لأكثر من هزة طوال هذه الفترة التي تجاوزت العشرين سنة خلت على كافة المستويات ، ولم تزد مشروعيته سوى احتداما وحدة .. فرغم الاعتراف الشخصي ، وليس المؤسساتي الأمريكي للرئيس دونالد ترامب بمغربية الصحراء ، وهو اعتراف / مناورة ، وفخ / سقط فيه النظام المغربي حين ساوى بين الاعتراف بمغربية الصحراء ، وبين التطبيع مع إسرائيل ، فالاتحاد الأوربي الذي ثمن التطبيع ، رفض الاعتراف بمغربية الصحراء ، لان المسالة بيد الأمم المتحدة وليست بيد شخص ترامب .. اما وزيرة الخارجية الاسبانية ورئيس الحكومة فكان موقفهما ضد الاعتراف بمغربية الصحراء واضحا ..
اذن على مستوى التحرير ، تورط النظام في مسلسل لم ينجح في ادارته بعقلية واحترافية ، واداره فقط بالمناورات واللعب على طول الوقت ، ويكفي انه منذ خمسة وأربعين سنة والمشكل لا يزال عالقا ... ان ملف الصحراء ، وبعد مقلب الرئيس دونالد ترامب عندما اعترف شخصيا بمغربية الصحراء ، ومع الحرب التي تدور اليوم بالمنطقة ، اصبح مفتوحا من جديد على المستوى الدبلوماسي ، وفي ظروف وشروط مخالفة لوضعية ما قبل 1973 و ما قبل 1991 .. فيوم الاثنين المقبل سيعقد مجلس الامن بناء على دعوى المانيا جلسة حول الصحراء .. وستكون حاسمة ومخيبة للآمال التي استشرقها النظام من مقايضة الصحراء ، بالتطبيع على حساب القضية الفلسطينية والقدس .. فالنظام يريد انهاء مشكل الصحراء باي ثمن ، لأنه يهدده في وجوده ..
وانطلاقا من استحالة الحسم العسكري انِ طالت الحرب ، وانطلاقا كذلك من صعوبة الاستمرار في وضع الاستنزاف الحالي بكل تكاليفه البشرية والمادية ، وبكل انعكاساته السياسية والمعنوية ، اصبح هامش التناور امامه جد ضيق ومحصور .. فسواء بقي على هذا الحال ، او اقر الحكم الذاتي الذي يرفضه الطرف المعني ، او تجرأ على تنظيم استفتاء على الطريقة المغربية ، وليس الأممية .. فانه يجد نفسه بين خيارين كلاهما مر، وكلاهما يهددانه في وجوده وفي مصيره : التنازل بعد سنوات من التضحيات واهدار الطاقات ، او التعنت وقبول خيار استمرار وضع الاستنزاف بكل انعكاساته الخطيرة .. خاصة وان مناورات المغرب العربي كمجال للتنفيس عن أزمات الأنظمة الاستبدادية ، والطاغية ، والدكتاتورية ، ومشاكلها .. ، وصلت هي الأخرى الى مأزقها المحتوم ، خاصة على مستوى العلاقة بين النظام المغربي والنظام الجزائري ..
ومما يزيد صعوبة الوضع للنظام ، هو كون لا الولايات المتحدة الامريكية ، ولا فرنسا على تباين مصالحهما الضيقة ، لا ترغبان في ان يسير التوتر في المغرب العربي بشكل يهدد مصالحهما في أي قطر من اقطاره .. ومن ثم يمارسان الضغط على الحلقة الأضعف التي هي النظام المغربي ، للحفاظ على الامتيازات القائمة بالنسبة لهما في شمال افريقيا ..
اما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فالوضعية وصلت درجة بالغة الخطورة ، سواء تعلق الامر بالكساد الداخلي وكل انعكاساته السلبية ، بما في ذلك على البرجوازية نفسها ، او تعلق بمصداقية الحكم لدا المؤسسات المالية الدولية ، ودول البترودولار .. ومع استمرار الجفاف البنيوي رغم التساقطات الحالية ، وانعكاساته ، وآثاره ، وتزايد نفقات الحرب ، ومستلزماتها ، والارتفاع المستمر للطاقة ، والدولار ، والاورو ... ، تزداد الازمة الهيكلية المزمنة في الاستفحال والتردي . وهذا ما يتجسد يوميا في استفحال ظاهرة البطالة ، والارتفاع المهول لتكاليف المعيشة في ظل ضعف الأجور ، بل وتعميم ظاهرة الطرد والتسريح من العمل . ان الازمة لا تخيم على حاضر المغرب فقط ، بل ترهن مستقبله كذلك ، سواء بالديون المتراكمة بشكل مخيف ، والتي لا يزال الحكم متماديا في سياسة الاقتراض بدون حسيب ولا رقيب .. مع تكلفتها المتصاعدة ، او بالتفكك والتسيب الذي تعرفه الهياكل الاقتصادوية القائمة ، وانسداد آفاق التجاوز والحل ضمن الأوضاع الحالية ..
اما على المستوى السياسي ، كان اهم تحول جوهري ، هو فقدان الاتجاهات الاصلاحوية / المقامرة والمغامرة ، لهيمنتها واحتكارها ، لا على المستوى السياسي ، ولا على مستوى النقابات والجمعيات .. خاصة وان مناورات النظام الانتخابوية منها والسياسية ، رغم انها اسالت اللعاب في زمن مضى ، فإنها اليوم لم تعد تقنع حتى منظميها والمساهمين المباشرين فيها ، فبالأحرى ان تنعكس على المستوى الشعبي .. وانّ هذا التحول المحزن ، قد شكل احد الأسباب الرئيسية في هروب النظام الى الامام ، والتحكم في الأنظمة الانتخابوية ، وفي تحديد نوع الأشخاص ، ونوع القوى التي ستتشرف بتطبيق برنامج الملك الذي يسقط من فوق ، بل انه دفع النظام لإقحام نفسه كطرف مباشر في الصراع ، داخل بعض الأحزاب التي تريد لعب دور المعارضة البرلمانية في ثمانينات القرن الماضي ، في محاولة لحسم وحدة المكونات او عرقلتها بأسباب واهية ومتعددة ، وهي المحاولة التي ستعلن فشلها المدوي بمجرد الإعلان عن نتائج انتخابات 2021 .. فالداعي لرفع شعارات الوحدة ليس أيديولوجي ، ولا تنظيمي ، ولا حتى سياسي ، لكنه يبقى مصلحي ، لأنه في النهاية يتمنى شرف المشاركة في تنزيل برنامج الملك الذي لم يشارك في الانتخابات ، ولا صوت عليه احد ... أي يتمنون ان يحظوا بمناصب سامية كوزراء ، او كبرلمانيين ، او سفراء لا غير ..
ان خطورة مأزق النظام كما هو واضح من خلال الاستعراض السريع للمستويات الثلاثة السالفة ، لم يترك امامه خيارا اخرا ، غير البحث ومن جديد ، عن اكتساب الوقت الذي اصبح همه الدائم وهاجسه اليومي .. في هذا الاتجاه تم تطبيق تعليمات البنك الدولي من قبل عدو الشعب المغربي المدعو عبدالاه بنكيران ، ومن بعده سعد الدين العثماني ، كما كان من قبل في عهد اليوسفي ، امام مباركة جميع النقابات التي لا تزل منذ اكثر من ثلاثين سنة ، تتشبث بالسلم الاجتماعي المفروض على الموظفين ، والمستخدمين ، والعمال ، وكل الشعب العامل . فالالتزام بتعليمات شروط البنك الدولي ، هي شروط للحصول على المزيد من الاقتراض ، والديون الذي لا احد يعرف الوجهة التي اخذتها ..
اذن من الناحية السياسية فان نهج النظام الواضح ، هو استمرار التجميد ، والحظر الفعلي على النشاط الديمقراطي الحقيقي ، مقابل انفتاح ضيق على قوى الاحتراف والارتزاق السياسي ، من خلال ما اسماه تنظيم الانتخابوية في افق 2021 .. كل هذه التوجهات تبقى دائما تحت غطاء ( الاجماع ) الفاسد ، و( الانفتاح ) الخادع ، وتعزيز ( الجبهة الداخلية ) لمواجهة التهديد الذي تتعرض له الصحراء الغربية ، وتستلزم بالضرورة لجم الساحة السياسية ، من خلال تصعيد القمع والاضطهاد ، ضد الطاقات النضالية ، والقوى الحية ، واغراق السجون بالأحرار والشرفاء من ديمقراطيين ، وصحافيين ، ومثقفين ، و كتاب ، وفاضحي الفساد ... لخ
2 ) بين الامس واليوم والغد : الوضعية الراهنة والاحتمالات المرتقبة .
ان المحددات والثوابت التي تعرضنا لها بإيجاز ، والتي تتحكم في سياسة النظام وتكتيكاته من جهة ، وتبلور وتعمق تناقضه الراسخ مع الجماهير الشعبية من جهة ثانية ، هي التي تطرح امامنا معالم تطور الأوضاع المستقبلية ، وتسمح لنا كمثقفين سياسيين ومحللين للشأن العام ، ليس بالتنبؤ او التخمين فقط وهذا حقنا ، لكن بالتأكيد على الحقائق والاحتمالات الواقعية الآتية :
أولا : ان الأسباب الهيكلية ، والدوافع الموضوعية ، الاقتصادية والاجتماعية ، والسياسية ، التي أدت الى تفجر سخط الشعب والجماهير ، وتذمرها ، واقبالها على الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية العارمة عن لقمة العيش والكرامة ، التي عرفها تاريخ المغرب منذ 23 مارس 1965 ، مرورا بيونيو 1981 ، ويناير 1984 ، ودجنبر 1990 ، و 20 فبراير 2011 .. لا تزال قائمة وحاضرة ، وبشروط اكثر واقدر ... فالمغرب اليوم كله يتموج ومن دون تعب ولا كلل ، والشعب مصمم على انتزاع حقوقه الشرعية ، والدستورية ، والطبيعية مهما كلفه نضاله من تضحيات ، ومن شدائد سترسم افق مستقبله ، ومستقبل ابناءه ..
وبما ان الحكم الذي يسيطر لوحدة على ثروة المغاربة المحرومين منها ، عاجز هيكليا اليوم كما في الامس ، عن إيجاد أي حل لهذه الازمة البنيوية والمفتعلة قصدا ، حتى يستمر لوحده يسود سياسيا ، واقتصاديا ، وماليا ، بل هو عاجز حتى على المنظور البعيد وليس فقط المتوسط حتى لا نقول القصير ، فان دوافع السخط والنقمة الجماهيرية تظل قائمة ، وبالتالي شروط انتفاضة شعبية عارمة قد تتحول الى عصيان ، قد يتطور الى طوفان لن يبقي ولن يدر، تظل قائمة هي الأخرى ..
ثانيا : امام وضع كهذا ، --- حيث المغرب مرشح لجميع الاحتمالات ، لم يبق للحكم من وسيلة قبل وصول الطوفان ، غير الاستمرار في الاعتماد على القمع ، والقتل ، والاختطاف ، والتشريد ، والاغتيال المادي والمعنوي ، كسياسة ومنهج مقيت في الحكم ، لمحاولته تكسير الموج قبل ان يتجمع ، ويعلو العلو الشاهق في شكل تسونامي سيشطب الأخضر واليابس ، خاصة مع انفضاح ( الاجماع ) و ( الانفتاح ) و " المسلسل الانتخابوي " ، حَكَم الشعب على هذه الخرجات المفضوحة بالإفلاس وليس فقط بالفشل ، وتعريتها بشكل نهائي امام الرأي العام الداخلي والخارجي .. --- ، فان الحكم سيزيد من تشدده في قمع الحريات الديمقراطية ، وتضييقه الخناق على المنظمات الجماهيرية ذات المصداقية الحقيقية وسط الجماهير الشعبية ، وتسليط عصا القمع الغليظة على المناضلين التقدميين ، والمثقفين ، والكتاب ، والصحافيين .... كما هو مشاهد اليوم بشكل اكثر مع محمد السادس . هذا مع العلم ان مأزق الصحراء سيزيد تعمقا ويزيد معه استنزاف الحرب ومستلزماتها .
واذا كان القمع المنهجي يسمح للنظام بالاستمرارية والتحكم المؤقت في الأوضاع ، فانه سلاح ذو حدين لا محالة ، لأنه يبرز طبيع الحكم المطلق الطاغي والاستبدادي ، ويعمق من عزلته الشعبية اكثر ، ويقلص من( مصداقيته ) لدا القوى الامبريالية ، وبالتالي فانه لا يعمل سوى على رفع التناقض الأساسي الى مستويات اعلى ، فيزيد من ضعف النظام رغم مظاهر القوة والعجرفة ...
ثالثا : وهذا ما يفتح الباب امام احتمال خطير يلوح في الأفق اكثر من أي وقت مضى ، ذلك ان الامبريالية الامريكية – وكذا الفرنسية – تعي خطورة الوضع القائم ، وتنظر بعين الحرص والانتباه الى مصالحها الضخمة في المغرب ، استراتيجيا ، واقتصاديا ، وسياسيا . ومن هنا فإنها لا تتردد في استعمال سلاح الانقلاب العسكري في حالة انفلات الأمور من يد الحكم وعملاءها المحليين الحاليين ، وتململ ميزان القوة لصالح الجماهير الشعبية وقواها الثورية التي ستنبثق من وسطها ، وذلك لاستدراك الوضع ، ومحاولة اجهاض الثورة الوطنية والديمقراطية الحتمية الوقوع في ظروف كهذه ، وقطع الطريق على أي تطور جذري يفلت زمام المبادرة من بين ايديها ، ويمس بمصالحها الأساسية ..
والجدير بالذكر ان البرجوازية الكمبرادورية ، خوفا على حاضرها ومستقبلها ، وفي غياب مخارج سياسية بديلة ، قد تخرج عن كنف النظام وتنقلب عليه ، لتشكل القاعدة الاجتماعية لأي مشروع امبريالي / انقلابي ، خاصة وانها مهيأة اكثر من غيرها ، لضمان مصالح الامبريالية وصيانتها ، بحكم ارتباطها المصيري بهذه المصالح .
رابعا : ومع وضعية غليان كهذه ، وتعمق السخط والتذمر الشعبي ، وغلبة اليأس والانهزامية لدى بعض الأوساط النيو/ مخزنية ... وامام اندلاع الحرب في الصحراء ، وتحركات الصحراويين بالأقاليم الجنوبية ، تبدو التربة خصبة كذلك لانتظار جميع السيناريوهات ، وأكثرها قسوة ، اندلاع حرب / مقاومة مسلحة بالمدن الجنوبية ، قد تخلط الأوراق لدخول اسلامويين او انتهازيين الصراع ، محاولة السيطرة على الحكم من فوق .. ورغم ضعف هذا الاحتمال ، فلا يجب اسبعاده تماما ، بحكم توافر عناصر لا تنتعش الاّ في الماء العكر ، وتشكل المغامرة الاسلاموية بديلها الواحد الأوحد للمساومة بها ، طمعا في الحصول على مكانة ما ، ضمن مشروع التغيير الفوقي للسلطة المسخر من طرف الامبريالية ..
خامسا : ان اثارة هذه العوامل والاحتمالات الناجمة عنها ، تأخذ في الظرف الراهن أهمية قصوى . فكما هو واضح ، اصبح العنصر الخارجي ، متجسدا في الامبريالية وهيمنتها الاقتصادية والسياسية ، عنصرا مؤثرا في الصراع ، وقد يكون حاسما . وان المنعطف التاريخي الذي سجلته انتفاضة حركة 20فبراير ، وقبلها الانتفاضات التي عرفها المغرب في تاريخه النضالي ، من جهة ، ومن جهة ثانية تعاظم حظوظ الاحتمال الثالث ( الانقلاب الامبريالي ) في حالة اشتداد الصراع وميوله نحو اتجاهات تصادمية مع المشاريع الغربية .. يطرحان على الشعب المغربي ، وعلى مناضليه الثوريين والديمقراطيين ، تعقيدات كبيرة ، ومسؤوليات جديدة وملحة ، إذ في كلا الحالتين – الانقلاب الامبريالي ، الانتفاضة الشعبية التي تتحول الى عصيان مدني ، فإلى طوفان --- لن يتردد أعداء الشعب في تسليط الإرهاب عليها ، والتصفيات ، والتفجيرات المخدومة والمصطنعة ، كمقدمة لإجهاضها .
ولن يكون من باب المغلاة التأكيد ، على ان حركة التغيير التاريخية التي ستنبثق من قلب الحراك العام ، موضوعة امام خيار واحد : إمّا ان تستفيد من أسباب الفشل الذي ضرب الحركة التقدمية المغربية منذ ستينات القرن الماضي ، فتتمكن بذلك من تطوير أوضاعها المادية ، والذاتية ، وتصليبها ، بترسيخ مكتسباتها وتقويتها ، حتى تكون في مستوى التجاوب مع الوضع بكل احتمالاته ومتطلباته . وإمّا ان تتعرض للإجهاض والتصفية كسابقتها في صورها وعناوينها المختلفة ، الى ان وصلت اليوم الى وضع لم يكن متوقعا من قبل ..
واذا كنا قد ركزنا خلال هذه الدراسة المتواضعة ، للأوضاع السياسية واحتمالاتها على استراتيجية النظام القمعي ، وخططه وتكتيكاته ، فليس معنى ذلك اهمال الوضع الجماهيري ، ومكتسبات الحركة التقدمية المغربية طيلة صراعها مع النظام الاستبدادي ، والطاغي ، والقمعي ، او ان النظام وحلفاءه يتمتعون بموقع القوة بشكل مطلق ، ينفدون من خلاله كل مخططاتهم بشكل آلي او بضربات سحرية .. فعلى العكس من ذلك ، فان الشعب المغربي وشبابه الذي تخرج من الجامعات ويعاني البطالة المفروضة ، يبقى هو صاحب الكلمة الأخيرة ، وانّ أي تعليل يتغاضى عن ذلك ، او يسقط من حسابه قدرة الشعب على الرد والمواجهة ، انما هو تحليل مبتور يتغاضى عن نصف المعادلة السياسية القائمة ..
ومن جانبنا تؤكد على ضوء الاحداث والوقائع المستجدة ، أنّ الشروط الموضوعية للتغيير الجذري والثوري في المغرب ، قائمة متعمقة منذ زمن غير قصير ، أي منذ حوالي عشرين سنة الاخيرة ، وان الجماهير عبرت بالملموس عن طموحها في التغيير الجذري ، واستعدادها للتضحية والاستشهاد في سبيله .. يبقى الخلل اذن في الشروط الذاتية القادرة على تأطير نضال الجماهير، والتجاوب معه ، والالتحام به ، وقيادته نحو أهدافه الإيجابية المنشودة ..
فهل سيتمكن الشباب الواعي والمثقف ، الذي يشكل الطليعة الثورية الغير معلن عنها ، والدائبة وسط الشعب في القرى ، والبوادي ، و المداشر ، والمدن الصغرى والمتوسطة ، أي الأطراف من رص الصفوف ، وبلورة التنظيمات من قلب الشعب ، ومن قلب التموجات اليومية ، وحشد كل الطاقات الوطنية الصادقة في معركة التغيير الوطني الديمقراطي الحقيقي ، والالتحام بالجماهير الشعبية في نضالاتها اليومية العريضة والمتعددة الجهات والجبهات ، كما في وقت الانتفاضات والمجابهة ؟
ان القاء نظرة على المجتمع ، وادراك التفاعل الذي يسوده ، والوضع الأكثر من متردي ، والأكثر من متأزم ، يدفعنا للقول ، بان هذا هو الاحتمال الأقوى بالنسبة لكل الاحتمالات السابقة الذكر .. وهو الاعْند ، والاصلب من كل الحسابات الامبريالية والرجعية .. الصحراء مغربية / فلسطين عربية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة