الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقرير مصير الشعوب بين الاستقلال والحكم الذاتي

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2020 / 12 / 19
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


جمهورية ديمقراطية أم ملكية برلمانية ؟

بعد أحداث الحراك الشعبي بالريف نشأت حركات سياسية تسعى للسؤال المطروح حول أفق العلاقة بين ثورة الريف وامتداداتها وتقرير مصير الشعوب، في العلاقة بين البعد التحرر للثورة وبناء أنظمة ديمقراطية بشمال إفريقيا كما يراها قائد الثورة الريفية ابن عبد الكريم الخطابي، في العلاقة بين التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالريف في علاقتها بالتحولات السياسية بالغرب الإمبريالي والغرب الإفريقي، نحاول هنا طرح تجربتين احتجاجيتين ذات أبعاد سياسية الأولى وطنية والثانية جهوية، في علاقتها بالحرية والديمقراطية، تاركين مجال استنتاج الطريق الثوري الصائب للقراء والمهتمين بالثورة بالمغرب.

تجربة حركة 20 فبراير

يتم الحديث في الأوساط السياسية والشعبية على السواء عن دولة "المخزن" التي تعتبر السلطة المركزية بالمغرب خلال القرون 17 و 18 و 19، عن طريق فرض الإتاوات على القبائل الأمازيغية مقابل جزء من الحكم الذاتي، والذي تمت مواجهته بعد سقوط الدولة السعدية في مناطق ما كان يطلق عليها آنذاك "بلاد السيبة" أي الحكم الذاتي للأروستقراطية القبلية بالبوادي، مقابل "بلاد المخزن" التابعة لسلطة الأروستقراطية المدنية بالمدن.
و قد نشب صراع مرير بين هاتين السلطتين لمدة 54 سنة من الحروب الأهلية بين المنظمات الحربية الأروستقراطية بالبوادي و دولة "المخزن" بزعامة إسماعيل العلوي، ولم يتم تطوير دولة "المخزن" إلا بعد فرض الإستعمار المباشر على المغرب في 1912 لضرب مطلب الشعب المغربي في دستور يؤسس للمواطنة بعد انتفاضة 1908.
و كان لتحالف الإقطاع (حكم القياد الكبار أمثال الكلاوي و الكندافي بالجنوب) والاستعمار (الفرنسي و الإسباني) أثر كبير في تطوير دولة "المخزن"، بعد القضاء على مقاومة الفلاحين الفقراء بالريف والأطلس وصغرو والسيطرة على جل أراضي بلاد المغرب، حيث تم تغيير مظاهرها القبلية إلى دولة رأسمالية تبعية يحكمها الكومبرادور والملاكين العقاريين الكبار وعلى رأسهم الملك منذ 1956، وتحولت هذه الدولة إلى استعمار جديد لهاتين الطبقتين المهيمنتين على السلطة السياسية والإقتصادية بدستور ممنوح يؤسس لحكم مطلق استبدادي منذ 1962.
وما التدخل الإمبريالي الفرنسي والأمريكي في شؤون المغرب في ظل الإنتفاضة الشعبية التي نعيش أطوارها اليوم، إلا محاولة فاشلة لإجهاض الثورة المغربية مرة ثانية لتركيز أسس الإستعمار الجديد الذي تمت زعزعة أركانها في 20 فبراير 2011.
وما النضال الذي تخوضه حركة 20 فبراير اليوم إلا بداية للتحرر من الإستعمار الجديد مما يتطلب الدفع بالإنتفاضة الشعبية المغربية إلى مستوى ثورة شعبية عارمة.
واختلفت الآراء ما بين مؤيد و معارض لشعار "الشعب يريد إسقاط النظام" كل من منطلقه الأيديولوجي و السياسي، إلا أنه بعد قمع مظاهرات 20 فبراير و 06 مارس تبين بالملموس أن النظام الديكتاتوري لم يمكن مستعدا للتفاعل مع مطالب الحركة الشبيبية 20 فبراير، خاصة بعد خطاب 09 مارس الذي تجاهل جوهر مطالب حركة 20 فبراير خاصة المتعلقة بالإقتصاد والمحاسبة والاعتقال السياسي، إلا أن الإمبريالية الأمريكية والفرنسية باركتا مضمون هذا الخطاب ودافعتا عنه باعتبارهما قادتا الثورة المضادة بالمغرب منذ عشر سنوات مضت، عبر تدفق مئات الملايين من الدولارات و مئات الملايين من الأوروهات لتسخير بعض النقابات و الجمعيات الحقوقية والثقافية والتنموية لهذا الغرض، ويلتقي السيد القرضاوي مع الإمبرياليتين في فتواه المؤيدة للكتاتورية بالمغرب باعتبارها النموذج الأمثل الذي يجب أن تقتدي به الأنظمة العربية الديكتاتورية بالمشرق.
وبين من ينادي بالجمهورية الديمقراطية ومن ينادي بالملكية البرلمانية يتشكل قطبي حركة 20 فبراير وبين هذين المنظورين فرق كبير، فالرئيس يتم انتخابه و تحديد مدة رئاسته أما الملك فهو من عائلة ليست كباقي عائلات البلاد لا يمكن انتخابه، ومن ناحية المضمون فكلاهما ضمن نظام بورجوازي يتبنى الرأسمالية كنظام اقتصادي يركز استغلال الطبقات الشعبية وعلى رأسها الطبقة العاملة، أما مفهوم الجمهورية الوطنية الديمقراطية الشعبية فهو ينبع من دولة ذات بعد وطني ديمقراطي بتوجهات اشتراكية تسيطر فيها الطبقة العاملة على السلطة، وهو الطرح الثالث الذي بدأ يتشكل داخل الحركة انطلاقا من امتدادات التيارات اليسارية الراديكالية التي ترى في هذا الطرح مضمون شعار "الشعب يريد إسقاط النظام".
فقبل الحديث عن أي دستور تريده حركة 20 فبراير وجب عليها اختيار نوع النظام السياسي وفق الأساس الإقتصادي الذي يلائم هذا الدستور، ففي الأنظمة الغربية التي تسمي نفسها ديمقراطية يتم تيسير استغلال الطبقة العاملة في ظل الوهم بالحرية، أما النظام الذي تريد حركة 20 فبراير تغييره فهو يعتبر الأسوء من النظامين اللذين تم ذكرهما سابقا لكونه يجمع بين الملكية والديكتاتورية في ظل نظام شبيه بالفيودالية، حول البلاد إلى إقطاعية عائلية يسيطر فيها أشباه الرأسماليين على كل منابع الإقتصاد بعقلية ذات أبعاد إقطاعية ذلك ما نسميه حكم الكومبرادور والملاكين العقاريين الكبار، نظام ديكتاتوري تحكمه عائلات محدودة على رأسها العائلة الملكية، فلا فرق فيه بين العمومي والخصوصي في الملكية والتسيير والتدبير.
ولا يمكن الحديث عن أي دستور من طرف حركة 20 فبراير بمعزل عن النقاط المقرونة بالدستور الديمقراطي الواردة في إعلانها ، فذلك هو ما يجمع مكونات الشبيبة في هذه الحركة إلى حين تحقيقها.
فلماذا التركيز في هذه اللحظة على مناقشة الدستور قبل تحقيق المطالب الأساسية ؟
يعتبر هذا العمل تحريفا لجوهر نضال حركة 20 فبراير وهو يسعى إلى تسيير وتيسير المسار المسطر في 09 مارس في اتجاه إلغاء مضمون مطالب حركة 20 فبراير، لهذا وجب رفض تحريف مسار الحركة من طرف شاباتها و شبابها و إلا فإن الحركة ستقع في ورطة تاريخية بين إعلانها التاريخي لمطالبها ومسار نضالها المنحرف عن خطها واستراتيجيتها.

تجربة حراك الحسيمة

نشأت علاقتي بالريف منذ اثنتي عشرة سنة، في 2005 خلال تضامني مع معتقلي انتفاضة الفلاحين بتماسينت من أجل الحق في السكن، تهدمت منازلهم جراء زلزال فبراير 2004 دون إسعافهم وتعويض خسائرهم، كانت تلك المرة الأولى التي أتعرف فيها على الريف، وفي 2008 للمشاركة في تأطير نشاط ثقافي نظمته جمعية "كفوس غ فوس" بأيت بوعياش، وفي طريقي إلى الحسيمة توقفت بإساكن، لزيارة عائلة فلاحة بإحدى القرى المعروفة بزراعة القنب الهندي، لأول مرة أتعرف فيها على نساء فلاحات يعملن بمزارع القنب الهندي، كان مجمل أحداث هاتين المحطتين مضمون مداخلتي في نشاط الجمعية، في العلاقة بين معاناة الفلاحين الفقراء ومافيا المخدرات بالريف وسوس.
شكلت هاتان المحطتان انطلاقة سفري بعيدا بالريف، 10 سنوات متواترة، جعلتني أتعلق بهذه المنطقة الهائلة أكثر فاكثر، إكتشفت خلالها أن الريف يختلف كثيرا عن باقي مناطق المغرب بتأثير ثقل تاريخه الكبير على الثورة بالمغرب، إنطلاقا من هذه النقطة تعلقت بالريف وشعبه الذي بحق لديه مميزات شعب، في كل زيارة من زياراتي لهذه المنطقة الرائعة تغتني ذاكرتي التاريخية وتتسع في اتجاه السفر في اتجاه أبعاد الثورة بالمغرب، إنه اكتشاف شعب يحمل بصمات تاريخ قائد ثورة عظيم : مولاي محند بن عبد الكريم الخطابي، رجل السياسة والحرب.
حدثان مهمان طبعا زياراتي للريف خلال السنة الماضية، الأول عند تضامني مع الفلاحين بتماسنت في يوم 24 يناير 2016 الذي تلاه زلزال اليوم الموالي بإمزورن حيث قضيت الليلة هناك، والذي أعادة لذاكرة الريفيين مأساة 2004، الثاني عند اغتيال الشهيد محسن فكري في تلك الليلة بعد زيارتي لإمزورن متجها إلى الحسيمة حيث قضيت ليلة 28 أكتوبر 2016 هناك، نشبت بعد هذين الحدثين الهائلين مظاهرات عارمة قادها شباب الحسيمة وإمزورن مع باقي البلدات المجاورة.
يعتبر حراك اليوم أطول حراك شعبي، كان موازيا لبلوكاج تشكيل الحكومة الأخيرة خلال أشهره الخمسة الأولى، مما منحه وقتا طويلا وفرصة ليتمدد ويتصلب ويحافظ على دينامية قوته، في الوقت الذي انخرطت فيه الأحزاب السياسية في جدال عقيم، وصراع مكشوف حول مصالحهم السياسية والاقتصادية، في هذه المدة استطاع الحراك أن يجدد الوعي الجمعي لسكان الريف ويوقظ الذاكرة التاريخية الجماعية المظلمة لديهم، هاتان الميزتان منحتا للحراك مناعة واندماجا نسبيا لمكوناته الداخلية المتناقضة، مما جعله يسير متقدما في اتجاه أفق الثورة بالمغرب.
اليوم، ينهض الريف في حراك شعبي، بالنسبة لمن لم تكن له علاقات بشعب الريف، لا يمكن له أن يفهم ما يجري هناك، في المدينة الكبيرة الحسيمة وعلى طول سلسلة المدن الصغيرة : أجدير، بويكدارن، إمزورن، أيت بوعياش، تامسينت .. وعلى امتداد قرى جبال الريف، تشكل جميعها منطقة آهلة بالسكان ومرتبطة بتاريخ الثورة ضد الاستعمار، وهذا المجال الجبلي قد عاش هذه الثورة مرتين ضد الاستمار الاسباني وضد الاستعمار الجديد خلال القرن 20، أحداث لازمتها المعاناة والمجد خضبت الذاكرة التاريخية الجماعية للريف بالظلمة.
اليوم، حراك الريف تطور، وحصلت قفزة نوعية هناك، وهي انطلاقة في طريق الاستقلال الجديد، دائما يتم حجبه، أصبح اليوم واضحا، شباب الريف استثمر في التعليم والثقافة، أغلبهم طلبة ومعطلين، مرتبطون جدا بثورة الريف، يسعون في طريقهم إلى الهدف الثوري لقائد جمهورية الريف في أوسع تجلياته، حراكهم الآن جد متطور، لأول مرة تتظاهر النساء إلى جانب الرجال، ترافقهن على طول حياتهن ذاكرة تاريخ رمادية ثقيلة ببصمات تدخل الجيش الإسباني والمغربي في القرن 20، واليوم هن في الحراك يستيقظن، الشباب : رجال ونساء، مثقفون ثوريون، يعتبرون هذه الذاكرة نقطة سوداء لا يمكن أن تزول إلا بتحقيق ثورة التحرر.
الريفيون، من منظور الذاكرة التاريخية المظلمة التي يحملون، يجدون في الحراك وسيلة للتعبير عن مطالبهم، التعبير الذي يصل في بعض الأحيان حد إعلان الاستقلال، فيما يخص هذه المسالة، لقد تأسست تيارات حتى قبل هذا الحراك : الأمازيغ، الجمهوريون، الإسلاميون ... دون أن ننسى تدخل الأحزاب السياسية : البام، العدالة والتنمية، العدل والإحسان، وتيارات أخرى بسارية ثورية وراديكالية.
التدخلات القمعية الوحشية الأخيرة لآلة الحكم ضد الحراك قد عمقت التناقضات بين الريف والنظام، يكون صعبا على الحراك الرجوع إلى الخلف أمام العدد الهائل من المتابعات والاعتقالات والمحاكمات والإدانات، إستمرار الحراك ليست نتيجة عفوية، لكن، التأثيرات السياسية والتاريخية والديمغرافية هي السبب، أجيال جديدة، المتعلمون خاصة، يوجدون في مقدمة الحراك، ولا يتصورون ضياع هذه اللحظة التاريخية بين أيديهم التي فوتوها خلال انتفاضة 20 فبراير.
إن الاعتقالات والمتابعات ضد الحراك ثقيلة جدا، بلغ عددها حسب تصريحات بعض المتابعين للحراك إلى غاية 07 يوليوز 2017 : 239 متابعة و131 معتقلا، اللائحة دائمة مفتوحة، كل يوم يتم تنظيم مظاهرات جديدة تجابه بالقمع والإعتقالات والمتابعات والمحاكمات والإدانات.
هناك دائما من يحجب الحقيقة !
النظام اختار طريق القمع ضد الحراك، منع تصوير الفيديوهات والتقاط صور المظاهرات، كل من صور فيديو أو التقط صورة ونشر الأحداث تتم متابعته، آخر من تم استدعاؤه واستنطاقه من طرف شرطة إمزورن هو طفل في السادسة من عمره تم تصويره في فيديو الدعوة إلى مسيرة 07 يوليوز 2017.
مجمل هذه الشروط التاريخية والسياسية والديمقرافية مجتمعة تشكل قوة شعبية، يصعب تجاوز هذه القوة الآن، إنها واقفة في وجه قوة قمع الحكم، قوتان كبيرتان في صراع بالريف، قوة الحراك وقوة النظام.
إن علاقاتي الطويلة بالريف تسمح لي باستنتاج، وهو، أن هذه المنطقة تختلف كثيرا عن باقي مناطق المغرب، لم يندمج الريف مطلقا يوما في النظام القائم، عاش تاريخا مظلما أبعده عنه شيئا فشيئا بلا رجعة، بفعل مميزات الفيودالية التي طبعت النظام القائم وأبعدته شيئا فشيئا عن طريق الديمقراطية.
شعب ولد في حضن الثورة لا يمكن أن يندمج في نظام يعيش على امتداد بقايا الإقطاع، إنه شعب لا يمكن أن يعيش إلا في ظل دولة الحكم الذاتي الديمقراطية من أجل وضع حد للصراع التاريخي الذي تولد عنه حراك اليوم بالريف.
وانتهى حراك الريف بالقمع والتنكيل والاغتيال والتعذيب بمخافر الشرطة والمحاكمات شبه عسكرية استمرت أشهرا، أسفرت على أحكام قاسية شبيه بأحكام السبينات والسبعينات من القرن 20، أيقظت في ذاكرة المناضلين مأساة سنوات القمع الأسود كل ذلك من أجل وقف حركة شعب متعلق الحرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي