الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجذور الاجتماعية والفكرية لعلماء المؤسسة الدينية السنية في العراق ج 1

سعد سوسه

2020 / 12 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أما الشيخ محمود شكري الآلوسي المولود في محلة العاقولية(وهي محلة تقع في الجانب الشرقي من مدينة بغداد ، تتوسط محلات الحيدر خانة وقنبر علي وجديد حسن باشا والدشتي ، سميت بـ(العاقولية) نسبة إلى جامع العاقولي هناك . وكانت هذه المحلة تعرف قبل تشيد الجامع بدر الخبازين ، وتعد جزءً من محلة سوق الثلاثاء) ببغداد عام 1856 ، فهو ينتمي إلى بلدة (الوس) ، وهي بلدة تقع على جزيرة صغيرة على نهر الفرات قرب عانة تابعة لناحية حديثة في لواء الدليم ، وهي من الأسر العربية البغدادية ، الذي ينتهي نسبها إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (12) .
وفي الواقع ، ان أسرة الآلوسي ، كانت أسرة دينية وعلمية عريقة ، إذ أنجبت العديد من علماء الدين الذين اشتهروا بالعلم والأدب والفقه والتفسير والحديث(13) ، ومن أشهر علمائها أبو الثناء الآلوسي صاحب التفسير المعروف (روح المعاني) (14) .
نشأ محمود شكري الالوسي في مدينة بغداد وبين أزقتها ، وحظي برعاية عائلته الدينية ، فتلقى مبادئ القراءة والكتابة على الطريقة التقليدية (الكتاتيب) . ودرس العلوم العقلية والنقلية على يد أبيه ، وبعد وفاة والده ، تبنى عمهُ نعمان خير الدين الآلوسي رعايته ، وحرص على اكمال دراسته ، فدرس على يد علماء بغداد ، فدرس الحكمة والمنطق على يد الشيخ عبد الوهاب النائب ، والحديث والاصول على يد الشيخ اسماعيل الموصلي . عن هذا الموضوع تحديداً ، نقل إلينا الباحث العراقي المعروف خيري أمين العمري هذه المعلومة : " اثبت الآلوسي خلال دراسته عن ألمعية وذكاء فائق على أقرانه في هضم الدروس وتفهمها ، وبز (امتاز) في جودة الخط بكافة أنواعه المستعملة ، وبراعة النسخ" .
إن هذه المواهب قد مكنت الآلوسي أن يدرس في جامع الحيدر خانة صباحاً وجامع السيد سلطان مساءً ، وكان مجداً في تدريسه ، وقد عرف بالصرامة ، حتى أن طلابه ، وهم معروف الرصافي وطه الراوي والأثري نقدوه وعنفوه . لنقرأ ماذا قال الاثري عن استاذه الالوسي : " أذكر أنني انقطعت في يوم مزعج شديد الريح غزير المطر كثير الوحل عن الحضور ظناً في أنه لا يحضر ، فلما شخصت في اليوم الثاني إلى الدرس صار ينشد بلهجة غضبان ولا خير فيمن عاقه الحر والبرد" (15) ومهما يكن من أمر ، فقد انجذب الطلاب المستنيرون إلى الآلوسي يتلقون منه العلم والإرشاد ، حتى أصبحت شهرته واسعة فـــــــي العراق ، حين نشر كتابه " بلوغ الأرَب في معرفة أحوال العرب " الذي دلَّ على نبوغه في العلم وفنون المعرفة ، وحاز عن هذا الكتاب جــــــائزة أوسكـــــــــار الثاني ملك السويد والنرويج عام 1887، والــــــــوسام الــــــــــــــــذهبي الأخضر الجلدة (16) . فتنــــاولت اسمـــه الصحـــف والمجـلات العالميــة فـي الشرق والغـــــرب
تأثر الآلوسي بتعاليم (ابن تيمية) (أحد علماء الحنابلة ، ولد في حران عام 1263م ، كانت جدته لوالده تسمى تيميَّة وعرف بها ، اشتهر في مجالات عدّة أهمها ، الفقه و الحديث والعقيدة وأصول الفقه والفلسفة والمنطق والفلك ، وقد كان بارعاً في شرح الحساب والجبر، وهو القائل أن العلوم الطبيعية أفضل من العلوم الرياضية وذلك ردًّا على فلسفة المشائين والذين تبنّوا رأي أرسطو القائل بأن أجلّ الفلسفة هي الفلسفة الإلهية ثم الفلسفة الرياضية ثم الفلسفة الطبيعية صنف كثيرا من الكتب منها ، (فتاوى ابن تيمية) و(الجمع بين العقل والنقل) و(منهاج السنة النبويه في نقض الشيعة والقدرية) و(الفرقان بين أولياء الله والشيطان)) (17) تأثراً بالغاً ، فكان سلفياً ينظر إلى حركة المذهب الجديد الذي دعا إليه محمد بن عبد الوهاب في نجد بعطف . وبتأثير من تلك التعاليم ارتفع صوته كمصلح ديني في المطالبة بتطهير الدين مما لحقه من أوضار البدع وبمحاربة الخرافات والأوهام التي علقت به ، فأبعدته عن أصله وجوهره ، وقد شن في سبيل ذلك ، حملات شعواء على الجامدين والمتزمتين ، تعرض من ورائها إلى سخطهم وغضبهم فراحوا يشنعون عليه ويرمونه بتهم شتى ، حتى أغروا الوالي عبد الوهاب باشا (تولى ولاية بغداد للمدة (1904-1905) ، وهو الباني الأصل ، وكان والياً على الموصل ، وفي عهده جرى العمل بـ"جادة مستقيمة" ، من محل الحكومة إلى رأس القرية ، وعمر وأنشأ بعض قناطر الوديان في شرق (عنه) وعدل الطريق من قضاء (عنه) إلى بغداد) (18) أن يقدم إلى السلطان عبد الحميد الثاني طلباً بنفيه ، فلما صدر ذلك الأمر ومر الآلوسي بالموصل في طريقه إلى منفاه ، خرجت جماهير هذه المدينة العربية تستقبله في مظاهرة صاخبة ، طالبوا فيها السلطان الصفح عنه ، فألغى أمر نفيه ، وعاد إلى بغداد ، فاستقبله تلاميذه واصدقاؤه استقبالاً منقطع النظير ، وكتبت جريدة "الرقيب" مقالاً بعنوان " الحمد لله عاد الحق " (19) .
وعندما وصل إلى بغداد ، توطدت صلته بالوالي سري باشا (ولد في جزيرة كريت باليونان عام 1882 ، وتقلد عدة مناصب منها ، منصب والي (اطنة) في الدولة العثمانية ، ثم نال منصب والي بغداد عام1889 ، وفي عهده جرى العمل بسدة الهندية، التي احتفل بافتتاحها في 1890 ، وكان سري باشا من العلماء والأدباء وله شعر جيد إلا إن نثره افضل ، وله مؤلفات منها ، "سر القران" ، و"احسن القصص" ، و" سر تنزيل" و"سر استوا" وله مؤلفات اخرى، نقل من ولاية بغداد عام 1890 ، توفي عام 1895 ) (20) ، فأناط به تحرير القسم العربي من جريدة " زوراء" ، فحرر فيها مقالات مختلفة منها العلمية والادبية ، وأوجد حركة في ذلك الجو الساكن بما كان يعرضه فيها من الأسئلة المتنوعة على علماء بغداد . وعندما عهدت ولاية بغداد إلى "جمال باشا" (جمال باشا ( 1872-1922 ) : ضابط بالجيش العثماني ، تخرج من مدرسة الأركان ،
كان أحد الثلاثة من العصبة العسكرية التي حكمت تركيا في الحرب العالمية الأولى ، التحق بجمعية الاتحاد والترقي ، نال شهرة كبيرة نتيجة صرامته خلال حكمه لولاية بغداد ( 26 أب 1911 – 17 أب 1912 ) ، أرسل إلى جبهة فلسطين عام 1914 ، وكان قاسياً على العرب وساق منهم إلى المحاكم ديوان الحرب العرفي سنة 1916 إلى المشنقة ، اغتيل في عام 1922 من أحد الوطنيين الأرمن في حديقة تفليس) أخذ الأخير بالتقرب من الآلوسي وبمشاورته في الأمر واستفتائه والأخذ برأيه في سياسة البلاد ، والالحاح عليه بالقبول عضوية مجلس الادارة في بغداد ، وانتدبه في الحرب العالمية الاولى على رأس وفد(ضم الوفد من عمه السيد علاء الدين افندي والحاج نعمان الأعظمي والحاج بكر أحد الضباط المنورين في الجيش العثماني) إلى نجد لإقناع أميرها عبد العزيز آل سعود بأن يحارب البريطانيين إلى جانب الدولة العثمانية ، إلا إن الأخير أعتذر عن ذلك بحجة قوة البريطانيين وضعفه وضعف الدولة العثمانية يفرض عليه الحياد ، لأن دخوله غمار الحرب ينتهي إلى تقويض إمارته الناشئة ، ولا يفيد الدولة شيئاً . فرجع مع الوفد إلى بغداد ، ولازم الآلوسي سيرته الاولى في التعليم والتدريس ، وعند احتلال البريطانيين العراق عرضت عليه سلطة الاحتلال مناصب مغرية ، ولما تشكلت الحكومة العراقية المؤقتة عرضت عليه وظائف كبيرة ، منها القضاء ورئاسة مجلس التميز الشرعي والافتاء ، غير أنه رفض كل هذه الوظائف ، ممّا يؤكد أن الرجل كان زاهداً ومعتزاً بكرامته ، مع العلم أنه قبل عضوية مجلس المعارف من أجل توسيع نطاق العلم في العراق وعضوية المجمع العلمي في دمشق فخرياً .
من هذا المنطلق ، يمكن القول إن الآلوسي يعد مدرسة ثقافية اعتمد اللغة سبيلاً إلى خدمة الأمة والوطن ، وقــد بلغت مــؤلفاته قرابة (56) مؤلفاً بين مطبوع ومخطوط، وأشهر كتبه الــمطبوعة " بــــلوغ الارب في معرفة أحوال العـــرب" ، و كتاب " نيل المراد فــــي أخبار بغــــداد " ، و" تاريخ مساجد بغـــداد " نشره الأثـــري ، وكتـــــــاب " المسك الأذفر في نشر مزايا القرن الثاني عشر والثالث عشر" ، وكتاب "تاريخ نجد" . وبقي الآلوسي ساعياً في نشر العلم إلى أن أدركته الوفاة في العاشر من ايار 1924 ، إذ أقيمت له مجالس العزاء والمجالس التأبينية في جامع الحيدر خانة انبرى فيها أعاظم الشعراء وكبار الادباء .
اما الشيخ يوسف العطا ، فهو ينتسب إلى السادة الحسينين وتعد أسرته من الأسر البغدادية القديمة وبيوتاتها الشريفة المعروفة بالفضل والثراء(21) ، وقد توطنت بغداد بعد هجرتها من موطنها الاصلي مدينة عانة قبل ثلاثة قرون ، واشتهرت هذه الأسرة بالتجارة التي كانت تزاولها بين بغداد ومصر وبلاد الشام والحجاز، فاتسعت ثروتهم وتملكوا اراضي زراعية واملاكاً وعقارات في مصر وجعلوها وقفاً على ذريتهم لا تباع ولا تشترى . وقـــــد شيدت هـــــــــــذه الأســــــــرة مسجـــــــــــــــداً جامعــــــــــاً في جانب الكرخ عرف بـ(جامع عطا) ، والمحلة التي تلي محلة سوق حمادة عرفت بمحلة جامع عطا(هي احدى محلات الكرخ القديمة في بغداد ، تقع بين محلات سوق الجديد والست نفيسة وسوق حمادة ، سميت بهذا الاسم نسبة إلى جامع ال عطا ينظر:) نسبة إلى هذا الجامع .
ولد يوسف العطا في بغداد عام 1869 ، ونشأ في نعمة ورفاهة عيش(22) ، فتعلم مبادئ القراءة والكتابة والقران الكريم على كتاب عصره ، وقرأ اصول التجويد وأخذ الفقه واللغة والأدب عن جلّة علماء عصره (23) . ثم واصل دراسته على يد علماء بارزين من أمثال، الشيخ عبد السلام الشواف ، والشيخ عبد الوهاب النائب والشيخ غلام رسول الهندي .
وفي الواقع ، أن استقراره الاجتماعي كان له الأثر الكبير في نضوجه الفكري ، إذ لم يعقه عائق دنيوي وضنك عيش ، فقد وفر له والده وسائل الراحة كافة ، وجلب له الكتب النفيسة من شتى انحاء البلاد ، إذ اصبحت لديه مكتبة عظيمة فيها أثمن الكتب وأنفسها واجود المطبوعات( جعلها يوسف العطا ، وقفاً للمدرسة القادرية ، وقد بلغت مجلداتها زهاء الثلاثة الاف مجلد بين مطبوع ومخطوط) ، فكان كثير المطالعة والتنقيب ، فقد درس العلوم المهمة والكتب الطوال من دون مراجعة كتاب ، ومباشرة شروح لما هو عليه من الضبط وقوة الحافظة ، وله إلمام في الحديث والأصول والرواية) . قال أحد الباحثين عنه :" كان كثير المطالعة والتنقيب والتحقيق ، جيد الفهم، واسع المعرفة ، حاد الذكاء ، فاستوعب علوم الأدب واللغة ، والفقه ، والفلسفة وصار إماماً بارعاً يشار إليه بالبنان".
أقام يوسف العطا مجلساً في الحضرة الكيلانية كان يحضره الملوك والأمراء والوزراء والعلماء والساسة والقادة والأشراف والتجار، فكان محط إعجاب الجميع وتقديرهم ، حتى انتخب عضواً في مجلس المعارف في ايام الوالي ناظم باشا (24) عام 1910 ، وعهد إليه بالتدريس في مدرسة الحقوق ، وكان مدرساً في جامع القبلانية(25) ، وقد أسند إليه الوعظ والخطابة في الحضرة القادرية عام 1931(بقي يدرس ويفتي ويخطب ويرشد ، ومقره مدرسته في الحضرة الكيلانية إلى أن وافاه الأجل المحتوم في الخامس من أيلول 1951 ، وشيعت جنازته مشياً على الأقدام تحمله أعناق الجماهير من الأعظمية مروراً بشارع الرشيد إلى مقره الأخير ، حيث دفن في مقبرة الشيخ عبد القادر الكيلاني)، وعين مفتياً لبغداد ، وأنشأ داراً للإفتاء في جامع القبلانية مقابل المدرسة المستنصرية ، افتُتح في الاول من تموز عام 1932 بمشهد حافل ضم علماء بغداد وقادة الفكر في البلاد .
اما الشيخ عبد الملك الشواف المولود في محلة الشيخ صندل(26) في جانب الكرخ ببغداد عام 1878 ، فهو ينتمي إلى أسرة عربية من قبيلة شمر نزحت من سوريا إلى العراق قبل نحو أربعة قرون ، واستقرت في مدينة (كبيسة) ، وأول جد من اجدادهم جاء إلى بغداد وسكن محلة سوق الجديد(27) في جانب الكرخ هو محمد بن احمد الشواف (28) .
قرأ الشواف منذ صغره ، القرآن الكريم على أيدي بعض مقرئي محلته يومذاك ، ثم دخل المدرسة الرشدية ، وبعد أن استحصل على شهادتها بتفوق ، آثر الاشتغال في طلب العلوم على يد عمه الشيخ احمد الشواف ، والسيد عباس القصاب امين الفتوى ببغداد ، وعلى غلام رسول الهندي ، والشيخ عبد السلام الشواف ، والشيخ عبد الرحمن القرداغي ، والعلامة الشيخ يوسف العطا .
عُين عبد الملك الشواف في العاشر من نيسان 1902 مدرساً في المدرسة القادرية، ثم عين مفتياً لولاية البصرة بعد وفاة والده طه الشواف مفتي البصرة عام 1910 براتب قدره (1000) قرش مع الأوقاف التي كان يتولاها المفتون قبله من أبيه وغيره ، وبقي مفتياً حتى استولت السلطات البريطانية على البصرة ، ثم عاد إلى بغداد ، وأصبح مدرساً في المدرسة الرحمانية ، وتخرج على يده جمهرة من علماء البلاد وأدباءها . وبعد سقوط بغداد بأيدي البريطانيين عام 1917 ، سجن مع عمه احمد الشواف وأخيه إبراهيم ، بتهمة أنه عضواً في احدى الجمعيات العثمانية ، كانت تعمل على التجسس لصالح الدولة العثمانية ، ولما تحقق من عدم صحة ذلك أطلق سراحه مع الآخرين ، وقد عُين عضواً لمجلس التميز الشرعي ببغداد في اب 1918 ، الذي كان يرأسه محمد سعيد الزهاوي ، وبعدها نقل إلى قضاء بغداد ، ثم عين رئيساً لمجلس التميز الشرعي محل عبد الوهاب النائب الذي تقاعد عن العمل عام 1922 ، واعتزل عن منصبه في ايلول 1933 ..... يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب