الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وفاء للمتقاعدين وكبار السن

نهى نعيم الطوباسي

2020 / 12 / 20
حقوق الانسان


نهى نعيم الطوباسي*
ساهمت جائحة كورونا في تسليط الضوء على غياب العدالة الإجتماعية والمساواة بين فئات المجتمع، وتدني الحماية الاجتماعية للفئات المهمّشة، بمن فيهم كبار السن الذين كانوا الضحية الأبرز لهذا الفيروس خصوصا في الدول النامية. وعلى الرغم من تدني نسبة المسنين في فلسطين مقارنة بالدول الأخرى حيث تشكل نحو 5% من إجمالي عدد السكان، ورغم جهود الحكومة في الآونة الأخيرة للاهتمام بهم، والسعي وراء تحسين الخدمات المقدمة لكبار السن من كلا الجنسين، وتعزيز الحماية الاجتماعية لهم، إلا أن الواقع يبقى صعبا، والتفاصيل مريرة، في ظل الاحتلال والحصار والتهجير وغياب الضمان الإجتماعي، وغياب قانون ينظم الحماية الإجتماعية لكبار السن والفئات المهمشة.
مشكلة كبار السن لا تتلخص براتب تقاعدي أو دفعة شهرية للمسنين لا تكاد تفي بأبسط احتياجاتهم، في ظل الغلاء الفاحش والظروف الصحية والاقتصادية الصعبة، بل هي تمتد لتشمل التهميش والعزلة وتوقف انخراطهم في سوق العمل والعملية التنموية والشأن العام، ما يشعرهم بالعجز والإحباط. والاهتمام بهم واجب إنساني ووطني وأخلاقي وديني، على الدولة ووزاراتها وأجهزتها كما على الأفراد والمؤسسات من أجل إعادة وهج الحياة لهم.
وفي الحديث عن فئة المتقاعدين من كبار السن، تتضح محدودية الدراسات التي ركزت على الوضع النفسي والصحي والقانوني لفئة العاملين بعد إحالتهم على التقاعد، مع العلم أن هناك دراسات عدة توصلت إلى أن الأشخاص الذين يتقاعدون هم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الجسدية و النفسية والشعوربالضعف والإحباط من أولئك الذين يستمرون بالعمل، ولا بد من أخذ ذلك بعين الاعتبار عند سن أو تعديل أي قانون يشمل فئة كبار السن من المتقاعدين وغير المتقاعدين، ووضع السياسات التي تضمن إنخراطهم ببناء المجتمع حتى بعد التقاعد.
وفي الحالة الفلسطينية الملموسة لا بد من وضع خطة إستراتيجية لمواجهة التحديات المتصلة بهذه الفئة، وذلك بالتعاون بين المؤسسات ذات العلاقة كافة ، تتضمن تحليلا للواقع وأثره على هذه الفئة، ووضع الأهداف والتدخلات السياساتية التي تضمن تنظيم الحماية الاجتماعية وتحقيق العدالة، استنادا إلى أجندة السياسات الوطنية وأهداف التنمية المستدامة.
على سبيل المثال، من الممكن تأسيس نواد خاصة بكبار السن من المتقاعدين وغير المتقاعدين، كي يتمكنوا من ممارسة اهتماماتهم، ومناقشة القضايا المختلفة، والتي من ِشأنها أن تقدم حلولا وتوصيات عند وضع السياسات من قبل صانعي القرار، وأيضا ضمان إِشراكهم بمشاورات أجندة السياسات الوطنية للمشاركة بوضع أولوياتهم وآمالهم لتترجم فيما بعد لتدخلات سياساتية في الخطط الإستراتيجية، وإشراكهم بالعمل التطوعي من خلال تأسيس منصة للمتطوعين من كبار السن، وكما أن هناك مجالس شبابية تابعة للبلديات من الممكن تأسيس مجالس لكبار السن على غرارها لتعزيز دورهم في العمل المجتمعي وتبادل الخبرات والمعرفة، وضرورة انخراطهم بمؤسسات المجتمع المدني، ووضع الآليات والبرامج والفعاليات لجسر الهوة بين الشباب وكبار السن.
ومن الممكن الاعتماد عليهم في تدريب الشباب والموظفين الجدد، ولا بد كذلك من توفير بيئة آمنة وصحية للمسنين، وتوفير الرعاية الصحية الشاملة والجيدة لهم بما في ذلك توفير الأدوية، وتخفيضات على شبكة المواصلات، وهذا جميعه يتطلب دعم الشركاء الدوليين والمحليين والمؤسسات ذات العلاقة.
كبار السن هم ثروة من الكفاءات العلمية والمعرفية والوطنية التي يمكن لها أن تحدث فرقا وتغييرا حقيقيا، وهذه فرصة أن نذكر بكبار السن والمتقاعدين، الذين بذلوا التضحيات، وقدموا حياتهم وزهرة شبابهم وأغلى ما يملكون في أحلك الظروف فلا بد من تفقد أحوالهم وتكريمهم وتوثيق مسيرتهم التي تعتبر مرجعا مهما للأجيال عن الثورة والتاريخ والرواية الفلسطينية.
وفي محاولة لرفع معنوياتهم وعرفانا بعطاء كبار السن، وتفنيد الصورة النمطية المغلوطة عن ضعف وانتهاء دور كبار السن عند سن التقاعد، يجدر بنا أن نشير إلى الفصل الأخير من كتاب "قوة عقلك الباطن" للكاتب جوزيف ميرفي، والذي يحمل عنوان "شباب لا يشيخ" وهو من أفضل الكتب مبيعا في العالم، حيث يتحدث الكاتب عن نماذج لشخصيات مشهورة حققت إنجازت عظيمة بعد سن الخامسة والستين، ومنهم الكاتب المسرحي برنارد شو الذي ظل يعمل بنشاط حتى سن التسعين، والفيلسوف اليوناني سقراط، الذي تعلم العزف على الآلات الموسيقية وهو في سن الثمانين، والشاعر الألماني غوته الذي كتب مسرحية فاوست الشهيرة وهو في الثمانين، والمؤرخ ليوبولد فون رانك، الذي شرع بكتابة تاريخ العالم، وهو في الخامسة والثمانين، وهناك أمثلة كثيرة في التاريخ عن شخصيات تألقت في إنجازاتها رغم تقدمها في العمر، فالعطاء لا يقتصر على مرحلة عمرية ما، أو منصب أو وظيفة، والإبداع ليس له عمر محدد، أو تاريخ صلاحية.
قد يكون التقدم في العمر بداية جديدة من التغيير، أو فرصه لتحقيق حلم قديم، فكل يوم جديد هو بمثابة ولادة جديدة للإنسان، ويخاطب ميرفي كبار السن والمتقاعدين بالقول "إن التقاعد والتقدم بالعمر، ليس حدثا مأساويا، قد يكون عملية تغيير، فشحصيتك وبراعة عقلك ليست عرضة للهلاك، فأنت طفل الحياة الأبدية، أنت إنسان رائع"، نعم إنه إنسان رائع، وواجبنا جميعا تكريما لكبار السن ووفاء لعطائهم، أن نحول واقعهم المأساوي إلى تجربة فريدة من نوعها تتوهج فيها الإنجازات ويبزغ فيها فجر الحكمة. وعلينا أن نأخذ بتلك اليد التي غرست الزيتون لتثبت جذورنا، ولطالما حفرت بالصخر لتمهد الطريق لنا رغم الشوك والإحتلال.
*باحثة، ماجستير في التنمية وحل الصراعات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تدعو بريطانيا لمراجعة قرار ترحيل المهاجرين إلى


.. هل واشنطن جادة بشأن حل الدولتين بعد رفضها عضوية فلسطين بالأم




.. وزير الخارجية الأيرلندي: 100% من الفلسطينيين بغزة يواجهون شب


.. ثورات في الجامعات الأمريكية.. اعتقالات وإغلاقات وسط تصاعد ال




.. French authorities must respect and protect the right to fre