الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخط الوهمي للنزاهة

سالم روضان الموسوي

2020 / 12 / 19
الفساد الإداري والمالي


الخط الوهمي للنزاهة مصطلح ذكره احد علماء الاجتماع في العراق المرحوم الدكتور عبدالجليل الطاهر حيث ورد في كتابه الموسوم (التفسير الاجتماعي للجريمة الصادر عام 1956م) ثم اقرن ذلك العنوان بجملة تفسيرية له (معادلة بسيطة لنزاهة الموظف العمومي) وذكر العالم الدكتور الطاهر معادلة بسيط يمكن من خلالها معرفة نزاهة أي شخص يشغل وظيفة أو منصب عمومي في الدولة ، حيث جعل مقدار آخر راتب شهري يتقاضاه الموظف أو المسؤول واحتسابه لمدة (12) اثنا عشر شهراً ثم يحسب الناتج لمدة سنوات خدمته، فإذا كان الناتج الحسابي وعلى فرض إن ذلك المسؤول يدخر جميع راتبه ولا ينفق منه أي مبلغ فإذا كان يتناسب مع ما يملك من أموال وعقارات وأرصدة في البنوك، فانه يكون نزيه، إما إذا لا يتناسب معه فانه بلا شك قد استغل وظيفته العمومية وأطلق عليه الدكتور الطاهر وصف (المجرم ذو الياقة البيضاء) وعلى وفق ما ورد في كتابه الموسوم (جرائم ذوي الياقات البيضاء ـ التفسير الاجتماعي للجريمة ـ طبعة ثانية عام 2020ـ منشورات دار ألكا في بروكسل ـ ص 46) ويقصد بذوي الياقات البيضاء هم (البارونات اللصوص) أو المتنفذين في الدولة من اللصوص الذين لا يستطيع القانون محاسبتهم فظهروا يرتدون ياقات بيضاء يحتمون بجدار المكانة الاجتماعية التي يشغلونها والنفوذ المالي والسياسي الذي يتمتعون به، ولتطبيق هذه المعادلة في الوقت الحاضر فلنأخذ مثالاً على ذلك موظف بدرجة وزير وعددهم كبير جداً لان جميع أعضاء مجلس النواب الحاليين والسابقين هم بدرجة وزير على وفق أحكام المادة (4) من قانون مجلس النواب رقم 50 لسنة 2007 الملغى التي جاء فيها الآتي (يتمتع عضو مجلس النواب بكافة الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها الوزير في جميع المجالات المادية والمعنوية ويتم التعامل معه بروتوكوليا على هذا الأساس) ثم ألغيت تلك المادة وحلت محلها المادة (1/ثالثاً) من قانون رواتب ومخصصات مجلس النواب رقم 28 لسنة 2011 التي حددت مبلغ إجمالي مقداره (10,000,000) عشرة ملايين دينار ، فضلا عن عدد الوزراء في ظل الحكومات المتعاقبة، مع الأخذ بنظر الاعتبار أصحاب الدرجات الخاصة ممن هم في درجة وزير مثل أعضاء المحكمة الاتحادية العليا وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية ورؤساء الهيئات المستقلة وعشرات آخرين غيرهم، ممن ينتسبون الى القوات المسلحة والقوات الأمنية والمخابراتية، فإذا طبقنا المعادلة التي ذكرها الدكتور المرحوم عبدالجليل الطاهر، فان ما حصل عليه هؤلاء الموظفون منذ عام 2004 ولغاية الآن ، وهذه الفرضية لها سند معقول لان اغلب من يصل هذه المواقع لا يتخلى عنها طوعاً وإنما في حالات نادرة والغالب هو الإقصاء القسري إن وجد، فيكون الناتج لمن شغل منصبه منذ عام 2004 ولغاية نهاية عام 2020 مبلغ إجمالي مقداره (1,920,000,000) مليار وتسعمائة وعشرون مليون دينار، على وفق المعادلة الآتية (آخر راتبx اثنا عشر شهرx ستة عشر سنة) ، وهذا المبلغ الذي افترضنا إن ذلك الموظف قد ادخره بالكامل ولم ينفق منه أي دينار، فإذا كان ذلك الموظف يملك اقل منه أو مساوياً له فانه موظف نزيه على وفق المعادلة التي أطلقها عالم الاجتماع، أما إذا كان يملك أكثر من ذلك فانه بلا ادنى شك يكون خارج مفهوم الموظف النزيه، وعند مراجعة المعارك الإعلامية بين السياسيين أو الموظفين ممن هم في المناصب العليا نجد احدهم بعد اقل من المدة المذكورة في المثال وبأقل راتب قد امتلك عقارات تتعدى هذه الأرقام بعشرات المرات حيث نسمع عن فلان يملك مول أو عدة مولات و قيمتها لا تقف عن المليارين أو أكثر وإنما بعشرات أو مئات المليارات، والآخر انتقل بسكنه من دار مستأجرة في منطقة شعبية أو من غرفة كان يسكنها مع أهله في منطقة الأطراف إلى دار في قلب المدينة لا تقل قيمتها عن سبعة مليارات أو أكثر أو انه أصبح يملك عمارات تجارية في قلب المدينة أو أرصدة مالية في البنوك العراقية والأجنبية ، وآخرون حصلوا على جنسيات بلدان أوربية منحت لهم ولعوائلهم مقابل أن يودع أموال في مصارف تلك البلدان بمبالغ كبيرة، مثال ذلك إحدى البلدان في أوربا تمنح جنسيتها لمن يودع في مصارفها مبلغ كبير لكل شخص، وإذا علمنا ان دول الكاريبي مثل جزر الكاريبي وهي دول نائية فإنها تمنح جنسيتها مقابل إيداع مبلغ مائة وخمسون ألف دولار، فما بالك في المانيا او انكلترا او فرنسا وسواها، فان انكلترا تشترط استثمار مبلغ مقداره (2,580.000) مليونان وخمسمائة وثمانون ألف دولار امريكي، وتركيا ثلاثة ملايين دولار واسبانيا خمسمائة ألف دولار ، فإذا أخذنا اسبانيا مثالا لأنها الأقل فان أي مسؤول لديه عائلة من سبعة أشخاص فانه يودع مبلغ لا يقل عن ثلاثة ملايين دولار أمريكي أي ما يعادل أكثر من ثلاثة مليارات ونص مليار دينار عراقي، فهؤلاء ماذا سيكون وصفهم لو طبقنا عليهم معادلة الخط الوهمي للنزاهة، ثم يقودنا السؤال إلى ماذا فعلت الأجهزة المختصة بتحري عن مصادر الأموال تجاه هؤلاء ؟ لكن هذه الجهات لربما لا تملك قوة المواجهة مع ذوي الياقات البيضاء ، ويقول عالم الاجتماع الدكتور عبدالجليل الطاهر إن ذوي الياقات البيضاء قد تمكنوا من التحكم في الأسواق ولهم التأثير على السياسيين وإنهم يملون عليهم إرادتهم في تشريع النظم والقوانين، واعتقد إن قوانين العفو العام التي صدرت كانت خير مثال لأنها أعفت المحكومين بقضايا النزاهة أكثر من سواهم، وفي الختام نحن بحاجة ماسة إلى آليات جديدة بأدوات تتمتع بالاستقامة والنزاهة وقوة وطنية تنفذ القانون دون محاباة .
قاضٍ متقاعد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك