الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاريخ فن قبل أن يكون علم / المغرب الأقصى والارتباط التاريخي بالأندلس ...

مروان صباح

2020 / 12 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


/ ما هو الجديد الذي يمكن استنباطه من المسألة الصحراوية تحديداً هذه الأيام ، ولقد لفت إنتباهي ، مساجلات البعض بأحقية الرباط بصحرائها مقابل الآخرون ينكرون عليها هذا الحق ، أو بالأحرى يجدون أعذار للبولسياريو بالانفصال عن الوطن الأم ، وبهدوء وبعيداً عن الاحتدام الذي ينتج من المشاحنات التناظرية ، نقول اولاً ، إتكاءً على التاريخ والمكان والبيئة التكوينية للقبائل ، تعتبر المغرب إحدى المواقع الجغرافية المتنازع عليها تاريخياً وهو يعد من البلدان التى تُصنف ببلد المواجهة منذ الوجود الإسلامي ، بل تحديداً بعد مؤتمر برلين من عام 1884م الذي استضاف الدول الاستعمارية الكبرى ، بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال ، بدأت العملية الثانية لتقسيمه بعد فك ارتباطه مع الأندلس والجزر المحتلة ، بل أتفق المجتمعون بضرورة تقسيم القارة الأفريقية برمتها بينهم ، وأعتبر مؤتمر برلين حسب المؤرخين من أنجح المؤتمرات لأن توصياته نفذت بالحزافير على الأرض ، وبالتالي هذه المقدمة تهدف إلى إظهار الخلاف التاريخي بين فرنسا وإسبانيا على أرض المغرب الكبير ، لكن حتى الساعة في ذاك الوقت ، كانت فرصة باريس أكبر بكثير من مدريد ، لأنها كانت تحتل دولتين أساسيتين ( الجزائر وتونس ) في أفريقيا ، وبالرغم من لجوء السلطان الحسن الأول إلى بريطانيا ، طالب النجدة لكي يجنب المغرب من الاحتلال ، إلا أن البريطانيين توافقوا مع الفرنسين على إحتلال مصر والمغرب ومن ثم تم إرضاء الإسبان بصحراء المغربية ومورتانيا التى تعني الأخيرة باللغة العربية ( أرض المسلمين ) ، وبالمناسبة لم تكن يوماً ما موريتانيا بدولة مستقلة ، كانت دائماً جزء من الأراضي المغربية حتى وفاة السلطان ، ومع الحرب العالمية الثانية ونتيجة للتناحر الغربي وفقدان الأطراف المتناحرة أعداد كبيرة من الجنود ، بالإضافة للعتاد وتفاقم الأزمات الاقتصادية التى ترتبت على حكومات الدول بسبب الحرب ، بدأت المنطقة المغربية بصنع ثورات ، بدائها الشيخ عبدالكريم الخطابي وابنه محمد ثم استكملت بثورة أطلقت عليها آنذاك ( الملك والشعب ) ، التى بفضلها تم إخراج الفرنسين والبريطانيين من المغرب ومورتانيا وأخفقت الثورة في إنهاء الاحتلال الإسباني في الصحراء ، لكن فرنسا قبل خروجها من موريتانيا تمكنت إقناع الموريتانين بالاستقلال لأول مرة عن المغرب ، وبالتالي انسحاب الاستعمار ، دفع سكان الصحراء بتثويرهم بعد مشوار طويل من المفاوضات العبثية في الأمم المتحدة ، بالفعل اشتعلت انتفاضة الزملة التى دفعت الإسبان بتسليم للواقع ، لكنهم ايضاً حاولوا زرع فتنة عندما جمعوا الطرفين الموريتاني والصحراويين في مدريد عام 1975م ، كمحاولة في إقناعهما بحق الطرفين بالصحراء ، وعندما فشلوا في تحقيق هدفهم ، جاؤوا بقرار الاستفتاء على الصحراء ، في المقابل ، بادر الملك الحسن الثاني قبل ذلك بتحريك 350 الف مغربي نحو الصحراء تحت اسم مسيرة الخضراء ، وهو رقم يتطابق تماماً مع العدد السكاني لأبناء الصحراء ، أخ مقابل أخ ، لكن إصرار الاستعمار على تفتيت المنطقة لم يكن مخفي للحظة ، لقد قامت فرنسا بضم منطقة تندوف المغربية للجزائر لكي تنقل الصراع من اللفظي إلى المحتدم .

ترتب على ذلك الضم ، إشعال حرب بين المغرب والجزائر وتعمق الخلاف بين الأطراف عندما أعلنوا البوليساريون دولتهم الصحراوية ، على الفور أعترفت الجزائر وليبيا والمربع الشيوعي آنذاك بها ، وعليه بنت المغرب جدار رملي من أجل وقف هجمات جبهة البوليساريو ، وعلى الرغم من التدخل المشترك ، الأمريكي الفرنسي المبكر ، من أجل وضع حلول للمسألة الصحراء المغربية بعيداً عن الإسبان ، وبعد مفاوضات طويلة ، قدما الطرفين مشروع إقامة حكم ذاتي في إطار الدولة المغربية ، وبالتالي لم يكن قرار الرئيس ترمب بالغريب أو الجديد على الدبلوماسية الأمريكية ، إذن درس الصحراء بصراحة لا بد له أن يكون بالدرس الأخير للمغرب ، لأن تردد الدولة بالانخراط سابقاً في تحريرها وترك المهمة للسكان ، خلق شعور لديهم بحقهم بالانفصال ، لهذا مواصلة التحرك السلمي والدبلوماسي في مطالبة الجرز الخمسة أمر يعزز الشعور لدى المواطنيين بالانتماء للدولة المغربية ، ولأن ايضاً الاستعمار حاول جاهداً تقسيم شمال المغرب إلى عدة دول وهذا حصل بالفعل في السودان ويجري على قدم وساق في العراق ، وبالرغم أن الإتحاد من عقيدة المسلمين ، إلا أنهم يعملون عكس العالم ، فالغرب أو حتى الأفارقة وايضاً اللاتينيين ، يحاولون تجميع دولهم في إتحاد موحد بهدف صنع الهيبة والسيادة والقوة ، وهنا يتساءل المراقب ، أين تجد الجزائر مصلحة العرب من إنشاء دولة في الصحراء لسكان لا تتجاوز أعداهم 350 ألف ، بل الصحراء تعتبر منطقة غنية بموقعها ومواردها ، بالتأكيد انفصالها غاية لكي يتم الاستفراد بها وايضاً حرمان المغرب من جغرافيا تعزز مكانته في المغرب الأقصى ، فالصحراء تنتج 9% من فوسفات العالم ، ولديها مخزون من الحديد 4,6 مليون طن والنحاس والذهب وأكبر حوض سمكي في أفريقيا ، لديه القدرة على إنتاج 2 مليون طن سنوياً ، وايضاً أرضه تعوم على مساحات كبيرة من النفط والغاز ، لكن أفعال العرب للأسف ، تشير عن الوعي المفقود ولا يرتقي للمسؤولية ، فمنذ الاستقلال الجزائر وبالأخص في عهد الرئيس هواري بومدين لم تحسن الجزائر التعامل مع الجار ، صحيح أن بومدين كان رجل وطني وثوري لكنه ايضاً كان رجل سيكوباتي كما شخصه الفيلسوف ( الفرنسي الجزائري ) فرانز فانون ، فالأخير كان طبيب نفسي وعمل معه في جبهة التحرير الجزائرية ويعرفه عن قرب ، وبالتالي تسّيرهُ لمسيرة مضادة لمسيرة الخضراء تحت أسم مسيرة الكحلاء ، هو فعل غير مسؤول ولا يصب في صالح التعاون العربي حتى لو كانت الخلافات موجودة ، بل نقل التسخين الكلامي إلى مستوى متقدم من الصنع ، من خلال تهجير ما يقارب 300 ألف مغربي من الجزائر إلى المغرب ، مع حرمانهم من ممتلكاتهم الخاصة ، وكل ذلك من أجل مناكفة ملك المغرب السابق ، هو أمر يهدد أمن الأقليم ، بل سياسات الجزائر على المدى الطويل كانت فاشلة وسنضرب مثل شاخص على ذلك ، عندما بدأت الحكومة الجزائرية بتصدير الغاز والنفط ، كان الدينار الجزائري الواحد يساوي درهمين مغربين ، أما اليوم وبالرغم من عدم امتلاك المغرب الغاز والنفط ، إلا أن الدرهم المغربي يساوي 12 دينار جزائري ، بل الأمور لم تتوقف عند هذا الحد ، لقد نشر بومدين الفكر الشيوعي بين البوليساريوين لكي يتمكنوا من حمل السلاح بوجه إخوانهم وشركائهم في الوطن .

جميع الخطب دارت حول ترقيع ما يمكن ترقيعه من فجوة متباعدة بين دول المغرب العربي ، وبالرغم إلى النظرة العامة لشمال أفريقيا ، تبقى الغاية من تقسيمه هدف استراتيجي ، بل في الواقع هناك تقسيمات مهمة ولها أبعاد ودلالات خافية على المراقبين العاديين ، وقد أشار عنها المفكرين والمؤرخين أمثال الباحث في البحث المصدري ، المغربي المنوبي والتاريخاني العروي الذي دعى الأخير إلى القطيعة مع التراث والتبني الحداثة ، أشارا حول تاريخ المغرب الأدنى والأوسط والأقصى ، وللمغرب خصوصية عن باقي الدول الأخرى ، وخاصته تكمن بتأخر دخول الإسلام إليه وانقطاعه السريع عن الخلافة الأموية في دمشق ، وبالتالي استقلاله الإسلامي أسس إلى بناء ما يسمى بالوجدان والمشاعر المشتركة بين المغاربة ، ايضاً ذهب فيما بعد من خلال التاريخ المتنوع في بناء الوطنية الخاصة والمختلفة عن الدول المحيطة به ، كان الداخل الأول موسى بن نصير أعتمد على سياسة إدماج الأهلي والقبائل في شؤون الدولة من خلال مشاركتهم الكثيفة في المناصب وفي مقدمتهم طارق بن زياد ، وبالرغم من إنقلاب الخوارج وتمردهم إلا أن المغاربة الذين اسلاموا استمروا بإسلامهم ، كان بإمكانهم العودة إلى دياناتهم السابقة ، لأن كانت الأغلبية حتى لحظة خروج الخوارج والفرق الآخرى مازالت على دياناتها ، المسيحية واليهودية والوثنية ، وبالرغم ايضاً من عدم تعرفهم للإسلام بشكل كبير وإتقانهم للغة العربية بشكل واسع وعميق ، إلا أن الفرائض الخمسة بقت فاعلة بين المغاربة ، لكن خصوصيته تكمن بالتركيبة أو الخلطة التى زاحمت الأركان الإسلام المعروفة ، وهذا جعل البعض إطلاق على ملامح الإسلام المغربي بالوثنية أو اليهودية ، بل ظل المغرب حتى القرن 7 هجري أمازيغي ، أي خمسة قرون لا وجود للعرب ، ولولا الأمازيغيون تعربوا من تلقاء أنفسهم كان بقى حتى يومنا هذا على ما كان عليه ، وبالتالي القرأن والشعر والعلوم كانوا الدوافع لتعريب الأمازيغيين ، ومع هذا ، هناك سمة أخرى ، أرتبط المغرب قبل الإسلام وبعده بالأندلس كان أكثر من القيروان .

فضلاً عن حقائق متناثرة ليست أقل شأناً ، هناك مرونة ملحوظة من الصعب إحصاء لها ثوابت بقدر أنها متحركة ، فعندما يعود المرء للمراجع ، يجد أن الهوية المغربية في تكوينها ، دينامية / متحركة ، لم تكن يوماً ما متجمدة ثابتة ، لأن المغرب كما هو معروف ، كان أمازيغي اللغة ومتعدد الدين ، وبقت اللغتين العبرية والسريانية فاعلتين إلى جانب العربية ، لكن مع الوقت تراجعت اللغات الأخرى لصالح العربية ، في المقابل ، كما شهد الدين الإسلامي نمو وازدهار ، بقت اليهودية أيضاً تنمو في المغرب وأصبح البلد متنوع بين الأمازيغيين والزنوج والأندلسيين ، بل وصلت نسبة اليهود قبل الهجرة الكبرى إلى إسرائيل بين العقدين السيتينيات والسبعينيات إلى 15% من أصل السكان .

ولعل الأطراف ذاتها ، دون علم تبلور استقطاباً نزاعياً على نمط تستحسنه إيران ، هو استقطاب الهدف منه العبث في المغرب تماماً كما حصل في العراق وسوريا ، وهنا لا بد للجيش الجزائري وضع التقارير الاستخبارية أمام أمنه الوطني والبُعدين الإقليمي والقومي معاً ، لكي لا يتفاجؤا جنرالاته في المستقبل في واقع مشابه للعراق ، كما أن إيران تعمل بوضوح شديد في دفع مع حزب الله وايضاً الحوثيين لإعادة العلاقات والتواصل مع بقايا الخوارج والمذهب الشيعي المتفرعين من الإسماعيليين والفاطميين والزيديين ، بل الطرق الصوفية الممتدة في أفريقيا تساهم في مساعداتهم للظهور مجدداً ، وهذا يعتبر إنقلاب ناعم على أهل السنة والمذهب المالكي ، بل يتحركون في مدينة طنجة تحديداً ، لأنها كانت في التاريخ مدينة متشيعة وايضاً مركز للخوارج ، وبفضل شاكر بالله تحولت إلى المذهب السني ، بل الدولة الادريسة حاولت قديماً فرض التشيع كما فعلوا الفاطميين في مصر ، لكن المغاربة أبقوهم كسلطة روحية فقط .

هنا شيء جديد ، كيف نقرأ وكيف السبيل إلى الحكمة ، وللمفكر المغربي العروي أن يقول لنا كيف الاقتداء إلى ذلك ، يقول ( كتابة التاريخ فن قبل أن يكون علم ورواية قبل أن يكون مقالة تحليلية ) ، لهذا نجد المفكر مالك بن نبي أشار عن مسألة غاية من الأهمية ، عندما قال أن العرب مازالوا يعيشون ما بعد دولة الموحدين ، لأن بعدها بدأ مسلسل الاجترار وشرح الشرح ، وبات الفكر لا يتمتع في وسط الإمكانيات العربية بقيمة ذاتية ، الذي جعل المجتمع يطرح المشاكل بأسلوب عاجز أو عدم طرحها بالأصل ، لأن الشخصيات القادرة على تأسيس شبكات ثقافية مهمشة ، بل لم يكتفوا بإقصائها ، حلت مكانها فئة متعالمة ليس بوسعها نقل العلم إلى ضميراً ، بل الهدف منه العيش لا أكثر ، تماماً عكس لما كان ينتج من أفكار قبل سقوط دولة الموحدين ، وبالتالي المسلم فقدَّ ارتباطه بنموذجه الأصلي وفشل في الالتحاق بالنموذج الغربي الجديد ، ومن أهم هذه الفقدانيات إذا جاز لنا التعبير ( هكذا ) ، لقد خسر العلاقات الاجتماعية بسبب تعاظم الذات ، فأصبحت المشاريع المشتركة مستحيلة ، لهذا تكد لا توجد دولة عربية تتفق مع أخرى ، فجميع الدول العربية مصابة بالعظمى وبالتالي فقدت الرسالة ، بل الملفت في المسألة العربية ، بسبب العدمية تساوت دول الغنية مع الفقيرة .

ولا يتوهم المرء ، حين شاف قرار إعتراف واشنطن بمغربية الصحراء ، بعد المد والجز من التقلبات الدبلوماسية حولها ، ولأن عودتها رسمياً تعتبر فرصة جديدة لإعادة الارتباط الوطني انطلاقاً من القواعد الخدماتية والمؤسساتية الفاعلة والمستدامة بالتطور ، بل مصداقية القيادة المغربية ستساعد في عملية دفن الصراعات والمشاحنات واستمرارية البحث عن حلول لمشاكلها ، في المقابل ، عدم محاربة الفساد ، لا يعني سوى مزيد من التراجع الحضاري كما حصل بعد معركة العُقاب عام 609 هجري تاريخ سقوط دولة الموحدين ، معها سقطت العلوم والفلسفة والعلم ودورة الحضارة الإسلامية العربية ، وبالتالي اليوم هناك فرصة ملائمة للرباط لكي تطور الصحراء إلى مدينة حديثة ، تكون الحداثة الذكية دعائم للارتباط الوطني . والسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح