الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبل المشروعات القومية بوصفها قاطرة للتنمية في الوطن العربي (1/2 )

حسن خليل غريب

2020 / 12 / 21
الصناعة والزراعة


دراسة قدمت في مؤتمر(المشروعات القومية ودورها الاجتماعي في تنمية المجتمع العربي) الذي نظمته جامعة بورسعيد في العام 2017
(الحلقة الأولى)
(1/ 2)
خطة البحث
-أولاً: تعريف المصطلحات:
-ثانياً: تمهيد في مفهوم التنمية:
-ثالثاً: موقع التنمية في المشاريع الرأسمالية:
-رابعاً: تكامل مجموعة من العوامل والأدوار لإنجاح التنمية الوطنية:
1-دور الدولة:
2-دور المجتمع:
3-دور الرأسمالية الوطنية:
-خامساً: العلاقة بين التنمية الوطنية والتنمية القومية:
1-تكامل الاقتصاديات الوطنية حافز لإنتاجية قومية منافسة:
2-دور الرأسمالية القومية:
3-مجموع الإمكانيات القومية تدعم المشروعات القومية المشتركة:
-سادساً: في نتائج البحث: التنمية القومية حاضنة أساسية للمشروعات الوطنية.

موجز البحث الذي قُدِّم أمام المؤتمر:
واجهتني في البداية صعوبة التمييز بين المشروعات التي تُنفَّذ في قطر عربي واحد، والمشروعات التي تُنفَّذ بين قطرين عربيين أو أكثر. وللالتباس في فهم المصطلحين أقترحت توحيد المصطلحات لتكون موحدَّة على المستوى القومي العربي، فاقترحت أن تُسمى الأولى بـ(المشروعات الوطنية)، وأن تسمى الثانية بـ(المشروعات القومية).
وكذلك، اعتمدت في دراستي على أن للتنمية الوطنية والقومية مفهوماً متكاملاً يرفد أحدهما الآخر. وكمدخل منهجي لدراستي الموضوعة بين أيديكم، فقد انطلقت من مبدأين اثنين:
-المبدأ الأول: ترابط المشروعات الوطنية والمشروعات القومية، وذلك عائد إلى تكامل الاقتصاد العربي. والاستفادة من اتفاقيات المجالس الاقتصادية العربية، ومنها خاصة وبشكل رئيس، تلك التي وُقِّعت في مرحلة الستينيات من القرن العشرين، أي مرحلة الصعود القومي العربي.
-المبدأ الثاني: الترابط الوثيق بين التحرر السياسي والتحرير الاقتصادي، فهو عامل ضروري، لا بُدَّ من أخذه بعين الاعتبار في كل مشروع تنموي.
وإذا كان المبدأ الأول غني بالوثائق لغنى التُراث الموجود في مكتبة جامعة الدول العربية. فيبقى المبدأ الثاني الذي أوليته بعض العناية، لأنه لم يأخذ حتى الآن الاهتمام الكافي. وعنه، عملت على الكشف بإيجاز عن خطورته وأدرجته تحت عنوان (المشروعات التنموية العربية في منظار الدول الرأسمالية).
وعن هذا الجانب، برهنت الوثائق التاريخية التي وُضعت منذ بداية القرن العشرين، على أن التنمية في الوطن العربي عدو لدود للمصالح الاستعمارية والصهيونية. وقد أشرت باختصار إلى مقررات مؤمر كامبل بانرمان التي وُضعت بين العامين (1905 و1907). لقد نصَّت المقررات على تنفيذ هدفين استراتيجيين، الأول سياسي، والثاني اجتماعي – اقتصادي، وهما: منع الوحدة السياسية بين أقطار الوطن العربي. وتعميم الجهل والأمية في المجتمع العربي، وخاصة في مجال المعارف التكنولوجية.
ولأن اتفاقية سايكس – بيكو في العام 1917، بتقسيماتها الجغرافية السياسية، لم تُفلح في تنفيذ هدف التقسيم، بعد انتشار المد القومي العربي، خاصة في مصر والعراق وسورية، راحت الدوائر الاستعمارية تعمل على تقسيم الوطن العربي على أسس طائفية، منذ بداية السبعينيات من القرن العشرين، بوضع مشروع الشرق الأوسط الجديد. ذلك المشروع الذي بدأ تنفيذه باحتلال العراق في العام 2003، ولما عرقلت المقاومة العراقية تنفيذه، استكمل على نار حامية منذ مطلع العام 2011. وما زال الوطن العربي يعاني من ويلاته وآثاره المدمرة حتى الآن.
قصدت من وراء ذلك، أن أبرهن على أن التنمية في الوطن العربي ذات وجهين: فني تكنولوجي، وسياسي اقتصادي. فالأول يعني القضاء على الجهل والانتقال من منهج الاستهلاك إلى منهج الإنتاج. والثاني الاستفادة من عوامل التكامل الاقتصادي العربي بما يعني الانفتاح على هدف الوحدة العربية السياسي، ففي الوحدة السياسية تحصين لأهداف التنمية ومشروعاتها. وبناء على هذا يتبيَّن أن ما يربط بين التحرر السياسي والاقتصادي علاقة وثيقة. أحدهما يساعد الآخر، بأنه كلما تحررت الدولة الوطنية من الهيمنة السياسية، ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني، وكلما انجزت أكبر ما يمكن من المشاريع التنموية تنعكس إيجاباً على التحرر السياسي من هيمنة الدول الصناعية الكبرى. وهنا، لو انخرطت الدولة الوطنية في المشروعات التنموية فإنها ستقلِّص رقعة الهيمنة السياسية للرأسمالية الغربية. وكذلك كلما قلَّصت من نفوذها السياسي كلما اتجهت باتجاه تعزيز اقتصادها على أسس علمية تنموية.
وعن ذلك، تقف الدولة الوطنية أمام تحديات كبرى من أهمها وضع العراقيل في وجه المشروعات التنموية، من قبل التحالف الرأسمالي العالمي مدعوماً من قواعد داخلية تتمثل بالقوى الرأسمالية الوطنية، وذلك لتداخل مصالحهما.
سيداتي وسادتي
لمعالجة مشكلة التنمية، فقد درستها من وجهين: الأسباب الداخلية والعوائق الخارجية.
فأما الأسباب الداخلية فتعود إلى بنية العقيدة الاقتصادية للنظام الرسمي الذي ارتضى، بفعل تركيبته الفوقية من رجال أعمال وأصحاب رساميل، ممن حصروا همَّهم بتكديس الثروات، التي تدرها أدوارها كوسائط بين العالم الصناعي المنتج، والأسواق الوطنية التي دورها الاستهلاك.
وأما الأسباب الخارجية، التي دورها وضع عوائق في وجه التنمية، التي غالباً ما تستند إلى التركيبة الفوقية للسلطة، فتتمثَّل بما نصت عليه مقررات مؤتمر كامبل بانرمان بمنع تزويد العرب بوسائل التكنولوجيا لكبح مشروعات التنمية الوطنية، وذلك لمصلحة إنتاج مصانعها. ولذلك انحصرت مهمة التركيبة الفوقية للأنظمة الرسمية بدور الوسيط التجاري. وكانت التركيبة السلطوية، في هكذا وضع، تمثل العائق في وجه المشاريع التنموية. وغياب التنمية يؤدي إلى وقوع المزيد من الإجحاف الاجتماعي بحق الأكثرية العظمى من الشعب. وهذا التقصير يؤدي إلى احتقان وغضب، يؤدي تراكمه إلى حصول الانفجارات الشعبية. ولعلَّ (الحراك الشعبي العربي)، الذي ابتدأ في العام 2011، والذي حمى الله مصر من تداعياته الكارثية التي حصلت في الأقطار العربية الأخرى، يشكل حافزاً أمام الأنظمة الرسمية التي أدرات ظهرها لحقوق الشعب أن تعيد النظر بعقائدها الاقتصادية.
علماً أن مخططات الدول الصناعية استغلَّت حاجة الشعب العربي للعيش الكريم، عاثت بأمن الدول العربية لإحداث المزيد من الفوضى والتخريب. وساعدت على تدمير الدولة العربية لتأخير مشروعات التنمية والحؤول دون أية طموحات وحدوية. شجعت حالة الفوضى لأنها ستعرقل قيام أي استقلال اقتصادي، وطالما أن شركاتها ستتولى إعادة إعمار ما تم تدميره.
أيتها السيدات، أيها السادة
وإنه نتيجة لهذه الحقائق، على الدولة الوطنية أن تولي التنمية الشاملة اهتماماً كاملاً، وتلعب دوراً محورياً في التخطيط والتشريع أولاً، وتعزيز دور المجتمع الوطني في التنمية البشرية والاقتصادية ثانياً، وحثُّ الرأسمالية الوطنية على توظيف رساميلها في مشاريع التنمية ثالثاً.
وأما عن مركزية دور الدولة فلأنها المسؤولة أولاً عن اتخاذ القرارات بتحويل المجتمع من عقيدة الاستهلاك إلى عقيدة التنمية والإنتاج، وإصدار التشريعات اللازمة من قبل المجالس النيابية، والتخطيط للمشروعات التنموية الوطنية من خلال السلطات التنفيذية، وتوفير التمويل اللازم لها.
وعن دور المجتمع باعتبار أن (كل مواطن شريك بالتنمية). وإنه بنجاحها نجاح للمجتمع في الانتقال تدريجياً من موقع التخلف إلى موقع التقدم. وعلى قاعدة (نحن شعب يأكل مما يُنتج)، فالإنتاج تعزيز للدخل الوطني وتعزيز للاقتصاد الذي ينعكس إيجابياً لمصلحة بناء مجتمع متقدم. وإننا نؤكد على ذلك، بما فيه من مكتسبات اقتصادية واجتماعية يعود ريعها لمصلحة أكثر الطبقات حاجة. وما لم تقم الدولة بواجباتها ستكون تلك الطبقات لقمة سائغة أمام الحركات الدينية السياسية التي تستغل قصور الدولة للتحريض ضدها، والعمل على إسقاطها. ولذلك تُعتبر التنمية الشاملة بمثابة العامل الذي يجفف منابع (الإرهاب الداخلي)، الذي من أهم أدواره أن يعمل على تهديم الدولة من دون معرفته كيف يبنيها.
وعن دور الرأسمالية الوطنية على الدولة الوطنية أن تعالج أسباب انكفائها ومخاوفها من الاستثمار في مجالات التنمية، وتوعيتها من مخاطر استمرارها في القيام بدور الوسيط التجاري، بين الخارج الرأسمالي والداخل الوطني. وتحويل عقيدتها إلى عقيدة الإنتاج الوطني لأنها من خلاله تحقق الأرباح على أكثر من صعيد، وخاصة أنها بمشاركتها في المشروعات الوطنية ستوفر المزيد من فرص العمل، وزيادة الدخل لشريحة واسعة من المواطنين، وزيادة دخلها سيعزز الأسواق بالمزيد من المستهلكين. وعن ذلك على الدولة إشراك الرأسمالية الوطنية في مشروعات مشتركة بين القطاعين العام والخاص، مع توفير الضمانات اللازمة التي تزيل مخاوفها، وتنقلها إلى ضفة الإنتاج والتجارة الداخلية.
أيها الحضور الكريم
في ظل تقصير الحكومات العربية عن بناء مشروعات التنمية ستبقي الأبواب مفتوحة أمام التيارات الدينية السياسية لتملأ الفراغ الذي تتركه الدولة. وسيبقى تحريضها قائماً، ومسموعاً لدى شريحة كبرى من الجماهير، تلك الجماهير التي تلجأ حتى إلى تصديق الشعوذات عندما لا تجد من يفسر لها أسباب تخلفها وفقرها.
إن ما قمنا بتقديمه من حقائق ووقائع على صعيد العوائق التي تحول دون تنمية الدولة الوطنية، هو وضع عوائق أمام أية مشروعات تنموية على الصعيد القومي العربي. وإنه ما لم تبدأ الدولة الوطنية بالانتقال إلى عقيدة التنمية والإنتاج، فسوف تكون عاجزة أيضاً عن الانتقال إلى منظومة للإنتاج القومي العربي. وإن التنمية، من خلال المشروعات الوطنية، سيكون حافزاً أساسياً لتلاقي الجهود القومية، وفيه دفع للرأسمالية العربية بأن تتجه نحو توظيف الرأسمال العربي في التنمية الاقتصادية، وهذا بدوره كلما ارتقى خطوة إيجابية إلى الأعلى سيُسهم بشكل متصاعد في نقلة تنموية عربية تنعكس بالإيجابية على المجتمع العربي بكامله.
وهنا، أود الإشارة إلى متغيرات جديدة طرأت على توسيع مصادر الثروة العربية، وهي وقائع ما حصل من اكتشافات جديدة لمنابع الغاز والنفط في حوض البحر الأبيض المتوسط، والتي ستنعم بخيراتها الدول العربية الواقعة على حدوده الشرقية، ومنها مصر ولبنان وسورية. ولأنها تحتاج إلى اهتمام أكثر من مراكز الأبحاث، أقتصر على القول بأنه ليس المهم أن تمتلك ثروة، بل المهم أن تعرف كيف تستثمرها. فهل ستتعلم الأقطار الجديدة من دروس الأقطار الأخرى، فتضع الثروة في ميزان التنمية والإنتاج، والنأي عن صرفها في ميادين الاستهلاك؟
وفي الخلاصة،
وإذا كان الاقتصاد الوطني ينمو تصاعدياً في كل أقطار الوطن العربي، على أن يُبنى على قاعدة تخطيط قومي، بالاستفادة من الرأسمال القومي، لدى الدول والأفراد، يعني ذلك تضافر الإمكانيات المالية والأسواق لدى المستثمر العربي، وهذا ما يمكن أن يزرع الاطمئنان في نفوس المستثمرين.
أيها الحضور الكريم
وما يمكن الإشارة إليه في ختام تقديمنا للدراسة، هو أن تلعب الدولة الوطنية دوراً في توفير الضمانات للمتمولين العرب في أن التنمية لن تكون في توزيع ثرواتهم على الفقراء، بل فيها ضمانات لهم لجني الأرباح، وفي الوقت ذاته يفسحون الفرصة لشرائح كبرى من الشعب في الإسهام بالإنتاج وتحسين أوضاعها المادية والاجتماعية. وهذا طبعاً سوف تعزز حاجة السوق لمن يملكون ثمناً للسلعة.
والسلام عليكم ورحمة من الله وبركاته


نص الدراسة كاملاً
أولاً: في توحيد المصطلحات:
توحيد المصطلحات بين (الوطني) و(القومي):
لفتني عنوان المؤتمر باستخدامه مصطلح (المشروعات القومية)، فحسبت بداية أنه يعني المشروعات التي يشارك فيها أكثر من قطر عربي، بينما أكدت مراجعتي لما يعنيه المصطلح الوارد في الدعوة إلى المؤتمر، فوجدت أنها تعني المشاريع التي تنفذ في القطر المصري. ولهذا، نظراً للالتباس الذي يحصل بين مصطلح (وطني) و(قومي) في اللغة العربية، أتمنى على المؤتمر أن يعمل على توحيد المصطلحات في القاموس العربي. وهنا أقترح استخدام (المشروعات الوطنية) التي تتم على مستوى القطر العربي الواحد. واستخدام (المشروعات القومية) لكل ما يتعلق بالمشروعات المشتركة بين أكثر من قطر عربي.
وبناء عليه، تُعتبر التنمية الوطنية خطوة أولى على طريق بناء مشروعات تنموية على الصعيد القومي العربي. وإذ ذاك تزداد أهمية التنمية الوطنية إذا تحوَّلت إلى منهج فعل قومي، وذلك لضخامة العمل التنموي القومي إذا أخذنا بعين الاعتبار التكامل الاقتصادي العربي نظراً للإمكانيات النقدية وكثرة الثروات وتنوعها، واتساع رقعة الأراضي، وكثرة اليد العاملة، واتساع أسواق الاستهلاك.

ثانياً: في تعريف التنمية:
1-مفهوم التنمية على الصعيد الوطني شمولية الأهداف:
التمنية عنصر أساسي للاستقرار والتطور الاجتماعي، وهي عملية تطور شامل أو جزئي مستمر، وتتخذ أشكالاً مختلفة تهدف إلى الرقي بالوضع الإنساني إلى الرفاه والإستقرار والتطور بما يتوافق مع احتياجاته وإمكانياته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وتعتبر وسيلة الإنسان وغايته.
وفي هذا البحث، بالإضافة إلى فوائدها الاقتصادية، تهتم التنمية الشاملة بالتنمية الثقافية الوطنية والقومية، والتنمية البشرية، والفكرية والسياسية والاجتماعية. وبكل ما له علاقة بتحويل الفرد من كونه مستهلكاً إلى فرد منتج في شتى الحقول. ولأن التنمية لو توقفت عند حدود الأهداف الاقتصادية فإنها سوف تتوقف عند مهمة نفعية، تستفيد منها قلة من أصحاب الرساميل فقط من دون أن تشمل إحداث التغيير في البنية الاجتماعية، للانتقال بالمجتمع من صفة المستهلك إلى صفة المنتج، ومن مصاف التخلف إلى مصاف التقدم. ولذلك يجب أن تؤخذ التنمية بمعناها الشامل والمستدام.
وأما التنمية الشاملة، فتُعنى بشؤون تنظيم المجتمع، تبتدئ من التنمية البشرية، أي بناء المواطن تربوياً وتعليمياً ومهنياً. وتمر عبر التنمية الاقتصادية زراعياً وصناعياً. وتصل إلى تأسيس البنى التحتية للخدمات وتكييفها لتتناسب دائماً مع حاجات المجتمع الوطني من جهة، وتسهم في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى. ولأن التنمية الشاملة توفِّر عوامل التنمية المستدامة فإنهما يتكاملان ويخدم أحدهما الآخر.
واستطراداً، نجد تكاملاً بين شتى أنواع التنمية. إذ أنه لا يمكن قيام تنمية اقتصاية في حقل الصناعة أو الزراعة أو التجارة من دون وجود خطط شاملة للتنمية، ومن أولوياتها العوامل التالية:
أ-التنمية البشرية وذلك بتخريج الاختصاصيين في الحقول الإنتاجية والعمال الفنيين لإنجاح العمل الصناعي والزراعي، وما يلحق بهما من مهندسين وإداريين وباحثين في شتى حقول الإنتاج، وهذا يتطلب وجود المدارس والمهنيات والجامعات التي من أهم وظائفها أن تردم الهوة بين حاجة المؤسسات الإنتاجية وطاقة المؤسسات التربوية على تخريج العدد الكافي لإدارة المؤسسات التنموية. وهذا ما قامت على أساسه خطط التنمية البشرية في القطر العراقي، قبل الاحتلال. وما قضية العلماء العراقيين التي أصبحت منتشرة، والذين كانوا هدفاً لسهام كل المشاركين في احتلال العراق، اغتيالاً وإغراءات للهجرة من أجل العمل في الجامعات الأجنبية، سوى الشاهد الأكثر وضوحاً، والأكثر إدانة لدور الدول الرأسمالية في عرقلة التنمية في الوطن العربي. وما السياسة التربوية لقوى الاحتلال، بتهديم الجامعات والمهنيات والأبنية المدرسية، ومنع تطوير ما بقي منها، بنى تحتية ومناهج متخلِّفة للتعليم وإلغاء إلزاميته، سوى أوضح النماذج التي مارسها الاحتلال الأجنبي، الأميركي والإيراني، لتعميم الجهل في المجتمع العراقي. وهو يرسم صورة ما تريده المخططات الأجنبية من قضايا التنمية على شتى أشكالها في المجتمع على امتداد الوطن العربي.
بـ-تنمية المرافق العامة وهي عبارة عن توفير شبكات الطرق ووسائل النقل العامة، والمياه للاستهلاك والري وبناء السدود واستصلاح الأراضي، وتعميم الكهرباء في جميع القرى والدساكر النائية، وطرق الوصول إلى المشروعات الزراعية والصناعية، وتسهيل نقل البضائع بين مصانع الإنتاج وأسواق الاستهلاك. وإذا كانت خطط المرافق العامة، بشكلها التقليدي، تقتصر على الخدمات العامة للمواطنين فإنها تكون معدة للاستهلاك الجماهيري فقط. وستكون بعيدة كل البعد عن المناهج التنموية الإنتاجية. وهنا، وإذا راجعنا المصادر التي نُشرت عن أسس التنمية في العراق، فسوف نجد أن البنى التحتية والمرافق العامة في العراق قد تمَّ إنجازها بناء على قواعد التنمية الشاملة.
جـ-المشروعات الكبرى للتنمية الاقتصادية: إذا اعتبرنا أن أي تنمية، مما ذكرنا، تحتاج لتأسيسها إلى إمكانيات مالية، فستكون المشروعات التنموية الصناعية والزراعية من أهم مصادرها، إذا لم تكن الوحيدة التي تدر تلك الإمكانيات. وإذا اعتبرنا أن الرساميل الوطنية تشكل عاملاً أساسياً في تأسيس تلك المشروعات، ولأنها بحاجة إلى ضمانات تطمئنها، وبعد دراسة التجارب الاشتراكية في العالم، نرى أنها أكَّدت على ضرورة إشراك الرأسمالية الوطنية في المشروعات التنموية. ونتيجة لذلك أصبح مبدأ المشاركة بين القطاعين العام والخاص من المبادئ الاقتصادية الرائجة في أنظمة الدول الحديثة. وتلك الشراكة تقوم على مبدأ الاعتراف بالملكية الخاصة، على شرط أن تضبطها معايير المصلحة الوطنية.
د-تحويل المجتمع إلى مجتمع تنموي: إذا كانت للتنمية ثقافتها الاجتماعية بحيث تصبح منهجاً اجتماعياً، يلعب فيه المجتمع دوراً أساسياً، فنحسب أن لكل فرد في المجتمع دور يمكنه أن يلعبه. وهنا، وبالإضافة إلى رفد المشروعات الكبرى بالعمالة المهنية المتخصصة، فإن للفرد دوره في إنشاء المشاريع الفردية، أي المشروعات التي يقوم بتنفيذها أفراد أو عائلات وذلك بإنشاء مشاريع صغيرة لإنتاج السلع، صناعياً وزراعياً، والتي لاتحتاج إلى رساميل كبيرة. وعن ذلك، ستلعب الدولة دوراً في هذا الحقل، إذ يقع على عاتقها تشجيع تلك المبادرات وتوفير تمويلها بفوائد بسيطة. واستكمالاً لها تقوم الدولة بتشجيع إنشاء التعاونيات التي تجمع إنتاج المشاريع التنموية الصغرى، وتعمل على تسويقه وحمايته.
وبالإجمال، كلما كانت التنمية أكثر اقتراباً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً من قضايا الجماهير، كلما حازت على ثقة الشعب، وتصبح عائداتها لا تصب في مصلحة تراكم الأرباح للرساميل الوطنية فحسب، بل أيضاً سيتم توظيفها لمصلحة تنمية المجتمع بالتدريج التصاعدي.

2-التنمية الوطنية ذات أبعاد قومية:
إذا كانت التنمية مسموحة من قبل الدول الرأسمالية الغربية، وعلى ألاَّ تتجاوز الحدود القطرية، مبنية على قواعد سياسية ترسمها تلك الدول. فإنها إذا تجاوزت هذا السقف إلى أبعاد قومية فهي أشد ما يؤذي مصالحها. فالتنمية الجادة على المستوى القطري يعني إيذاء جزئياً لتلك المصالح، وأما التنمية على الصعيد القومي فيعني إيذاء كلياً. واستناداً إلى ذلك يصبح من حق الشعب العربي، وواجب على الحكومات الرسمية، أن تأخذ التنمية أوسع مجالاتها في القطر الواحد، على أن تكون خططها ذات أبعاد وأعماق قومية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة