الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريق الثّورة: نصوص حول الانتفاضة التونسية

حزب الكادحين

2020 / 12 / 20
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


‏ بمناسبة الذّكرى العاشرة لانتفاضة 17 ديسمبر في تونس، تنشر طريق الثّورة، ‏الناطقة باسم حزب الكادحين، هذه النّصوص التي نُشرت على صفحاتها بمناسبة الذكرى ‏الثانية للانتفاضة، وذلك لما لأهميّة هذه النّصوص في قراءة ما تعرّضت له الانتفاضة ‏الشعبيّة في تلك المرحلة من سنواتها الأولى وهو ما أثّر على مسارها وكانت له ‏استتباعات تتواصل إلى اليوم. ‏
وتتوزّع هذه النّصوص على العددين الأوّل - سبتمبر 2012- والخامس – جانفي 2013- ‏من طريق الثّـــورة.‏
‏-------------------------------------------------------------------------------------‏
بعد عشرين شهرا من الانتفاض: لا شغل، لا حريّة، لا كرامة وطنيّة
‏ شعار الشغل والحرية والكرامة الوطنية هو أحد الشعارات الأساسية التي رفعتها ‏الجماهير الكادحة منذ الأيّام الأولى لانتفاضة 17 ديسمبر، وهو شعار يعود إلى انتفاضة ‏الحوض المنجمي سنة 2008، وما زال هذا الشعار يتردّد في التظاهرات والاحتجاجات ‏الشعبيّة المتواصلة إلى اليوم. واستمرار ترديده فيه دلالة على عدم تحقّقه مثله مثل بقية ‏الشعارات التي أبدعتها الجماهير والمعبّرة عن قضايا هذا الشعب وعن تطلّعاته ولعلّ ‏أبرزها شعار: الشعب يريد إسقاط النظام.‏
‏ وتواصلُ رفع شعار الشغل والحرية والكرامة الوطنيّة يبقى ملازما لتواصل الحراك ‏الاجتماعي سواءً اتّخذ هذا الحراكُ أشكالا تصعيديه في بعض الأطوار أو خفت في أطوار ‏أخرى. فالجماهير التي انتفضت في ردّ على أوضاعها الاجتماعيّة القاسية قدّمت ‏التضحيات، ولا زالت تقدّمها، بين مئات الشّهداء والجرحى وآلاف المهاجرين في قوارب ‏الموت وعشرات المحترقين والمعتقلين، لم تلمس تغييرا في أوضاعها، بل إنّ حالة البؤس ‏قد تفاقمت إلى درجات أعلى ممّا كانت عليه عشيّة اندلاع الانتفاضة. فارتفع عدد العاطلين ‏عن العمل بفقدان آلاف العمّال لمواطن شغلهم بسبب إغلاق المعامل والمصانع، وشهدت ‏الأسعار ارتفاعا غير مسبوق، ولم يقتصر الأمر عند هذه الحدود، إذ أصبحت الطبقات ‏الكادحة محرومة من أبسط الخدمات مثل انقطاع الماء الصالح للشراب والكهرباء ومياه ‏الري في مناطق ريفية وحضريّة من البلاد. والغريب أنّ الحرمان من هذه الخدمات، التي ‏تثقل كاهل المفقّرين بمصاريف باهظة، لم يكن لعوامل طبيعيّة ولا بسبب الاستهلاك المفرط ‏لهذه الطاقات، وإنّما هو فعل قصديّ لتبرير التّرفيع في أسعار استهلاك هذه الموادّ ‏والتحضير لبرنامج أخطر وهو خوصصة الشّركات المشرفة عليها. ومن انعكاسات حالة ‏البؤس ظهور بوادر انتشار الأوبئة مثل الكوليرا وطاعون المواشي، وهي ظواهر لا تظهر ‏في العادة إلاّ في حالات تفاقم مظاهر الفقر والجوع في صفوف أكثر الطبقات الاجتماعيّة ‏حرمانا. وخلال هذه الفترة تحمّل الفلاّحون الصغار والمتوسّطون القسط الأوفر من ‏المعاناة، إذ لم يجنوا من جهودهم وعرقهم سوى مزيدا من التفقير والتداين والإفلاس بسبب ‏ضعف أسعار منتوجاتهم التي يتحكّم فيها السّماسرة وكبار التجار، وبسبب الدّمار الذي ‏خلّفته الكوارث الطبيعيّة الموسميّة من فيضانات وجليد وحرارة شديدة، ضف إلى ذلك وباء ‏الطاعون الذي بدأ يفتك بقطعان الأغنام في أرياف عديدة.‏
‏ واقع الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة هذا، تقابله تصريحات مناقضة له تماما من قبل ‏مسؤولي الدّولة الذين يسارعون دوما إلى الاستنجاد بلغة الأرقام التي يحاولون من خلالها ‏إبهار الكادحين حول قيمة الميزانية المخصصة للتنمية في الجهات وأعداد العاطلين الذين ‏وقع تشغيلهم والذين سيشغّلون على المدى القصير والمتوسط وحجم الاستثمارات ونسبة ‏النمو الاقتصادي... إلى غير ذلك من الأرقام المضلّلة. غير أنّ هذا الواقع الذي ذكرنا ‏يكذّب هذه التصريحات. فمشكل البطالة يتم مواجهته بفتح أبواب الحضائر أمام عشرات ‏الآلاف من العاطلين، وهو "حلّ" يشبه عمليّة ترقيع لثوب مهترئ تلجأ إليه الأنظمة المفلسة ‏في سياساتها الاقتصادية والاجتماعيّة، والحال أنّ ما يعتبرونه حلا يمثّل مشكلا في حدّ ‏ذاته، فهو وقتيّ ولا يشبع الجائع من جوعه بسبب تدنّي أجور هؤلاء العملة، زيادة على ‏التأخير في خلاص الأجور لمدّة أشهر. واستنادا إلى الأرقام الصادرة عن المؤسسات ‏الرسمية للدّولة رغم ما تحويه من مغالطات، فإنّ نسبة البطالة قد ارتفعت من 13% في ‏ماي 2010 إلى 18.3% في ماي 2011 ثمّ تراجعت إلى 18.1% في فيفري 2012، ‏وهذا التراجع الأخير في نسبة البطالة يعود إلى توفير 36100 موطن شغل في تلك الفترة ‏وطبعا هذا الرّقم استوعبته الحضائر في الوقت الذي تلقي فيه الجامعة بعشرات الآلاف من ‏الذين أنهوا دراستهم إلى صفوف البطالة. أمّا خرّيجو الجامعات فقد أعدّ لهم النّظام قانونا ‏للانتداب يقوم على مقياس الولاء السياسي والوصولية والمحسوبيّة ولا يوفّر لأبناء الشعب ‏المضطهَدين سوى 3 آلاف وظيفة، وهو مجرّد قانون لذرّ الرّماد في العيون.‏
‏ أمّا مؤشرات الفقر التي تتجاهلها السلطة وتحاول تكذيبها فتبرز من خلال ارتفاع نسبة ‏التضخّم لتبلغ 5.6% في شهر جويلية 2012 بعد أن كانت في حدود 2.7% في ديسمبر ‏‏2011، ومن خلال ارتفاع مؤشر الأسعار وخصوصا أسعار المواد الفلاحية والغذائية الذي ‏ارتفع بنسبة 5.9% في النصف الأوّل من هذه السنة. وقد كان هذا التناقض بين ‏تصريحات المسؤولين وواقع الأسعار وراء صدور نكتة التسوّق إلى التلفزة التي يتداولها ‏التونسيون هذه الأيّام. مقابل هذه المؤشرات يتباهى مسؤولو السلطة في تونس بأرقام النمو ‏الاقتصادي، وهي أرقام متضاربة أدّى تنافس المسؤولين في الترفيع فيها إلى جعلها محلّ ‏سخرية وتندّر بين التونسيين، وهي في الحقيقة أرقام وهميّة يحلمون بتحقيقها غير أنّ ‏الشّعب الذي أرادوا تضليله بها قد لا يمنحهم الفرصة ليضيفوها إلى "إنجازاتهم". ولم يستح ‏هؤلاء من الإشادة بالرقم الذي أورده تقرير لصندوق النقد الدّولي بالرّغم من أنّه رقم بعيد ‏تماما (2.4%) عمّا صرّحوا به. غير أنّ هذه النسب وإن ارتفعت فهي محدودة ولم تجن ‏منها الطبقات المنتجة غير مزيد من الاستغلال والاضطهاد بما أنّ عائداتها لن تخرج عن ‏الدّائرة الضّيقة للطبقات المستغِلّة والمرفّهة تماما مثلما كان الأمر في زمن بن علي. ‏
‏ و أمام تزايد تفاقم البطالة والتحاق أعداد كبيرة من العمّال بها، إذ أغلقت حوالي 200 ‏مؤسسة أجنبيّة أبوابها، لا يخجل النظام من الإعلان عن ارتفاع نسبة الاستثمار الخارجي ‏وكأنّ ما أقدمت عليه هذه الحكومة على بيع الأراضي والمناجم والموانئ وغيرها من ‏المؤسسات الاقتصادية مقابل البترودولار تدعو إلى الفخر، وكذلك الشّأن بالنسبة إلى ‏مراكمة القروض من الشركات المالية العالمية والأنظمة الرجعيّة والصناديق النهّابة وبلغ ‏الأمر بالسلطة إلى التمسّح لدى الإمبرياليّين الأمريكان ليكونوا ضامنين لدى صندوق النقد ‏الدّولي على القروض التي سيدفع فوائضها الشعب الكادح في نفس الوقت الذي يخضع فيه ‏للسياسات المترتّبة عن الشّروط المرفقة بها والتي تهدف إلى تأبيد تحكّم القوى الإمبرياليّة ‏في مصائر الشعوب. لقد أصبحت البلاد بفضل هذه السياسات الاقتصاديّة مهدّدة بالوقوع ‏تحت الاستعمار المباشر وهي نفس الأوضاع التي مهّدت لانتصاب الاحتلال الفرنسي ‏بالبلاد سنة 1881. وعلى غرار الارتماء في أحضان القوى الإمبرياليّة، يعمّق النظام ‏علاقات التطبيع مع الكيان الصّهيوني بشكل لم يعد خافيا، وهو ما يؤكّد اصطفافه إلى جانب ‏باقي الأنظمة العربيّة في خندق القوى المعادية لمقاومة الشعب العربي للاحتلال الصهيوني ‏وتحقيق تحرّره الوطني وانعتاقه الاجتماعي. ‏
‏ ‏‎ ‎هذه بعض مظاهر ما جناه التونسيون من الحكومات المتعاقبة منذ 20 شهرا، وهي ‏حصيلة انجرّت عن نجاح الطبقات المعادية للشعب وللانتفاضة في المحافظة على ملكية ‏وسائل الإنتاج ومصادر الثروة والتحكّم في السلطة السياسيّة وإن تغيّرت أسماء الحكّام ‏وأسماء الأحزاب الحاكمة. لذلك لا تواجه سلطة اليمين الدّيني اليوم كلّ الاحتجاجات ‏الشعبيّة بالقمع فحسب، وإنّما تقوم بمحاولة القضاء على كلّ ما يذكّر بالانتفاضة من أجل ‏طمس آثارها مثل قضية الشهداء والجرحى وحرف الشعارات والمطالب الوطنية ‏والاجتماعيّة التي انتفض من أجلها الشعب. غير أنّه رغم كلّ هذه المحاولات وهذه ‏السياسات والهجوم الرجعي الشرس المستند إلى الدّعم الإمبريالي، لم تنطفِئ جذوة ‏الانتفاضة بل أنّ حدّة الصراع تتأجّج أكثر مع تقدّم الأيام خاصة في المناطق الأكثر تهميشا ‏رافعة معها نفس الشعارات التي لم تتحقّق وتبقى مهمّة الثوريين رسم الطريق إلى الثّورة ‏الكفيلة بانتصار الشعب وتحقيقه مطالبه المركزية والتاريخية: الأرض للفلاحين، الشغل ‏للمعطلين، الحريّة للوطن، السّلطة للشعب والثروة للمنتجين. ‏
‏-----------------------------------------------------------------------------------‏
قانون جديد للانتداب في الوظيفة العمومية يؤبد البطالة

‏ صادق المجلس التأسيسي اللاشرعي يوم 15 جوان 2012 على قانون الانتداب في ‏الوظيفة العمومية الذي خصص 3 آلاف موطن شغل فقط لحاملي الشهادات العليا في الوظيفة ‏العمومية من بين الـ 25 ألف فرصة عمل المعلن عنها من قبل حكومة الجبالى، في حين ‏سيستفيد المتمتعون بالعفو التشريعي العام بـ14 ألف موطن شغل دون مناظرة مضافا إليهم ‏جرحى الانتفاضة والعائلات المعوزة وذلك لذرّ الرماد في العيون فالمعنى بالتشغيل في هذا ‏القانون هم بصورة أساسية أعضاء من حركة النهضة دخلوا في فترة ما السجون في ‏صراعهم المحموم مع السلطة الدستورية من أجل الهيمنة على الشعب وبالإضافة إلى ‏تشغيلهم سيتمتعون بمنحة تعويض تقتطع من المال العام .‏
‏ و إذا علمنا أن عددا كبيرا ممن التحقوا بالوظيفة العمومية إبان سلطة بن على باعتبارهم ‏متعاقدين أو معوضين واحتفظوا بمواطن شغلهم إلى الآن كانوا مدعومين من طرف التجمع ‏الدستوري فإننا نستنتج أن الرابح الوحيد في عملية التشغيل في ظل الحكومة التي تقودها ‏النهضة هم الدساترة والنهضويين .‏
‏ إنّــها جريمة أخرى في حق الوطن والشعب ترقى إلى مستوى السرقة الموصوفة فالذين ‏رفعوا شعار التشغيل استحقاق يا عصابة السراق لم يحصلوا إلا على الفتات بينما حصل ‏الدساترة والنهضويين على الحصة الأكبر من التشغيل، علما ان أعداد المعطلين فاقت 800 ‏ألف .‏
‏ في مواجهة هذا الوضع يخوض المعطلون عن العمل الكفاح من أجل حقوقهم ويسطّرون ‏بنضالهم إلى جانب طبقات الشعب الطريق الوحيد المؤدى إلى حل مشكلة البطالة وهو ‏طريق الثورة وعلى سائر الثوريين دعم هذا الكفاح و الانخراط فيه بكل قوة.‏
‏--------------------------------------------------------------------------------------‏
مــــا العمـــــل ؟ افتتاحية العدد 5 من طريق الثّورة
‏ تخصّص جريدة طريق الثورة هذا العدد لانتفاضة 17 ديسمبر في ذكراها الثانية محاولة ‏النظر في هذا الحدث المهم في تاريخ شعبنا الذي أحاط به ولا يزال جانب كبير من الخداع ‏والتزييف والتمويه وكان الغرض من ذلك طمس معالمه الثورية والاستعاضة عنها بما ‏يناسب الخطة الأمريكية الكبرى الهادفة إلى رسم خريطة جديدة للوطن العربي تكون فيها ‏الغلبة للطائفية والجهوية والعشائرية أي تمزيق الأمة العربية وقطع الطريق أمام وحدتها ‏وتحرّرها.‏
‏ لقد وظّفت الامبريالية لبلوغ هذا الهدف رئيسيا اليمينين الديني والليبرالي ووجدت في ‏خزائن إمارات الخليج أفضل تمويل وعندما لم تستطع بلوغ هدفها بالوسائل السلمية استعملت ‏طائراتها وبوارجها ودبّاباتها فسقط مئات الآلاف من الشهداء العرب في أقطار عديدة ‏ودمّرت مدن عربية على رؤوس أصحابها ولا تزال المعركة مستمرة لتنفيذ الخطة الأمريكية ‏كاملة أو إفشالها وإلحاق الهزيمة بأصحابها.‏
‏ و من هنا فإنّ الانخراط في الخطة الأمريكية بوعي أو بدونه سوف تكون نتائجه كارثية ‏على المدى الاستراتيجي إذ سيجلب معه سنوات طويلة من القهر والعبودية و التقاتل المذهبي ‏و الطائفي ولن يجني منه الكادحون غير العذاب والمآسي.‏
‏ لهذه الاعتبارات نبّه حزب الكادحين إلى ضرورة الاتحاد على قاعدة الثورة ونبذ أوهام ‏الديمقراطية الأمريكية وتركيز النظر على حل المعضلات الوطنية والاجتماعية والديمقراطية ‏من موقع الشعب ومصالحه الاستراتيجية لا من موقع الحسابات الفئوية الضيقة التي لا ‏يحركها إلا اللهث وراء فتات الموائد الامبريالية بحثا عن المغانم ولو كان ذلك على حساب ‏الكادحين وآلامهم ومعاناتهم .‏
‏ إنّ فهم الانتفاضة التونسية جزء من فهم الانتفاضات العربية كافة ومساهمة في استقصاء ‏واستقراء الوضع العربي وتحديد علمي لمهماته الثورية و هو ما لا يمكن أن يتم دون نقاش ‏واسع وشامل، وعلى شتّى المنابر الثورية أن تفتح أبوابها ونوافذها أمام مثل هذا التحليل ‏والنقاش الذي لا تفعل جريدة طريق الثورة أكثر من إثارة جزء من مواضيعه ومشكلاته ‏وتقديم بعض المساهمات الأولية حوله فسيرورة الانتفاضة لم تنقطع والتحليل يجب أن ‏يرافقها فلا حركة ثورية دون نظرية ثورية وسيظل تغيير الواقع في اتجاه التقدم مطلب ‏الكادحين وحلمهم الدائم .‏
‏-------------------------------------------------------------------------------------‏
زيـــــاد القــــــراوي: وجـــه لمعـــاناة جرحى الانتفـــاضة

‎ ‎زياد القرّاوي، أحد جرحى الانتفاضة التونسيّة، أصيب بالرّصاص على مستوى ركبته ‏اليمنى يوم المجزرة التي نفّذتها الأجهزة القمعية لبن علي ضدّ جماهير الشعب في الرقاب ‏يوم 9 جانفي 2011. وأجريت له عمليّة يوم 6 أكتوبر 2011 بعد أن تسببّت له الرصاصة ‏في إعاقة.‏
‏ شارك زياد القراوي في‎ ‎إضراب جوع الجرحى‎ ‎الذي بدأ يوم 19 أكتوبر 2011 قُبيل ‏انتخابات تشكيل المجلس التأسيسي والذي أدّى يوم 25 أكتوبر 2011 إلى تكفّل وزارة ‏الدفاع بعلاج الجرحى المضربين عن الطعام بالمستشفى العسكري رغم ما عقب ذلك من ‏سوء معاملة الجرحى من طرف الإطارات الطبية إلى حدود زيارة الجرحى من طرف ‏وزير الدفاع، كما أدّى إضراب الجوع إلى إمضاء رئيس الجمهورية حينها فؤاد المبزّع على ‏المرسوم عدد 97 الذي يعترف بجرحى الثورة و بحقوقهم رغم النواقص التي حملها ‏المرسوم في طيّاته‎.‎
‏ على خلفيّة الإهمال النفسيّ والصحيّ الذي تلا هذه الملحمة وانسداد آفاق المستقبل حاول ‏جريح الثورة زيّاد القراوي الانتحار في 3 مناسبات قبل أن يُحاول “الحرقة” أو تجاوز ‏الحدود خلسة للخارج بعيدا عن وطن لم يعترف بجرحى الثورة إلا صوريّا ولم يُسند لهم ‏العناية المتناسبة مع تضحياتهم‎.‎
‏ بلغت آلام زياد القرّاوي أوجها بعد أن أرسل له المستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة ‏بصفاقس يوم 20 نوفمبر 2012 "إعلاما بحلول أجل "كمبيالة" قدرها 240 دينارا "متخلّدة ‏بذمّته مقابل خدمات استشفائية بمقتضى كمبيال عدد 8296 والذي يحلّ خلاصه في ‏‏29/09/2012".‏
‏ زياد اليوم يعاني الأمرّين فقد اجتمعت ضدّه عوامل قهر مختلفة مثل الفقر والخصاصة ‏والإعاقة وآلام المرض و ظلم أصحاب النفوذ والسلطة الذين حالما وصلوا إلى الكراسي ‏نسوا مآسي الشعب وجرحاه وشهداءه .‏
‏-------------------------------------------------------------------------------------‏
‏14 جــــــانفي بين الأســــطورة و الـــــواقع
‏ لا يزال الغموض يحيط بما حدث فعليا يوم 14 جانفي 2011 والأيام القليلة التي سبقته ‏فرغم أن هذا اليوم يراد فرضه عنوة باعتباره الرمز الذي يشير إلى انتصار "ثورة ‏الياسمين" و يؤرخ لبطولات " ثوار الفايسبوك " و يمجد مآثر " القادة " العائدين من وراء ‏البحار فإن قسما مهما من الشعب أصبح ينظر إليه على أنه ليس كذلك وكثيرا ما تتكرر ‏كلمة انقلاب لتوصيف ما حدث خلاله، وقد كان الثوريون التونسيون قد قدّموا قراءة معــايرة ‏لما روّجته الرجعية على هذا الصّعيد معتبرين ما تم في تونس بدءا من يوم 17 ديسمبر ‏‏2010 هو انتفاضة شعبية مجيدة نادت بمطالب سياسية واجتماعية مشروعة وقد أمكن ‏تحقيق بعضها بينما لا يزال البعض الآخر دون تحقيق وأنّ يوم 14 قد مثل اللحظة التي ‏اتحدت فيها قوى محلية وعربية ودولية لقطع الطريق أمام مواصلة الانتفاضة وتحولها إلى ‏ثورة تطيح بالنظام الرجعي القديم و تؤسس لنظام وطني ديمقراطي شعبي جديد .‏
لقد راهنت الامبريالية العالمية على استغلال الانتفاضة في تونس و توظيفها لصالحها من ‏خلال وضع خطة الفوضى الخلاقة موضع التنفيذ في الوطن العربي كله بعد أن جربتها في ‏العراق التي كانت حاضنتها العربية الأولى على مدى سنوات، وبالفعل فقد حققت بعض ‏النتائج المهمة لصالحها فالوطن العربي وتونس من ضمنه يعيش اليوم أوضاعا اقتصادية ‏واجتماعية وسياسية عصيبة فالاقتتال الطائفي والمذهبي متفش في العديد من أقطاره التي ‏ترتكب فيها مجازر بشعة والفقر والبطالة وغلاء الأسعار وقوارب المهاجرين في ازدياد ‏والكيان الصهيوني في أزهي أيامه والثروات العربية تتدفق على الخزائن الأوربية ‏والأمريكية وما كان لهذا أن يحصل لولا اجتماع جملة من العوامل الأساسية التي منها : ‏
أولا : ضعف قوى الثورة التي كانت و لا تزال ممزقة الصفوف جراء تفشى الطوائف و ‏الملل السياسية التي يدعى كل منها النطق باسم الشعب و الثورة و عدم إدراكها ان في ‏وحدة الثوريين حزبيا و جبهويا توفير لإحدى الضمانات الأساسية لانتصار الشعب.‏
ثانيا : استعمال اليمين الديني من طرف الامبريالية والرجعية الخليجية يشكل خاص كأداة ‏لتنفيذ تلك الخطة مما سهل استجابة أوساط شعبية لها، فكانت ضحية توظيف الدعاية الدينية ‏لغايات سياسية مشبوهة .‏
ثالثا : رجحان الكفة خلال السنوات الأخيرة لصالح الامبريالية و الصهيونية والرجعية ‏العربية بعد هزيمة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتى و الصين بشكل خاص و ضرب القوى ‏الثورية عبر العالم .‏
‏ لقد هرب بن على يوم 14 جانفي 2011 واستقبل في السعودية لكي يعيش في هدوء ‏وأمان هناك بعيدا عن ا،ى مساءلة قانونية وقد تلاشى الآن الضجيج الذي كان يصدر عن ‏رئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس التأسيسي عن جلبه ومحاكمته، والمؤكد أنّ كفاح ‏الشعب اجبره على الهرب أو أجبر أسياده على تهريبه تجنبا للأسوأ الذي كان سيصيب ‏مصالحهم لو تجذّرت الانتفاضة من حيث أساليب نضالها، وفي كل الأحوال فإن ذلك اليوم ‏مهم دون شك في تاريخ كفاح الشعب أيا كانت القراءة التي سوف تقدم تاريخيا له ولكنه من ‏موقع القراءة السياسية الراهنة فإنه لا يزال موضع مضاربة في البورصة الحزبية ‏لاستغلاله في نشر أوهام بعيدة عن الواقع المراد منها حكم الشعب بأسطورة 14 جانفي بعد ‏أن حكم بأسطورة 7 نوفمبر لمدة تقترب من ربع قرن.‏
‏---------------------------------------------------------------------------‏
بيـــان: انتفاضة 17 ديسمبر مستمرة
‏ تحلّ يوم 17 ديسمبر 2012 الذكرى الثانية لانطلاق الانتفاضة الشعبية في تونس التي ‏قاومت خلالها جماهير شعبنا سلطة بن على بشجاعة، وقدمت قوافل من الشهداء والجرحى ‏في سبيل الحريّــة، رافعة شعارات الشعب يريد إسقاط النظام والتشغيل استحقاق يا عصابة ‏السرّاق والأراضي تباعت والأهالي جاعت، وغيرها من الشعارات الثورية.‏
‎ ‎‏ واليــوم تزداد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية سوءا، بسبب الفقر والبطالة وغلاء ‏الأسعار والتفاوت بين الجهات، وتستفحل الأزمة السياسية وتشتد وطأة الهيمنة الامبريالية، ‏وظلّ الجلاّدون الذين سفكوا دماء الشهداء وخرّبوا أجساد الجرحى بالرصاص دون عقاب، ‏وفي مقدمتهم زين العابدين بن على والمقربين منه، كما بقيت الأموال المنهوبة في جيوب ‏اللصوص، وانتشرت العصابات الإجرامية المختلفة لتروع الشعب وتزرع الخوف بين ‏صفوفه وتعاقبه على تجرّئه على المقاومة.‏
‏ لأجل ذلك تتواصل الانتفاضة، ويشتد إصرار الشعب على الكفــاح، ففي جهات وقطاعات ‏مختلفة يقــاوم الكادحون ببسالة مستغليهم ومضطهديهم من خـــلال المظاهرات ‏والاعتصامات و الإضرابات، ويقدّمون في سبيل ذلك تضحيات غالية، فقائمة المنتحرين ‏والجرحى والمساجين لا تزال مفتوحة، وذلك على أمل تحقيق المطالب المشروعة التي ‏انتفضوا من أجلها.‏
‏ لقد استهدفت الانتفاضة إلى محاولات متتالية لوقفها والقضاء عليها، من خلال خــداع ‏الشعب بالوعود الكـــاذبة حينا، واستعمال عصا القمع أحيانا أخرى، بما في ذلك الأسلحة ‏المحظورة دوليا، مثلما حدث في سليانة، وستستمر السلطة في انتهاج هذه الأساليب ‏وغيرها، ولكنّها لن تنجح في مهمتها طالما ظل الشعب على إصراره على المقاومة، ‏واتّحدت قواه الثّوريّــة على قاعدة الكفاح الوطني المعادي للامبريالية وعملائها.‏
حزب الكادحين تونس 16 ديسمبر 2012‏
‏--------------------------------------------------------------------------------------‏
النّهضة تستولي على السّجـــون

‎ ‎‏ تمّ يوم 06/12/2012 توقيع اتّفـاق "تعاون" بيـن وزارتي العــدل والشّؤون الدّينيّة ‏لغايـة "توعيّة المساجين وأطفال الإصلاحيّات" ويقضي هذا الاتّفاق المبرم بين رموز ‏نهضاويّة من وزارتين مختلفتين بقيام وزارة الشؤون الدّينيّة بتسيير وتنظيم دروس توعويّة ‏دوريّة في مجال العقيدة والسّلوك والفقه وعلوم الشريعة يلقيها وعّاظ وأئمّة مختصّون وإقامة ‏مسابقات في تلاوة القرآن وتجويده داخل السّجون والإصلاحيّات، كالإشراف على صلوات ‏التّراويح والجمعة والعيديْن وفي المقابل تتكفّل وزارة العدل بتيسير عمل الوعّاظ وتأمين ‏تنقّلاتهم ومختلف مهامّهم .‏
‏ وقد كلّف الداعية البشير بن حسن صاحب فتوى "عدم إجازة الإضراب العام شرعا" والذي ‏تميّزت خطبه بتكفير الفنّانين والمثقّفين وغيرهم إلى جانب دعوته إلى التّقاتل، بالقيام بهذه ‏الدروس واختيار الأئمّة والوعّاظ الذين سيستعين بهم في مهامه المشبوهة.‏
‏ وفي خطوة استباقيّة لتوفير الظّروف الملائمة لتمرير هذا المشروع، تولّى وزير العدل إقالة ‏‏07 من مديري السجون وتغييرهم بآخرين حتّى يتمكّن الوعاظ من التحرّك بكلّ حريّة ‏وتمرير مشاريعهم التي تخفي قشرتها الدينية مشاريع سياسية مشبوهة . فما هي دواعي هذه ‏الاتفاقيّة وما هي أهدافها الخفيّة ؟
من المعلوم أنّ العناصر القابعة داخل السّجون والإصلاحيّات هي من الفئات المهمّشة التي ‏عانت وما زالت تعاني من الفقر والجوع والحرمان والجهل لعدم قدرتها على الدّراسة أو ‏على مواصلتها والبطالة لعدم وجود مواطن شغل توفّر لها العيش بكرامة وكذلك انسداد ‏الأفق أمامها وهي ضحيّة من ضحايا سياسة النظام العميل في تونس . فهذه الفئات دفعتها ‏ظروفها الاجتماعية القاسية إلى ولوج عالم الجريمة فوجد العديد من المنتسبين إليها أنفسهم ‏قابعين بين جدران السجون من حيث لا يعلمون . ‏
‎ ‎ونظرا للوضع الاجتماعي البائس الذي يعيشونه عند خروجهم من السّجون وعدم قدرتهم ‏على الاندماج داخل محيطهم الاجتماعي لغياب الإحاطة بهم ورفضهم من قبل المجتمع ‏وحاجتهم الماسّة للمال لتوفير ضروريات الحياة ، سعت العديد من الأحزاب الانتهازية ‏والرجعية لاستغلال قدراتهم في ممارسة العنف واستأجروهم في عديد المناسبات للقيام بكل ‏المهام القذرة.‏
ولعلّ السّلفيين هم أكثر الأطراف التي استفادت من هذه الفئة المهمّشة فاستقطبت جانبا هاما ‏من خريجي السجون وتجّار المخدّرات والمنحرفين وشغّلتم لفائدتها مقابل أموال ومشاريع ‏تجاريّة صغيرة وحماية تجارتهم في الخمور والمخدّرات. كما أنّ حركة النهضة أيضا ‏سارعت إلى تجنيد البعض منهم وتشغيل البعض الآخر في التصدّي لكلّ التحركات والوقفات ‏الاحتجاجيّة المناوئة للحكومة النهضويّة.‏
‏ ونظرا لما برهنت عليه هذه الفئة المهمّشة من انضباط في تأدية مهامها القذرة وتحرّكاتها ‏السريعة وقدرتها على القمع والترهيب، طغى التنافس بين حركة النهضة وبقية المجموعات ‏الدينيّة والليبرالية الأخرى حول تجنيدهم ومن يستأثر بأكبر عدد منهم .‏
‏ لقد اختارت حركة النهضة الطريق الأقصر للوصول إلى مبتغاها والابتعاد عن هذه ‏المنافسة وذلك عبر هذه الاتّفاقية المبرمة أخيرا والتي تتيح لها الاستفراد بكلّ المساجين ‏وتجهيزهم وإعدادهم وربّما تدريبهم حتّى تصبح السجون بمثابة مزارع لتفريخ اليمين الديني ‏وميدانا لإعداد الميليشيات المتخصّصة في القمع والإرهاب بعيدا عن أعين المراقبين خاصّة ‏وأنّ الدروس سيتمّ تقديمها من طرف متشدّدين دينيين وسيكون الالتزام بهذا البرنامج ‏‏"الديني" عنصرا رئيسيّا في الحطّ من العقوبات والتمتّع بالسّراح الشرطي .‏
‏ لقد استلهمت حركة النهضة هذه المشاريع ممّا قامت به الأنظمة الخليجية الرجعية وما ‏زالت تقوم به حاليا بارتباط بالأحداث في سوريا فالنظام العميل في السعوديّة مثلا وبالتحديد ‏في شهر ماي المنقضي اتّفقت مصالح وزارة داخليّته مع المئات من الموقوفين في سجونها ‏والمتّهمين بجرائم يطبّق فيها حكم الشريعة الإسلاميّة بقتلهم تعزيرا بالسّيف، خاصّة الذين ‏تمّت إدانتهم بتهريب المخدّرات والقتل والاغتصاب من الجنسيات العربيّة والآسيويّة على ‏إعفائهم من إقامة الحدّ الشرعي عليهم وصرف معاشات شهريّة لعائلاتهم وذويهم الذين سيتمّ ‏منعهم من السّفر إلى الخارج مقابل تأهيلهم وتدريبهم وإرسالهم إلى "الجهاد" في سوريّة .‏
‎ ‎و تجدر الملاحظة هنا أنّ هذه الفئة المهمّشة وعوض أن يتمّ الإحاطة بها وإعادة إدماجها ‏داخل محيطها العائلي والاجتماعي بتوفير الشغل لها ومتابعتها نفسانيّا حتّى تكون عنصرا ‏فاعلا في المجتمع وتساهم من موقعها في البناء وتتمكن بذلك من العيش بكرامة ، نجد جلّ ‏الأنظمة الرجعيّة المعادية للجماهير الكادحة ولتطلّعاتها في التحرّر والاشتراكية ، تسعى ‏لمواصلة استغلالها بشتّى الطرق عبر توظيفها في الأعمال الوضيعة وبتجنيدها لتنفيذ ‏مخططاتها الإرهابية سواء داخل حدودها أو خارجها خدمة لمصالح حلفائهم الإمبرياليين ‏والصهاينة . ‏
‏ إنّ حركة النهضة مثلها مثل بقيّة الأنظمة العربيّة الجاثمة على صدر الشعب العربي، لم تشذّ ‏عن هذه القاعدة فتوجّهاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسيّة والثقافيّة كلّها معادية لتطلّعات ‏الجماهير الكادحة التي هبّت يوم 17-12-2010 لمقاومة أعدائها ومن كانوا سببا في شقائها ‏طيلة عقود يحدوها الأمل في التحرر بصفة نهائيّة من الاستغلال والاضطهاد. غير أنّ هذا ‏الاستغلال وهذا الاضطهاد ظلّ يمارس عليها إلى حدّ الآن وبطرق شتّى فطبيعة النظام لم ‏تتغيّر ولم تحدث ثورة رغم الأوهام التي يروّجها الانتهازيون والرجعيون حولها بل تمّ ‏الإجهاز على الانتفاضة في مهدها خدمة للأطراف الرجعية العميلة وللإمبريالية العالمية ‏والصهيونيّة ، ممّا يدعو الجماهير الكادحة وكل الفئات المفقّرة والمهمّشة إلى التصميم على ‏مواصلة النضال دون هوادة لتحقيق أهدافها لأنّ طريق تحرّرها لا يزال طويلا وشاقّا ولن ‏يكون إلا من صنعها ومن بين ما يقتضيه ذلك الاهتمام بتلك الفئات المقهورة والمظلومة ‏وتوجيهها فكريا وسياسيا لخدمة الشعب. ‏
‏-------------------------------------------------------------------------------------‏
الانتفــاضة و انتظارات الجمــاهير الكــادحة

‏ منذ أن اندلعت انتفاضة 17 ديسمبر المجيدة بدأت أحلام الجماهير الكادحة تكبر ‏وطموحاتها تتعاظم خاصّة بعد هروب الجنرال في 14-01-2011 واعتقد البعض أن ‏الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعب الذي روّى أبطاله من الشهداء والجرحى هذه ‏الأرض بدمهم سيتحسّن وأنّ مشاكله المزمنة ستحلّ جذريّـا وخاصة الفقر والبطالة ‏والمحسوبية، فتفانى المنتفضون بواسطة لجان الدفاع الشعبي في حماية الأحياء والقرى ‏والأرياف وملاحقة المجرمين والقبض عليهم، وتصدّوا بصدورهم العارية لعصابات النهب ‏والسلب التي تطوّر نشاطها في تلك الفترة مستغلّة الوضع الأمني الهشّ.‏
‏ لقد انهارت تلك الأحلام سريعا ، فالنتائج الحاصلة على الأرض كانت بمثابة الصدمة التي ‏ازداد وقعها قوّة من يوم لآخر فالشعار الذي رفعته هذه الجماهير منذ اندلاع الإنتفاضة ‏‏"التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق" كانت نتائجه عكسية إذ تضاعفت أعداد العاطلين عن ‏العمل، فالنظام كان يتحدّث في سنة 2010 عن رقم لا يتجاوز 200 ألف عاطل عن العمل ‏بينما أصبحنا اليوم أي سنة 2012 نتحدّث عن مليون عاطل حتّى أصبح البعض يتندّر ‏بكون "الجزائر هي بلد المليون شهيد وتونس هي بلد المليون بطّال"، كما ارتفعت الأسعار ‏بنسق سريع فاق كلّ التوقّعات وأثّر بصفة ملحوظة على المقدرة الشرائيّة للجماهير الكادحة ‏باعتبار وأنّ الارتفاع الجنوني للأسعار مسّ بالأساس قوتها اليومي فالبطاطا مثلا والتي ‏كان سعرها سنة 2010 يتراوح ما بين 350 و500 ملّيم وصل سعرها في ديسمبر ‏‏2012 إلى 1200 و1400 ملّيم، أمّا لحم الخروف الذي كان لا يتجاوز 12 دينارا سنة ‏‏2010 تجاوز سعره حاليا 20 دينارا للكيلوغرام ليصل إلى حدود 25 دينارا وسعر لتر ‏الحليب الذي كان في حدود 920 مليما سنة 2010 وصل الآن 1500 مليّم في السوق ‏السوداء ، كما يتم بيعه بيعا مشروطا و القائمة طويلة جدا.‏
‏ و اليوم هناك طريقان أمام الشعب إمّا الاستسلام لهذا الوضع والخنوع أمام سياسة التجويع ‏والنهب والاستغلال والانتحار الفردي والجماعي والهجرة إلى الخارج أو مواصلة المقاومة ‏حتى تحقيق شعارات الانتفاضة في التحرر والتشغيل والانتصار على الامبريالية وأعوانها ‏وفتح أبواب تونس على المستقبل الذي تتحقق فيه الحرية للوطن والحكم للشعب والثروة ‏للمنتجين .‏
‏-------------------------------------------------------------------------------------‏
شهداء الانتفاضة و جرحــاها : أ بهذا يُكرمــون ؟
‏ رغم أنّهم يطلقون عليها زيفا "الثورة السلميّة"، أحصت لجنة "تقصّي الحقائق" 338 ‏شهيدا و2147 مصابا كحصيلة غير نهائية للأحداث التي دارت في تـونس بين 17 ديسمبر ‏و 14 جانفي 2011.‏
‏ ولا زالت قضيّة شهداء الانتفاضة وجرحاها تشغل اهتمام التونسيين لا فقط عائلات ‏الضّحايا وإنّما أيضا الرّأي العام السّياسي والشّعبي. ولا زالت هذه القضيّة، بعد مرور سنتين ‏على اندلاع الانتفاضة، تراوح مكانها خصوصا على مستوى كشف القتلة ومحاسبتهم وهو ‏المطلب الأوّل الذي تتشبّث به عائلات الشهداء والجرحى، يحصل كلّ هذا رغم كثرة من ‏النّصوص القانونيّة التي صدرت في الغرض.‏
‏ فعديدة هي تلك المراسيم والأوامر والقرارات التي أصدرتها الحكومات المتعاقبة، ويمكن ‏في هذا الإطار أن نذكر بعضها : قرار الوزير الأول المؤرّخ في 26 جانفي 2011، ‏مرسوم عدد 40 المؤرّخ في 19 ماي 2011 المتعلّق بجبر الأضرار الناتجة عن ‏الاضطرابات والتحركات الشعبية التي شهدتها البلاد، أمر عدد 79 مؤرّخ في 27 جوان ‏‏2011 متعلّق بضبط صيغ إجراءات وشروط تطبيق أحكام المرسوم عدد 40، مرسوم عدد ‏‏97 مؤرخ في 24 أكتوبر 2011 متعلّق بالتعويض لشهداء الانتفاضة ومصابيها، قرار ‏رئيس الحكومة المؤرّخ في 7 جانفي 2012 يتعلّق بضبط المبلغ التكميلي للتعويضات لفائدة ‏الشهداء والمصابين. فلا حكومات الغنوشي-السبسي أهملت القضيّة ولا حكومة الترويكا ‏تجاهلتها. غير أنّ هذه الإجراءات القانونيّة الكثيرة ظلّت فقيرة نظرا لأنّها لم ترتق إلى ‏مستوى تطلّعات الجرحى وعائلات الشهداء ومستوى آمال الشعب الذي ظلّ يرفع شعار ‏الوفاء لدماء الشّهداء مطالبا بإنصاف من ضحّوا بدمائهم في سبيل الأرض و الحرية والشغل ‏والكرامة الوطنية. بل إنّ حتّى بعض من تمّ تكليفهم بإعداد مشاريع بعض هذه النصوص ‏اعترضوا على تلك النصوص بعد صدورها، من ذلك أنّ نور الدين حشّاد الذي كلّفته حكومة ‏السبسي/المبزّع بإعداد مشروع مرسوم عدد 97 المذكور سابقا وجّه تقريرا إلى الرئيس ‏المبزّع عبّر فيه عن اعتراضه على تغيير صيغة المرسوم مقدّما اقتراحات لتنقيح المرسوم.‏
‏ ولعلّ في كثرة النصوص وتعاقبها دلالة على مدى قصور هذه النصوص في معالجة مسألة ‏الشهداء والجرحى. والى جانب هذا القصور النصّي، فإنّ ما جادت به المراسيم والأوامر ‏والقرارات لم تجد طريقها إلى التطبيق على أرض الواقع. ولم تكتف الهياكل الرّسميّة ‏بإصدار التشريعات، بل بعثت اللّجان والهيئات تلو الأخرى سواءً تلك المسمّاة مستقلّة على ‏غرار لجنة تقصّي الحقائق أو في صلب المجلس التأسيسي وفي صلب الحكومة بل إنّ بعض ‏الوزارات جعلت من هذه القضيّة أوْلى أولويّاتها (وزارة "حقوق الإنسان") مع أنّه غالبا ما ‏يتمّ ربط قضية شهداء الانتفاضة وجرحاها بمسألة العفو التشريعي العام وذلك لغاية مبيّته من ‏قبل هذه الوزارة والحكومة.‏
‏ كلّ هذه الجعجعة لم تخلّف طحينا وهذا ما تفسّره حالات الامتعاض والغضب التي تنتاب ‏من بقي حيّا من الجرحى وكذلك من قبل عائلات الشهداء وهو ما دفع بهم إلى تنفيذ عديد ‏التحرّكات الاحتجاجيّة على مدار السنتين المنقضيتين كان أشهرها ذلك الاعتصام الذي نفّذه ‏عديد الجرحى والعائلات في وزارة "حقوق الإنسان" في أواخر شهر مارس 2012 بعد أن ‏تمّ اقتحام بوّابتها من قبل المحتجّين وقبل ان يتمّ الاعتداء عليهم وإهانتهم من قبل قوّات الأمن ‏وإخراجهم بالقوّة. ‏
‎ ‎أمّا عن الاعتصامات المحليّة والجهويّة فحدّث ولا حرج (اعتصام أهالي ضحايا القصرين ‏داخل مقرّ الولاية، اعتصام أهالي ضحايا توزر أمام المحكمة العسكريّة بصفاقس أيّام عيد ‏الإضحى، اعتصام أهالي ضحايا الرقاب بالقصبة...). وأمام انسداد الأفق أمام هذه العائلات ‏توعّد عدد من أقارب الضّحايا بالأخذ بالثّأر من قتلة ذويهم من ذلك ما عبّر عنه مؤخّرا أحد ‏أقارب شهداء وجرحى منزل بوزيّان في إحدى المحطّات التلفزيّة وذلك ردّا على ما يواكب ‏سير جلسات القضاء العسكري الخاصّة بالنظر في قضايا الشهداء والجرحى، بما أنّ ‏الجلسات تتالت والمحاكمات طالت فيما ظلّ المتّهمون مجهولين.‏
‏ وأمام تواصل معاناتهم الاجتماعيّة واستفحال أوضاعهم الصحيّة وتعرّضهم في كثير من ‏الأحيان إلى الإهانة من قبل المسؤولين وفي المستشفيات وداخل مراكز الأمن وإيقاف ‏بعضهم، اضطرّ عدد من الجرحى إلى الانتحار كطريق يحلّ به مجموع هذه المعضلات. فقد ‏نجح جريح الانتفاضة حسن السعيدي في تنفيذ عمليّة الانتحار بتناوله كميّة كبيرة من الأدوية ‏وذلك بسبب الاعتداء عليه من قبل رجال الأمن بما في ذلك الاغتصاب و هو ما صرح به ‏شقيقه فالتحق بقائمة الشهداء، فيما فشلت عديد المحاولات الأخرى ولعلّ أكثرها شهرة ‏وتعبيرا محاولة الانتحار شنقا التي أقدم عليها الشاب حمزة ميساوي في شهر جوان 2012 ‏من على باب المجلس التأسيسي والمحاولات الثلاثة للانتحار التي أقدم عليها الشاب الجريح ‏زياد قرّاوي.‏
‏-------------------------------------------------------------------------------------‏
قانون 26/2012 (مرسوم 97 سابقا): مسكّن للغضب

‎ ‎آخر النّصوص المتعلّقة بقضيّة شهداء الانتفاضة وجرحاحا، هي القانون عدد 26 لسنة ‏‏2012 المؤرّخ في 24 ديسمبر 2012 والصّادر إثر مداولة المجلس التأسيسي وموافقته ‏عليه بتاريخ 19 ديسمبر 2012. وهو القانون الذي تمّت صياغته مؤخّرا لينقّح المرسوم ‏عدد 97 المؤرّخ في 24 أكتوبر 2011، فبماذا أتى هذا القانـون ؟
‎ ‎الجديد الذي أتى به هذا القانون يتعلّق أساسا بالجانب التقني، من ذلك تعديل عنوان ‏المرسوم المذكور من "ثورة 14 جانفي" إلى "ثورة الحريّة والكرامة 17 ديسمبر 2010- ‏‏14 جانفي 2011" وكذلك تحديد الفترة الزّمنيّة لمن يهمّهم هذا القانون من الشهداء ‏والجرحى وهي الفترة الممتدّة بين 17 ديسمبر 2010 و28 فيفري 2011، وأيضا تحديد ‏المعنيين بـ"شهداء الثورة ومصابيها" وهم - حسب الفصل السادس من هذا القانون- ‏‏"الأشخاص الذين خاطروا وضحّوا بحياتهم من أجل تحقيق الثورة ونجاحها واستشهدوا أو ‏أصيبوا بسقوط بدني من جرّاء ذلك" وأخيرا وليس آخرا تحديد نسبة السقوط البدني بـ6% ‏لمن سينتفعون بهذا القانون. وبالإضافة إلى هذه التحديدات، فقد أمر هذا القانون بتشكيل ‏‏"لجنة شهداء الثورة ومصابيها" التي ستتكفّل بإعداد قائمة نهائيّة لهؤلاء الضّحايا وفق ‏المقاييس المذكورة، والغاية من وراء كلّ ذلك هو تمكين عائلات الشهداء من جراية شهريّة ‏ومنح المصابين بعض الخدمات المجانية كالعلاج والإقامة بالمستشفيات العمومية والتنقل‎.‎
‎ ‎هذا هو جوهر القانون الجديد المكمّل لمرسوم قديم والذي أتى نتيجة الاعتصام الذي نفّذه ‏أهالي الشهداء والجرحى أمام مقرّ المجلس التأسيسي. ويعاني هذا القانون من علل عديدة ‏تتمثّل أوّلا في تناقض على مستوى الإطار التاريخي، إذ يحصر الحدّ الأقصى للانتفاضة في ‏يوم 14 جانفي بينما يمدّد الفترة التي تخصّ الضحايا إلى 28 فيفري 2011. وثانيا في ‏اللّجنة المزمع تكوينها وفي تركيبتها ومهمّتها، فتكوين لجنة جديدة فيه إقرار بفشل اللّجان ‏السّابقة ومنها لجنة التأسيسي ووزارة حقوق الإنسان دون الحديث طبعا عن اللّجان غير ‏الرّسميّة، أمّا تركيبة هذه اللّجنة ففيها دلالة واضحة على التفاف الحكومة الحالية على قضيّة ‏الشهداء والجرحى إذ أنّها ستضمّ رئيسا معيّنا من قبل رئيس الحكومة و14 عضوا من بينهم ‏‏9 يمثّلون عددا من الوزارات ورئاسة الدّولة، وبخصوص القائمة النهائيّة للضّحايا فإنه سيتمّ ‏الاعتماد في تحديدها على تقرير لجنة تقصّي الحقائق وهذا يطرح السؤال التالي: إذا كانت ‏القائمة موجودة وعدد الضحايا معروفا بالأسماء والتواريخ والأمكنة، فما الجدوى إذا من كلّ ‏هذا الجهد والعناء المبذولين من أجل تكوين هذه اللّجنة ؟
‎ ‎لذلك، فإنّ كلّ هذا الجهد يتّجه نحو غاية دفينة هي محاولة جديدة لامتصاص سُخط عائلات ‏الضّحايا وغضبها نتيجة استفحال معاناتهم المعنويّة أوّلا والماديّة ثانيا. فالمطلب الرئيسي ‏لهؤلاء الضّحايا ولغيرهم ظلّ ولا يزال مرفوعا وهو معرفة القتلة ومحاسبتهم وهو ما لم ‏يتحقّق إلى اليوم، بل إنّ المؤشرات المرتبطة بالمحاكمات التي تُعقد هنا وهناك تدلّ على أنّ ‏هناك اتّجاها نحو قتل الضّحايا مرّة أخرى وإنقاذ القتلة –إن وجدوا- وهو المطلب الذي ‏تهرّب القانون الجديد من إيلائه أيّ أهميّة، وربّما يندرج ذلك ضمن نفس المسار الذي بدأ ‏بنفي وجود قنّاصة مع السبسي وتواصل بنعت الشهداء والجرحى بالسّكارى ثمّ بالسّخرية ‏منهم لأنّهم عرّضوا صدورهم للرّصاص مع الشيخ الغنوشي‎.‎
‏ غير أنّ هذه المحاولة الجديدة كسابقاتها لم تنجح في تحقيق غايتها بل إنّها أجّجت غضبا ‏متزايدا وهو ما تجلّى في تواصل الاحتجاجات الشعبيّة في جهة القصرين وفي إثارة ‏الاحتجاجات في منطقة الحوض المنجمي وخصوصا لدى أهالي الرديّف ردّا على إقصاء ‏شهداء وجرحى انتفاضة 2008 فردّ هؤلاء بتنفيذ إضراب عامّ يوم 3 جانفي 2012 وهم لا ‏يطالبون بالتعويضات وإنّما باعتبار قتلى انتفاضة الحوض المنجمي شهداء لا أكثر آملين أن ‏ينصفهم التّاريخ إن تجاهلتهم الحكومات.‏
‏-------------------------------------------------------------------------------------‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري