الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- تركيا و التهديد بين حين وآخر بورقة المياه ..-

ماهين شيخاني
( كاتب و مهتم بالشأن السياسي )

2020 / 12 / 19
السياسة والعلاقات الدولية


" تركيا و التهديد بين حين وآخر بورقة المياه .."
المياه مورد طبيعي حيوي موزع بشكل غير متساو، فإنّ توفره يؤثر غالبًا على الظروف المعيشية والاقتصادية للدولة أو المنطقة . وكما هو معلوم فإن الماء عصب الحياة. ولا غنى عنه للحفاظ على الحياة والصحة والبيئة , وهو أساسي للحفاظ على كرامة الجميع
فالمادة 55/الفقرة الأولى من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الرابعة ( (1977 تنص على أنه :
في أثناء القتال يجب مراعاة حماية البيئة الطبيعية من الأضرار البالغة الواسعة الانتشار والطويلة الأمد.كما وتتضمن هذه الحماية حظر استخدام أساليب أو وسائل القتال التي يُقصد بها أو يُتوقع منها أن تسبب مثل هذه الأضرار في البيئــة الطبيعيــة، ومن ثم تضر بصحـة السكان أو بقائهم. كما تحظر المــادة ( 55 ) في فقرتها الثانية الهجمات على المناطق الآهلة بالسكان.
فمنذ سيطرة الجيش التركي، وفصائل سورية مسلحة موالية له، بداية أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، على مدينة رأس العين، بعد هجوم واسع وعملية «نبع السلام»، تحولت محطة العلوك إلى ورقة ضغط بين موسكو وأنقرة، وقد دخلت على خط المفاوضات، وتوصلوا إلى تفاهمات أولية نصت على السماح بضخ المياه من العلوك نحو مدينة الحسكة، والبلدات التابعة لها وريفها، مقابل تزويد محطة مبروكة الكهربائية برأس العين بالتيار الكهربائي لتخديم المناطق الخاضعة للفصائل الموالية لتركيا.
وقد أعلنت مديرية المياه في مدينة الحسكة فيما مضى، التابعة. لـ«الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا»، أن الجيش التركي والفصائل السورية الموالية له أوقفت الضخ من محطة مياه علوك، بريف رأس العين الشرقي. ويعد هذا القطع السابع من نوعه منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وذكرت أن السلطات المحلية في رأس العين عمدت إلى إيقاف عمل المحطة ليل السبت - الأحد، وأشارت إلى أن عمال المحطة لم يتمكنوا من الوصول للمحطة، والكشف عن أعطالها وإصلاحها، في وقت دعت «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» جميع الأطراف إلى الالتزام بتطبيق القانون الدولي، وتحييد ملف مياه الشرب، وحماية المصادر الرئيسية لتدفق المياه لكل السكان بشكل عادل.
وتعد محطة العلوك المصدر الوحيد لتأمين مياه الشرب لأكثر من 460 ألف نسمة يعيشون بالمنطقة، وتزود بلدة أبو راسين وناحية تل تمر ومدينة الحسكة وريفها، وهذه المناطق تعاني أصلاً في وضع هش بإمدادات المياه، كما تغذي المحطة 3 مخيمات، من بينها مخيم «واشوكاني» ويضم قرابة 12 ألف نازح فروا من رأس العين، ومخيم «العريشة» الخاص بنازحي مدينة دير الزور، ويبلغ تعداده نحو 13 ألفاً، أما مخيم «الهول» فيبلغ عدده نحو 68 ألفاً، حيث يعيش فيه آلاف النازحين السوريين، واللاجئين العراقيين، وقسم خاص بالأجانب الذين كانوا يعيشون في مناطق سيطرة تنظيم داعش سابقاً.
و لابد هنا ننوه بأن المحطة كانت تضخ لمناطق سيطرة الإدارة الذاتية ثلث الكميات المتفق عليها، بحسب تفاهمات أنقرة وموسكو، « فمنذ 8 أشهر، يتم تشغيل 3 محطات ضخ من أصل 8 محطات، بهدف إبقاء كل المناطق تعاني من شح مياه الشرب وقلتها، وما يزيد من المعاناة والتحديات انتشار جائحة كورونا بالمنطقة».
كما وتشكو منظمات إنسانية دولية ومحلية تعمل في المنطقة من إن بدائل ضخ المياه من محطة مياه العلوك غير كافية، حيث تقوم بتوزيع المياه عبر صهاريج بشكل متقطع، وتستغرق وقتاً طويلاً، بحسب تقرير صدر عن منظمات محلية تعمل على تأمين المياه والصرف الصحي في شمال شرقي البلاد، وذكرت في تقريرها أنها توفر أقل من 50 في المائة من احتياجات السكان، فضلاً عن كلفته الباهظة، عدا جودة وصلاحية المياه القابلة للشرب أو للاستخدامات المنزلية.
كم .
و تستمر تركيا في استغلال ما يفوق حاجتها المنطقية بكثير، على الرغم من توقيعها على المواثيق الدوليّةِ التي اتفقتْ عليها دول العالم، والتي تعتبر نظرية «الحق الطبيعي» التي تعتبر مبدأً تشريعياً دولياً نصّت عليهِ معظم الاتفاقات الدولية، والتي نصّت على أنّ «مجرى النهر ملك مشترك لا يجوز لدولةٍ ما حصرها لنفسها ومنع الشعوب المقيمة عليها في الاستفادة منهُ »
وقد بدأت تركيا التخطيط لسد «إليسو» منذ عام 1930وفي أواخر عام 2006 أيّ بعد 76 عاماً وضعت الحكومة التركية الحجر الأساس الذي لا يبعد سوى 50 كم عند الحدود العراقية، فيما عن الحدود السورية بنحو 45 كم، وأن تكلفة المشروع مليار و200 مليون دولار، وبطاقة تخزينية من المياه تقدر ب(40-11 ) مليار متر مكعب ، فيما تبلغ مساحة بحيرة السد 300 كم مربع، وطاقة المحطات الهيدروكهربائية الملحقة بالسد 1200 ميكا واط، وبطاقة سنوية (3830 ) كيلو واط .
وفي بعض الدراسات التي أكدت أن الاتفاقات التي عقدت بهذا الخصوص لم تكن منصفة وأعطتْ الحق لتركيا لاستغلال مياه الغير بشكلٍ مفرط أكثر من حاجتها، مما يعني خسارة العراق وسوريا مليارات الأمتار المكعبة من المياه، خاصة وأنّ تركيا تمتلك 91 سداً على نهري دجلة والفرات، والغريب في حالة إكمال السد، فإن أحد المتضررين أيضاً هو الشعب التركي ذاته، لأن التقارير الصحفية أكدت أنه سيعرض أكثر من 200 موقع اثري وتراثي ومدن تركية أخرى يسكنها الكورد ولها قيمة تراثية عظيمة سيعرّضُها للغرق والتدمير، وعلى رأسها مدينة «حسن كيف» التراثية، والتي يعود زمنُها الى أكثر من عشرة آلاف سنة.
وفي تعليقه على نتائج الدراسة، استغرب رئيس مؤسسة «ماعت» التي أعدت التقرير، من تجاهل «السلطات التركية عند إقامة السد، ولم تقوم بالتشاور مع الدول المشتركة معها في حوض نهري دجلة والفرات مثل العراق وسوريا، بالرغم من وجود مجموعة من الضوابط القانونية والمواثيق م والاتفاقيات الدولية التي تحكم عمليات إنشاء وتدشين السدود المائية، والتي من بينها ضرورة التنسيق والتعاون بين دول المصب ودول المنبع عند إقامة السدود»
و هذا التصرف اللاإنساني ، الإجرامي والبعيد كل البعد عن القوانين والتشريعات الدولية بخصوص حماية وحقوق الإنسان يذكرنا بواقعة قلعة " دمدم " أو بالأمير صاحب الكف الذهبية ، حيث تقع قلعة دمدم في شمال غرب كردستان ايران وعلى حدودها مع تركيا وقد ورد ذكرها في كتاب ( الشرفنامة) لشرفخان البدليسي – الذي دون تأريخ الأمارات الكردية في القرون الوسطى – حيث يقول إن دمدم كانت قلعة لرئيس عشيرة برادوست . و كانت هذه العشيرة تقطن أورمية و ترغة و مرغة وبعض المناطق الأخرى . ويبدو من هذا النص إن قلعة دمدم كانت قائمة في عام 1596 حين أنهى البدليسي من تدوين كتابه الشهير وأغلب الظن أن معركة قلعة دمدم وقعت بعد سنوات من بناء القلعة حسب بعض المصادر أو إعادة بنائها حسب مصادر أخرى , وثمة مصادر تاريخية عديدة تطرقت الى قلعة دمدم ومعركتها البطولية الدامية ولعل أهم هذه المصادر هي كتاب (( تاريخ آراي عباسي )) للمنشئ مؤرخ الشاه عباس الصفوي وكتاب (( الكورد )) للمستشرق فلاديمير مينورسكي وكتاب (( الكورد )) للمستشرق فاسيلي نيكيتين وكتب تاريخية عديدة أخرى .
إن معركة قلعة دمدم ليست من نسج الخيال وإنما تستند الى وقائع حقيقية هزت مشاعر ووجدان الأدباء والشعراء الكورد على مر الأجيال المتعاقبة فنظموا فيها القصص والملاحم البطولية.
للأسف وفق ما يجري على الأرض من نزاعات وتداخل في السنوات الأخيرة على المستوى الإقليمي، يبدو لا حلول في الأفق ، فإن ملف المياه ليس بأحسن حالٍ من ملف السياسة والحروب القائمة، وعدم الاستقرار واستمرار النزاع في سوريا، أو التدخل الإيراني المباشر في العراق، خير شاهد بأن ملف المياه مع تركيا شائك وغير قابل للحل، وبالتالي لن تقدم حلولاً في المدى المنظور لمصلحة البلدين الجارين، وعلى الرغم من أن نهري دجلة والفرات نهران دوليان، وينطبق الأمر كذلك على العديد من الروافد التي تقع منابعها في دول الجوار، وأن القانون الدولي يشكل اطاراً صالحاً لحل الخلافات بشأنها، لكن ما هو مخفي مختلف تماماً، عن ما هو ظاهر! وستبقى تركيا تهدد في حرب المياه كما سياستها في حرب الحدود.
وربما يتساءل كثيرون عن أسباب تعثر المفاوضات السورية - التركية في العقود السابقة. لكن في الواقع يعود إلى عاملين سياسي - مائي. الخلافات السياسية بين تركيا وسوريا عميقة الجذور وتتمحور الخلافات على ثلاثة موضوعات، هي: المياه والكورد ولواء الإسكندرون. بإقرار سوريا يتضمن تنازلها عن لواء إسكندرون، وبعقد اتفاقية شاملة للمياه وتعاون سوري - تركي لضرب العناصر الكوردية ذات الأهداف القومية في المجتمع الكوردي في شرق تركيا، بل بالأحرى في مناطق ينابيع الفرات ودجلة، وهذا ما يفسر قلق تركيا من الكورد الانفصاليين وخوفها على منشآت سد أتاتورك، حيث تقوم قوة تركية يربو عددها على خمسة آلاف جندي مسلحين ومزودين بمروحيات، لحماية السد ومنشآته. واتهمت أنقرة سوريا بإيواء مجموعات «حزب العمال الكوردستاني» وإذا كان لواء إسكندرون مصدر توتر سوري - تركي في العقود السابقة، فإن قضايا الخلاف حول المياه والكورد أصبحت جدية، وقد تتحول المياه إلى سلاح سياسي بما يفوق دورها التنموي في الري والزراعة.

● ماهين شيخاني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في