الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرمة المال العام

مصطفى الهود

2020 / 12 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


لما حضرت المنية الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز رحمه الله دعا بنيه وكانوا أحد عشر رجلا ليوصيهم ما بعد موته وقد ترك بضعة عشر دينارا وأمر أن يكفن وأن يشترى له موضع بخمسة دنانير وأن يوزع باقي المال على أولاده فأصاب كل واحد منهم ثلاثة أرباع الدينار وليس ثلاثة مليون دولار أو ثلاثة مليارات دولار حيث كان عمر بن عبد العزيز يمثل رئيس دولة حدودها من المشرق الى المغربـ، وقال إن كانوا أولادي صالحين فالله تولى الصالحين وإن كانوا فاسقين لم أترك لهم ما يزيدهم فسوق، هذا نموذج منذ أكثر من ألف ومئتان سنة عن قصة المال العام وكيف كانوا يستخدمونه في الإنفاق والحفاظ عليه من السرقة والنهب وبالتأكيد كانوا اغلب المولاة لديهم مبادئ اعطيه يا لغلام وكان البعض منهم مثل هذا الخليفة الذي اشتهر بالعدل والزهد في المال العام، واليوم أتحدث عن نموذج آخر عرف بالعدالة والزهد الحقيقي والحفاظ على المال العام ألا هو أورنك زيب والذي قال عنه الإمام الطنطاوي (بقية الخلفاء الراشدين) وقد ولد أورنك زيب في الهند عام 1619م حدث كان والده شاه جيهان أحد سلاطين الدولة المغولية الإسلامية والذي عرف إنه بنى مقبرة تاج محل وهي أحد عجائب الدنيا وكان السبب في ذلك إن هذا السلطان الذي عرف بالعدل والأمانة كان يحب زوجته حبا جما وبعد وفاتها حزن عليه حزن شديدا وقام ببناء هذه المقبرة التي كلفت الدولة الكثير من المال العام وخاصة بعدما أصيب بمرض نفسي لترك الحكم وينشغل بالمقبرة مما اضطر ولي العهد ابنه أورنك أن يعزله عن الحكم والذي ازداد أعداء الهند لنيل منه ومن حكمه، واستلم السلطة لتصحيح أخطاء والده ولكي لا يؤدي هذا التبذير بالمال الى خراب الدولة، وكان أورنك زيب منذ طفولته ظهرت عليه سمات الجد والشجاعة وقد تعلم على أيادي العلماء واتخذ من المذهب الشافعي مذهبا له وتعلم الخط واللغة العربية حيث اشتهر بحلاوة خطه وأتقن اللغة العربية والفارسية وغيرها من اللغات المحيطة بالهند، وعندما عزل والده بنا له بيتا كبيرا ووضع له شرفة تطل على قبره زوجته واستطاع من قمع الثورات التي تريد النيل من الإسلام واستلم الحكم في سن الأربعين وبدأ في الحكم الذي اتصف بالعدل والمساوات بين الناس وأول ما بدأ بنفسه حين لم يتقرب من المال العام وحتى إنه لم يكن يستلم راتب شهري من الدولة وكان يعمل على خط القران الكريم وبيعه في السوق ويكسب ماله لغرض المعيشة له ولعائلة، وكان له مبدأ عمل فيه وهو إن المال هو مال الله وان الحاكم هو الوصي عن هذا المال بالحق، وأن يوزع هذا المال على مستحقي فقط وأن يصرف حسب الشريعة الإسلامية ، وقد روي في الحديث ( إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللَّهِ بغيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ) وكان يصف الرسول الكريم نفسه بالقاسم الذي يضع المال حيث أمره الله سبحانه وتعالى ، وقد قام اورنك زيب بأبطال ثمانين نوع من الضرائب حتى اعتبر نموذج في إدارة المال وقد اشتهرت في فترة حكمه بناء المساجد والمدارس والمستشفيات وإصلاح الطريق والأمن والأمان في الدولة، وقد عمل شيء غريب نراه في يومنا هذا حيث كان لا يعطي لعلماء الدين أي راتب إلا طالبه في التأليف والجلوس للدرس وإن فعل ذلك جعله من علماء البلاط حتى لا يأخذ من المال العام إلا بالحق وقد أحسن الصرف والأخذ في مال الدولة ، فأفاض مال الدولة ولم يكن فقير موجود في زمنه في دولة مثل الهند والتي اشتهرت بالفقر، وأصبحت مدينة دلهي حاضرت الدول وكان يرسل المئات من فقراء المسلمين للحج على نفقته الخاص وحيث لم يستطيع الذهاب الى الحج خوفا من الفتن والثورات التي قد تحدث من المتربسين بالهند مثل انكلترا والذي كان معروف عنه إنه لا يكل ولا يمل من قيادة الدولة وكانت مدة حكمه خمسون عاما وقد خضعت له شبه القارة الهندية بالكامل وكان يصوم كل يوم اثنين وخميس وكان يئمّ المصلين بالصلاة وقد أطلقوا عليه البريطانيون بالقديس وكان يجلس الى الشعب في اليوم ثلاثة مرات وعندما جاءته المنية أوصى أن يدفن في أي مقبرة قريبة للمسلمين وأن لا يتعدى ثمن كفنه خمسة روبيات فقط وقد مات عن عمر ناهز التسعين عام 1707لمدة حكم اثنان وخمسين عام اشتهر بالعدل والإنصاف والحفاظ على المال العام وقد تولى أبناؤه الحكم من بعده لكنهم لم يكونوا بالمستوى المعروف مثل والدهم وكان آخر خلفاء شاه بهاء الدين والذي سقطت دولة الخلافة في الهند على يد البريطانيين سنة1857 واستمر الحكم الانكليز لأكثر من قرن ولم يقم الإسلام الى يومنا هذا في الهند، وهنالك منظمة الشفافية الدولية وهي منظمة غير حكومية تأسست في برلين سنة 1993 تراقب الفساد في الجهات الحكومية على مستوى العالم ويقاس الفساد على مستوى القطاع الدولي ويبداء ترتيبها للدول الاقل فساد من رقم واحد الى أكثر الدول بالتصاعد الرقمي لتتخذ الدولة الأقل فسادا هي الدنمارك والأكثر فسادا هي الدول العربية والإسلامية، ما يحزنني في هذا الوضع إلقران الكريم والأحاديث النبوية والسيرة، والعلماء موجودة بيننا ومع هذا الكم الكبير من السرقة للمال العام وأنا أقول السبب في الشعب نفسه الذي تربى على القيم الخاطئة من تعلم سرقة المال الحرام وكذلك غياب القانون وعدم مبالات السراق بالقانون لضعفه وخاصة في العراق بعد الاحتلال لذلك يتطلب من الآباء أولا قبل غيرهم تعليم أولادهم الحلال والحرام وتفعيل دور القانون بشكل كبير عسى أن نكون بهذه الكلمات قد قدمنا نموذجا اختفى من عالمنا العربي والإسلامي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم