الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روائع المقال : هوستون بيترسون ترجمة: يونس شاهين- السابع عشر : مقال وترجمة -شارل اوجستين سانت - بيف

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2020 / 12 / 20
الادب والفن


شارل اوجستين سانت – بيف( 1804- 1869) هو مجرد اسم فى حقل النقد الادبى عند معظمنا ، ولكنه فى الحقيقة اسم من اعظم الاسماء ، وصاحبه كاتب عظيم ، له اكبر الاثر على النقد ، والتراجم ، والادب عامة، طيلة المائة عام الماضية ، وربما كان اكبر من يشبهه من الانجليز هو ماثيو ارنولد ، الذى كتب عنه مقالة نابضة باسلوب يختلف عن الاسلوب المألوف فى دائرة المعارف البريطانية .

وحين مات معلمه سانت - بيف ، كتب ارنولد يقول " ان الطراز الاول من النقد له قيمة دائمة ، اعظم من قيمة اى شيىء اخر باستثناء اعمال القمة فى الشعر والفن "
وقد اعتبر سانت بيف من الطراز الاول بين النقاد.

ولد سانت- بيف من اسرة فقيرة مثقفة فى بولونيا ، وحين بلغ الرابعة عشرة ذهب الى باريس ليكمل تعليمه ، وحصل على جوائز فى اللاتينية والتاريخ ، ولكن الثلاث سنوات التى قضاها فى مدرسة الطب ، هى التى كانت لها الاثر الحاسم فى اسلوبه الاخير .

وفى طموحه ان يكون عالما طبيعيا فى العقول ، ولقد تخلى عن الطب ، ليكتب بعض المقالات الادبية والتاريخية فى مجلة جديدة ذات نظرة متحررة ، وبذلك ارتبط لفترة من الزمن بالمدرسة الرومانسية التى يرأسها فيكتور هوجو ، ولقد حقق بعض النجاح ، فى ثلاثة اجزاء من الشعر الذى يثير الاهتمام ، وفى كتابة رواية يمكن اعتبارها ترجمة لحياته ، اسماها " اغراء الشهوة " .
ولكن ذلك لم يبعده عن عمل حياته الذى يتفق ومواهبه ، ثم ظهرت له مئات الدراسات للكتاب الاغريق القدماء والكتاب الحديثين ، جمعت فى سبعة اجزاء وسميت " الصور" قبل ان يحين الخط الثورى الفاصل فى حياته سنة 1848 حين فقد سانت - بيف مركزه الشرفى المجزى كأحد مديرى مكتبة مازاران.

وبعد موسم فى بلجيكا ، قضاه فى القاء محاضرات عن شاتوبريان وجعل بعد ذلك هذه المحاضرات اساسا لكتاب من اشهر كتبه ، قفل راجعا بصبر – نافذ الى باريس

والى القرار الخطير فى حياته ، فقد دعاه دكتور قيرون ، مدير تحرير مجلة كونستيونل الى كتابة مقالة اسبوعية كل يوم اثنين فيها ، ومن هنا نشأ "حديث الاثنين"ولقد استمر فى هذا الحديث من اكتوبر 1849- الى نوفير 1852 واستأنفه بعد ذلك فى مجلة مونيتر الى يناير 1855 ، وكان نتيجة ذلك ، ما يقرب من مأتين وستين مقالا اسبوعيا – دون انقطاع يذكر – وتتسم مقالاته بالغنى والاحاطة والدراسة الشاملة ويغلب عليها الطابع الشخصى ، ونشرت المقالات فى فترة امتدت الى خمس سنوت وثلاثة اشهر ، وليس هناك فى تاريخ النقد ما يشبه هذا العمل الكبير .
وكف سانت - بيف عن حديث الاثنين – حين عين استاذا فى الكلية الامبروطورية فى فرنسا ،ولكنه لم يلقى سوى محاضرتين ، فلقد كان قبوله لدكتاتورية لويس بونابارت ، بل ومساندته لها ، سببا فى قطع علاقاته تماما برفاقه القدماء من الاحرار، وحال غضب الطلبة منه وبين استمراره فى القاء سلسلة محاضراته عن فرجيل ، وكان ان نزل عند ارادتهم ، ورجع الى مكتبته الخاصة ، وحول النقط التى دونها لمحاضراته ، الى كتاب عن فرجيل ، ثم اضطلع ببعض كتابات اخرى ، والقاء لبعض الدروس التى لم يعترضها شيىء من العقبات ، وحين بلغ السابعة والخمسين فى 1862 استأنف حديث الاثنين ، واستمر فيه حتى موته بعد سبع سنوات .
ثم عين فى مجلس الشيوخ عام 1865 واثبت انه لم يكن فى هذا المجلس مجرد قطعة متألقة للزينة فى جانب الحكومة ، فالقى ثلاث خطابات تتميز بالشجاعة ، هاجم فيها بعض ما اتخذته الحكومة من خطوات تحد من التعليم واستقلال الصحافة والحريات.
وسيجد حتى من قرأ القليل من مجلدات سانت - بيف الستين الى خلفها وراءه ، صعوبة كبيرة فى اختيار ما يقدمه منها ، هل يكون احد مقالاته الشهيرة فى حديث " الاثنين "عن مونتينى او رابليه او وليم كوبر او بلزاك او جوبرت ؟
اننا نقدم بدلا من ذلك جوابه الكلاسيكى على سؤال لا يزال مطروحا .
والان الى مقاله - ما هو الكلاسيكى
انه سؤال دقيق ، قد تختلف الاجابة عليه تبعا للازمان والمواسم ، ولقد وجهه الى رجل ذكى ، وانا ساحاول ان لم استطع الاجابة عليه، ان افحصه على الاقل مع قرائى ، واناقشهم معه وجها لوجه ، ولو لاقنعهم بالاجابة عليه بانفسهم .
ان جيراننا الانجليز قد نجحوا تماما فى انشاء قسم خاص بذلك فى الادب سموه تواضعا بالمقال ، وانه لحق ، اننا حين نكتب عن هذه المواضيع فانه يجب ان نتحدث عنها فى هدوء ، حتى نضمن لانفسنا وللاخرين حسن الاصغاء .
ان الكلاسيكى فى التعريف الدارج هو المؤلف القديم الذى تمجد بالاعجاب ، وكان اسلوبا خاص بذاته ، وكلمة كلاسيك استعملت لاول مرة عند الرومان ، فاسم الكلاسيكيين لم يطلق على جميع طبقات المواطنين ، بل فقط على الطبقة المهمة اصحاب الدخل الثابت الذى لم يكن يقل عن مبلغ معلوم ، اما اولئك الذين كان يقل دخلهم عن ذلك المبلغ فكان يطلق عليهم انفراكلاس ، اى تحت الطبقة العظيمة ، واستعمل اولس جاليوس كلمة كلاسيكاس وطبقها على الكتاب ، فاصبح يوصف بها الكاتب ان كان من ذوى المكانة والشهرة ، حتى لا يضيع وسط زحمة البروليتاريا.
وعرف اول قاموس للاكاديمية 1694 الكاتب الكلاسيكى بانه الكاتب القديم الذى يستحسن الكثيرون اسلوبه،ويكون ثقة فى الموضوع الذى يتناوله ، ثم يضيق قاموس الاكاديمية سنة 1835 التعريف ويصف الكتاب الكلاسيكيون بانهم الذين اصبحوا نماذج فى اى لغة كانت.
والكلاسيكى الحقيقى كما اريد ان اسمعه يعرف (يضم الياء ) هو مؤلف اثرى العقل الانسانى ، وزاد من كنوزه ، وجعله يتقدم خطوة للامام ، هو من كشف عن صدق اخلاقى ، او رفع الغطاء عن عاطفة او انفعال خالد ، هو الذى يعبر عن فكرته او ملاحظته او اكتشافه فى اى صورة من الصور ، بشرط ان تكون الصورة واسعة وعظيمة ، مهذبة وعاقلة ، حكيمة وجميلة فى نفسها ، هو الذى يتحدث الى الجميع باسلوبه الخاص ، الذى يرى فيه الناس اسلوبا للعالم باجمعه ، اسوبا جديدا بلا كلمات جديدة ، اسلوبا جديدا وقديما ، يعاصر الازمان جميعا فى يسر.
مثال- مولييراكبر واكمل شاعر عبقرى عرفناه فى فرنسا قال فيه جوته ملك النقاد
" ان موليير قد بلغ من العظمة الحد الذى يذهلنا فيه – من جديد- فى كل مرة نقرأه فيها ، انه رجل وحده ، ومسرحياته تقرب من المأسى ، ولا يجروء احد على محاولة تقليده ، ان روايته " البخيل " حيث تدمر الرزيلة كل عاطفة بين الابن وابيه ، هى عمل من ارفع الاعمال ، وعمل درامى من الطراز الاول ، ان كل حركة فى الدراما يجب ان تكون مهمة فى ذاتها ، فما اروع الفصل الاول فيها كقطعة للكشف عن الاحداث ، فمنذ البدء ، نجد ان لكل شيىء معنى هاما ، يتسبب فى توقعنا لشيىء اكثر اهمية ، اننى اقرأ كل عام رواية لموليير ، تماما كما اتأمل بين الحين والحين – حفريات فنانى ايطاليا العظماء".

ان رجلا يدعى هوميروس هو ابو العالم الكلاسيكى ، وهو تعبير واسع ورحيب - يشمل حقبة باكملها وحضارة نصف بربرية ، ولكى يصبح هذا الرجل كلاسيكيا حقيقيا ، كان من الضرورى ان ينسب اليه تصميم ، وخطة ، واختراع ادبى ، وصفات اثينية دقيقة وادعة ، وهى اشياء لم يكن يحلم بها فى التطور الدافق لحيويته

وحين نصل الى العالم الحديث ماذا سيكون الامر؟
هل سيكون شكسبير مثلا كلاسيكيا ؟ نعم انه كذلك الان فى انجلترا وفى العالم ، ولكنه لم يكن يعتبر كذلك ايام بوب ، فقد كان بوب واصدقائه هم الكلاسيكيون العظماء الوحيدون ، وبعد موتهم مباشرة بدا انهم سيظلون كذلك الى الابد ، وهم لا يزالون فى الوقت الحاضر من الكلاسيكيون ، كما يستحقوا ان يكونوا ، ولكنهم كلاسيكيون من الدرجة نكتب ، ولنعش، يا عزيزى هوراس --- لقد عشت اكثر منك ، ولكن اشعارى لن تعيش طويلا كما عاشت اشعارك ، ولكنى على حافة القبر ، سأجعل شغلى الشاغل ، ان اتابع دروس فلسفتك ، وان احتقر الموت فى استمتاعى بالحياة ، وان اقرأ كتاباتك الفياضة بالسحر والعقل والوعى ، وسيكون ذلك كما لو كنت ارشف من نبيذ معتق يبعث على الدفء والحياة فى حواسى .
الثانية فقط ، والان قد ابعدوا الى المكان الذى يستحقه، ذلك الرجل الذى احتل المكان الذى يليق به فى قمة الافق " شكسبير".

ان دانتى وشكسبير وملتون اصحاب العبقرية الصادقة قد استطاعوا الوصول الى القمة التى يستهدفونها ، وان ينتجوا اعمالهم الخالدة رغما عن العقبات والشدائد والعواصف .

ولم يكن فى فرنسا ، قبل عصر لويس الرابع عشر ، احد من الكلاسيكين الكبار ، وكانت تفتقد اولئك الثقات الباكرين ، من امثال دانتى وشكسبير ، الذين يرجع اليهم الناس دائما ، ان عاجلا او اجلا.

فى ايام التحرر، هناك فقط ، مجرد (اسكتشات) لشعراء عظام ، مثل ماتيوان رينير ، ورابليه دون اى مثل عليا ، ودون ذلك العمق فى العاطفة ، او الجدية التى ترفع اصحابها الى مكانة القداسة ، وكان مونتينى كلاسيكيا من النوع الذى خرج علينا قبل زمنه
المناسب ، وهو ينتمى الى اسرة هوارس ، وحين افتقد البيئة الصالحة ، اطلق العنان لخياله الجامح فى اسلوبه .

ولذلك فقد حدث ان فرنسا اقل من اى امة اخرى – قد وجدت فيما اتيح لها من قدماء المؤلفين ، الحق فى ان تطلب بالحاح شديد الحرية الادبية والانطلاق فى وقت معين ، وحين تحررت كان اصعب عليها من غيرها ان تظل كلاسيكية ، ومع ذلك ف بوجود موليير ولافونتين بين كلاسيكيها فى عصرها الادبى المزدهر فانها لم تستطع – عدلا – ان ترفض طلبا لاولئك الذين كانوا يملكون القدرة والشجاعة .

وفيما يتعلق بالكلاسيكين تقول مدام دى سفينى – ان اقلهم توقعا فى رأى الناس الى الوصول الى مكان الصدارة ، هم الذين يثبت بعد ذلك انهم الاروع والاعظم ، ، كان موليير اقل الكلاسيكين شأنا من بين اربعة الشعراء الكبار فى عهد لويس الرابع عشر ، فكان الناس يصفقون له كثير اكثر مما يحترمونه ، وكانوا يستمتعون به دون ان يفهموا مكانته ، وكان لافونتين اقل الكلاسيكين بعده ، انظر ماذا كانت النتيجة بعد قرنين بالنسبة لكليهما ، انهما باجماع الاراء يمتلكان الخصائص الاولى فى السمو للاخلاقيات الشاملة ، وانهم يتفوقان فى ذلك تفوقا كبيرا على بوالو ، وحتى على راسين.

ولكن لماذا نتحدث دائما عن المؤلفين والكتابة ؟ لربما يجىء عصر تنقطع فيه الكتابة ، سعيدون هم من يقرأون ، ويعاودون القراءة ، من يستطيعون فى قراءتهم – ان ينطلقوا وراء ميولهم دون قيد والى ابعد الحدود.
وسنقول لانفسنا هذه السطور الجميلة مع فولتير:

لنستمتع ، ول
والحق انه وان كان هوراس او غيره هو الكاتب الذى نفضله ، او يعكس افكارنا فى ثراء نضجها ، فاننا سنطلب اللقاء فى كل لحظة مع اى من هذه العقول القديمة الممتازة ، سنطلب تلك الصداقة التى لا تعرف الخديعة قط ، والتى لايمكن ان نفتقدها وقت الحاجة اليها ، والا فمن اين نلتمس ذلك الاحساس بالوداعة والصفاء والاستقرار والذى كثيرا ما نحتاجه، لنضع علاقاتنا مع انفسنا وسائر البشر فى المكان السليم
حديث الاثنين – الجزء الثالث سنة 1850
والى مقال قادم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي