الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمانويل كانط ( 1724 - 1804 )

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2020 / 12 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




لا شك أن الفلاسفة العظماء في تاريخ البشرية، قلَّة ربما يُعَدُّون على أصابع اليدين أو أكثر قليلاً، ولكن عمانويل كانط هو من بين هؤلاء، فهو صاحب الثورة الفكرية التي غيرت المفاهيم القديمة وقلبت الدنيا رأساً على عقب، لدرجة أن قيل ان "ما بعد كانط ليس كما كان قبله" فهو يعتبر بحق، فيلسوف الفكر الانساني الحديث، حيث انه هدم عبر فلسفته العقلية، صرح الفكر القديم، وأثار عليه رجال الدين واللاهوت، فهو الذي "اعتبر التاريخ تطوراً للحرية البشرية وبلوغاً لحالة قائمة على العقل بالرغم من أنه وقف نصيراً لحق التملك للأشياء وللناس أيضاً، علاوة على أنه يُعتبر رائد الفلسفه الكلاسيكية الألمانية.
حياته:
ولد كانط في كونيغسبرج في بروسيا عام 1724، وتربى في عائلة فقيرة كانت تؤمن بالربوبية، فكانت تتبع مذهب الدعوة إلى الايمان والتوجه إلى الله دون التوسط بالكنيسة، وقد نشأ كانط على هذا التكوين الديني المعتدل، ثم بعد ذلك سينهي علاقته بالدين، ومنذ شبابه حتى آخر حياته لم يدخل أي كنيسه قط، انسجاماً مع افكاره بل –حسب العديد من المصادر- لم يمارس الصلاة في كل حياته، لكن حسه الأخلاقي كان عالياً جداً.
تميزت حياة كانط –كما يقول ديورانت- بالهدوء والنظام والانطواء، فلم يخرج من مدينته ابداً، ولم ير البحر في حياته رغم أن المسافة بين مدينته وبين بحر البلطيق حوالي ساعة فقط، كما ان كانط لم يتزوج([1]) وبقي عازباً طيلة حياته، وربما اعتقد مثل نيتشه بان الزواج سيحول بينه وبين البحث الأمين عن الحقيقة، لانه لم يرغب في ان يشغله أي شاغل بعيداً عن الفكر والدراسة والانتاج المعرفي.
لقد صب "كانط" حياته في قالب لا يحيد عنه من النظام والدقة كما يقول احد مترجمي حياته، فكان يستيقظ في الصباح فيبدأ بشرب القهوة، فالكتابة، فالمحاضرة، فالغداء، والخروج من منزله طلباً للمشي والنزهة. ويبدأ بالسير نحو الشارع الصغير الذي تكتنفه اشجار الزيزفون، والذي لا يزال يحمل اسم (نزهة الفيلسوف)، وهكذا كان يأخذ في النزهه والتريض ذهاباً واياباً في جميع فصول السنة، وعندما يكون الجو قاتماً أو مكفهرا وغائماً يتبعه خادمه الكهل بقلق متأبطاً مظله كبيرة ليقيه من المطر.
كانط، كان يفكر في كل شيء تفكيراً طويلاً قبل ان يُقدِمْ عليه، وكان جدياً عزيز النفس لم يقبل بأي مساعده من أحد مهما اشتد فقره، وكان محبوباً من سكان مدينته.
وهكذا –كما يضيف ديورانت- "واصل السير في طريقه وسط الفقر والغموض، كاتباً ومنقحاً كتابه العظيم الذي فرغ منه عام 1781 بعد ان استغرق خمسة عشر عاماً. لقد أحدث كتابه "نقد العقل المحض"، انقلاباً مفزعاً في عالم الفلسفة، لم يحدثه أي كتاب آخر، وبسبب شهرته، عرضت عليه العديد من الجامعات الالمانية التدريس فيها، لكنه رفض تلك العروض، مفضلاً البقاء في مدينته كونيغسبرج التي ولد فيها ولم يغادرها مطلقاً طوال حياته، وظل استاذاً ثم عميداً لكلية الأداب في جامعة كونيغسبرج حريصاً على الدوام فيها، ثم اصبح مديراً للجامعة، وبعد وفاته تم تسميه الجامعة باسم جامعة كانط بقرار من الدولة البروسية تكريماً له.
أمضى كانط  حياته كلها في مدينة كونيغسبرج (Konigsberg) في بروسيا الشرقية، والتي تدعى الآن كالينينغراد (kaliningrad) وكان كانط من نواح كثيرة يحمل علامة المذهب البروتستانتي الكهنوتي، وعاش حياة بسيطة في ظاهرها، وبدأها معلماً وانتهى أستاذاً جامعياً ومحاضراً في عدد من العلوم والرياضيات والفيزياء والتاريخ الطبيعي، وتميز أسلوب حياته بالدقة إلى حد الاهتمام بأدق التفاصيل، حيث اتبع في حياته جدول أعمال لحركته اليومية، وحافظ عليه طوال حياته بكل دقة، لدرجة ان هناك من شَبَّهَ كانط بالساعة، فكان يستيقظ في الصباح الساعة الخامسة، فيقراً الصحف وبعض الاوراق، ثم يبدأ في الكتابه، وبعد ذلك يذهب إلى الجامعة.. وفي الساعة الرابعة والنصف تماماً ، مساء كل يوم يخرج من بيته حاملاً عصاه ومعه خادمه إلى نزهته اليومية في الحديقة المجاورة لمنزله ، وبعد وفاته اطلق اسمه على الشارع الذي اقام فيه.
كرس كانط حياته للأبحاث النظرية، وحظيت كتبه النقدية الثلاثة بأهمية كبرى، وهي: نقد العقل المحض (1781)، ونقد العقل العملي (1788)، ونقد الحكم (1790)، ويعتبر العام 1781، وكذلك عامي 1788 و 1790 اعواماً مفصلية في تاريخ الفكر الإنساني، حيث تجلت معالم الثورة الكانطية التي ستساهم في تغيير وجه أوروبا، في أول ثورة تنويرية عقلانية في تاريخ العالم.
فلسفة كانط وتأثيره:
"لم يشهد تاريخ الفكر فلسفة بلغت من السيادة والنفوذ في عصر من العصور، ما بلغته فلسفة عما نويل "كانط"، من النفوذ والسيادة على الأفكار في القرن التاسع عشر. فبعد ستين عاما من التطور الهادئ المنعزل قام "كانط" بهز العالم وايقاظه من نومه العقائدي في عام 1781 بإخراج كتابه المشهور "نقد العقل الخالص"، الذي كان بمثابة ثورة كوبرنيكيه في الفلسفه، حيث أحدث "ثورة في مجال نظرية المعرفة، وأصبح معيار صدق المعرفة هو اتفاقها مع قوانين العقل الإنساني، لا مع الظواهر التجريبية المتغيرة، وقدم صورة للمعرفة باعتبارها صادرة عن إخضاع الخبرة التجريبية للقوانين العامة الكلية والضرورية للفهم البشري، بحيث أصبح الفهم البشري هو الذي يضفي الانتظام والموضوعية على عالم الخبرة التجريبية، وأن هذه الخبرة لا توجه المعرفة بل الفهم البشري هو الذي يوجهها وينظمها صانعًا منها معارف وعلوماً"([2]).
كما تكمن أهمية كانط أيضاً في انه حدد للعقل مجال أو نطاق قدرته واستطاعته، فالعقل لا يستطيع كل شيء على عكس ما نتوهم، إنه يستطيع فقط أن يفهم عالم الظواهر المحسوسة الخاضعة لقوانين السببية والحتمية، وهذا ما يفعله العالم الفيزيائي مثلاً عندما يكتشف القوانين التي تتحكم بظواهر الطبيعة، هنا تكمن عظمة نيوتن، ولكن العقل –كما يقول هاشم صالح- "لا يستطيع أن يتوصل إلى عالم ما وراء الظواهر: أي العالم الميتافيزيقي، وهنا يكمن خطأ الأنظمة الميتافيزيقية (أو الفلسفية) الكلاسيكية الموروثة عند لايبنتز أو سواه، فالميتافيزيقا الكلاسيكية كانت تعتقد بإمكانية التوصل إلى حقائق مطلقة في مجال يتجاوز الماديات والمحسوسات، ولكن كانط قال بأن هذا مستحيل، كل ما نستطيع التوصل إليه في هذا المجال هو حقائق إيمانية أو اعتقادية كالإيمان بوجود الله، وخلود الروح، ... إلخ، ولذلك قال كانط جملته الشهيرة: "لقد اضطررت إلى إلغاء المعرفة من أجل أن أفسح مجالاً للاعتقاد الإيماني"([3]).
في هذا السياق، يؤكد د. هشام غصيب أن كانط قال: "انني لست بحاجة لله لكي نعقلن الطبيعة، فالذي يضمن عقلنة الطبيعة هو العقل البشري الذي يصوغ الخبرة البشرية في العالم، أما ما وراء هذا العالم (الميتافيزيق) فلا نعرفه أو لا يمكن معرفته، لكن كانط عَلْمَنَ الأخلاق، وألغى ارتباط الأخلاق بالدين، وبالتالي استطاع الانسان ان يمارس حريته في اطار علمنة الأخلاق ، وهناك بعض المفكرين الرجعيين أو اليمينيين قالوا ان كانط أكد على الايمان وهذا غير صحيح"([4]).
أما على صعيد المعرفة التنويرية، فمن المعروف أن كانط "كان قريباً من فلاسفة عصر التنوير، حيث سعى لبناء استقلال الإنسان عبر الاستعمال المتنور والكلي للعقل، "غير أنه خلافاً لروسو نأى بنفسه عن الإلحاد الفكري لفلاسفة عصر التنوير، وكرس نفسه للمعرفة (للإبستيمولوجيا) القائمة على الفرد، فكان هنا مع الفلاسفة التجريبيين – الحسيين والفلاسفة العقلانيين على أرض مشتركة، وكان موقفه متمثلاً في القول إن المعرفة الوحيدة التي نستطيع أن نحصل عليها عن العالم وعن أنفسنا، أي المعرفة القائمة على الخبرة الحسية، لا يمكن أن تكون يقينية يقيناً مطلقاً، إذ إن هناك إمكانية في أن تتناقض انطباعات حسية جديدة مع الانطباعات الحسية التي عليها بنينا نظراتنا حتى الآن بصورة دائمة، أي: حتى العلوم الطبيعية ذاتها ليست بذلك اليقين المطلق"([5]).
اعتبر كانط المذهب التجريبي – الحسي الهيومي فضيحة: إذ دمر هيوم الأخلاق والعلوم الطبيعية، كليهما!([6]) فأخذ كانط على عاتقه مهمة البرهان على وجود شيء في الأخلاق وفي العلوم الطبيعية نستطيع بعقلنا أن نقر بانه ضروري بمعنى دقيق وصحيح بمعنى كلي.
وتلك كانت نقطة البداية عند كانط، فهو أراد أن يبين أن هيوم التجريبي – الحسي لم يعط دوراً للعقل، إذ لم يكن مشروع كانط مقتصراً على نقاش فلسفي داخلي مع هيوم، فقد كان، بوصفه فيلسوفاً، يعمل في عصر التنوير مهتماً بالتقدم العلمي أيضاً، وبدا أنه رأى فيزياء نيوتن نصراً دائماً للعلم، إذ به تم اكتشاف شيء حقيقي لا يقبل الجدل، وفي الوقت نفسه، "رأى أن مهمته كفيلسوف هي أن يبين سبب كون أساس العلم التجريبي ثابتاً لا يتزعزع، أي: عندما نقوم بتجارب، نعمل بطريقة منظمة على عزل بعض الحالات وجمعها وتغييرها بغية ملاحظة صفات الظواهر التي تعتمد عليها وقياسها، غير أننا إذا شككنا، مبدئياً، بالانتظام الأساسي للعالم، فإن فائدة التجربة تختفي – تماماً كما تختفي فكرة القوانين الطبيعية، وقد رفض كانط هذا النوع من الشك، وفعل ذلك عن طريق إثباته أن صور الإدراك الحسي، المكان والزمان وبعض الأفكار الأساسية مثل فكر السببية، هي فطرية في العقل البشري، وهكذا نجد أن رد فعل كانط لم يكن في موقف محدود بنزاع فلسفي داخلي وحسب، بل شمل أيضاً نزاعاً تعلق بثقتنا بالعلم، فقد عكس كانط الرأي الأساسي الذي قال إن المعرفة تحدث عندما تتأثر الذات بالشيء، بمعنى أنه حول العلاقة تدويراً، وأكد أن علينا أن نتخيل أن الشيء هو الذي يتأثر بالذات، أي إن الشيء كما نعرفه هو الذي يتشكل بطريقة الذات في الخبرة والتفكير، ولذا حاول كانط بطريقة ما أن يخلق تركيباً من المذهب التجريبي – الحسي والمذهب العقلي بمحاولته تجنب ما اعتبره شكاً تجريبياً – حسياً وعقيدة عقلية جامدة"([7]).
بهذا المعنى، وافق كانط التجريبيين – الحسيين على أن كل المعرفة تبدأ بالخبرة. غير أنه في الوقت ذاته، قال: إن المعرفة كلها تشكلها الذات، فالانطباعات الحسية كلها تتخذ الصورة التي نفرضها عليها، وهي تتبع صور الإدراك الحسي. صورة المكان وصورة الزمان"([8]).
انتقد كانط الميتافيزيقا، "غير أنه بخلاف ما رأى التجريبيون –الحسيون المتطرفون لم ير أن عصر الميتافيزيقا قد ولى، بل على النقيض من ذلك، فقد "اعتبر أن المسائل الميتافيزيقية مسائل لا يمكن تجنبها، على الرغم من استحالة وصولنا إلى جواب علمي عليها، وبالتالي نحن عاجزون عن البرهان على المسائل الدينية الأساسية أو دحضها، وبما أننا عاجزون عن التخلص من هذه المسائل، فإن الأجوبة عنها يجب أن تقوم على الإيمان، وفي الوقت ذاته الذي "حافظ" فيه كانط "على العقل" في العلوم الطبيعية وفي الرياضيات ضد مذهب هيوم التجريبي – الحسي، ترك فسحة لإيمان بسيط في الدين"([9]).
في فلسفته يؤكد على ضرورة فصل ظواهر الأشياء، كما هي موجودة بذاتها عن "الأشياء في ذاتها"، ويقول بأن: "الأشياء في ذاتها لا يمكن أن تعطى لنا من خلال التجربة".. أي أنه يحاول البرهنة على أن الأشياء في ذاتها مستعصية على المعرفة، وأننا لا نستطيع معرفة سوى "الظواهر"، هذا الفهم الفلسفي أدى بـ "كانط" إلى القول : بأننا لا نستطيع إطلاقا البرهنة على وجود الله لأنه "شيء في ذاته"([10]).
في مؤلفاته انطلق من نظريته عن "الأشياء في ذاتها" والظواهر؛ إلى القول: أن هناك عالم مستقل عن الوعي (الحواس، الفكر)، وهو عالم الأشياء التي يسميها "الأشياء في ذاتها" والعالم المستقل عن الوعي هو العالم الموضوعي، وهو هنا قريب من الماديين باعتبار أن الأولوية لأشياء العالم المادي وليست للوعي أو الحواس لكنه سرعان ما يبتعد في تفسيره لـ "الأشياء في ذاتها" عن الفهم المادي ويقترب كثيراً ليصبح مثالياً؛ إنه يؤكد على أننا مهما توصلنا إلى حقائق العلم أو الرياضيات، فان هذه المعرفة ليست "معرفة الأشياء في ذاتها" لأن الأشياء في ذاتها كما يقول مستعصية على المعرفة وما يمكننا معرفته هو "الظــواهر" وحدها.
هكذا يخلص "كانط" إلى القول بأنه ليست صور ذهننا هي التي تتوافق مع أشياء الطبيعة بل بالعكس أشياء الطبيعة هي التي تتوافق مع صور الذهن.. إذن فان ذهننا لا يجد ولا يستطيع أن يجد في الطبيعة إلاَ ما سبق له أن أودع فيها قبل التجربة وبصورة مستقلة عنها بواسطة صوره الخاصة.
لقد شملت فلسفة كانط تفكيراً بالحدود الإبستيمولوجية (المعرفية)، وذلك في إطار مُرَكَّب من المذهب العقلاني والمذهب التجريبي – الحسي لديه، وبالتالي فإن مأثرة كانط وانجازه المعرفي العظيم، يتجلى في:
أولاً، تعزيز العلم التجريبي – الحسي الحديث الذي كان علم الفيزياء نموذجه.
وثانياً، دعم دعماً كاملاً النظرة المفيدة أن الإنسان مخلوق حر ومسؤول أخلاقياً.
وبالتالي يكون كانط قد أعطى جواباً عن واحدة من المعضلات الرئيسية للفلسفة الحديثة، ألا وهي العلاقة بين العلم والأخلاق، كما وردت في كتابيه حول "نقد العقل الخالص، والعملي".
نقدم فيما يلي ملخصاً مكثفاً لأبرز أفكار كانط كما وردت في كتابيه"نقد العقل الخالص" و"نقد العقل العملي":
أولاً: نقد العقل الخالص:
وضع كانط كتابه هذا بعد أحد عشر عاماً متواصلة من الكتابة، وقد صدر عام 1781 بلغة صعبة ومصطلحات عميقة لا يفهمها سوى النخبة من المفكرين والفلاسفة، فهو –كما يقول يوسف حسين- "كتاب مؤسِّس وليس كتاباً عادياً لشرح الفلسفة، فهو مُؤَسِّسَ لمنهج ومبادئ جديدة في الفلسفة، وقد كرس كانط في كتابه هذا بناء نظرية نقدية في المعرفة وتناول بالتحديد نقد الميتافيزيقا التي تتجاوز حدود العقل.
السؤال: ماذا قصد كانط من وراء هذا الكتاب؟ ان أول كلمة تطالعنا هي كلمة "نقد" التي لا تعني السلب فقط، بل تعني أيضاً التقييم، وقد استعمل كانط كلمة "النقد" لإنه أراد تحليل وتقييم سلبيات العقل، بمعنى القضايا التي لا تندرج ضمن قدرة العقل، والايجابيات التي توضح حدود قدرة العقل، أما العقل عند كانط، ليس الدماغ المادي، وانما هو عملية عقل أو فهم الاشياء أو آليات التفكير والحكم، أما كلمة "المحض" أو الخالص، فيرمز كانط من خلالها إلى ذلك العقل السابق على التجربة، بمعنى، ذلك العقل النظري غير المستند إلى معرفة حسية وإنما من قدراته النظرية المحض.
إذن مدلولات العنوان: نقد العقل المحض" تشير إلى عملية تقييم للعقل أو عملية فحص لماهية المعرفة الانسانية وحدودها، وتوضيح أن ماوراء الطبيعة (الميتافيزيقا) هو خارج حدود العقل، ومن ثم استهدف كانط التوصل إلى معرفة حقيقية من خلال نقده للفلسفة العقلية وحدها ، وللمذهب التجريبي وحده، فكل منها يعطينا معرفة جزئية، فالمعرفة عنده هي نتاج للعقل/ الفكر، والتجربة أو الحس معاً، وكل معارفنا –كما يقول كانط – تبدأ بالتجربة، لكن لا تنشأ عنها، فالتجربة تزودنا بالمادة الخام أو بالمعرفة الحسية، أما العقل فهو المصنع الذي يعيد صياغة ومعالجة وتنسيق هذه المادة الخام بواسطة أدوات أو أحكام قَبْلية موجودة داخل العقل من خلال مقولات المكان والزمان والسببية.. إلخ.. المقولات العقلية القَبْليِة الموجودة في اذهاننا وتساعدنا على فهم المعطيات الحسية"([11]).
فالعقل عند كانط –كما يضيف يوسف حسين- "هو من يصنع صورة العالم، وليس كما كان الاعتقاد سائداً من قبل، فكل المدارس الفلسفية قبل كانط، قالت بأن الشيء يتم ادراكه كما هو ، أو أن ما في عقولنا يتطابق مع الواقع، لكن كانط رفض هذا الاستنتاج وقال لا، فالأمر معكوس تماماً لأن الواقع هو الذي يجب أن يتطابق مع عقولنا ومعارفنا، وهو الذي يخضع لخصائص الذهن أو العقل.
لكن هذه المعرفة العقلية، لا تقدم لنا سوى ما يظهر من الماده، أو الواقع، من صفات ظاهرة تنقلها لنا الحواس/ التجربة، وبالمقابل، لا يمكننا معرفة جوهر المادة أو الظاهرة،  أي اننا ندرك الظواهر، أما الجوهر فهو خارج امكانية عقلنا أو معارفنا القاصرة على العالم الملموس ، أما العالم الميتافيزيقي / الله فلا نستطيع ادراك جوهره، وهنا "تتوقف حدود العقل عن الادراك"([12]).
فقد "قام كانط بتقسيم الوجود إلى قسمين: عالم الظواهر الحسي وإسمه عالم الفينومين (الظاهرة)، وعالم الأشياء في ذاتها أو العالم الماورائي أو عالم النومين (الغيب)، وهذا يعني –عنده - أن بُنية عقولنا البشرية لا يمكنها التعامل إلا مع العالم المحسوس أو عالم الظواهر التي تمثل حدود العقل، كما اننا لن نعرف إلا ظاهر المادة، أما معرفة حقيقة الاشياء في ذاتها فلا يمكن معرفتها كما يقول كانط، مثال على ذلك: اننا نعرف الذَّرةَّ وتركيبها، أما ما عدا ذلك (جوهرها) فلا نعرف شيئاً، وكذلك الفوتون (الضوء) نعرف تركيبه، ولا نعرف جوهر مكوناته في ذاتها، أي ان كانط مَيَّزَ بين معرفتنا وادراكنا للشيء، وحقيقة هذا الشيء الذي ادركنا ظاهره عبر الحواس، أما ما هو هذا الشيء في حقيقته، فهذا ليس مجال عمل عقولنا التي لا تعرف سوى ظاهر الشيء، وهذا ما قصده كانط في استخدامه لعالم الظواهر أو عالم الفينومين، أما العالم الآخر (الماورائي الغيبي أو الميتافيزيقي)، فلا يمكن للعقل معرفة حقيقته، لأنها خارج قدرات العقل، فالأفكار مثل الله والنفس والروح والخلود كلها معاني تقع على الجانب الماورائي، التي لا يستطيع العقل تفسيرها، والتعرف على حقيقتها، أو حقيقة وجودها، أو نفيها، لإنها غير قابلة للإدراك الحسي، ومن ثم العقل لا يمكنه التأكد من وجودها"([13]).
إن "كانط" لا يعني في كتابه "نقد العقل الخالص" مجرد النقد –كما يقول ول ديورانت- ولكنه يريد النقد التحليلي، فهو لم يهاجم العقل الخالص، بل كان يرجو ان يُظهر امكانياته، ويرفعه ويضعه فوق المعرفة غير النقية التي تأتي الينا عن طريق المعرفة المشوهة التي تنقلها الحواس، لأن العقل الخالص في نظره يعني المعرفة التي لا تأتي عن طريق الحواس، وهي معرفة مستقلة تماماً عن كل انواع التجربة أو الحواس، معرفة خاصة بنا بحكم طبيعة العقل وتركيبه.
لقد تحدى "كانط" في البداية ما ذهب إليه لوك والمدرسة الانجليزية: فقال بأن المعرفة ليست مستمدة كلها من الحواس، هذه هي –كما يؤكد ول ديورانت- قضية الكتاب الأول من النقد التي اراد "كانط" بحثها فهو يقول: "ان سؤالي، هو، ماذا نرجو ان نبلغ بالعقل، اذا ابعدنا كل مساعد للتجربة الحسية"([14]).
"لقد أورد كانط في كتابه تحليلاً مفصلاً لأصل الأفكار، واختباراً لأصل النظريات والأفكار وتطورها، وتحليلاً لتركيب العقل الموروث، فيقول: ان التجربة ليست الميدان الوحيد التي تحدد فهمنا، لذلك فهي لا تقدم لنا اطلاقاً حقائق عامة، وبذلك فهي تثير عقلنا المهتم بهذا النوع من المعرفة، بدل ان تقنعه وترضيه، لذلك لابد ان تكون الحقائق العامة التي تحمل طابع الضرورة الداخلية، مستقلة عن التجربة، واضحة ومؤكدة في نفسها، فقد نعتقد ان الشمس قد تشرق غدا من الغرب، أو ان النار سوف لا تحرق العصي الخشبية في عالم لا تحرق فيه الاشياء، ولكننا لن نعتقد أو نصدق طيلة حياتنا بان اثنين زائد اثنين يمكن ان يسفر عن عدد غير الاربعة، ان مثل هذه الحقائق حقيقية قبل التجربة.
ولكن من اين نحصل على هذه الحقائق المطلقة والضرورية؟ ليس من التجربة –كما يجيب كانط- "لأن التجربة لا تعطينا شيئاً سوى أحاسيس منفصلة وحوادث قد تغير تعاقبها في المستقبل، إذ ان هذه الحقائق تستمد نوعها الضروري من تركيب عقولنا الفطري، من الطريقة الطبيعية الحتمية التي يجب أن تعمل عليها عقولنا، لان عقل الإنسان ليس لوحا جامداً من الشمع تُكْتَبْ عليها الأحاسيس؛ وليس سلسلة من الحالات العقلية، إنه عضو نشيط يَسبُك وينسق الإحساسات إلى أفكار، عضو يُحَوِّلْ ضروب التجربة الكثيرة المشوشة وغير المنظمة إلى وحدة من الفكر المنظم المرتب"([15]).
وتأكيداً لدور العقل، يقول "كانط" "بأن الادراكات الحسية بغير المدركات العقلية عمياء"، فالإدركات الحسية لن تكون قادرة وحدها على تنظيم نفسها بطريقة آلية إلى فكر منظم، ما لم يكن للعقل أثر فعال في تحويل فوضى الاحساس إلى نظام الفكر، مثالنا على ذلك – كما يورده ديورانت- :كيف يمكن ان تسفر التجربة الحسية ذاتها التي يتعرض لها رجلان، فتنتهي بالرجل الاول إلى ان يكون عادياً ووسطاً ويرتفع الثاني بفضل نشاطه وروحه المتوثبة إلى ضوء الحكمة ومنطق الحقيقة وذروة المعرفة؟
إذن للعالم نظام، ولكن هذا النظام ليس موجوداً في العالم نفسه، ولكن الفكر (العقل) الذي عرف العالم وادركه هو المنظم لهذا العالم، لأننا نعرف الاشياء فقط عن طريق الفكرة التي تسير وفقاً لقوانين العقل، اذن فالقوانين العقلية هي نفسها قوانين الطبيعة. "وكما قال هيجل ان قوانين المنطق وقوانين الطبيعة شيء واحد، ويندمج المنطق والميتافيزيقا. اذن فقوانين العلم ومبادئه ضرورية، لانها هي قوانين الفكر، الداخلية – والمضمنة لكل تجربة ماضية وحاضرة ومستقبلة، ان العلم مطلق والحقيقة خالدة"([16]).
ولكن "هذا لا يعني ان "كانط" يشك في وجود المادة والعالم الخارجي، ولكنه يقول بأننا لا نعرف شيئاً يقينياً عنهما خلا وجودهما، وأن معرفتنا المفصلة عنهما تتعلق بمظهرهما وظاهريتهما، ويتبع ذلك أن كل محاولة يبذلها العلم أو الدين في تعريف الحقيقة النهائية تنتهي لان تكون مجرد محاولة نظرية، لان العقل لا يمكن أن يتجاوز حدود الظواهر الحسية، ومرة ثانية، لو حاول العقل ان يعرف هل كان للعالم ابتداء زمني وقع في الاشكال نفسه، لاننا لا نستطيع ان نتصور الازلية التي ليست لها نقطة ابتداء، ولكننا في الوقت ذاته لا نستطيع ان نتصور اية لحظة في الماضي نسميه بدء الزمن، اذ لا يسعنا الا ان نشعر بانه قد كان قبل تلك اللحظة الاولى شيء.
ثم لو تساءل العقل، هل لسلسلة العلة والمعلول التي يدرسها العلم بدء، أي هل للعالم عِلَّة أولى نشأ عنها، أجاب العقل بالايجاب والنفي معاً، فبالإيجاب لأنه لا يستطيع ان يتصور سلسلة لا نهاية لها، وبالنفي كذلك، لانه لا يمكن تصور علة أولى لا علة لها، فهل هناك مخرج لهذه المنعطفات والاشكال في الفكر؟ ويجيب "كانط" على هذا السؤال بالايجاب نعم يمكن وجود مخرج لهذه الاشكال في الفكر لو تذكرنا بان المكان والزمان والعلة ليست سوى وسائل للادراك الحسي والادراك العقلي، والتي يجب ان تدخل إلى كل تجربتنا باعتبار انها مفتاح وبناء التجربة، وبدونها لا تكون لنا تجربة ولا معرفة"([17]).
وهكذا –كما يقول ديورانت- "ينتهي الكتاب الاول في النقد، وكأننا نتخيل (ديفيد هيوم) يستعرض هذه النتائج التي توصل لها "كانط"، وتعلو وجهه ابتسامة مصطنعة تهكمية، هنا كتاب واسع، يقع في ثمانمائة صفحة، يحاول وضع حل لجميع مشاكل الميتافيزيقا وانقاذ العلم والدين، فماذا انجز هذا الكتاب في الحقيقة؟ يجيب ديورانت: "لقد دمر عالم العلم البسيط وحدد من مداه حتماً ان لم يكن في درجته، لقد حصره في عالم الظواهر السطحي، وهكذا (انقذ) العلم، حيث ان كانط يتناول بفصاحة وبلاغ في جزء من كتابه موضوع الدين وحرية الروح وخلودها والخالق فيقول، انها لا يمكن للعقل اثباتها واقامة الدليل عليها، وبهذا فقد "انقذ" الدين أيضاً"([18]).
ولا غرابة ان رفض رجال الدين في المانيا هذا الانقاذ للدين الذي قدمه لهم "كانط" واحتجوا عليه احتجاجاً شديداً، ولا غرابة ان قارن "هيني" بين "كانط" النحيل البنية الضعيف و"روبسبير" المخيف فقال ان روبسبير لم يقتل الا ملكاً واحداً وبضعة آلاف قليلة من الفرنسيين، وهي جريمة قد يتسامح فيها الرجل الالماني، اما "كانط" فقد قتل الله وقوض أعظم الأركان والدعائم الغالية التي يقوم عليها بناء اللاهوت"([19]).
أخيراً، المعرفة عند كانط تمر بثلاثة مراحل: الاحساس، الفهم، العقل، أو مرحلة الادراك الحسي، مرحلة المنطق، مرحلة الجدل ، وهذا الاختصار المكثف للمعرفة/ الفلسفة عند كانط، لا يعني أننا يمكن أن نستوعب فلسفته بسهولة، فهي –كما يؤكد يوسف حسين- "فلسفة صعبة ومعقدة وتحتاج إلى عدة قراءات لكي نستوعبها".
ثانياً: نقد العقل العملي:
في توضيح فكرة العقل العملي عند كانط، يقول المفكر هشام غصيب " كانط لم يكتفِ بعلمنة المعرفة بصدد الطبيعة، وإنما سعى إلى علمنة الأخلاق وعقلنتها، بمعنى أنه سعى إلى جعل العقل مرجعية الأخلاق، أي تأسيس الأخلاق عقليا، إذ أكد كانط على أن القانون الأخلاقي مكتوب في إرادة الإنسان، أي فيما أسماه العقل العملي، فالإنسان حرّ في جوهره ولا يليق به، في مرحلة نضجه (تلك التي أسماها كانط مرحلة التنوير)، أن يتلقى الأوامر والتعليمات من خارجه، فالقانون الأخلاقي يكمن في داخله العقلي، في إرادته الذاتية العاقلة. والإنسان العاقل الفاضل، إذ يطيع هذا القانون، إنما يطيع ذاته العاقلة، يطيع جوهرة الإنساني العاقل، أي يحقق انسانيته التي تميزه عن غيره من الكائنات، ثم يخلص كانط إلى القول بأن الأخلاق لا تحتاج إلى الدين مطلقاً، لا من حيث المشيئة ولا من حيث القدرة على الفعل. فهي، بفضل العقل العملي البحت، مكتفية في ذاتها وبذاتها. هذه هي النتيجة التي يصل إليها كانط في آخر كتبه وفي نهاية عمره"([20]).
وفي هذا السياق، يقول ديورانت: "اذا كان الدين عند كانط، لا يمكن ان يقوم على اساس من العلم واللاهوت، علام يقوم اذن؟ لان بناءه على أساس من اللاهوت ليس مأمون الجانب ويعرضه للخطر، اذن فالافضل–لدى كانط- "التخلي عن اللاهوت النظري، والقضاء عليه بالابتعاد بالدين عن متناول حكم العقل وسيادته.
فالخير الوحيد في هذا العالم هو ارادة الخير، وهي الإرادة التي تتبع القانون الاخلاقي، بغض النظر عما يعود علينا من كسب أو خسارة، اذ ليس المهم هو السعادة وانما هو الواجب."اذاً ليست الاخلاق مبدأ يُعَلِّمنا كيف نجعل أنفسنا سعداء، ولكن كيف نجعل انفسنا جديرين بالسعادة".
يقول كانط "دعنا نسعى إلى سعادة الآخرين، ولكن بالنسبة إلى أنفسنا يجب أن نسعى إلى الكمال سواء قدم لنا هذا الكمال سعادة أو ألماً، ولكي تبلغ الكمال في نفسك والسعادة في الآخرين، إعمل وكأنك تعامل الانسانية سواء أكانت مُمَثلة في شخصك أو في أي شخص آخر، كغاية في كل حالة، ولا يجوز لك قط ان تعتبرها وسيلة فقط، "يجب أن يكون هذا المبدأ أساساً لحياتنا، فان تمسكنا بهذا المبدأ فسرعان ما نخلق لأنفسنا مجتمعاً مثالياً فاضلاً. والسبيل إلى خلق مثل هذا المجتمع، أن نعمل كما لو كنا ننتمي إليه من قبل، لذا يجب ان نطبق القانون الكامل في الدولة الناقصة، فقد نقول انها اخلاق عسيرة صعبة تلك التي تضع الواجب فوق الجَمال، والأخلاق فوق السعادة، ولكن بهذه الوسيلة فقط نتوقف عن مرتبة الحيوانية ونرتفع من حيوانات لنصبح آلهة. "وجدير بنا أن نلاحظ ان هذا النداء المطلق لاداء الواجب يدل نهائياً على حرية ارادتنا، إذ كيف نستطيع ان نتصور فكرة الواجب، لو كنا لا نشعر بأنفسنا احراراً؟ اننا نستطيع ان نقيم الدليل على هذه الحرية بالعقل النظري، ويمكننا ان نقيم الدليل على هذه الحرية بالشعور بها شعوراً مباشراً اذا ما وقفنا موقف الاختيار بين سلوكين، ما يعني، أننا نشعر بهذه الحرية في داخل انفسنا "في الذات الخالصة" نشعر في داخل انفسنا بنشاط العقل التلقائي وهو يسبك ويصوغ للتجربة، ويختار الاهداف"([21]).
بالإضافة إلى ما تقدم، فقد "ربط كانط بين السياسة والأخلاق بشكل وثيق، ومشى عندئذ ضد خط ميكافيللي، الذي فصل بينهما، وقال إن الغاية تبرر الوسيلة، وأن الأخلاق شيء، والسياسة شيء آخر، ولكنه كان يعرف أن الحق بدون قوة لا معنى له، بل برر الحرب بشرط واحد، هو أن تؤدي إلى نشر الحرية والدستور المدني وفكرة التقدم بين البشر، لكن كانط –على عكس ميكافيللي- كان متفائلاً بالطبيعة البشرية، ويعتقد أننا سائرون إلى الأمام باستمرار وسوف نتوصل يوما ما إلى عالم مسالم قائم على الحق والعدل والقانون الدولي، بل كان يعتقد بان السلام الأبدي الشامل بين الأمم أمر ممكن بشرط أن ينتشر نور المعرفة في أوساط البشرية كلها ولا يبقى محصوراً بأوروبا وحدها"([22]).
جان جاك روسو، وتأثيره على كانط:
يقول ديورانت: "لقد كان (روسو) على صواب حين قال: "ان شعور القلب فوق منطق العقل"، وعندما قرأ "كانط" كتاب "اميل" الذي كتبه روسو، انصرف اليه بكل اهتمامه، حتى انه الغى خروجه لنزهته اليومية تحت اشجار الزيزفون واقبل على الكتاب بكل قلبه ليفرغ منه في ساعته، لقد كان ما قرأ في هذا الكتاب حادثاً هاماً في حياته إذ وجد في "روسو" رجلاً آخر يشق طريقه للخروج من ظلام الإلحاد، رجلاً أكد بشجاعة أسبقية الشعور على العقل النظري، وبالتالي تمجيده للشعور وانقاذ الدين من العقل، هنا في كتاب "اميل" يكمن نصف الجواب على الإلحاد والكفر، بحيث يمكن الآن تمزيق شمل أهل الشك والسخرية بالدين، اخذ "كانط" في جمع خيوط هذه المناقشة وَوَلَّفَها بعضها ببعض، وفي الوقت ذاته العمل على انقاذ العلم من الشك هذه هي المهمة التي كرس "كانط" نفسه لها"([23]).
يسلم كانط، باستمرار، "بتأثير روسو الحاسم على نظرياته السياسية والأخلاقية، فأسبقية ما هو عملي على ما هو نظري، وأسبقية ما هو أخلاقي على ما هو عقلي، وتفوق العلماء أو الفلاسفة من حيث إنهم نفوس بسيطة تطيع صوت الضمير، كل ذلك يأتي من روسو مثلما تؤخذ فكرة الحرية بوصفها طاعة القانون الذي تفرضه الذات على نفسها، وفكرة تعميمم الرغبات الخاصة بوصفها تستمد مشروعيتها من تعاليم "روسو" في كتابه "العقد الاجتماعي"، وفي هذا الجانب، فإن "العقل العملي هو الذي يسمح لنا بان نشارك في العالم المعقول، لكي نهرب في الوقت نفسه من سلبية التأمل المحض، والنسبية التجريبية لعالم الظواهر، ذلك العالم الذي يكون العقل النظري محدداً به، فالصعود من الحتمية نحو التلقائية يتحقق عن طريق اكتشاف حرية العقل العملي وتجد هذه الحرية ذروتها في حرية الإنسان الأخلاقي، أو في اخلاقية صحيحة"([24]).
آراؤه الاجتماعية والسياسية :
بالنسبة للدولة والسياسة ، فإن كانط "يميز بين ثلاث سلطات سياسية هي الإرادة العامة التي تتجلى في ثلاثة "أشخاص": السلطة العليا أو "السيادة" في شخص المشرع؛ والسلطة التنفيذية في شخص الحاكم، والسلطة القضائية (التي تكفل لكل شخص حقه) في شخص القاضي، ومعيار مطابقة الحكومة للعقد الأصلي، ولتمثيله، وبالتالي لشرعيته، هو فصل السلطات بداخلها.
وهنا نلاحظ رفض كانط الدولة الكلية، لأسباب تنصرف عن تجريدات القانونية أو الشرعية، وتعتمد، بالأحرى، على الحكمة السياسية التجريبية، والأخلاق، وفلسفة التاريخ، وفصل السلطات.
ويلفت كانط الانتباه إلى الاقتراب من الأخلاق الذي يمكن أن يلاحظ في الدول القائمة بالفعل، وهي دول لا يكون فيها الكمال الأخلاقي، يقينا، هو العامل الحاسم المؤثر، ولا حتى الذي يقصده القانون، ويقول معلقاً "إن المرء يجب ألا يتوقع دستوراً جيداً من أخلاق الناس، بل يجب عليه، بالأحرى، أن يتوقع التربية الأخلاقية الصحيحة للناس من الدستور"([25]).
تشكلت آراء كانط الاجتماعية السياسية والتاريخية تحت تاُير التنوير الفرنسي والانكليزي، وأفكار روسو بوجه خاص، فقد "طور كانط فكرة روسو عن سلطة الشعب، لكن كانط، بوصفه ايديولوجي البرجوازية الألمانية، كان متردداً في طرحه هذا، فهو يزعم أن سلطة الشعب لا يمكن اقامتها عمليا، ذلك إن ارادة الشعب -عنده- يجب ان تخضع خضوعا تاما للسلطة القائمة، وبالتالي لم يقتصر كانط على معارضة شتى أشكال الثورات الشعبية، بل ووقف ضد أي تفكير يمكن أن يخطر ببال المواطنين حول طريقة نشوء السلطة العليا، باعتبار أن هذا، في نظره، يهدد الدولة بالدمار، إذ أنه رأى أن التناقض بين الضرورة والحرية ليس تناقضاً حقيقياً، فالإنسان حر في بعض تصرفاته ومقيد في بعضها الأخر.. الإنسان مقيد لأنه عِبْرَ أفكاره وحواسه ورغباته ظاهرة بين ظواهر الطبيعة الأخرى، يخضع لأحكام الضرورة المسيطرة في عالم الظواهر.
لكن كانط عارض مزاعم الإقطاع الألماني في "أن الشعب لم ينضج بعد للحرية؛ مبيناً أن التسليم بصحة هذا المبدأ يعني أن الحرية لن تأتي في يوم من الأيام". ذلك إن "كانط" يفهم الحرية المدنية على أنها حق الفرد في عدم الامتثال إلاَ للقوانين التي وافق عليها مسبقاً واعترف بمساواة جميع المواطنين أمام القانون، ولكنه – للأسف – قسم الناس إلى نوعين :
الأول: مواطنين، وهم من المالكين لوسائل الإنتاج.
والثاني: أطلقَ عليهم "حاملي الجنسية" وهؤلاء ليسوا مواطنين ( ليسوا مالكين لوسائل الإنتاج .. إنهم الكادحين والعمال والجماهير المستَغَلَّة).
وبالتالي فإن "الأساس الواقعي لآراء كانط الحقوقية، ولنزعتها التقدمية، يكمن في معارضته للجور والتعسف الاقطاعي بنظام الحق البرجوازي، المشروط بحق التملك، حيث نلاحظ سيطرة الفهم البورجوازي التحرري الحداثي للمِلْكية على آراء كانط الحقوقية، "وقد انعكس هذا، بوجه خاص، في تنظيمه الحقوق للعلاقات الأسروية، وفي طرحه لمفهوم الحرية المدنية على أنها حق الفرد في عدم الامتثال إلا لتلك القوانين، التي وافق عليها مسبقاً، هذه الحرية يجب أن تكون حقاً لكل مواطن في الدولة لا ينازعه فيه أي منازع، كما اعترف كانط بمساواة جميع المواطنين أمام القانون"([26]).
كانت الفكرة الأساسية في نظرية كانط السياسية فكرة القيمة الذاتية للفرد، التي تقوم "على حرية الفرد، أي على قدرة الفرد على وضع قوانين أخلاقية وتطبيق هذه القوانين وهذا يعني أن كل واحد مساو لكل واحد مبدئياً. وعلى الحقوق القانونية والمؤسسات السياسية أن تستهدف حماية هذه الحرية وهذه المساواة.
لذا، "كان كانط من المدافعين عن حقوق الفرد ولم يكن دفاعه مبنياً على فلسفة الحقوق الطبيعية الموضوعية، كما هي عند توما الاكويني، ولا على فلسفة الحقوق الطبيعية التي مركزها الفرد، كما هي عند جون لوك، فحقوق الفرد عند كانط قامت على ما اعتبره مكوناً من مكونات البشر، فلا تقبل التحويل، فقد سعى كانط إلى إشادة القانون والأخلاق، كصفات ضرورية للإنسان، أي إن: حقوق الفرد تشمل ما هو ضروري لأن يعيش الشخص بحرية أخلاقية، وما هو ضد هذه الحقوق هو شر، سواء أدى إلى منفعة عامة أو لذة عامة أم لم يؤد"([27]).
وبكلمات أخرى نقول إنه بينما ناقش النفعيون مسألة ما إذا كان علينا أن نضحي بالقليل لصالح الأكثرية، رأى كانط أن انتهاك حقوق الفرد الأساسية هو خطأ، دائماً. ولكي يعيش البشر في حرية أخلاقية، فإن الشروط تشمل حكماً دستورياً، وإلغاء العبودية، وأشكال أخرى من الظلم، وإلغاء الحرب.
وتعطي هذه الشروط صورة عن حقنا في أن نكون أسياد أنفسنا، وأن نعيش في حرية وسلام، لأنه عندئذ، وعندئذ فحسب، نكون نحن أنفسنا.
انطلق كانط من الفكرة التي تفيد أن الكائنات البشرية مخلوقات أخلاقية، وقد عَدَّ ذلك معطى، فأصبح السؤال هو: ما هي شروط الكائن الأخلاقي؟ وكان الجواب أننا جميعاً نملك القدرة على صنع قانوننا الأخلاقي. وهكذا، نكون جميعاً صانعي قوانين أخلاقنا، ونكون جميعاً مستقلين وأحراراً من الوجهة الأخلاقية، وهكذا، سيفهم الأفراد أن أعمال الخير هي تلك التي لا تؤذي حريتنا الأخلاقية أو حرية الآخرين الأخلاقية.
وهذا التفكير يوفره لنا الأمر الأخلاقي، وهو "يجب ان لا أتصرف إلا بطريقة أتمكن بها، أيضاً، من أن أريد أن تصبح قاعدة سلوكي قانوناً كلياً"، ويوفر لنا أساس الحقوق الأخلاقية والقانونية والواجبات، أي "لا تؤذ حريتك الأخلاقية أو حرية الآخرين الأخلاقية!".
وأثناء المرحلة المضطربة من الثورة الفرنسية، كانت ملاحظة كانط "هي ان الشعب لا ينضج عقلاً إلا عبر جهوده هو وبضربة جدلية عنيفة وجهها كانط للدوائر الرجعية والمحافظة المعاصرة، أكد أن الناس لا ينضجون للحرية إلا إذا أطلق سراحهم قبل كل شيء، وبالتالي فإن تَصَوُّريْ فلسفة كانط الأساسيين؛ العقل والحرية، ها مركزيان لفهم الثورة الفرنسية، لذلك يمكن فهم فلسفته السياسية بأنها شرعنة للتحول من مذهب الحكم المطلق إلى أشكال الحكم الدستوري والديمقراطي"([28]).
لقد بعث انتصار الثورة الفرنسية على جيوش الرجعية في عام 1795 روح الأمل في "كانط" ورجا ان ينتشر النظام الجمهوري في جميع انحاء أوروبا، وان يسود العالم نظام دولي يقوم على الديمقراطية والغاء الرق والعبودية والاستغلال، وان يتعهد هذا النظام الدولي بنشر السلام في العالم.
ان مهمة الحكومة –كما يقول كانط- هي الاخذ بيد الفرد ومساعدته على النمو والتطور، وليس استخدامه وانتهاك حقوقه واستغلاله "ان احترام الفرد واجب لذاته، وانها لجريمة ضد كرامة الفرد كانسان ان تقوم الحكومة باستخدامه كوسيلة لتحقيق مطامعها ومآربها في الخارج، "انه جزء من مجموعة المبادئ الخلقيه التي اذا تجرد الدين منها يتحول إلى نفاق ورياء وسخافة مضحكة.
ولذلك فإن "كانط" يدعو إلى المساواة بين افراد المجتمع، واتاحة الفرص امامهم للتطور بالمواهب والامكانيات الكامنة فيهم، وهو يرفض كل ضروب الامتيازات الطائفية والعائلية والطبقية، وهو يعزو جميع انواع الامتيازات الوراثية إلى اعمال الغزو والعنف الذي ظفرت فيه الاسر بهذه الامتيازات في الماضي.
وعلى هذا الأساس، فإن مبدأ كانط الأساسي الطبيعي أو القانوني – العقلي، يذكر الشروط التي في ظلها يمكن التوفيق بين الاختيار الحر لشخص مع الاختيار الحر لشخص آخر بما يتفق والقانون العام للحرية.
وهكذا، تفيد النقطة الرئيسية عند كانط وجوب تقييد حرية التصرف اللامحدودة عند الفرد، بشكل متسق غير متناقض مع حرية كل فرد آخر، وطبقاً للقانون العام، فقد ربط كانط معايير الصحة الكلية للقوانين والمبادئ الدستورية بحرية واستقلالية المواطنين أو بالتشريع – الذاتي: المبادئ الدستورية والقانون الفعال اللذان يجب أن يحوزا، مبدئياً، على الدعم الكامل من جميع الأطراف المعنية (إجماع كلي).
وفي الممارسة، "يجب على المُشَرِّعْ أن يكافح لإجازة القوانين التي من الممكن أن تنال تأييد المواطنين، مبدئياً، ذلك هو محك مشروعية القوانين. فالقوانين التي تلبي هذا الشرط هي وحدها الملائمة لتنظيم العلاقة المتبادلة بين المواطنين"([29]).
في هذا الجانب رأى كانط، أن حرية الصحافة وحرية الكلام (حرية القلم) متطابقتان مع مبادئ القانون القائمة على الإجماع، وإذا كان واجب حقوق الإنسان أن توفر ضماناً حقيقياً، فمن الضروري أحياناً التدخل ضد الأشخاص أو المؤسسات التي تقمع الحرية المشروعة، لذا، للدولة الحق المشروع في التدخل في الحالات التي تنتهك فيها الحقوق الإنسانية.
لكن كانط بوصفه ليبرالياً، عارض جميع محاولات جعل القانون أخلاقياً، فالواجبات ذات الصلة بالأخلاق الشخصية، أي واجباتنا تجاه أنفسنا، وواجباتنا نحو الآخرين، ليست بالضرورة شروطاً قانونية.
والخلاصة هي أن كانط ميز بين الأخلاق والقانون. فهو لم يشرعن الأخلاق، كما إنه لم يُدْخِل الأخلاق في القانون. وهذا هو الموقف الذي يميز المجتمعات الليبرالية الحديثة جميعها.
رأى كانط أن "علاقة المشهد الدولي البارزة هي "كل يحارب كلا"، فهناك حالة طبيعة لا قانون لها بين الدول ذات السيادة، "فحق القوي" هو المبدأ السائد في السياسة الدولية، كما هو حال البشريه اليوم، وقد وجد كانط هذا الوضع وضعاً لا قيمة له ولا عقلانياً – في هذا الوضع أيضاً يجب "أن نملك الشجاعة فنستعمل عقلنا"، لذا، دافع كانط في مقالته القصيرة التي عنوانها السلام الدائم عن فكرة إنشاء "عصبة أمم" عالمية لتنظيم العلاقات بين الدول ذات السيادة. وتكون جميع الأطراف المشتركة قادرة على تأييدها، وحصل أول تحقيق عملي لفلسفة السلام الكنتية بتأسيس الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية"([30]).
كان كانط ابناً لعصر التنوير. فدافع عن التنوير وعن الاستقلالية ورأى أن التنوير يوظف العقل توظيفاً عاماً: فقد أصبحنا متنورين بالتفكير، في مجتمع مع الآخرين، ويجب ممارسة هذا التوظيف العام للعقل بحرية، فالمستقبل يقدم أملاً بأن النقاش الحر المستمر والعام بين الأفراد العقلانين، سوف يزيد من جلاء الحقيقة.
في ضوء تطوره المعرفي السياسي، "تحول "كانط" عن آرائه المحافظة التي امتازت بها افكاره في ايام نضجه ورجولته إلى اعتناق مذهب الاحرار والايمان بالحرية والدعوة لها بشجاعة وجرأة في ايام فردريك الكبير، وفي هذا الجانب، يقول ديورانت: "كان من الممكن الحكم عليه بالإعدام بسبب هذه الأفكار الحرة التي تتنافى مع نظام الحكم في ذلك الوقت، ولم يشفع له سوى كبر سنه وشهرته حيث كان قد بلغ من العمر سن السبعين"([31]).
في الدين والعقل:
لم يكن (كانط) فيما دعا له مبتذلاً وهياباً أو رجعياً محافظاً، والعكس هو الصحيح –كما يقول ديورانت- فقد كان جريئاً وشجاعاً في انكاره اللاهوت النظري، وانكاره ان يكون الدين قائماً على العقل.
لقد "اثار ما ذهب اليه من خفض الدين والنزول به إلى مجرد ايمان اخلاقي جميع رجال الدين في المانيا فقاموا بالاحتجاج. لقد تطلبت عاصفة احتجاج رجال الدين في المانيا شجاعة كبيرة من "كانط"، كما ابدى شجاعة نادرة عندما نشر وهو في سن السادس والستين كتابه (نقد الحكم) واعقبه بكتابه (الدين في حدود العقل الخالص) الذي نشره وهو في سن التاسعة والستين"([32]).
ففي نقده للتعصب الديني، -كما ورد في كتابه الدين في حدود العقل الخالص (سنة 1793)- يقول كانط: "إنّ ديناً يعلن الحرب على العقل سوف يصبح مع مرور الزمن غير قادر على الصمود أمامه"([33]).
" أمّا عن الدين الخارج عن حدود العقل–كما يقول كانط- فيقوم على الاستبداد اللاهوتي والوصاية على عقائد الناس وضمائرهم وهو دين مضادّ للعقل لأنّه قائم على الخرافة والحماسة والتعصّب، (كما هو حال مجتمعاتنا العربية)، وبهذا الموقف الشجاع، كان كانط ينقد محاكم التفتيش الكنسيّة واضطهاد الكاثوليك للبروتستانت وكلّ أشكال الفظاعة التي حدثت تحت راية ما يسمّيه كانط "عبادة العبيد"، وهو "إيمان مشعوذ من خلاله يتمّ حكم الجمهور، وتُسلَب منه حريته ، وفيه "تهيمن طبقة من القساوسة تعتقد أنّها تستطيع الاستغناء عن العقل وحتى عن الكتاب المقدّس نفسه".
إنّ "ما يقصده كانط إنّما هو تحرير الإنسانية الحديثة من دين "صناعة الشعوذة، دين السماسرة والمنافقين" الذين حوّلوا دائرة المقدّس العميقة للشعوب إلى تعلّة للوصاية على عقولهم، أمّا عن الدين خارج حدود العقل فهو دين تجارة الأوهام والاستثمار في النفوس الضعيفة، وإنّ هذا النوع من الدين اللاعقلي هو بعبارات كانط "بمثابة الموت الأخلاقي للعقل، الذي من دونه لا يمكن أن يوجد أيّ دين أبدا"، فما نغنمه من كتاب "الدين في حدود مجرّد العقل" -كما تقول الكاتبة التقدمية أم الزين بنشيخة- "هو مكسب الحريّة كطريق وحيد لخلاص البشر من الخرافة والتعصّب وكلّ  القيود الروحية التي تعطّلهم عن تغيير ما بأنفسهم، إذ أن الإيمان الحر وحده يحفظ للشعوب كرامتها وللأديان قداستها. من أجل ذلك يملك البشر العقل قيمة رمزية كونية يتمسّكون بها"([34]).
أما رسالته عن الدين فهي –كما يؤكد ديورانت- "انتاج عظيم بالنسبة إلى رجل في التاسعة والستين من عمره، وقد بلغ "كانط" في هذه الرسالة ذروة الجرأة والشجاعة، وهو يقول في هذه الرسالة ان الدين لا يجوز ان يقوم على أساس منطق العقل النظري ويجب أن يقوم على العقل العملي للشعور الاخلاقي، ذلك ان أي كتاب من الكتب المقدسة وكل ما ينزل به الوحي –كما يقول كانط-، يجب أن يُحْكَمْ عليه بما له من قيمة اخلاقية، ولا ينبغي ان يكون هو نفسه الحاكم أو القاضي الذي يرجع اليه في القانون الاخلاقي، ذلك إن "قيمة الكنائس والمعتقدات الدينية تكون بمقدار ما تعاون الجنس البشري على التطور والرقي الاخلاقي، اما اذا تحول الدين إلى مجموعة من المراسيم والعقائد والطقوس الشكلية وعلق الناس اهمية بالغة على هذه الطقوس والمراسيم وفضلوها على الناحية الاخلاقية التي جاء بها الدين وجعلوا المراسيم والطقوس امتحاناً تقاس به الفضيلة فان هذا يعني انتهاء أمر الدين وزواله"([35]).
لقد كان "كانط" جريئاً جداً في نشر هذه الآراء التي تعرض فيها إلى وصف الأوضاع في بروسيا في ذلك الوقت، "كان من الممكن ان تتسامح الحكومة البروسية مع ما نشره (كانط) من آراء في الدين على الرغم مما جاء فيها من الإلحاد، ولكن لم يكن من السهل التسامح في آرائه السياسية المتطرفة في ذلك العهد، فقد "جمع كانط –كما يقول ديورانت- بين الالحاد في الدين والتطرف في السياسة أيضاً، فبعد ثلاث سنوات من اعتلاء فردريك وليام (الرجعي) عرش بروسيا، اندلعت الثورة الفرنسية وزلزلت قوائم العروش كلها في أوربا.
وفي الوقت الذي هرع فيه اساتذة الجامعات في بروسيا لتقديم ولائهم وتأييدها للنظام الملكي، استقبل (كانط) انباء الثورة الفرنسية بالبشر والسرور على الرغم من كهولته، وقال لاصدقائه والدموع تغمر عينيه: "استطيع الآن ان اقول ما قاله "سيمون" يا الهي اسمح لعبدك ان يفارق العالم بسلام، لأني رأيت خلاصك وانقاذك"([36]).
أخيراً، "لقد وقف "كانط" مؤيداً للديمقراطية والحرية في الوقت الذي اجمعت فيه الرجعية والظلم واتحاد ملوك أوروبا على سحق الثورة الفرنسية، وقد اتخذ موقفه هذا على الرغم من انه كان في السبعين من عمره، فقد دعا إلى اقامة النظام الديمقراطي والحرية في كل مكان ولم يشاهد التاريخ كهلاً دعا إلى مبادئه بشجاعة لا تقل عن شجاعة الشباب مثله"([37]).
في اواخر ايامه لزم بيته بعناية اخته (كاترينا) بعد ان اصابته نوبة قلبية لم يغادر الفراش بعدها، وفي الساعة العاشرة من صباح يوم 12/2/1804 قال كانط: آخر عباره له: كان كل شيء حسناً.. ومات بكل هدوء عن عمر 80 عاماً، وعلامات الرضى على وجهه.
اقيمت له مراسم تشييع لم تشهد لها المدينة مثيلاً حتى اللحظة، فقد جاء المشيعين من كل المانيا وغيرها، وورى التراب في مقبرة كونيغسبرج، دون أي صلاه ومراسم دينية، ونقش على قبره جملة تقول: "شيئان يملآن الوجدان بخيلاء وإعجاب يتجددان ويزدادان على الدوام كلما أمعنت التأمل فيهما: السماء ذات النجوم من فوقي والقانون الأخلاقي في صدري "انها الجملة التي اختتم فيها كتابه العظيم "نقد العقل المحض".
نقد وتقدير فلسفة كانط:
في تحليله النقدي الموضوعي لفلسفة كانط، يقول "ول ديورانت" متسائلاً: "كيف استطاع هذا الصرح المُرَكَّب الذي شيده "كانط" الصمود أمام العواصف والاعاصير الفلسفية التي عصفت به طيلة قرن من الزمان؟ كيف استطاع هذا الصرح الذي يجمع بين المنطق، والميتافيزيقا، وعلم النفس، والاخلاق والسياسة ان يقف إلى اليوم ؟ ويجيب: "من الممتع الاجابة بان الكثير من هذا الصرح لا زال باقياً، وأن الفلسفة النقدية التي اقامها ذات أهمية دائمة في تاريخ الفكر على الرغم من تداعي بعض النواحي التفصيلية في هذا البناء العظيم الذي قام بتشييده"([38]).
لقد انتهى العلم الحديث بنظرية النسبية إلى نفس ما قاله (كانط) عن الزمان والمكان، ولكن يؤخذ عليه ما ذهب اليه من ان الحقيقة مطلقة من حيث الثبوت واليقين، فقد جاءت الدراسات الحديثة التي قام بها بيرسون في انجلترا وماخ في المانيا وهنري بوانكاريه في فرنسا، مؤيدة لهيوم، فأثبتت بأن جميع العلوم حتى الرياضيات الدقيقة نسبية في حقيقتها، وأصبح العلم يقنع برجحان كفة الاحتمال دون ان يطالب بحقيقة مطلقة، كما "تناول الناقدون في القرن التاسع عشر نظرية "كانط" في الاخلاق –كما يقول ديورانت- "بالنقد الشديد، وانكروا اطلاقها وفطريتها، وذهبت فلسفة التطور إلى أن شعور الإنسان بواجبه ليس صادراً عن اخلاقية فطرية كما ذهب اليه "كانط" ولكنه مستمد مما أودعه المجتمع في الفرد من قواعد للسلوك، "فالاخلاق، والانسان الاجتماعي "ليس مخلوقاً خاصاً" صنعه الله كما هو عليه الان، ولكنها نتيجة تطور استغرق فترة طويلة من الزمان، وليست الاخلاق عامة مطلقة، ولكنها قانون للسلوك يتطور وينمو بما هو ملائم لحياة الجماعة، وهي متغيرة بتغير طبيعة الجماعة وظروفها، فالنزعة الفردية مثلا تتنافى مع الاخلاق في شعب يحاصره العدو، ولكنها تكون وسيلة ضرورية بالنسبة إلى امة فتية آمنة لاستغلال ثروتها ومصادرها الطبيعية وتكوين اخلاقها القومية، وتساعدها في تطورها وتقدمها ونهوضه. فليس هناك عمل خَيِّر في ذاته كما يقول "كانط"([39]).
 "ان ما يستدعي النظر في فلسفة "كانط" –كما يستطرد ديورانت- هو أنه عاد في كتابه النقدي الثاني إلى إعادة احياء فكرة الله، وحرية الإرادة والخلود التي دمرها في كتابه الاول، وقد قال عنه احد النقاد "انك تشعر عندما تقرأ كتب "كانط" انك في سوق ريفية، وانك لا تستطيع ان تشتري منه أي شيء تريد من حرية الإرادة وجبرها، المثالية ودحضها، الالحاد والايمان بالله.
في هذا الجانب، يعتقد "شوبنهور" ان "كانط" "كان في حقيقة الامر شاكاً كفرد بالدين نفسه، ولكنه تردد في هَدم إيمان الناس إشفاقاً على الاخلاق العامة من ان يصيبها الدمار".
"لقد كشف "كانط" عن الأسس العقلية الواهية التي يقوم عليها اللاهوت الشعبي من غير ان يمسه، ودعمه بطريقة اكثر نُبلاً، بجعله الايمان يقوم على الشعور الاخلاقي، "وكأنه ادرك الخطأ الناجم عن هدمه اللاهوت القديم، فاتجه إلى اللاهوت الاخلاقي يستمد منه بعض الدعائم الواهية المؤقتة عسى ان يظل البناء قائماً، ليتمكن من الفرار قبل ان تسقط انقاضه عليه، ولكن يجب ان لا نأخذ بعين الجد داخلية "كانط" وكونه يبطن في نفسه إلحادا، فان لهجته الحماسية في مقاله عن "الدين في حدود العقل الخالص" تدل على اخلاص شديد لا يمكن الشك فيه، كما ان محاولته تغيير الأسس الدينية من لاهوت نظري إلى اخلاقي، ومن عقيدة إلى سلوك، تدل على عقلية دينية عميقة، فقد كتب إلى صديقه ميندلسون في عام 1766 يقول: "انني افكر في اشياء كثيرة اوقن بصحتها.. ولكني لم اجد الشجاعة اطلاقاً على الافضاء بها، ولكن لن اقول شيئاً اطلاقاً لا اعتقد بصحته"([40]).
"وطبيعي –يقول ديورانت- ان تتضارب التفسيرات وتتناقض التعليقات حول كتاب "النقد" العظيم لما فيه من غموض وإسهاب، فقد أعلن المتدينون العقائديون بان "كانط" في كتابه "نقد العقل الخالص" حاول تقويض يقين المعرفة الدينية، وقال أصحاب الشك، "ان هذا الكتاب إدعاء وقح يحاول بناء صورة جديدة من اليقين في العقيدة على انقاض الانظمة الماضية".
"وقال المعتقدون بما فوق الطبيعة انه حيلة مدبرة خبيثة لمحو أسس الدين التاريخية واقامة المذهب الطبيعي بلا جدال، وقال الطبيعيون انه دعامة جديدة لفلسفة الايمان التي تختضر، وقال الماديون انه مثالية تحاول نقض حقيقة المادة، وقال الروحانيون، انه تحديد لا مبرر له للحقيقة كلها وحصرها في العالم المادي"([41]).
"والواقع ان عظمة هذا الكتاب ومجده –كما يؤكد ول ديورانت- تقع في تقديره لجميع وجهات النظر وذكاء "كانط" نفسه، ولعله قد وَفَّقَ بينها وصهرها جميعها في بوتقة من وحدة الحقيقة لم تشاهد الفلسفة لها مثيلاً في تاريخها الماضي كله.
أما بالنسبة إلى تأثير آرائه، "فحسبنا ان نقول ان افكار القرن التاسع عشر الفلسفية كانت تلف وتدور حول آرائه، واخذت المانيا كلها تتحدث عن الميتافيزيقا من بعده، وقام شيلر وجوته بدراسته واقتبس بيتهوفن باعجاب شديد كلماته المشهورة عن غرائب الحياة الاثنين، السماء المرصعة بالنجوم فوقنا، والقانون الاخلاقي فينا "وانتج فخته، وشلنج، وهجل وشوبنهور في تعاقب سريع أنظمة من الأفكار استمدت ثقافتها منه.
لقد "مهد نقد "كانط" للعقل، وتمجيده للشعور، الطريق لمذهب الإرادة في شوبنهور، ونيتشه، والوجدانية في برجسون والبراجماتزم في وليام جيمس. كما استمد هيجل نظاماً تاماً من الفلسفة من تشبيهه قوانين الفكر بقوانين الحقيقة" ([42]).
الكانطيه الجديدة:
ظهرت الكانطيه الجديدة، كتيار فلسفي، في المانيا، في اواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وسرعان مالقيت أفكارها انتشارا واسعا في النمسا، وفرنسا، وروسيا، وبلدان أخرى.
"ينكر معظم الكانطيين الجدد "الشيء في ذاته" الكانطي، كما يرفضون التسليم بأية امكانية لتجاوز المعرفة لحدود ظاهر الوعي، وهم يرون أن مهمة الفلسفة تقوم، قبل كل شيء، على معالجة وصياغة الأسس الميتودولوجية والمنطقية للمعرفة العلمية من واقع مثالية أكثر علنية واتساقا منها في الماخية.
اما من حيث الوجهة السياسية فقد جاءت الكانطية الجديدة تياراً متعدد الالوان، يُعَبُّر عن مصالح فئات برجوازية جد مختلفة من ليبرالية، تنادي بسياسة التراجعات والاصلاحات، إلى يمينية متطرفة.
بيد ان الهدف الرئيسي، الذي انيط بالكانطية الجديدة، هو الصراع ضد الماركسية، ومحاولة تقديم الدحض النظري للمذهب الماركسي"([43]).
قالوا عنه([44]):
·     "لا شك أن كانط هو خير (الفلاسفة المحدثين) كما أنه ذاك الذي كان لتعليمه تأثير دائم في ثقافتنا بزّ في العمق كل تأثير آخر". (غوته).
·     "بصفة عامة يملك كانط الفلسفة الحقة، ولكن فقط في نتائجها، لا في المبادئ القادرة على تأسيسها، إن هذا المفكر الفريد يتبدى لي دوماً أحق بالإعجاب؛ فَلَهُ، على ما يتراءى لي، تلك العبقرية التي تكشف له عن الحقيقة بدون أن تريه أسبابها". (فيخته).
·     "ابتداء من كانط ينبغي أن يُعد الاستقلال المطلق للعقل مبدءاً أساسياً للفلسفة وواحداً من اعتقادات عصرنا". (هيغل)
·     "ما حدث قط – هكذا سيكون حكم التاريخ – أن شُنَّتْ في أي عصر آخر، معركة أكبر من تلك التي شُنَّت في زمن كانط من أجل المصالح العليا للفكر الإنساني؛ وما سبق قط للذهن العلمي أن مر، في توتر جهده، بتجارب أعمق وأغنى بالنتائج، فبظهور كانط تغير المجرى السابق للفلسفة دفعة واحدة، مثله مثل النهر الذي يشق لنفسه، في نهاية المطاف، بعد طول احتجاز واحتباس، منفذاً لا يلبث أن يعمل على توسيعه بلا هوادة إلى أن يتمكن من التدفق عبره بملء الحرية وبدون أي عائق.. ومنذ ان بدأ كانط فعله، لم تعد هناك مذاهب متعددة، وإنما فقط مذهب واحد يتعجل الخطى إلى النقطة الأخيرة لتجليه تحت مظاهر متنوعة". (شلينغ).
 
 


([1]) تعرف إلى أحدى السيدات وبادلته الزياره والخروج معاً ولم يتطرق ابداً في حديثه معها سوى في قضايا الفكر والفلسفة، مما اضطرها إلى ان تطلب منه ان يتزوجها، فكان رده: سأفكر في الأمر وبعد سبع سنوات ذهب إلى بيتها وطلب يدها من والدها الذي أجابه: انها قد تزوجت وانجبت طفلين وكان قد فات الأوان كما قال كانط في مذكراته ، وعندما سأله أصدقاؤه عن موضوع زواجه قال عندما كنت فقيراً لم أتمكن من الزواج، ولكن عندما أصبحت قادراً لم أكن في حاجة للزواج.
([2]) اشرف حسن منصور – الفلسفة الحديثة: عوامل نشأتها وخصائصها العامة – الحوار المتمدن – العدد 3213 – 12/12/2010.
([3]) هاشم صالح – من الحداثة إلى العولمة .. رحلة في الفكر الغربي – المجلة العربية - الطبعة الأولى – 2010م  - ص 101
([4]) محاضرة د. هشام غصيب– علمنة الفلسفة الأوروبية – يوتيوب – قناة الفنيق – الانترنت.
([5]) غنارسكيربك و نلز غيلجي – تاريخ الفكر الغربي .. من اليونان القديمة إلى القرن العشرين – ترجمة: د.حيدر حاج إسماعيل – مركز دراسات الوحدة العربية – الطبعة الأولى ، بيروت، نيسان (ابريل) 2012- ص  574
([6]) على كل حال نقول إن مسألة ما إذا كانت العلوم الطبيعية محتاجة إلى أساس يقيني مطلق، كما رأى كانط، هي مسألة مثيرة للجدل.
([7]) غنارسكيربك و نلز غيلجي–  مرجع سبق ذكره - تاريخ الفكر الغربي - ص 575
([8]) المرجع نفسه - ص 577-578
([9]) المرجع نفسه - ص 586 - 587
([10]) المرجع نفسه - ص 607
([11]) كانط – محاضرة يوسف حسين في اليوتيوب - الانترنت
([12]) المرجع نفسه.
([13]) المرجع نفسه.
([14]) ول ديورانت– قصة الفلسفة – ترجمة: د.فتح الله محمد المشعشع - مكتبة المعارف – بيروت – الطبعة الخامسة 1985م - ص334
([15])المرجع نفسه - ص335
([16])المرجع نفسه - ص342-343
([17])المرجع نفسه - ص346
([18]) المرجع نفسه - ص347
([19])المرجع نفسه - ص347
([20]) د.هشام غصيب – نقد العقل الجدلي – الناشر: التنوير – بيروت – 2011 .
([21])ول ديورانت– مرجع سبق ذكره - قصة الفلسفة - ص351
([22])هاشم صالح – مرجع سبق ذكره - من الحداثة إلى العولمة  - ص 150
([23]) ول ديورانت– مرجع سبق ذكره - قصة الفلسفة – ص325
([24]) روبرت أ.جولدون- مقال بعنوان: جون لوك  –تاريخ الفلسفة السياسية (مجموعة مؤلفين)  - تحرير: ليوشتراوس و جوزيف كروبسي – ترجمة: محمود سيد أحمد – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة – الجزء الثاني – 2005 – ص174
([25])  عبارة كانط هي "لا ينبغي أن تطلب من الأخلاق تنظيم الدولة تنظيماً سياسياً صالحاً، بل ينبغي أن نتوقع من التنظيم السياسي الصالح تثقيف الشعب تثقيفاً أخلاقياً صالحاً.  (مرجع سبق ذكره-  روبرت أ.جولدون –تاريخ الفلسفة السياسية  – ص 212).
([26]) جماعة من الأساتذة السوفيات – موجز تاريخ الفلسفة - تعريب: توفيق ابراهيم سلوم - دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م)  – ص 396
([27])غنارسكيربك و نلز غيلجي – مرجع سبق ذكره –تاريخ الفكر الغربي - ص 597
([28]) المرجع نفسه –  ص 598
([29]) المرجع نفسه - ص  600
([30]) المرجع نفسه - ص604 
([31]) ول ديورانت– قصة الفلسفة – ترجمة: د.فتح الله محمد المشعشع - مكتبة المعارف – بيروت – الطبعة الخامسة 1985م - ص327
([32]) المرجع نفسه  - ص354
([33]) أم الزين بنشيخة المسكيني – كانط ونقد التعصب – الانترنت – 9 أغسطس 2017.
([34]) المرجع نفسه .
([35]) ول ديورانت– قصة الفلسفة– ترجمة:د.فتح الله محمد المشعشع- مكتبة المعارف – بيروت – الطبعة الخامسة 1985م  - ص356
([36]) المرجع نفسه - ص360
([37]) المرجع نفسه - ص365
([38])المرجع نفسه - ص367
([39])المرجع نفسه - ص370
([40])المرجع نفسه -  ص371
([41]) المرجع نفسه - ص372
([42]) المرجع نفسه - ص373
([43])جماعة من الأساتذة السوفيات – مرجع سبق ذكره - موجز تاريخ الفلسفة – ص 736
([44])  جورج طرابيشي – معجم الفلاسفة – دار الطليعة – بيروت – ط1 – أيار (مايو) 1987– ص 513-516








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صعود وهبوط الفلسفات الميتافيزيقية وبقاء التجريبية
منير كريم ( 2020 / 12 / 21 - 07:31 )
تحية للاستاذ المحترم
فلسفة كانت هي مثالية وميتافيزيقية , مثالية لانها تستند الى الحدس في الوصول للقضايا القبلية التركيبية وميتا فيزيقية لانها تقسم العالم الى عالم الاشياء بذاتها والعالم الظاهري
وقد ظن كانت انه تجاوز هيوم لكن سرعان ماخفتت فلسفة كانت ولم تنفع محاولة بعثها من جديد بواسطة الكانتية الجديدة
كل الانظمة الفلسفية الميتافيزيقية الشمولية تتلاشى مع الزمن وقد تلا نظام كانت الفلسفي نظام هيجل الذي انحسر ايضا
هذه الانظمة الفلسفية مبنية على افتراضات كبرى سرعان ما تفشل امام تطور العلوم
الفلسفة التجريبية ليست مثالية ولا ميتافيزيقية ومتوافقة مع العلم لانها ليست فلسفة فوق العلم ,وفلسفة العلوم الان قائمة على الفلسفة التجريبية الوضعية
شكرا جزيلا لك على مقالاتك المفيدة

اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم